Saturday, December 27, 2014

أسعار البترول والاقتصاد المصرى

التغير فى أسعار البترول له آثار متباينة على دول العالم التى يمكن تقسيمها بين رابحين وخاسرين حينما تتغير أسعار البترول. ومصر لا تختلف فى ذلك عن دول العالم، فانخفاض أسعار البترول له آثار عديدة ومتباينة على الاقتصاد المصرى.

يُذكر أن سعر برميل البترول كان يقارب 110 دولار فى بداية العام، لكن الأسعار انهارت فى الأشهر الماضية لما دون 60 دولار للبرميل، خلافا لأغلب التوقعات. ويمكن تفسير ذلك بتراجع النمو العالمى مما خفض الطلب على البترول خاصة من الصين. وانخفاض الطلب قابلته زيادة غير متوقعة فى الإنتاج من العراق وليبيا. كما أن التوسع فى استخراج الغاز الصخرى فى أمريكا قد خفض من حاجتها لاستيراد البترول. كل هذه العوامل أدت بدورها لوجود زيادة فى المعروض مقابل الطلب مؤدية لانخفاض الأسعار.

فى مثل هذه الأحوال عادة ما تقوم الأوبك، منظمة اتحاد الدول المصدرة للبترول، بتخفيض إنتاجها للحفاظ على أسعار البترول. لكن ذلك لم يحدث؛ حتى إن بعض وزراء البترول بدول الخليج صرحوا بعدم التفكير فى خفض الإنتاج حتى وصول سعر البرميل إلى 40 دولار. ويفسر البعض ذلك بحاجة الأوبك للحفاظ على حصتها السوقية، بينما يفسره البعض الآخر بالرغبة فى إفلاس صناعة الغاز الصخرى التى لا تستطيع تحمل الأسعار المنخفضة لفترات طويلة. لكن مع سرعة انهيار الأسعار يبرز التفسير السياسى الذى يعزو الأمر للضغط الأمريكى على بعض دول الأوبك لخفض الأسعار للضغط على إيران وروسيا التى تأثر اقتصادها بشدة حيث فقدت العملة الروسية قرابة نصف قيمتها أمام الدولار، ومن المتوقع أن يشهد الاقتصاد الروسى انكماشا فى العام الحالى مع تصاعد عجز الموازنة.

يتوقع البعض أن تستمر الأسعار فى الانخفاض حتى تقوم الأوبك فى الربيع القادم بخفض الإنتاج لإستعادة الأسعار لمستويات مُرضية، بينما يرى البعض الآخر أن قدرة الأوبك على رفع الأسعار قد تلاشت حيث تمثل الأوبك ثلث الإنتاج العالمى فقط وهو ما يؤدى إلى احتمالية انخفاض الأسعار لفترة ممتدة. ولكن يصعب الترجيح بين أى من وجهات النظر السابقة نظرا لحدة وسرعة الانخفاض فى الأشهر الماضية، فى حين يبقى من المنطقى افتراض بقاء الأسعار على مستويات منخفضة خلال العام القادم مما يؤدى إلى آثار مختلفة على الاقتصاد المصرى يمكن تحديد سبعة أوجه رئيسية لها:

الأول: دعم المواد البترولية: انخفاض أسعار البترول يقلل من الدعم الحكومى للمواد البترولية. ومع قيام الحكومة برفع الدعم جزئيا عن المواد البترولية المختلفة الصيف الماضى، فإن بعض هذه المنتجات أصبح سعرها الحالى مقاربا للسعر العالمى وهو ما سيؤدى إلى تخفيض بند الدعم فى الموازنة وبالتالى خفض عجز الموازنة حيث يصل حجم الوفر لحوالى 50 ــ 70 مليار جنيه، بناء على بعض التقديرات.

الثاني: أرباح وضرائب قطاع البترول: يساهم قطاع البترول فى تمويل إيرادات الموازنة بما يقارب 90 مليار جنيه سنويا سواء من خلال أرباح القطاع أو دفع الضرائب. ومع انخفاض أسعار البترول ستتأثر ربحية قطاع البترول وكذلك حصيلة الضرائب من القطاع وهو ما سيؤثر بشكل سلبى على عجز الموازنة.

الثالث: الدين الحكومى: انخفاض عجز الموازنة سيؤدى إلى تخفيف الاقتراض من البنوك المحلية ولعل ذلك ما دفع وكالة «فيتش» لرفع تصنيف مصر الائتمانى مؤخرا مما سيؤدى إلى خفض سعر الفائدة وبالتالى بند خدمة الدين فى الموازنة بالإضافة إلى فتح الباب للاقتراض الخارجى.

الرابع: الصادرات والواردات البترولية: مصر مستورد صافى للمواد البترولية حيث إن ما تستورده منها أكبر مما تصدره. ومع انخفاض أسعار البترول ستنخفض الواردات بدرجة أكبر من انخفاض الصادرات وبالتالى سينخفض العجز المستديم بين ما يدخل للاقتصاد من دولار وما يخرج منه.

الخامس: السياحة: تأثر القطاع السياحى بشدة منذ الثورة وانخفضت أعداد السائحين بشكل عام إلا أن أعداد السائحين الروسيين شهدت نموا ملحوظا حيث زاد عددهم من 2.4 مليون فى 2013 لقرابة 3 مليون فى 2014. لكن مع انهيار الاقتصاد الروسى فإن أعداد السائحين الروسيين من المتوقع أن تنخفض مما سيؤثر على القطاع بشكل عام ومساهمته فى نمو الاقتصاد، كما أنه سيؤثر سلبا على ما يدخل للاقتصاد من دولار.

السادس: الدعم الخليجي: مع انخفاض أسعار البترول لما دون 60 دولار للبرميل، فإن الدول الخليجية الداعمة لمصر ستواجه عجزا وهو ما دفعها بالفعل لمراجعة ميزانياتها؛ مما سيؤثر على قدرة تلك الدول على دعم الاقتصاد المصرى. بالرغم من غزارة الدعم الخليجى لمصر إلا أن الفترة الأخيرة أوضحت تحول الدعم من مساعدات إلى استثمارات مباشرة تعول عليها الحكومة المصرية الآن. وعلى الرغم من الاحتياطيات المتراكمة فى دول الخليج إلا أن انخفاض إيرادات البترول تزامنا مع تكلفة الحرب على داعش قد تقلل من قدرة دول الخليج على ضخ استثمارات كبيرة فى مصر فى المستقبل القريب. هذا التراجع سيؤدى إلى صعوبة الخروج من الركود الاقتصادى وتحقيق معدلات نمو مرتفعة، بالإضافة إلى تقليل التدفقات الواردة من العملة الصعبة وبالتالى زيادة الضغط على الجنيه.

السابع: تحويلات المصريين بالخارج: شهدت تحويلات المصريين بالخارج زيادة كبيرة عقب الثورة لكنها ما لبثت أن تراجعت فى 2013/2014 ومن المتوقع أن تتراجع التحويلات بشكل أكبر مع انخفاض أسعار البترول ووجود عجز فى دول الخليج؛ وبالتالى أيضا زيادة الضغط على الجنيه.

الخلاصة أن انخفاض أسعار البترول له آثار متباينة على الاقتصاد المصرى حيث من المتوقع أن يكون التأثير إيجابيا على عجز الموازنة، بسبب انخفاض الدعم بدرجة أكبر من انخفاض أرباح وضرائب قطاع البترول، وهو ما سيساعد على السيطرة على الدين الحكومى وتحسين التصنيف الائتمانى. بينما من المتوقع أن يكون التأثير سلبيا على سعر صرف الجنيه، فعلى الرغم من انخفاض صافى الواردات البترولية إلا أن تراجع السياحة وتحويلات المصريين بالخارج والاستثمارت الخليجية سيكون بدرجة أكبر. كما أن تراجع الاستثمارت الخليجية سيؤثر على قدرة الاقتصاد على الخروج من فخ الركود.


عمر الشنيطى
27 -ديسمبر - 2014
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق و موقع CNN  بالعربية"

Saturday, December 13, 2014

عن المخرج من الدائرة المفرغة

بعيدا عن البروباجندا الإعلامية، قد تكون الفترة الأخيرة من أصعب الفترات التى مرت على مصر فى تاريخها المعاصر من حيث تعقيد الوضع العام على مستوياته المختلفة. فى خضم هذا المشهد، يتسائل البعض ما فائدة الحديث عن الاقتصاد؟ وما فائدة النهوض به؟ وهل بالإمكان حدوث نهوض اقتصادى فى ظل هذه الأجواء؟
إن إدارة الدولة لها ثلاثة محاور أساسية: محور سياسى ومحور اقتصادى ومحور اجتماعى، والنهوض بالبلد يتطلب تطوير المحاور الثلاثة. ويهدف المحور السياسى لإيجاد نظام يتيح للمواطنين اختيار من يحكمهم ويتيح للأحزاب المختلفة تبادل السلطة بشكل سلمى ويؤسس لتوازن بين مختلف السلطات. أما المحور الاقتصادى فيهدف لتحقيق معدلات نمو مرتفعة تعمل على خلق فرص عمل فى ظل الحفاظ على مستويات الأسعار. بينما يهدف المحور الإجتماعى لتوزيع الدخل بشكل عادل مع وجود شبكة ضمان اجتماعى توفر الحد الأدنى من الحياة الكريمة للمواطنين. وهذه المحاور الثلاثة تثير العديد من الأسئلة:

أولا: ما العلاقة بين هذه المحاور؟
هذه المحاور شديدة الترابط والتشابك، والتغيير فى أحدها يؤثر على المحورين الآخرين. فالتوجه الاقتصادى الهادف لخفض الدعم من أجل السيطرة على عجز الموازنة والدين الحكومى له أثر اجتماعى كبير، حيث إن ارتفاع أسعار السلع والخدمات الرئيسية يؤدى إلى زيادة معدلات الفقر بشكل كبير. ومع موجات رفع أسعار الطاقة المستقبلية سيزداد الوضع الاجتماعى سوءا، وهو ما قد يتحول إلى اضطرابات سياسية يصعب التكهن بنتائجها. بينما يحدث العكس إذا رفعت الحكومة الدعم والإنفاق الاجتماعى فى الموازنة، فيتحسن الوضع الاجتماعى، ويتم إحراز مكاسب سياسية كبيرة، لكن قد يؤدى ذلك إلى وضع اقتصادى غير مستدام مع ارتفاع عجز الموازنة والدين الحكومى مما يؤدى لاحقا لتقشف أكثر قسوة ووضع اجتماعى حرج.

الثانى: ما الوضع الحالى للمحاور الثلاثة؟
النظر بشكل استراتيجى يوضح وضعا حرجا. فالاقتصاد يمر بفترة من الركود التضخمى يصعب التعامل معه مما قد يتطلب عدة سنوات من السياسة التقشفية وما يتبعها من عبء على الفئات الأكثر فقرا. أما الوضع السياسى فقد يكون فى تراجع أكبر. ومن الجدير بالذكر، أن المستثمرين لا يأبهون للوضع السياسى كثيرا بينما محط اهتمامهم هو الوضع الأمنى. ويمكن الاستدلال بالعقد الذى سبق الثورة، حيث تدفقت الاستثمارت الأجنبية، وكانت مصر محل اهتمام المستثمرين فى المنطقة على الرغم من عدم وجود رؤية سياسية واضحة وطغيان مشروع الثوريث على المشهد إضافة إلى تصاعد الاحتجاجات العمالية.

لذلك فالمشكلة الحقيقية للمستثمرين هى الاضطراب الأمنى، بينما يظل الوضع الاجتماعى هو الأكثر تضررا كالمعتاد من تدهور الوضع السياسى والاقتصادى. أما الأكثر حرجا هو التأثير السلبى لهذا العوامل على بعضها البعض. فتدهور الاقتصاد يؤدى إلى سوء الوضع الاجتماعى ويولد مخاطر سياسية وأمنية، وهو ما يؤدى إلى إحجام المستثمرين، وبالتالى تراجع الاقتصاد، وهو ما بدوره يؤدى إلى تدهور الوضع الاجتماعى، وما يستتبعه من انخفاض القوة الشرائية وبالتالى مزيد من التدهور الاقتصادى وهكذا.

الثالث: هل يمكن تطوير أحد المحاور دون الآخرين؟
قد يبدو وكأننا دخلنا «مغارة على بابا» وأن الخروج منها مستحيلا، لكن هناك مخرجا بالتأكيد. حتى يتسنى الوصول لنهضة شاملة، من الضرورى وصول كل محور إلى حد مقبول من التطور لضمان الاستدامة والتفاعل الإيجابى بين المحاور المختلفة. قد لا يكون المخرج مثاليا بالعمل على تطوير المحاور الثلاثة فى آن واحد، لكن العمل على تطوير أحد المحاور قد يكون له أثر على المحاور الأخرى والصورة الكلية. ولعل العقد الأخير الذى سبق الثورة خير دليل على ذلك. فالاقتصاد استطاع تحقيق معدلات نمو مرتفعة، كان يتباهى بها الوزراء آنذاك، بينما شهد الوضع السياسى والاجتماعى تدهورا ملحوظا حيث ارتفعت معدلات الفقر وزاد عدم استقرار الوضع السياسى مما أدى إلى خروج الناس فى ٢٥ يناير مطالبين بإسقاط النظام. ولذلك فمهما عظم حجم الإنجاز فى أحد الأبعاد دون تطور الأبعاد الأخرى، فإن النظام مهما كانت قوته لن يكون مستداما. لكن من ناحية أخرى، يستطيع أحد المحاور أن يسبق الآخرين.

الرابع: ما أثر إصلاح المحور الاقتصادى على المحاور الأخرى؟
فى وقت يظهر فيه أن المجال السياسى مغلق تحت دعاوى محاربة الإرهاب، قد يكون المحور الأوقع للخروج من الدائرة المفرغة هو المحور الاقتصادى حيث أن تحسن الاقتصاد وما يلحق به من خلق فرص عمل وانخفاض فى معدلات الفقر من المواضيع الأقل خلافا فى المجتمع، وإن اختلف الناس على كيفية تطبيق ذلك. هذا التحسن الاقتصادى والاجتماعى، حتى وإن كان طفيفا وتدريجيا، قد يمثل خطوة فعالة للخروج من الدائرة المفرغة. لكن تحسن الاقتصاد وما يتطلبه من خفض فى عجز الموازنة لن يأتى بدون تكلفة اجتماعية على المدى الكثير، وهو ما على الحكومة أن تنتبه له بتبنى إصلاحات اقتصادية تدريجية مصحوبة بتوسيع شبكة الضمان الاجتماعى من تحويلات نقدية مباشرة وبرامج اجتماعية حتى يتم تقليل الأثر السلبى للإصلاحات الاقتصادية، لكن يظل الحد الأدنى من الاستقرار الأمنى مطلوب لإتاحة المجال لتلك الإصلاحات والتى تستطيع إحداث تحسن اقتصادى يعقبه تحسن اجتماعى يمكن أن يخفف من تدهور الوضع العام.

الخلاصة أن مناقشة الملف الاقتصادى فى حالتنا المعقدة لا تعتبر من باب الرفاهية حيث يمكن للاقتصاد أن يمثل تذكرة الخروج من غياهب التدهور المتسارع. ففى وضع كالذى تمر به مصر يبدو وكأننا دخلنا «مغارة على بابا»، لكن بلا شكل هناك أمل فى الخروج منها بالتركيز على المحور الاقتصادى، الأكثر إتاحة والأقل جدلا، بتنبى إصلاحات اقتصادية تدريجية مصحوبة بتوسيع شبكة الضمان الإجتماعى. وهذا التوجه يستطيع تحسين الوضع الاقتصادى والإجتماعى وهو ما سينعكس بدوره على الجانب السياسى إذا توفر الحد الأدنى من الاستقرار الأمنى، لكن سيظل استدامة هذا التحسن مرهونة بوجود تنمية حقيقية عبر المحاور الثلاثة.




عمر الشنيطى
13 - ديسمبر - 2014
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق و موقع CNN  بالعربية"

Saturday, November 29, 2014

ماذا بعد تراجع الدعم الخليجى للاقتصاد المصرى؟

كانت ثورة ٢٥ يناير بمثابة زلزال للنظام الاقتصادى السائد، حيث تراجعت استثمارات كبار رجال الأعمال وكذلك الاستثمار الأجنبى المباشر. وفى خضم ذلك كان على الحكومة الاستجابة للكثير من المطالب الفئوية مما زاد من عجز الموازنة. ومع انتخاب أول رئيس بعد الثورة٬ واجهت حكومة الدكتور قنديل وضعاً اقتصادياً معقداً وانتهجت سياسة تقشفية لا مفر منها٬ وإن اخلتفت الرؤية فى كيفية تطبيقها٬ لخفض عجز الموازنة والسيطرة على الدين الحكومى. واعتمدت تلك الحكومة على تحفيز القطاع الخاص لتدوير عجلة الاقتصاد٬ كما سعت للاتفاق مع صندوق النقد لاكتساب شهادة ثقة دولية تساعد على جذب الاستثمارت الأجنبية. كما ساعد الدعم الخارجى من قطر وتركيا وليبيا على منع سعر صرف الجنيه من الانهيار.

بعد ٣٠ يونيو٬ كان يفترض أن تقوم حكومة الدكتور الببلاوى بالاستمرار فى سياسة التقشف للسيطرة على العجز. لكن ما حدث هو عكس ذلك٬ حيث ساعدت المساعدت الخليجية السخية من السعودية والإمارات والكويت على انتهاج الحكومة لسياسية توسعية برفع الإنفاق الحكومى لإشعار الناس بالتحسن الاقتصادى. وكان لهذه المساعدات أثر كبير فى الدفاع عن سعر صرف الجنيه٬ لكن الكثير من هذه المساعدات تحولت لمشاريع حكومية تحفيزية وتم ترسيتها بالأمر المباشر للمؤسسة العسكرية فى إشارة واضحة لاعتلاء المؤسسة العسكرية عجلة قيادة الاقتصاد. وقد أثار ذلك التوجه الجديد جدلا بين المحللين٬ فمنهم من اعترض عليه واعتبره قتلا بطيئا للقطاع الخاص بينما رآه البعض الآخر ضرورة مرحلية لمساعدة الاقتصاد على التعافى. ولعل التصور المبنى على مشروعات كبيرة تمولها المساعدات الخليجية وتشرف عليها المؤسسة العسكرية كان التصور المعتمد عند الكثير من المحللين.

ومع وصول الرئيس الحالى عبدالفتاح السيسى لسدة الحكم٬ انتظر الجميع التدفق الغزير للدعم الخليجى وإطلاق مشروعات قومية عملاقة كما نوه الرئيس قبل توليه السلطة. وتم بالفعل إطلاق مشروعات عملاقة كقناة السويس الجديدة لكن المليارات الخليجية لم تتدفق وكان على الحكومة اللجوء للتمويل المحلى وتم بالفعل جمع التمويل المطلوب فى وقت قياسى٬ لم يتوقعه حتى أكبر المتفائلين. لكن لم ينته الحديث عن الدعم الخليجى والذى ظل محور كلام الاقتصاديين لأنه ببساطة هو أنبوب الاكسجين للاقتصاد المختنق حتى إن شركات الاستشارات العالمية التى استعانت بها الحكومة أوضحت حاجة الاقتصاد لتدفقات نقدية خارجية من مساعدات واستثمارات بحوالى ١٢٠ مليار دولار خلال ٤ سنوات للخروج من الركود.

وبعد مرور ٦ أشهر على تنصيب الرئيس٬ نجد أن الدعم الخليجى أقل مما كان متوقعاً حيث اقتصر على منحة من الكويت بمليار دولار كوفاء بالتزام سابق وقرض ميسر من الإمارات لتوريد مواد بترولية بقرابة ٩ مليارات دولار. وهذا الدعم مهم لكنه محدود نسبياً. أما عن الاستثمارات المباشرة٬ فقد تم الإعلان عن مؤتمر اقتصادى لكن ظل المؤتمر يؤجل حتى وصل موعده للربيع القادم. وكان التصور السائد أن الإمارات ستغطى ما على مصر دفعه لقطر وكذلك لشركات البترول الأجنبية٬ لكن الواقع جاء مغايراً ولذلك ارتفع الدولار فى السوق الموازية مؤخراً وترسخت الصورة الذهنية الجديدة وهى أنه «علينا أن نعتمد على أنفسنا». وفى ضوء هذا التطور٬ يتبادر للذهن ثلاثة أسئلة رئيسية:

الأول: هل كان تراجع الدعم الخليجى مفاجئاً؟
الأمر لم يكن مفاجئاً بأى حال فمنذ خريف ٢٠١٣ توالت الرسائل والتصريحات على أن الدعم الخليجى لن يستمر وأن على مصر الاعتماد على نفسها لكن هذه التصريحات لم تؤخذ على محمل الجد.

الثانى: هل تراجع الدعم الخليجى سيؤدى إلى مزيد من التدهور الاقتصادي؟
إزالة أنبوب الاكسجين قد يكون له آثار كبيرة على حياة المريض. فالسيطرة على عجز الموازنة ليس أمراً سهلاً وتصاعد العجز يؤدى إلى ارتفاع الدين الحكومى والذى ينتج عنه ارتفاع تكلفة الاقتراض وهو ما سيحتاج لبرنامج تقشفى قاس يزيد من حدة الركود. كما أن تراجع الدعم الخليجى واستمرار الاضطراب الأمنى وما يتبعه من تراجع للسياحة والاستثمارات الاجنبية سيؤدى بدوره لزيادة الضغط على الجنيه ويزيد من حدة التضخم. والركود التضخمى من أصعب الحالات الاقتصادية لكن لا ينبغى تهويله. فمصر ليست الدولة الأولى التى تمر بركود تضخمى وهناك العديد من الدول التى مرت بظروف أكثر قسوة من ذلك ثم عاودت النمو.

الثالث: ما هو المخرج من الوضع الحالى؟
روشتة العلاج ليست معقدة لكنها تحتاج للكثير من الواقعية والإرادة السياسية. ويمكن فى هذا الصدد تحديد عدة ملامح أساسية:
  • بناء صورة أكثر واقعية عن الوضع الاقتصادى الحالى وفرص النمو على المدى القصير.
  • التراجع عن إطلاق المشروعات القومية العملاقة التى تمتص السيولة من السوق بينما تدر عوائد على المدى البعيد.
  • بناء شراكة مع القطاع الخاص وتحفيزه على لعب دور حيوى فى تحريك الاقتصاد بدلاً من مزاحمته.
  • الإسراع فى خفض التكاليف وزيادة الضرائب بشكل موجه٬ لمن يستطيعون تحمل ذلك٬ لسد عجز الموازنة والسيطرة على الدين الحكومى.
  • الإسراع بالاتفاق مع صندوق النقد للحصول على تمويل ميسر وعملة صعبة تدافع عن الجنيه وكذلك تمنح الاقتصاد شهادة ثقة دولية.
  • العمل على تحجيم الواردات غير الأساسية لتقليل الضغط على الجنيه.
  • إدراك أن السياحة والاستثمار الأجنبى مرهونان باستقرار الوضع الأمنى مما يحتاج لإعادة النظر فى استراتيجية إدارة الوضع الداخلى.
  • التعاون اللصيق بين الحكومة ومؤسسات المجتمع المدنى لاحتواء الآثار الاجتماعية للتقشف المالى.

الخلاصة أنه بعد تراجع الدعم الخليجى للاقتصاد المصرى «على ريما أن تعود لعادتها القديمة». فعلى الحكومة العمل على تخفيض عجز الموازنة بشكل أسرع وإعادة ترسيم الملعب الاقتصادى مع القطاع الخاص لتحريك الاقتصاد وكذلك الاتفاق على قرض صندوق النقد لجذب الاستثمارات الأجنبية. لكن سيظل المشهد الاقتصادى أسيراً للتوجه السياسى والذى يحتاج للمصالحة والتهدئة السياسية أكثر من حاجته للحروب والاضطرابات الداخلية والتى لا يعلم نهايتها إلا الله، بينما تزيد من حدة الأزمة الاقتصادية وتقلل من فرص التعافى.


عمر الشنيطى
29 - نوفمبر - 2014
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق" و "موقع CNN  بالعربية" و "مدونات مباشر"

Sunday, November 16, 2014

عن علاقة الاقتصاد بحياة الناس ومدى بؤسهم

الوضع الاقتصادى وما يرتبط به من أخبار ومؤشرات كلية ليس محل اهتمام للكثير من الناس. وهذه الظاهرة ليست مقتصرة على مصر، لكنها قد تكون أكثر حدة فى مصر مقارنة بالدول الغربية. ولعل من أسباب ذلك هو الصورة الذهنية التى تكونت فى أذهان العوام عن الاقتصاديين وعن استخدام الكثير منهم للغة معقدة فى شرح الاقتصاد وكذلك استدلالهم بكمية هائلة من المؤشرات الاقتصادية المحيرة، والتى قد تكون متضاربة فى بعض الأحوال. بالإضافة لذلك، يختلف الاقتصاديون بين بعضهم البعض فى الكثير من القضايا الأساسية نظرا لاختلاف انحيازتهم مما يحير عوام الناس. كما أن بعض الاقتصاديين قد يعمدوا على توظيف المؤشرات الاقتصادية لخدمة أهداف سياسية سواء بتهوين خطورة الوضع الاقتصادى لدعم النظام أو تهويله فى حالة معارضة النظام.

وعلى الرغم من وجود بعض الاقتصاديين ممن يحافظون على موضوعيتهم فى التحليل فإن هذه الصورة الذهنية السلبية مترسخة بشكل كبير، وما يزيدها عمقا هو عدم ثقة الكثير من الناس فى دقة المؤشرات الاقتصادية التى تنشرها الهيئات الحكومية وغياب الخلفية المطلوبة عن مفاهيم الاقتصاد لدى الكثير من العوام. كما أن هذه الصورة الذهنية أوجدت حاجزا نفسيا لدى معظم الناس وأقنعتهم بعدم جدوى متابعة وضع الاقتصاد ومؤشراته لكونها لا تفيدهم فى شىء ولا تعكس واقع حياتهم اليومية. لكن هل هذا الكلام حقيقى؟

فى الواقع يتأثر الناس بشكل مباشر بالوضع الاقتصادى العام. فنمو الاقتصاد يخلق فرص عمل جديدة، ويساهم فى تحسين مستوى دخل الأفراد، بينما الركود عادة ما يصاحبه تسريح للعمالة وتدهور فى مستوى معيشة الأفراد. كما أن استقرار الأسعار فى السوق تسهل حياة الناس وتضمن لهم الحفاظ على قوتهم الشرائية، بينما فترات التضخم تؤدى إلى تآكل القوة الشرائية وإفقار الأفراد. ولذلك فإن وضع الاقتصاد العام له أثرا مباشرا على حياة الناس ولعل ذلك ما دفع الاقتصادى الأمريكى «آرثر أوكون» لإطلاق ما سماه «مؤشر البؤس» فى الستينيات فى فترة حكم الرئيس «جونسون» بهدف قياس ما يمر به عموم الناس اقتصاديا ومعرفة ما إذا كانوا فى حالة اقتصادية جيدة أم بائسة.

مؤشر البؤس فى أبسط صوره يتم حسابه بجمع معدلات البطالة والتضخم. ويقيس معدل البطالة نسبة من لا يستطيعون الحصول على فرصة عمل مقارنة بإجمالى القوة العاملة فى السوق، بينما يقيس معدل التضخم نسبة الزيادة السنوية فى أسعار سلة من السلع والخدمات الرئيسية فى السوق. وبطبيعة الحال يكره الناس ارتفاع معدلات البطالة والحاجة للجلوس على المقاهى طويلا فى انتظار فرصة عمل، كما يكرهون الارتفاعات الكبيرة والمتكررة فى الأسعار. ولذلك كلما ارتفاع قياس المؤشر، كلما ساءت حالة الناس الاقتصادية وازدادوا بؤسا، حتى وإن حقق الاقتصاد معدلات نمو مرتفعة فى نفس الفترة.

وبالنظر لمؤشر البؤس فى مصر، نجد أنه بدأ الألفية الجديدة (٢٠٠٠) عند مستوى منخفض سجل ١٢٪، لكنه سرعان ما ارتفع ليصل لمتوسط ١٦٪ فى السنوات التالية (٢٠٠٠-٢٠٠٨) حتى الوصول إلى الأزمة المالية العالمية (٢٠٠٨)، والتى كان لها أثر كبير مما دفع المؤشر إلى تسجيل أعلى معدلاته ليتخطى ٢٧٪، ثم ما لبث أن انخفض بعدها ليقارب ٢٠٪ قبل اندلاع ثورة ٢٥ يناير، والتى أدت إلى اضطراب الوضع السياسى وانعكست بالطبع على الوضع الاقتصادى مما أدى إلى ارتفاع المؤشر فى السنوات الثلاث، التى أعقبت الثورة ليقارب ٢٣٪ فى المتوسط، ثم ليسجل فى نهاية يونيو الماضى ٢٣٫٩٪، حيث سجل معدل البطالة ١٣٫٣٪، بينما معدل التضخم ١٠٫٦٪، بناء على الأرقام الرسمية، مما جعل مصر تحتل المركز الخامس عالميا فى ترتيب الدول الأكثر بؤسا، فى دراسة أعدتها «وكالة بلومبرج».

وهذا التطور التاريخى لمؤشر البؤس لا ينبغى المرور عليه مرور الكرام. فحينما كانت الحكومات فى العقد السابق لثورة ٢٥ يناير تتباهى بمعدلات النمو الاقتصادى المذهلة، كان عوام الناس يضجون من تدهور وضعهم الاقتصادى ويؤكدون أن معدلات النمو لا تعكس واقعهم، وهو ما يوضحه مؤشر البؤس الذى تضاعف مستواه فى هذا العقد ليؤكد ما كان يشعر به الناس من معاناة. وحينما يشكو الناس مؤخرا أن الثورة لم تأتِ لهم إلا بمزيد من المعاناة الاقتصادية والتدهور فى حياتهم اليومية، فإن ذلك ليس مبالغا فيه وهو ما يؤكده أيضا ارتفاع مؤشر البؤس فى السنوات الأربع الأخيرة.

بناء على ما سبق، ليس من المنطقى اعتبار أن وضع الاقتصاد ومؤشراته الكلية فى معزل عن حياة الناس. حتى مع شكوك البعض فى مدى دقة الأرقام الرسمية، فإن مقارنة مستوى المؤشرات عبر فترة زمنية ممتدة تستطيع أن تعكس الكثير من التطورات الاقتصادية وما ينتج عنها من أثر على حياة الناس اليومية. وفيما يقبع الاقتصاد المصرى فى حالة من الركود التضخمى، فإن تباطؤ النمو الاقتصادى سينعكس على الإبقاء على معدلات بطالة مرتفعة، بينما التضخم المرتقب، الناتج عن ارتفاع الدولار ورفع أسعار الطاقة، سيؤدى بلا شك لمزيد من الارتفاع فى معدلات التضخم مما يعنى بدوره أن مدى البؤس الذى يعانى منه الناس سيكون على الأرجح فى طريقه للزيادة.

الخلاصة أن الصورة الذهنية السلبية عن الاقتصاد والاقتصاديين قد أفقدت الكثير من الناس الرغبة فى متابعة وضع الاقتصاد، ورسخت لديهم فكرة إانعزال مؤشرات الاقتصاد الكلية عن واقع حياتهم اليومية. لكن هذا الافتراض ليس واقعيا والنظر لتطور «مؤشر البؤس» من مطلع الألفية وحتى الآن يعكس معاناة الناس وتدهور حالتهم حتى وإن تباهت الحكومات بمعدلات النمو الاقتصادى. ولذلك فمن مصلحة عوام الناس متابعة وضع الاقتصاد العام لما لذلك من أثر على حياتهم اليومية. فالمؤشرات الاقتصادية الكلية على الرغم من أنه لا يمكن الاعتماد عليها بالكامل فى تفسير حالة الناس إلا أنها تستطيع أن تشرح الكثير، إذا تم النظر إليها بشكل موضوعى ومتكامل.



عمر الشنيطى
15 - نوفمبر - 2014
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق"

Saturday, November 1, 2014

عن تداعيات التطورات الإقليمية والعالمية على الاقتصاد المصرى

أصبح العالم قرية صغيرة، فما يحدث فى دولة يؤثر على الكثير من الدول الأخرى ويتجلى ذلك بشدة فى حالة الدول الناشئة اقتصاديا مثل مصر. وقد شهدت الأسابيع الأخيرة الكثير من التطورات التى لا يمكن إغفال أثرها على الاقتصاد المصرى. ويبرز فى هذا الإطار ثلاثة تطورات رئيسية.

الأول: الركود فى أوروبا:
كان للأزمة المالية فى 2008 أثر كبير على الاقتصاد العالمى خاصة أوروبا حيث دخل الاقتصاد فى حالة من السبات العميق فتراجعت معدلات النمو وارتفعت البطالة والديون الحكومية فى العديد من الدول الأوروبية. وشهد العام الماضى ظهور دلالات لتعافى الاقتصاد الأوروبى، لكن قد تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن فالنمو الاقتصادى خيب توقعات الكثيرين هذا العام ثم جاء تقرير صندوق النقد الدولى الصادم مطلع الشهر الماضى ليشير إلى ضعف دلالات التعافى الاقتصادى فى أوروبا. وكان لهذه الرؤية المتحفظة أثر بالغ فى تراجع البورصات الأوروبية والعالمية على حد سواء.
الاقتصاد المصرى ليس معزولا عن ذلك، فأوروبا أكبر شريك تجارى لمصر وتباطؤ الاقتصاد الأوروبى سينعكس على تراجع الطلب على الصادرات المصرية وهو ما سيعززه تراجع قيمة اليورو وبالتالى ارتفاع أسعار الصادرات المصرية باليورو. كما أن الشركات الأوروبية خاصة فى مجال البترول تأتى كأكبر المستثمرين فى مصر وتراجع الاقتصاد الأوروبى سيدفعها إلى التقوقع لإعادة هيكلة استثماراتها استعدادا لموجة ركود جديدة مما قد ينعكس على استثماراتها فى مصر. بالإضافة لذلك، فإن الركود فى أوروبا قد ينعكس على تراجع أعداد السائحين الأوروبين القادمين لمصر ويؤخر من تعافى القطاع السياحى. وتراجع النمو الأوروبى والعالمى سيؤدى بالتبعية إلى تباطؤ نمو التجارة العالمية وبالتالى تراجع نمو إيرادات قناة السويس.

الثانى: انخفاض أسعار البترول:
تراجعت أسعار النفط مؤخرا ليصل سعر خام برنت لقرابة 85 دولارا للبرميل بعد أن وصل إلى 110 دولارات فى مطلع العام. وقد أدت سنوات طويلة من ارتفاع الأسعار إلى تراكم فوائض خيالية لدى الدول الخليجية مما ساعدهم على توسيع إنفاقهم وإقبال العديد منهم على لعب أدوار سياسية بارزة إقليميا وكذلك إلى مساعدة روسيا، شديدة الاعتماد على تصدير البترول والغاز، لاستعادة الكثير من نفوذها على الساحة الأوروبية والعالمية. ويرجع الكثير من الخبراء انخفاض الأسعار لتراجع النمو فى أوروبا وما ينتج عنه من انخفاض معدلات الطلب عالميا وكذلك زيادة إنتاج أمريكا من الغاز الصخرى. عادة ما تقوم الأوبك، منظمة اتحاد الدول المصدرة للبترول، بتخفيض إنتاجها فى مثل هذه الحالات للحفاظ على أسعار البترول. لكن ما كان مفاجئا هو قيام العديد من دول الأوبك بزيادة إنتاجها وهو ما دفع الأسعار للمزيد من الانخفاض. وقد فسر بعض الخبراء ذلك بحاجة دول الأوبك للحفاظ على مستويات إيراداتهم والرغبة فى إفلاس صناعة الغاز الصخرى التى لا تستطيع تحمل الأسعار المنخفضة، بينما فسره البعض الآخر بالضغط الأمريكى على بعض دول الأوبك لزيادة الإنتاج وخفض الأسعار للضغط على روسيا وإيران.
ولهذا الانخفاض المفاجئ، والذى قد لا يستمر طويلا، نتائج متباينة على الاقتصاد المصرى. مع تراجع عائدات النفط، تتراجع الفوائض المالية فى الدول الخليجية الداعمة لمصر، والتى يعد النفط المصدر الرئيسى لدخلها، وربما يواجه بعضها عجزا فى حالة انخفاض الأسعار بشكل أكبر وهو ما دفع بعض هذه الدول لمراجعة ميزانياتها. وذلك المنحى سيؤثر على قدرة هذه الدول على دعم الاقتصاد المصرى الذى يطفو بفضل المساعدات الخليجية السخية. من الصعب افتراض توقف المساعدات الخليجية بسبب تراكم الفوائض المالية لسنوات طويلة وكذلك ارتباط هذا الدعم بموقف سياسى فى الأساس، لكن تراجع إيرادات البترول سيقلل من الدعم الخليجى مقارنة بما تعول عليه الحكومة المصرية، كما يتوقع أن يؤدى ذلك لتراجع فرص توظيف المصريين فى الخليج وانخفاض معدلات نمو تحويلات المصريين العاملين فى الخارج.
على صعيد آخر، يؤدى انخفاض أسعار البترول إلى انخفاض فاتورة دعم الطاقة وخفض عجز الموازنة المتصاعد منذ الثورة. وعلى الرغم من أن انخفاض أسعار البترول يؤثر سلبا على روسيا ويقلل من قدرتها على لعب دور كبير كحليف محتمل لمصر إلا أنه من ناحية أخرى يصب فى مصلحة الصين ويجعل السعى لإقامة شراكة اقتصادية معها أمرا بديهيا خاصة أن الاستثمارت الصينية فى مصر لا تتناسب مع حجم الاقتصاد الصينى وفوائضه الخيالية.

الثالث: الحرب على داعش:
أدى ظهور داعش المفاجئ لتدشين حرب عالمية جديدة على الإرهاب بتكوين تحالف دولى يشمل دول خليجية. وكما هو معتاد، فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة ولذلك سيقل اهتمام الخليج بالوضع المصرى بشكل عام مقارنة بالحرب الجديدة. ومن المتوقع أن تتحمل الدول الخليجية فاتورة الحرب الجديدة، كما حدث فى حرب الخليج، وهو ما سيستنفذ جزءا ليس بالقليل من فوائض الخليج وبالتالى يقلل من قدرة الدول الخليجية الحليفة على دعم الاقتصاد المصرى. كما أن غياب الجيش المصرى من التحالف قد يكون إعفاء من مغبة الدخول فى حرب شوارع مع تنظيم شرس، لكنه يأتى على حساب تراجع الأهمية النسبية للدور المصرى من وجهة نظر الدول الخليجية الحليفة والتى كانت خزائنها المفتوحة لمصر بمثابة طوق النجاة للاقتصاد بعد ٣٠ يونيو. ومع ذلك التطور، يستوجب على الحكومة المصرية السعى وراء مصادر تمويل مستدامة من المؤسسات المالية العالمية مثل صندوق النقد الدولى والبنوك التنموية المختلفة.

الخلاصة أن التطورات الأخيرة من الركود فى أوروبا لانخفاض أسعار البترول للحرب على داعش لها تداعيات حرجة ومتباينة على الاقتصاد المصرى مما يستوجب أن تعيد الحكومة النظر فى خطتها الهادفة لإخراج الاقتصاد من دائرة الركود على المدى القصير بدفع معدلات النمو والدفاع عن الجنيه مستعينة بالتدفقات الخارجية سواء من الاستثمارت الأجنبية أوالدعم الخليجى والتى من المتوقع أن تتراجع مقارنة بالتوقعات السابقة مما يزيد من حدة الأزمة ويتطلب فترة أطول للخروج منها. كما يتعين على الحكومة بناء شراكات مستدامة مع المؤسسات المالية العالمية والصين الصاعدة بثبات.




عمر الشنيطى
1 - نوفمبر - 2014
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق"

Sunday, October 19, 2014

التضخم..القنبلة الموقوتة

لا يتوقف الناس فى مصر عن الشكوى من ارتفاع الأسعار ولا ينطبق ذلك على محدودى الدخل بل امتد للطبقات الميسورة. لكن هل هذا الكلام حقيقى؟ للأسف نعم، وهو ما أكده الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء مشيرا إلى ارتفاع معدل التضخم الشهرى فى يوليو الماضى بنسبة ٣٫٣٪ وهو أعلى معدل له منذ منتصف ٢٠٠٨، بسبب رفع أسعار الطاقة، ثم استمر هذا الارتفاع فى شهرى أغسطس وسبتمبر لكن بمعدلات أقل، تقارب ١٪ شهريا.
ودائما ما يُسلط الضوء على التضخم حتى إن البنوك المركزية على مستوى العالم، والمنوطة بإدارة السياسة النقدية للتوزان بين الحد من البطالة والتضخم، دائما ما تضع استقرار الأسعار على رأس أولوياتها فيما يعرف باستهداف التضخم. لكن هل التضخم مهم لهذه الدرجة؟
فى كتابه «مبادئ الاقتصاد»، يشير بين برنانكى، المحافظ السابق للاحتياط الفيدرالى (البنك المركزى الأمريكى) أن تفاقم التضخم شديد الحساسية لما له من عواقب جمة:
الأولى: منظومة الأسعار: يؤدى التضخم إلى اضطراب فى منظومة الأسعار حيث يصبح من الصعب على المنتجين تحديد تكلفتهم بشكل دقيق مما يؤدى إلى تغيرات كبيرة فى مستوى الأسعار.
الثانية: الاحتفاظ بالنقود: حين يرتفع معدل التضخم، يشعر الأفراد بالانخفاض المتوقع فى دخولهم وثرواتهم ولذلك يفضلون التراجع عن الصرف تحسبا للمستقبل مما يؤدى إلى تباطؤ النمو الاقتصادى.
الثالثة: توزيع الدخل: يؤثر التضخم سلبا على أصحاب الدخول الثابتة كأرباح الودائع مما يؤدى إلى فرض ضريبة غير مباشرة على المودعين فى البنوك والتى تقلل قيمة مدخراتهم بمرور الوقت بينما يستفيد من ذلك المقترضين من البنوك الذين تقل قيمة ما عليهم تسديده مستقبلا فيما يمكن وصفه بإعادة توزيع للدخل بين المودعين والمقترضين.
الرابعة: استثمار الشركات: مع ارتفاع معدلات التضخم، يصبح من الصعب على الشركات التخطيط على المدى الطويل لمستوى مبيعاتهم وتكاليفهم وكذلك استثمارتهم مما يؤدى إلى تراجع استثمار الشركات ومن ثم تراجع النمو الاقتصادى.

وبالنظر للحالة المصرية، فإن الاقتصاد يشهد موجة من التضخم كما رصدتها الأرقام الرسمية، لكن هذه الموجة ليست مفاجئة حيث إن الاقتصاد شهد ثلاثة تطورات رئيسية منذ الثورة كفيلة برفع معدلات التضخم:

الأول: أسعار الطاقة:
قامت الحكومة برفع أسعار الطاقة فى مطلع الصيف الماضى لخفض دعم المواد البترولية فى محاولة للسيطرة على عجز الموازنة المتصاعد منذ الثورة، وهو ما انعكس على ارتفاع أسعار مختلف السلع والخدمات.

الثاني: عجز الموازنة:
مع ارتفاع عجز الموازنة، توسعت الحكومة فى الاقتراض المحلى من البنوك والمؤسسات المالية المحلية حيث إن المساعدات الخارجية التى تلقتها مصر فى العامين الماضيين والتى تبدو كبيرة لم تغط إلا جزءا محدودا من العجز. ومع ارتفاع حجم الدين المحلى، والذى قارب إجمالى الناتج المحلى، تدخل البنك المركزى بطباعة النقود واستخدامها لتمويل عجز الموازنة بشراء السندات فى الأساس حيث تضاعف تمويل البنك المركزى للحكومة أربعة مرات وزادت السيولة المحلية أكثر من ٤٠٪ مقارنة بمطلع ٢٠١١، طبقا لأرقام البنك المركزى. ومع ارتفاع السيولة، يصبح المعروض من النقود فى ازدياد أسرع من إنتاج السلع والخدمات مما يؤدى إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات.

الثالث: سعر صرف الدولار:
أدى اتساع الفجوة بين الصادر والوارد للاقتصاد من دولار بعد الثورة إلى زيادة الطلب على الدولار وقد استنزف البنك المركزى مليارات الدولارت للدفاع عن الجنيه، لكن لم يكن أمامه مفرا من تخفيض الجنيه وهو ما انعكس على زيادة أسعار السلع المستوردة، فى ظل اعتماد مصر على استيراد الكثير من السلع الأساسية. ومع خطة الحكومة الهادفة لخفض دعم المواد البترولية تدريجيا على مدى السنوات الثلاث القادمة، فإن الاقتصاد سيشهد موجات تضخم مستقبلية. كما أنه من المتوقع استمرار عجز الموازنة على مستويات مرتفعة لعدة سنوات والحاجة لتمويل الجزء الأكبر منه محليا مما يؤدى إلى توسع البنك المركزى فى تمويل عجز الموازنة بطباعة النقود وبالتالى زيادة التضخم. بالإضافة لذلك، قد تأخذ الفجوة بين الصادر والوارد من دولار فترة ليست بالقصيرة للتلاشى حتى تتعافى السياحة وتعود الاستثمارت الأجنبية بمعدلات مرتفعة مما يعنى استمرار الضغط على سعر صرف الجنيه.

ولعل هذه الأسباب هى ما تجعل توقعات المنتجين المستقبلية للتضخم مرتفعة وتدفعهم لرفع أسعارهم قدر الاستطاعة. لكن قدرة المنتجين على رفع أسعارهم لا توازيها قدرة المستهلكين على امتصاص ارتفاع الأسعار، خاصة محدودى الدخل والذى يشكل التضخم إفقارا مباشرا لقوتهم الشرائية الهزيلة. قد يتحدث البعض عن خروج الفقراء فى «ثورة جياع» ضجرا من سوء الأحوال وقد يشكك البعض فى واقعية ذلك لكن مما لا شك فيه أن استمرار ارتفاع الأسعار يؤدى إلى عدم استقرار سياسى واجتماعى يصعب التكهن بنتائجه.
ومع قدرة البنك المركزى المحدودة على السيطرة على التضخم الناتج عن ارتفاع أسعار الطاقة وسعر صرف الدولار، حيث إنها ارتفاعات فى سعر المنتجات المعروضة وليس مستوى الطلب، وكذلك اضطرار البنك المركزى لتمويل عجز الموازنة بطباعة النقود لعدة سنوات، فعلى الحكومة العمل باستماتة على جذب المساعدات والقروض الخارجية وهو ما سينعكس سريعا على ثبات سعر صرف الدولار وتمويل جزء أكبر من العجز خارجيا وبالتالى خفض توقعات التضخم المستقبلية لتتأثر فى الأساس برفع الدعم اللازم لخفض عجز الموازنة.

الخلاصة أن التضخم شديد الخطورة لما له من آثار اقتصادية واجتماعية عديدة. لكن رفع أسعار الطاقة وتفاقم عجز الموازنة وارتفاع الدولار قد أنتجوا موجة تضخم ملحوظة، بينما البنك المركزى فى موقف لا يحسد عليه لقدرته المحدودة على السيطرة على التضخم الناتج عن رفع أسعار الطاقة وارتفاع الدولار. ولذلك من, الضرورى أن تسعى الحكومة سريعا على استعادة المساعدات والقروض الخارجية بكل السبل لرفع الضغط عن الجنيه وخفض الاقتراض المحلى والحد من طباعة النقود لكبح جماح التضخم وتجنب ما لا يحمد عقباه من آثار اجتماعية وسياسية نتيجة ضجر الناس من ارتفاع الأسعار.



عمر الشنيطى
18 - أكتوبر - 2014
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق" و "موقع CNN  بالعربية"

Saturday, October 4, 2014

المستثمر الخليجى والدراما المصرية

ساهمت الدراما المصرية عبر العقود الأخيرة فى نشر الثقافة المصرية فى منطقة الخليج حتى أصبحت اللهجة المصرية مفهومة بشكل سهل وأصبحت النكات وقفشات الأفلام المصرية محل تكرار من الأشقاء فى الخليج.
لكن الدراما المصرية قد ساهمت فى نقل صورة غير مكتملة للمصريين عن المستثمر الخليجى. فالمتابع عبر العقود الأخيرة يجد أن الدراما المصرية عملت على رسم صورة ذهنية عن المستثمر الخليجى على أنه عجوز شديد الثراء وغير منطقى فى صرف الأموال. كما تشير الصورة التى يرسمها الإعلام المصرى مؤخرا إلى أن المستثمرين الخليجيين من أكبر المستثمرين فى مصر وأنهم ينتظرون فرص الاستثمار فى مصر بفارغ الصبر.

ونظرا لأهمية الدور المرتقب للاستثمارات الخليجية فى السنوات القادمة لانتشال الاقتصاد من الركود، فمن الضرورى رسم صورة صحيحة للمستثمر الخليجى بعيدا عن الصورة الذهنية المضللة. ويمكن فى هذا الصدد التعليق على خمسة ملامح رئيسية للصورة الذهنية السائدة:

أولا: المستثمرون الخليجيون لديهم ثروت طائلة
هذا تصور حقيقى حيث أدت عقود من تصدير البترول إلى تراكم ثروات طائلة فى دول الخليج سواء على مستوى العائلات المالكة أو المؤسسات السيادية أو الشركات العائلية. فعلى الرغم من عدم وجود بيانات دقيقة عن ثروات العائلات المالكة إلا أنه لا يمكن إغفال حجم ثرواتهم خاصة فى ضوء الأخبار المتناثرة عن شراء قصور وشركات ونوادى رياضية فى مختلف أنحاء العالم. كما أن مؤسسات الاستثمار السيادية الخليجية لديها مئات المليارات من الدولارات من عائدات النفط، فجهاز الكويت للاستثمار لديه ما يعادل ٥٠٠ مليار دولار بينما جهاز أبوظبى للاستثمار لديه قرابة تريليون دولار، طبقا لما يتم إعلانه. كما أن الشركات العائلية الخليجية الكبرى تمتد استثماراتها، التى تقدر بعشرات المليارات من الدولارات، عبر العالم.

ثانيا: المستثمرون الخليجيون أكبر المستثمرين فى مصر
على عكس ما يتصوره البعض، فإن المستثمرين الخليجيين ليسوا أكبر المستثمرين فى مصر حيث إن الاستثمارات الأجنبية فى مصر، البالغة ٥٠ مليار دولار فى فترة ٢٠٠٢-٢٠١١، جاء ما يزيد على ٨٠٪ منها من شركات أوروبية أو أمريكية والتى ركزت على قطاع البترول فى الأساس. لكن بعد الاضطرابات السياسية فى السنوات الأخيرة، فإن الاستثمارت الغربية قد تراجعت مقابل التوقع بزيادة الاستثمارت الخليجية خاصة على مستوى المؤسسات السيادية التى يرجع إقبالها لأسباب سياسية فى الأساس.

ثالثا: المستثمرون الخليجيون فى انتظار الاستثمارفى مصر بفارغ الصبر
الاقتصاد المصرى يتميز بعمق الاستهلاك المحلى ووجود فرص استثمارية متنوعة فى قطاعات دفاعية تتحمل الأزمات الاقتصادية مما يجعل الاستثمار فى مصر محل اهتمام دائم للمستثمرين الخليجيين الذين كانت تجاربهم الاستثمارية فى مصر إيجابية فى السنوات التى سبقت ثورة ٢٥ يناير. لكن من ناحية أخرى، فإن المستثمرين الخليجيين الكبار يعرض عليهم يوميا عشرات الاستثمارت المجزية فى كل أنحاء العالم، فى عصر يتسم بالتنافس الشرس بين الدول المختلفة لجذب المستثمرين، ولذلك فإن الاستثمار فى مصر سيخضع للمقارنة مع فرص فى دول أخرى. ومن الضرورى الإشارة إلى الاختلاف بين المؤسسات السيادية والشركات العائلية، فالمؤسسات الخليجية السيادية ومن خلفها العائلات المالكة الحليفة لمصر ستكون أكثر إقبالا على الاستثمار لدعم استقرار النظام فى مصر. أما الشركات العائلية، فإن معيارها الأساسى هو العائد المتوقع على الاستثمار مقابل المخاطر المتوقعة مما يجعل إقبالها أقل مما يروج له، خاصة فى ظل العديد من المشاكل التى تواجهها هذه الشركات فى مصر ولذلك ضمان استثمارها غير واقعى دون حل مشاكلها المعلقة وإعطائها مزايا كبيرة تدفعها على التوسع فى الاستثمار.

رابعا: المستثمرون الخليجيون يضخون كامل استثماراتهم من رءوس أموالهم
المستثمرون الخليجيون شأنهم كغيرهم لا يقومون بتمويل كامل مشروعاتهم من ثرواتهم الخاصة، بل يعملون على تنويع مصادر التمويل بشكل يرفع العائد المتوقع على الاستثمار. ويبرز فى هذا الشأن الاعتماد الكبير على الاقتراض سواء من خلال مؤسسات ائتمان الصادرات الأجنبية، التى تمول المشروعات التى تقوم شركات بلادها بتنفيذها خارجيا، أو من خلال الاقتراض المحلى. ولذلك فإن الاستثمارت الخليجية مرهونة بتحسن الوضع السياسى والأمنى لتشجيع مؤسسات إئتمان الصادرات الأجنبية لتمويل المشروعات الخليجية فى مصر وكذلك مرهونة بتوافر التمويل من البنوك المحلية بفائدة مجزية وهو ما يمثل تحديا كبيرا فى ظل التوسع فى تمويل عجز الموازنة والمشروعات القومية الكبرى عن طريق الاقتراض المحلى.

خامسا: المستثمرون الخليجيون بسطاء فى تفكيرهم وقدراتهم الاستثمارية
ولعل ذلك هو التصور الأكثر سذاجة واستخفافا. فربما لم تسنح الفرصة للأجيال الأولى من المستثمرين الخليجيين للحصول على تعليم جيد أو لتعلم لغات أجنبية، لكن هذا الوضع تغير بشكل ملحوظ فى العقدين الأخيرين. فالأجيال الجديدة فى الخليج سواء فى العائلات الحاكمة أو العائلات التجارية الكبرى أغلبهم تلقوا تعليمهم فى أمريكا أو أوروبا. ومع هذا التغير يأتى انفتاح المؤسسات السيادية والشركات العائلية الخليجية على الاستثمار فى كل أنحاء العالم والاستعانة بمديرين تنفيذيين من جنسيات متعددة وذوى خبرات عالمية وكذلك الاستعانة بشركات استشارات عالمية لمساعدتهم على إدارة استثماراتهم بشكل متميز قد لا تستطيع الشركات المصرية توفيره.

الخلاصة أن الاستثمارات الخليجية من المتوقع أن تلعب دورا كبيرا فى مساعدة الاقتصاد المصرى على الخروج من الركود، لكن الدراما المصرية، على الرغم من نجاحها فى العقود الأخيرة فى نشر الثقافة المصرية فى منطقة الخليج، نشرت صورة ذهنية مضللة فى كثير من ملامحها عن المستثمر الخليجى. فالأجيال الجديدة من المستثمرين الخليجيين أصبحوا أكثر كفاءة فى تمويل استثمارتهم وأكثر انفتاحا على الأسواق العالمية ولديهم مديرون ومستشارون ذوى خبرات عالمية مما يمكنهم من إدارة استثماراتهم الضخمة بشكل فعال ويجعل من الضرورى على من يروج للاستثمار فى مصر رسم صورة ذهنية صحيحة عنهم والعمل على تسوية المشاكل العالقة معهم وتوفير مزايا نسبية جاذبة لدفعهم على التوسع فى الاستثمار فى مصر.


عمر الشنيطى
4 - أكتوبر - 2014
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق"

Saturday, September 20, 2014

جولة فى عقل رجل أعمال

شهدت العقود الأخيرة فى مصر تحولات اقتصادية كبيرة، حيث كانت الدولة تلعب الدور الرئيسى فى تحريك الاقتصاد فى خمسينيات وستينيات القرن الماضى، ثم ما لبث أن تغير ذلك بانفتاح السبعينيات، والذى أعقبه فترة من التأرجح الاقتصادى حتى برز دور القطاع الخاص، وأصبح محوريا بداية من التسعينيات. وقد كان لثورة ٢٥ يناير وما بعدها من اضطرابات أثر بالغ فى زيادة القلق لدى رجال الأعمال والذين فضلوا التراجع والانتظار حتى تستقر الأوضاع، وهو ما انعكس على نسب النمو المتواضعة فى السنوات الثلاث الأخيرة. ومع وصول رئيس ذى شعبية جارفة لسدة الحكم، كان من المفترض أن ينتفض القطاع الخاص ليعاود نموه، لكن قد تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن، حيث إن حالة الترقب لم تنتهِ بعد وهو ما عبر عنه على استحياء العديد من رجال الأعمال البارزين فى مناسبات عديدة. وفى هذا الصدد تبرز العديد من الأسئلة الاستراتيجية التى تجوب فى عقول رجال الأعمال دون إجابات واضحة ومقنعة. ويمكن تلخيص هذه الأسئلة فى سبعة محاور رئيسية:

المحور الأول: الوضع السياسى:
محليا، هل ستحدث تسوية سياسية مع معارضى النظام تؤدى إلى استقرار سياسى وأمنى بشكل مستدام؟ وإذا لم تحدث تسوية، هل من المتوقع أن نشهد أعمال عنف واسعة تتبناها تنظيمات مسلحة؟ وما تأثير أعمال العنف على السياحة والاستثمار الأجنبى المباشر؟ وما أثر هذه الاضطرابات على معدلات النمو والبطالة؟
أما إقليميا، فما هى تداعيات ظهور تنظيمات مسلحة بشكل واسع مثل داعش؟ وما هو أثر الاضطرابات السياسية فى ليبيا؟ وهل ممكن أن تتدخل مصر عسكريا فى الصراع الليبى؟ وهل ممكن أن نتورط فى حرب إقليمية؟ وهل سيكون لذلك مردود اقتصادى إيجابى مثل حرب الخليج أم مردودا سلبيا مثل حرب اليمن؟
المحور الثانى: الطاقة:
ما خطة الحكومة لمواجهة أزمة الطاقة الحادة التى شهدتها مصر مؤخرا، والتى كان لها أثر سلبى كبير على القطاعات المختلفة خاصة الصناعية؟ وهل ستستطيع الحكومة زيادة إنتاج الطاقة بشكل سريع ومتوازٍ مع حجم الاستهلاك المتصاعد؟ وماذا سيكون أثر رفع أسعار الطاقة على الصناعات المختلفة؟ وهل سيؤثر ذلك على تنافسية الصناعات المحلية كثيفة الاستهلاك للطاقة؟
المحور الثالث: دور المؤسسة العسكرية:
ما دور المؤسسة العسكرية فى الاقتصاد؟ وهل التمدد فى الأنشطة الاقتصادية للمؤسسة العسكرية سيستمر أم أن ما يحدث مجرد ظاهرة وقتية؟ ما أثر مزاحمة المؤسسة العسكرية للقطاع الخاص؟ هل يستطيع القطاع الخاص منافسة المؤسسة العسكرية فى السوق؟ وما حجم مشاركة القطاع الخاص فى المشروعات الكثيرة التى تتم ترسيتها بالأمر المباشر من الحكومة للمؤسسة العسكرية؟
المحور الرابع: التعامل مع القطاع الخاص:
هل ستظل النظرة الدفينة من قبل الدولة والقائمين عليها للقطاع الخاص أنه قطاع غير وطنى ويعمل لمصلحته فقط؟ وهل سيظل رجال الأعمال مطالبين بالتبرع للدولة من وقت لآخر دون سابق إنذار؟ وهل هذه التبرعات نوعا من مطالبة رجال الأعمال بتطهير الذات من أخطاء الماضى الأليم؟ وإذا كانت هناك أخطاء ماضية، فلماذا لا يتم تسويتها رسميا وغلق صفحة الماضى بشكل قانونى؟ وإذا كانت الحكومة ترى رجال الأعمال محتكرين، فلماذا لا يتم تفعيل قوانين محاربة الاحتكار بشكل فعال؟ وإذا كانت تراهم مبالغين فى أرباحهم، فلماذا لا يتم زيادة الضرائب حتى تحد الحكومة من أرباح القطاع الخاص بشكل رسمى وواضح؟
المحور الخامس: المشروعات القومية:
هل سيتحول الوضع من الاعتماد على القطاع الخاص لتحريك الاقتصاد إلى الاعتماد على مشروعات قومية عملاقة تطلقها الحكومة بتمويل الأفراد؟ هل يمكن فعلا أن تطلق الحكومة هذا الكم الهائل من المشروعات القومية التى تتحدث عنها فى المستقبل القريب؟ ما أثر تمويل هذه المشروعات على السيولة فى القطاع المصرفى؟ وهل سيجد رجال الأعمال سيولة كافية وبفائدة منطقية لتمويل مشروعاتهم أم أن عليهم أن يدبروا التمويل اللازم من رءوس أموالهم بالكامل؟
المحور السادس: سعر الصرف:
ما مستقبل المساعدات الخليجية وكذلك الاستثمارت المرتقبة؟ ولماذا حدث تباطؤ فى المساعدات الخارجية مؤخرا؟ إلى متى سيصمد سعر صرف الجنيه فى ضوء الفجوة الكبيرة بين مصادر وموارد الاقتصاد من العملة الصعبة؟ وهل ستكون العملة الصعبة متوفرة فى السوق بشكل رسمى بحيث تستطيع الشركات متابعة أعمالها بسلاسة أم أن السوق الموازية للعملة ستتمدد وعلى الشركات التعايش مع ذلك؟
المحور السابع: الضرائب:
مع عجز الموازنة المتصاعد، هل ستلجأ الحكومة لرفع الضرائب بشكل كبير ومفاجئ فى الفترة المقبلة؟ وما أثر ذلك على ربحية الشركات؟ وهل هناك احتمال أن تلجأ الحكومة لفرض ضريبة استثنائية على ثروات رجال الأعمال الكبار؟ وكيف ستتعامل الحكومة مع رجال الأعمال المتأخرين فى السداد أو المعترضين على الضرائب المقدرة؟

الخلاصة أن الاقتصاد المصرى له سمات مميزة، كضخامة الاستهلاك المحلى واتساع القطاع غير الرسمى، تجعله قادرا على تحمل الأزمات الاقتصادية بشكل كبير وتجعل تعافيه أملا دائما. فما أن تستقر الأوضاع لأسابيع قليلة إلا ونسمع عن استثمارات من شركات محلية وكذلك رغبة من شركات أجنيبة للاستثمار فى مصر خاصة فى القطاعات الدفاعية، الأقل تأثرا بالأزمات الاقتصادية، مثل التعليم والصحة والأغذية. لكن هذه الأخبار الإيجابية لا تتحول سريعا لإنجاز على الأرض ولعل السبب فى ذلك هو عدم وضوح المشهد العام سياسيا واقتصاديا، والذى يدفع المستثمرين لتأجيل استثماراتهم حتى تتضح الرؤية مما يجعل من الضرورى إسراع الحكومة بتقديم إجابات واضحة ومقنعة على الأسئلة الكثيرة التى تراودهم. كما يجب استيعاب أن النمو المنشود من المشروعات القومية العملاقة، شديدة المخاطرة، قد يصاحبه تراجع من القطاع الخاص ومن ثم إبقاء الاقتصاد فى غياهب الركود، إذا ظلت هذه الأسئلة الإستراتيجية طويلا دون إجابات.




عمر الشنيطى

20 - سبتمبر - 2014
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق" و "موقع CNN  بالعربية"

Egypt and its FDI prospects

No doubt that Egypt has witnessed very rough years since the 25 January Revolution. The economy has been brought to its knees, and now faces stagnation. Growth has stopped at 2% since the revolution, and the government budget deficit scored record levels. Tourism and Foreign Direct Investment (FDI), key sources for foreign currency, have seriously retreated, causing a spike in the balance of payments deficit, thus, putting a huge pressure on the Egyptian pound.
Right after the revolution, Egypt depended on local financing to cover the budget deficit and the accumulated FX (Foreign Currency) reserves to defend the currency. Yet with the election of the first civilian president, Egypt had to look for external help. It was lucky to receive generous support from Qatar, Turkey and Libya totaling $12bn in grants and soft loans. The same trend continued after 30 June, where Egypt received over $20bn from Saudi Arabia, the United Arab Emirates and Kuwait. Such external help was necessary to prevent the economy from collapse.
With a new president sworn in just three months ago, the ailing economy means the country still needs external support to be able to get out of its stagnation. To help plan this, the government in Abu Dhabi hired two world class consultants to analyse the situation and put a roadmap for economic recovery. The outcome of their analysis, as Reuters published, highlighted the need for a total of $120bn of foreign cash inflows, between debt and FDI, over the coming four years. This influx would get the economy out of stagnation, to grow at 5%.
Out of the $120bn influx, external debt can reach $20bn, with the International Monetary Fund (IMF) a top lender. It is expected to discuss soon a sizable facility of around $5bn as Egypt launched its long awaited subsidies reform programme. An IMF deal will definitely pave the road to more debt from international financial institutions such as the World Bank, as well as European, African and Islamic Development Banks, among others. Such a move would reach close to $20bn over the coming four years.
No doubt an IMF deal will give confidence to international markets and help boast FDI, but $100bn is still quite an ambitious target, especially compared to the historical FDI which recorded a $50bn in total between 2000 and 2010. Around 80% of those FDIs come from European and American companies, which are expected to be conservative about investing in Egypt under the current turbulent situation. The Gulf allies are more likely to invest given their vested interests, with their investments possibly reaching up to $50bn over the coming four to five years as announced by government officials. However, the date of the conference for countries supporting Egypt has still not yet been determined, raising question marks about the ambitious FDI target.
With such importance of FDI, there are some key priorities for the government to consider:
  • Political settlement is critical as it does not make sense to expect much FDI while the country is busy fighting terrorism
  • Expediting an IMF deal along a balanced reform programme is crucial to regain credibility in the international markets
  • Settlement with foreign investors already active in Egypt about pending problems is a pre-requisite, especially with oil and gas companies, the biggest investors in the country
  • An emergency plan to restructure the ailing energy sector is a basic requirement for attracting FDI
  • Adopting a more balanced approach in launching national projects is important as this reflects the sanity of the government
  • Under-promising and over-delivering would be a better approach to running the economic agenda than the overrated media propaganda, which makes foreign investors even more worried
The bottom line is that the road to recovery is long and bumpy, while foreign cash inflows are critical to make it through. Such inflows are not guaranteed and the government has some homework to do to ensure the successful flow of these funds.
Omar El-Shenety
20-September-2014
This Article was published on "Daily News Egypt"

Saturday, September 6, 2014

المشروعات القومية وتكلفة الفرصة البديلة

شهدت الأسابيع الأخيرة الإعلان عن موجة من المشروعات القومية العملاقة يأتى على رأسها:

١- قناة السويس الجديدة وما تشمله من توسيع وتعميق للمجرى الحالى وكذلك حفر تفريعة جديدة موازية وعدة أنفاق تحت القناة. ٢- تطوير إقليم قناة السويس وجعله مركزا لوجستيا وصناعيا. ٣- المثلث الذهبى للتصنيع ويستهدف الاستفادة من الثروات المعدنية فى صحراء مصر الشرقية. ٤- إحياء مشروع توشكى المتعثر والذى تم إطلاقه فى ١٩٩٧. ٥- استصلاح ٤ ملايين فدان زراعى فى سيناء والصعيد لتنمية هذه المناطق وزيادة الحصيلة الزراعية. ٦- مدينة العلمين الجديدة والتى تهدف لإحداث تنمية متكاملة فى منطقة الساحل الشمالى الغربى. ٧- بناء شبكة طرق تبلغ نحو ٣ آلاف كيلو متر تربط المحافظات المختلفة، وتسعى لتطوير حركة النقل والتجارة.

وتوضح المشروعات القومية عزم الدولة على قيادة التنمية وتحريك عجلة الاقتصاد، لكنها تأتى بتكلفة مالية كبيرة مع حجم المشروعات المطروحة، وعلى الرغم من أهمية النظر للتكفلة المالية فإنه من المهم أيضا النظر لما يعرف بتكلفة الفرصة البديلة لهذه المشروعات. فصانع القرار دائما ما تكون لديه خيارات متعددة، مثل إطلاق مشروع قومى جديد أو استكمال مشروع سابق أو تسديد متأخرات على الحكومة أو تطوير قطاع خدمى أو ما خلافه، فاختيار مشروع بعينه يعنى التضحية بمشروع آخر. ولذلك فمن الضرورى الأخذ فى الاعتبار تكلفة الفرصة البديلة للنظر لهذه المشروعات بشكل استراتيجى ومتكامل. وفى هذا الصدد يمكن التركيز على عدة جوانب رئيسية:

أولا: طبيعة المشروعات القومية:
المشروعات القومية كالتى تم إطلاقها طويلة المدى بطبيعة الحال وعادة ما تتم على عدة مراحل حتى تكتمل ويأتى العائد منها متأخرا حيث تحتاج الحكومة لتطوير المناطق الجديدة والاستثمار فى البنية التحتية لعدة سنوات، إن لم تكن عقودا، حتى تصل لمرحلة تتيح للقطاع الخاص الاستثمار والتطوير. وبطبيعة الحال تحتاج هذه المشروعات لمصادر للطاقة، سواء كهرباء أو غازا، لتلبية احتياجات المصانع والمجمعات السكنية الجديدة، ولا يخفى على أحد العجز الذى توجهه مصر فى الطاقة مقارنة بمستويات الاستهلاك الحالية.

ثانيا: التجارب السابقة والدراسات الغائبة:
مصر ليست حديثة عهد بالمشروعات القومية وتجاربها فى هذا الصدد شديدة التباين، فمنها ما نجح كالسد العالى، ومنها ما دون ذلك كتوشكى، والذى لم يحقق المستهدف منه باستصلاح ٦٠٠ ألف فدان على الرغم من مرور ١٧ عاما على تدشين المشروع مما يوضح أن الواقع فى بعض هذه المشروعات قد يكون مغايرا عن الدراسات المبدئية. ومع حجم المعلومات الضئيل الذى يتم تداوله، والذى يشير إلى عدم وجود دراسات كافية عن هذه المشروعات، فإن مخاطرة هذه المشروعات شديدة الارتفاع وعائدها المتوقع تحوطه علامات استفهام كبيرة.

ثالثا: التمويل والقطاع المصرفى:
تتسم المشروعات القومية الكبرى بميزانية تطويرها الضخمة مما يجعل من الصعب تمويلها حاليا من داخل موزانة الحكومة التى تعانى عجزا متصاعدا منذ الثورة مما يدفع لتمويلها خارج الموازنة، كما هو الحال فى طرح شهادات استثمار قناة السويس الجديدة والتى تسعى لجمع ٦٠ مليار جنيه. وعلى الرغم من أن هذا الرقم يمثل نحو ٣٪ من إجمالى أصول القطاع المصرفى فإنه بعد الأخذ فى الاعتبار ما تم توظيفه بالفعل فى السندات الحكومية وتمويل العملاء، فإن الشهادات المطروحة تمثل حوالى ١٤٪ من صافى الأصول غير المستغلة، مما يشير إلى الحجم النسبى الكبير لهذا المشروع، والذى يأتى كطليعة لموجة من المشروعات سيؤدى تمويلها من خلال البنوك المحلية إلى أزمة سيولة حقيقية فى القطاع المصرفى على المدى المتوسط، خاصة مع حاجة القطاع للاستمرار فى تمويل عجز الموازنة. ولذلك فإن مثل هذه المشروعات تضغط بشدة على القطاع المصرفى وتحد من قدرته على تمويل القطاع الخاص الذى يعانى من مزاحمة الدولة له بأشكال متعددة.

رابعا: المشكلات الآنية الطارئة:
تعانى مصر مشكلات هيكلية متصاعدة، يأتى على رأسها مشكلة الطاقة والتى تمثل ضغطا حقيقيا على المصانع التى تعانى من انقطاع الطاقة بشكل دورى. وقد تتراوح خسائر المصنع الواحد للصناعات الثقيلة من نصف مليون إلى مليون جنيه فى الساعة الوحدة لانقطاع الكهرباء، فى حالة الإعلام المبكر. ولعل من أسباب هذه المشكلة هو نقص الوقود اللازم لتشغيل محطات الكهرباء، والذى نتج عن عدم التوسع فى الإنتاج نتيجة تراكم مديونية شركات البترول الأجنبية لدى الهيئة العامة للبترول لما يتخطى ٦ مليارات دولار. ولعله كان من الأولى العمل على تسوية هذه المديونية بأقصى سرعة لاستعادة ثقة هذه الشركات وحثها على التوسع فى الاستكشاف والإنتاج بشكل يقلل من عجز الوقود الحالى. وينطبق نفس الكلام على العمل على تسوية مشاكل المستثمرين الحاليون سواء المحليين أو الأجانب قبل إطلاق مشروعات جديدة لجذب استثمارات جديدة.

الخلاصة أن موجة المشروعات القومية العملاقة التى تم إلاعلان عنها مؤخرا لها تكفلة غير مباشرة، وهى تكلفة الفرصة البديلة الناتجة عن توجيه الموارد الاقتصادية المحدودة للمشروعات الجديدة، طويلة الأجل والمشكوك فى عائدها، على حساب التضحية بحل الكثير من المشكلات الآنية الطارئة، التى تمثل عائقا حقيقيا للأنشطة الاقتصادية القائمة، مما يجعل من الضرورى انتهاج توجه تدريجى فى دراسة وإطلاق هذه المشروعات بشكل يتناسب مع موارد الاقتصاد وأولوياته.


عمر الشنيطى
6 - سبتمبر - 2014
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق"

Thursday, September 4, 2014

Can the poor survive economic reform?

Political change comes with a cost. The economic and social burdens that follow are usually not shared equally. Particular groups may incur a relatively higher burden than the rest of the society. Egypt is an interesting case to consider in this regard.
The decade before the 25 January Revolution saw major policy changes directed towards creating a more open and competitive market. The aim was to attract more foreign direct investment (FDI), which has always been seen as the main route for economic growth.
The decade saw relatively high rates of economic growth, which averaged around five per cent, and even exceeded seven per cent, just before the financial crisis in 2008. But economic growth is only one side of the story. The fruits of this growth were not necessarily shared fairly across the society, in a way that could create economic and social sustainability, as well as political sustainability.
As a result, despite the impressive economic growth of the last decade, people went out into the streets in 2011 to demand bread and social justice, reflecting the economic challenges faced by a significant portion of society. For a comprehensive picture of overall economic performance, one cannot look at the GDP growth rate alone but must include other indicators as well.
The first indicator is the unemployment rate, which measures the percentage of people unemployed within the labour force. This showed slight progress across the last decade, dropping from around 11 per cent in 2000 to around nine per cent in 2010. This was seen as a positive sign, though more had been hoped for in this regard.
The second indicator is the inflation rate, which measures the increase in prices of main goods and services in the market. This averaged around seven per cent across the decade but reached 18 per cent in the wake of the global financial crisis in 2008. Such a high inflation rate affected people’s purchasing power and their real standards of living, with the result that though their nominal income might be increasing, in reality people were getting poorer.
The third indicator is the poverty rate, which measures the percentage of people living below the poverty line. This saw a significant increase, from around 16 per cent in 2000 to around 22 per cent in 2010, which in itself should have been a major source of alarm about the deteriorating economic and social situation of an increasingly large portion of society.
While the 25 January Revolution was an attempt to rectify this unsustainable situation, it marked the beginning of a turbulent political phase that has aggravated the economic situation of underprivileged groups.
Looking at the same set of indicators, one finds that the unemployment rate exceeded 13 per cent earlier this year. This was the result of the slow economic growth that has stagnated at two per cent since the revolution. The poverty rate exceeded 26 per cent in the middle of last year, while the inflation rate, which has remained around 10 per cent since the revolution, has also started to show large increases, based on official monthly data, as a result of higher energy prices.
Such deterioration clearly shows how bad the situation has become for the poor in Egypt. And despite the high hopes of early 2011, the last few years have made it harder for the poor to lead a decent life. This has been aggravated by the government’s adoption of an austerity programme to cut energy subsidies and decrease investment. The government wants to get the budget deficit down to an acceptable level. If the deficit and local debt are brought under control, Egypt will be eligible to receive financing from international institutions.
But government austerity can lead to stagflation, or stagnation plus inflation. If we add to this the debatable move of the Central Bank of Egypt (CBE) to raise interest rates to control inflation, one may draw the conclusion that economic stagnation is inevitable in the short and medium terms. Given the expected future waves of austerity to get the mounting budget deficit under control, stagnation may also stay on the agenda over the long term.
Moreover, despite high hopes of Gulf support, it is becoming clearer by the day that this will mainly take the form of FDI. This will certainly be important, but it will probably be less than what was expected and will be dispersed over a longer period of time than is needed to get the economy out of stagnation in the short term.
Looking at the CBE’s move, many believe that this will also not be effective in curbing inflation, given that this results from higher energy prices and not from increased demand in the economy. As a result, commentators believe that higher interest rates will have only a slight impact on managing inflation, especially given the expected further devaluation of the Egyptian pound as Gulf financial support slows down.
Thus, the larger picture of the economy shows a state of stagflation where one can expect economic growth to stay low, close to two per cent as over the last few years, with the unemployment rate going steadily upwards to reach some 15 per cent in a couple of years. The poverty rate is likely to increase beyond the current levels and may reach the 30 per cent mark by the end of the decade, with inflation continuing to rise and probably settling around 15 to 20 per cent.
What matters now is to work to prevent the situation from getting worse. As for solutions, they are numerous and need to be considered. The government needs to direct a bigger part of the budget, especially from the savings on energy subsidies, to the poor. They can do this by increasing social spending and increasing the coverage and amounts of direct monetary support programmes. Improving healthcare services to the underprivileged and increasing the content and coverage of the food subsidy programme are important areas as well.
Another aspect that needs to be tackled is the role of NGOs, which have been playing a major role in the past decade but have been targeted since the 30 June Revolution. The work of NGOs should not be discounted, especially since they could help to cover gaps in the porous social safety net.
The bottom line is that poorer groups in Egypt have suffered over the last decade, despite the high economic growth. In addition, the political turbulence of the last three years has made the situation for these groups worse. As a result of the current wave of economic reform, the challenges facing the poor may become intolerable. Becoming more aware of this situation and its potential implications for society is a priority that shouldn't be ignored by those in power.
As much as reform is needed in Egypt, it is important to focus on curbing its effects on the poor. National policy should be working towards creating a more homogeneous and fairer society, one where the rich can earn large incomes and the poor can earn a decent living.
Omar El-Shenety
4-September-2014
This Article was published on "Al-Ahram weekly"

Saturday, August 23, 2014

قناة السويس الجديدة: مغامرة قومية لكنها فرصة استثمارية

تعتبر قناة السويس من أهم الممرات الملاحية فى العالم، حيث يمر من خلالها عشر التجارة العالمية، لكنها على الرغم من ذلك لا تدر إلا ٥ مليارات دولار سنويا. ولذلك فتطوير القناة والإقليم المحيط بها يعتبر أمرا بديهيا. وقد تم الإعلان مؤخرا عن بدء مشروع توسيع وتعميق القناة الحالية وكذلك حفر تفريعة جديدة فيما يعرف بمشروع «قناة السويس الجديدة»، والذى من المفترض أن يكون خطوة تمهيدية لتطوير كامل الإقليم. ومن الضرورى النظر للمشروع من زاويتين منفصلتين: الأولى مرتبطة بتقييم المشروع وأثره الكلى، بينما الثانية تتعلق بتحليل جاذبية شهادات الاستثمار المقترحة.

على الصعيد الكلى، هناك علامات استفهام كبيرة حول المشروع وجوانبه المختلفة مما يجعله أشبه ما يكون بمغامرة قومية. ويمكن تحديد ثلاثة جوانب للقلق:
الأول: الجدوى الاقتصادية: تم التصريح بأن المشروع سيضاعف طاقة القناة لاستيعاب السفن العابرة وسيمكن من استقبال أنواع سفن لم تكن تستطيع المرور سابقا، مما يؤدى إلى مضاعفة عدد السفن المارة وزيادة الإيرادات إلى ١٣ مليار دولار فى غضون ٤-٥ سنوات. وبالتأكيد سيؤدى لتعميق وتوسيع القناة الحالية للسماح بمرور سفن ذات مواصفات جديدة على القناة، كما أن شق التفريعة الجديدة سيؤدى إلى تقليل زمن الرحلة مما قد يساعد على رفع رسوم المرور بعض الشىء، لكن من غير المتوقع أن يكون لذلك أثر كبير. كما أنه من الصعب مضاعفة عدد السفن العابرة بمجرد شق تفريعة جديدة لأن عدد السفن العابرة مرتبط بحجم التجارة العالمية فى الأساس والذى لا يتوقع أن يتضاعف فى عدة سنوات.
الثانى: زمن وتكلفة المشروع: كان من المفترض أن يتطلب المشروع خمس سنوات للتنفيذ وقام فريق المشروع بضغطه لثلاث سنوات لكن تم التأكيد على إتمامه فى سنة واحدة يوم إطلاق المشروع. وهذا الضغط الرهيب لفترة التنفيذ يضع علامات استفهام كبيرة حول إمكانية الالتزام بهذا الجدول الزمنى الطموح، كما أنه من المتوقع أن يؤدى إلى زيادة التكلفة النهائية للمشروع مقارنة بالميزانية المبدئية البالغة قرابة ٨ مليارات دولار (٦٠ مليار جنيه) وهو رقم قد يظهر محدودا لكنه يقارب إجمالى الاستثمار الحكومى فى العام المالى الجديد، ولذلك فسوء تقدير تكلفة مثل هذا المشروع قد يكون كارثيا.
الثالث: تمويل المشروع: سيتم تمويل المشروع من خلال شهادات استثمار ستصدرها أربعة بنوك حكومية بالنيابة عن هيئة قناة السويس تستهدف جمع ٦٠ مليار جنيه من الأفراد والمؤسسات المصرية. لكن النظر للاكتتابات السابقة يشير إلى أن شراء الأفراد من المتوقع أن يمثل الجزء الأصغر فى تغطية المبلغ المطلوب. ولذلك سيكون على البنوك المحلية، خاصة الحكومية، تغطية الجزء الأكبر من الشهادات المطروحة. وهذا الهيكل التمويلى سيكون له أثر سلبى على القطاع المصرفى، والذى بلغ إجمالى أصوله ١.٨ تريليونات جنيه يتم توظيف ٧٦٪ منها فى سندات حكومية وتمويل عملاء فى مارس ٢٠١٤، حيث يتوقع أن يقوم الأفراد الراغبون فى شراء الشهادات بفك ودائعهم لدى البنوك مما يؤثر على أصول القطاع، كما أن شراء البنوك للشهادات سيخفض من سيولة القطاع.

لكن على الرغم من كونها مغامرة قومية إلا أن شهادات الاستثمار المقترحة قد تكون فرصة استثمارية جيدة للأفراد لعدة أسباب:
الأول: أداة التمويل: شهادات الاستثمار ستكون مديونية على هيئة قناة السويس ويجب رد قيمتها بصرف النظر عن أداء المشروع الجديد. ولذلك فإن حاملى الشهادات سيتم حمايتهم من خطورة المغامرة والتى ستتحملها بالكامل هيئة قناة السويس والحكومة بالتبعية.
الثانى: الضمان: تبلغ عوائد قناة السويس حاليا ٥ مليارات دولار سنويا وهذا الدخل يعطى الهيئة القدرة على سداد أرباح الشهادات بشكل سلس وكذلك رد قيمة الشهادات فى نهاية المدة أو إعادة تمويلها بأشكال أخرى. كما أن الحكومة أعلنت أنها ستضمن هذه الشهادات فى حالة تعثر الهيئة مما يزيد من الضمانات للمستثمرين.
الثالث: العائد: من المفترض أن تكون الشهادات لخمس سنوات بعائد صافى ١٢٪ على الجنيه ويتم توزيعه ربع سنويا. وهذا العائد أعلى من فائدة ودائع البنوك لنفس المدة والتى تبلغ ٩ــ١٠٪ فى أغلب البنوك خاصة الحكومية وهناك تفسير لذلك. فالحكومة تقوم دوريا بتمويل احتياجاتها المالية بإصدار سندات تبلغ فائدتها الإجمالية ١٤ــ١٥٪ لنفس المدة (١٢٪ بعد الضرائب) وتقوم البنوك بشرائها، مستخدمة الودائع لديها وتحقيق ربح يقارب ٣٪ (الفارق بين صافى فائدة السندات وفائدة الودائع). لكن هيئة قناة السويس ستطرح شهادات استثمار معفاة من الضرائب لاكتتاب الأفراد وبذلك تحقق مكسبا متبادلا، فتقترض الهيئة بأقل من فائدة السندات ويحصل الأفراد على عائد أعلى من فائدة الودائع وهو ما يفسر عائد الشهادات المرتفع. ويظل عائد الشهادات مساويا لصافى فائدة السندات مما يسمح للبنوك بتحقيق نفس الربح على شرائها للشهادات والذى لا مفر منه بالنسبة للبنوك الحكومية.

الخلاصة أن مشروع قناة السويس الجديدة تشوبه علامات استفهام كبيرة مما يجعله مغامرة قومية من الصعب التكهن بنتائجها الآن، لكن على الرغم من ذلك فإن شهادات الاستثمار المقترحة لتمويل المشروع قد تكون فرصة استثمارية جيدة للباحثين عن استثمار آمن وثابت العائد. ويظل المشروع فى حاجة لإعادة نظر متأنية لضمان أن تكون القناة الجديدة «سد عالى» جديدا وليست «توشكى» جديدة.


عمر الشنيطى
23 -  أغسطس - 2014
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق" و "موقع CNN  بالعربية" وموقع "عين العقل"