Saturday, November 23, 2013

السياحة.. واقع وآفاق

تعد مصر واحدة من الوجهات السياحية العالمية لما فيها من آثار متنوعة وشواطئ خلابة وطقس معتدل طوال العام. ولا يخفى على أحد أهمية قطاع السياحة للاقتصاد المصرى ومدى تأثره بالأحداث السياسية التى تمر بها البلاد، لذلك يجب التعرف على طبيعة هذا القطاع وما يعانى منه مؤخرا وكذلك آفاقه المستقبلية.

بالنظر لطبيعة هذا القطاع، نجد أن سياحة الشواطئ تأتى على رأس أنواع السياحة فى مصر خاصة فى منطقة البحر الأحمر وجنوب سيناء والتى تحتل ما يقرب من ٧٠٪ من النشاط السياحى فى مصر. كما تتميز مصر بالسياحة الثقافية والتى تشمل المزارات الأثرية والمتاحف والمساجد المتنوعة التى تشتهر بها مصر وعلى رأسها محافظة الأقصر التى يوجد بها ثلث آثار العالم. هذا بالإضافة إلى وجود أنواع أخرى من السياحة مثل السياحة العلاجية والسياحة الرياضية وسياحة السفارى وغيرها وإن كانت هذه الأنواع لا تمثل نسبة كبيرة من نشاط القطاع.

أما عن آداء القطاع، نجد أن عدد الفنادق والقرى السياحية تخطى ١٤٠٠ قبل ٢٠١١، لكن هذا العدد انخفض مؤخرا لقرابة ١٣٠٠، كما انخفض عدد السائحين القادمين لمصر من ١٤ مليون سائح فى عام ٢٠١٠ الى ما بين ١٠ إلى ١١ مليون سائح سنويا فى العامين الماضيين. يمثل السائحون الأوروبيون ٧٥٪ والسائحون الخليجيون ١٥٪ من إجمالى السائحين. وقد بلغ متوسط عدد الليالى التى يقضيها السائح فى مصر ١٠ ليال فى ٢٠١٠، ولكن شهد هذا العدد تذبذبا فى العامين الماضيين حيث ارتفع إلى ١٤ ليلة ثم انخفض مؤخرا ليصل إلى ٧ ليال. هذا بالإضافة الى انخفاض متوسط ما ينفقه السائح فى الليلة من ٨٥ دولارًا فى ٢٠١٠ ليصل إلى ٦٠ دولارا فى الليلة فى العامين الماضيين.

من الناحية الاقتصادية، انخفضت إيرادات القطاع من ١٣ مليار دولار فى ٢٠١٠ لتتراوح بين ٩ و١٠ مليارت دولار سنويا فى العامين الماضيين. هذا وتساهم إيرادات القطاع المباشرة وغير المباشرة بقرابة ١٤٪ من إجمالى الناتج المحلى. كما شكلت إيرادات القطاع ٢٨٪ من إجمالى الصادرات فى ٢٠١٠، بينما انخفضت هذه النسبة إلى ٢٠٪ فى العامين الماضيين. بالإضافة إلى ذلك، يوفر القطاع بشكل مباشر وغير مباشر ما يزيد على ٣ مليون فرصة عمل وهو ما يمثل ١٢٪ من إجمالى سوق العمل فى مصر.

وقد شهد قطاع السياحة تطورا كبيرا فى العقد الأخير، حيث ارتفع عدد السائحين من ٥٫٥ مليون سائح فى ٢٠٠٠ إلى ١٤ مليون سائح فى ٢٠١٠ فى زيادة ملحوظة ساهمت بشدة فى دفع نمو الناتج المحلى الإجمالى وتوفير الكثير من فرص العمل. لكن مع إندلاع الثورة فى بداية ٢٠١١ وحالة الاضطراب السياسى، شهد القطاع تراجعا كبيرا حيث انخفض عدد السائحين فى ٢٠١١ بنسبة ٢٧٪ مقارنة بالعام السابق ليصل إلى ١٠ ملايين سائح. لكن سريعا ما عاد القطاع للتعافى بعد ٢٠١١، حيث ارتفع عدد السائحين فى النصف الأول من ٢٠١٢ بنسبة ١٥٪ مقارنة بالنصف الأول من ٢٠١١ بعد إجراء انتخابات مجلس الشعب.

وقد أدى تنصيب أول رئيس مدنى منتخب فى منتصف ٢٠١٢ إلى دفع القطاع لمزيد من التعافى، حيث ارتفع عدد السائحين فى العام المالى ٢٠١٢/٢٠١٣ بنسبة ١٠٪ مقارنة بالعام المالى ٢٠١٢/٢٠١١. وعلى الرغم من ذلك النمو إلا أن القطاع لم يسترد عافيته كاملة حيث ظل عدد السائحين فى النصف الأول من ٢٠١٣ أقل بنسبة ٩٪ مقارنة بالنصف الأول من ٢٠١٠. لكن لم يمر وقت كبير حتى تراجع مرة أخرى بعد عزل الرئيس السابق فى يوليو ٢٠١٣، حيث انخفض عدد السائحين فى يوليو ٢٠١٣ بنسبة ٢٥٪ مقارنة بيوليو ٢٠١٢. ومع فض الاعتصامات بالقوة فى أغسطس، شهد القطاع صدمة حقيقية نتج عنها تراجع كبير كما جاء على لسان وزير السياحة الذى أكد أيضا أن القطاع بدأ فى التعافى مرة أخرى بعد أن رفعت عدة دول الحظر عن سفر مواطنيها لمصر فى الأسابيع القليلة الماضية.

هذا وتحتل مصر المركز السادس والعشرين عالميا من حيث عدد السائحين سنويا. وإذا نظرنا لبعض الدول الأخرى، نجد أن دولة مثل فرنسا يزورها ٨١ مليون سائح بإجمالى إيرادات ٦٥ مليار دولار سنويا ودولة مثل إسبانيا يزورها ٥٦ مليون سائح بإجمالى إيرادات ٦٨ مليار دولار سنويا. كما أن مدينة مثل دبى تخطى زائروها ١٠ ملايين سائح فى ٢٠١٢. وهذه الأمثلة تدل على التقصير الكبير فى الاستفادة من قدرات القطاع السياحى فى مصر وقدرة هذا القطاع الهائلة على النمو فى ظل وجود عوامل يصعب توافرها معا لوجهة سياحية. لذلك من الواجب على الحكومة العمل على تطوير قطاع السياحة وترويجه عالميا بشكل يتناسب مع قدرات مصر السياحية.

الخلاصة أن مصر تتمتع بكمية هائلة من الآثار والعديد من الشواطئ بالإضافة إلى جو معتدل طوال العام. ولقطاع السياحة أهمية كبيرة فى الاقتصاد المصرى نظرا لمساهمته فى الناتج المحلى الإجمالى وهو مصدر هام للعملة الصعبة وكذلك توفيره للكثير من فرص العمل. لكن آداء القطاع مرتبط بشدة بالوضع السياسى والأمنى ولذلك شهد تراجعا كبيرة منذ بداية ٢٠١١ بسبب الاضطرابات السياسية مصحوبا بتذبذب كبير صعودا ونزولا بالتزامن مع الأحداث السياسية فى العامين الماضيين. وبمقارنة مصر بوجهات سياحية أخرى عالميا، يتضح عدم الاستفادة الكاملة من قدرات القطاع فى مصر وقدرة هذا القطاع على النمو لأضعاف حجمه الحالى وهو ما يجب أن تتبناه الحكومة كتوجه استراتيجى فى ظل وضع اقتصادى حرج.

عمر الشنيطي
23 نوفمبر 2013
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق"

Saturday, November 9, 2013

لندن والتمويل الإسلامى

فاجأ رئيس الوزراء البريطانى مؤخرا العالم بالإعلان عن عزم الحكومة البريطانية على إصدار صكوك، وبهذا تكون بريطانيا أول دولة غير إسلامية تقوم بإصدار صكوك، وكذلك خطة الحكومة البريطانية لتحويل لندن لمركز عالمى للتمويل الإسلامى جنبا إلى جنب مع دبى وماليزيا. وقد أثار هذا الخبر ردود أفعال متضاربة، لكن هذا التوجه وما سيتبعه يستحق النظر بعمق لقطاع التمويل الإسلامى ودور لندن المستقبلى فيه وما يمكن أن نتعلمه من هذا التطور.

تصدر الحكومات أوراقا مالية للاقتراض من أجل تمويل احتياجاتها وقد يكون هذا الاقترض فى شكل سندات تقليدية أو سندات موافقة لأحكام الشريعة الإسلامية «الصكوك». السندات الحكومية التقليدية تقضى بإصدار أوراق مالية لجمع الأموال مقابل وعد برد أصل المبلغ بعد فترة زمنية محددة بالإضافة لدفع فوائد محددة عليه. يعتبر السند مديونية على الدولة ولكن يعطى للحكومة الحرية فى استخدام الأموال فى سد عجز الموازنة أو تمويل مشروعات أو غيرها، وبما أن السندات تمنح حامليها عوائد محددة دون مخاطرة أو دخول فى عمليات بيع وشراء فهى تعتبر مخالفة لأحكام الشريعة الاسلامية.

أما الصكوك فهى أداة مالية تستطيع من خلالها الحكومة جمع الأموال ولكن للصرف فى مشروعات محددة، ويترتب على ذلك مشاركة الممولين فى الربح والخسارة كالمضاربة أو الإجارة، أو الدخول فى عمليات بيع وشراء وتطوير كالاستصناع أو المرابحة، كما يلزم عدم استخدام الأموال التى تم جمعها لتمويل أنشطة تخالف الشريعة الإسلامية مثل الخمور والمقامرة وغيرها ولذلك تُعتبر الصكوك موافقة لأحكام الشريعة الإسلامية. من ناحية أخرى، إذا كانت من النوع الذى يتطلب المشاركة فى الربح والخسارة، فإن الصكوك لا تُعتبر مديونية على الدولة وهى ميزة كبيرة، خاصة للحكومات التى تعانى من مستوى دين حكومى مرتفع.

على الرغم من وجود اختلافات بين السندات والصكوك من الناحية القانونية والتعاقدية فإن العائد عليهما عادة ما يكون مقاربا وعادة ما يتم تسويقهما بنفس الطريقة ومن خلال نفس القنوات واعتبارهما أدوات تمويل بديلة، وهو ما قد يجعل الكثيرين لا يرون اختلافا حقيقيا بينهما فى التطبيق. وهذه المشكلة لا تقتصر فقط على الصكوك، بل أيضا تشمل البنوك الإسلامية وغيرها من أدوات التمويل الإسلامى. ولعل السبب وراء ذلك هو أن أدوات التمويل الإسلامى لم تظهر إلا فى العقود الأخيرة فى شكل «أسلمة» لأدوات التمويل التقليدى حتى تكون موافقة لأحكام الشريعة الإسلامية.

لكن بالرغم من هذه التحفظات فإن الكثير من المستثمرين المسلمين قد يفضلون أدوات التمويل الإسلامى لكونها متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية وهو ما أدى إلى نمو كبير فى هذا القطاع وخاصة الصكوك. فقد بلغ إجمالى سوق الصكوك العالمية ٣٠٠ مليار دولار بنهاية ٢٠١٢، أصدرت ماليزيا ثلثى هذا الرقم والباقى أغلبيته صدر فى الخليج. وتتوقع التقارير زيادة سوق الصكوك إلى ٩٠٠ مليار دولار بنهاية ٢٠١٧. إضافة إلى نمو قطاع البنوك الإسلامية مؤخرا بنسبة ٥٠٪ أسرع من نمو قطاع البنوك التقليدية. وهذا النمو الكبير يجعل من المتوقع وصول إجمالى الاستثمارات الإسلامية إلى حوالى ١٫٣ تريليون دولار فى ٢٠١٤.

ولعل هذا النمو الملحوظ هو ما جذب انتباه بريطانيا للعب دور محورى فى هذا القطاع الواعد والاستفادة من الثروات المتراكمة فى الدول الإسلامية، خاصة دول الخليج الغنية بالنفط، لتمويل احتياجات بريطانيا فى المستقبل وهو ما عبر عنه رئيس الوزراء البريطانى على صفحته على الإنترنت عن إدراكه أن بريطانيا فى سباق عالمى من أجل مستقبلها الاقتصادى وأن عليها فتح مجالات عمل جديدة مثل التمويل الإسلامى للحفاظ على مكانة لندن كمركز مالى عالمى فى ظل منافسة عالمية شرسة لجذب رءوس الأموال. ومن الجدير بالذكر أن بريطانيا هى أكبر بلد غربى يحوى بنوكا إسلامية. كما أن بها ما يزيد على ١٦ جامعة تمنح درجات الماجستير فى التمويل الإسلامى مما يؤهلها للعب دور محورى فى هذا القطاع.

إذا كانت دولة غربية وعريقة اقتصاديا مثل بريطانيا تدرك حقيقة السباق الاقتصادى العالمى وأهمية تبنى أدوات التمويل الإسلامى بشكل منفتح لجذب رءوس الأموال من الدول الإسلامية ولعب دور محورى فى هذا القطاع الواعد، فمن الأولى أن تتبنى دولة عربية مركزية مثل مصر هذا التوجه.
وهناك العديد من العوامل التى قد تساعد مصر فى هذا الصدد. أولا: تراجع الوضع الاقتصادى العام منذ ٢٠١١ وحاجة مصر لفتح مجالات جديدة تستطيع المنافسة فيها بقوة. ثانيا: وجود طلب محلى على أدوات التمويل الإسلامى بسبب تفضيل البعض التعامل فيها لأسباب دينية. ثالثا: وجود إمكانية كبيرة لنمو هذا القطاع محليا حيث إنه لا يزال قطاعا ناشئا على الرغم من وجود بنوك إسلامية فى مصر منذ فترة طويلة. رابعا: وجود موارد بشرية برزت فى هذا المجال خاصة فى دول الخليج ولديها القدرة على تنمية هذا القطاع فى مصر.

الخلاصة أن قطاع التمويل الإسلامى يختلف عن قطاع التمويل التقليدى فى شكل المعاملات من الناحية القانونية والتعاقدية وإن كانت هذه الاختلافات لا تزال محدودة، فى نظر الكثيرين. ويشهد هذا القطاع مؤخرا نموا ملحوظا مقارنة بقطاع التمويل التقليدى بسبب الطلب المتزايد من العديد من المؤسسات والأفراد فى الدول الإسلامية، وهو ما دفع بريطانيا لإصدار صكوك لتمويل احتياجات الحكومة وكذلك تبنى خطة لتحويل لندن لمركز عالمى للتمويل الإسلامى. ولعل من الأولى أن تتبنى هذا التوجه دولة عربية مركزية كمصر حيث تتوافر فيها العديد من العوامل لنجاح هذا القطاع خاصة فى ظل وضع اقتصادى حرج تحتاج فيه مصر لقطاعات جديدة وواعدة تستطيع التميز فيها.
عمر الشنيطي
9 نوفمبر 2013
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق"