الآن وبعد أن تم تمرير الدستور تستعد البلاد لانتخاب رئيس جديد، حيث يترقب الجميع الوصول لمرحلة من الاستقرار خاصة بعد أن سيطرت المؤسسة العسكرية على الوضع الأمنى وعلى تحديد المسار السياسى. من أهم ما يترقبه العامة تحسن الوضع الاقتصادى من توافر للوظائف وتحسن لمستوى الأسعار، ويغذى هذا الشعور ما يروجه الخبراء عن التحسن المرتقب الذى يشير إليه أيضا الصعود الهيستيرى للبورصة. لكن هناك أسئلة وجودية عن كيفية حدوث ذلك التحسن، سواء فيما يتعلق بدور الحكومة ودور المؤسسة العسكرية وكذلك دور المستثمرين المحليين والأجانب فى دفع عجلة الاقتصاد وأثر ذلك على عامة الشعب.
إذا نظرنا للمشهد الاقتصادى، سنجد أن هناك ستة لاعبين أساسيين فى الساحة:
أولا: الحكومة: فمع تفاقم عجز الموازنة وضيق الحيز المالى المتاح، فإن قدرة الحكومة على إنعاش الاقتصاد ستكون محدودة خاصة مع عدم استدامة الإجراءات الاستثنائية التى تستخدمها الحكومة حاليا من مساعدات خليجية وفك لوديعة حرب الخليج لتمويل سياستها التوسعية. كما أن الحكومة ستواجه معضلة التعامل مع الدعم فى ظل عجز موازنة كبير وتركيز اللاعبين الآخرين على مصالحهم من ناحية والوضع الاقتصادى المتدهور وأثره على الفئات الأكثر فقرا من ناحية أخرى.
ثانيا: المؤسسة العسكرية: قد يصعب تحديد حجمه الفعلى، لكن بالتأكيد لا يمكن الاستهانة بنشاط المؤسسة العسكرية الاقتصادى والذى يمتد عبر قطاعات متنوعة. هذا النشاط محل جدل كبير، لكن ليس الهدف من هذا المقال الخوض فيه، ومما لا شك فيه أنه سيلعب دورا كبيرا فى دفع النمو الاقتصادى فى المرحلة القادمة فى ظل الحكومة المكبلة. وقد انعكس دور المؤسسة العسكرية البارز فى الحياة السياسية مؤخرا على زيادة نشاطها الاقتصادى والذى يأتى من أمثلته إسناد مشروعات بالأمر المباشر من الحكومة للمؤسسة العسكرية والذى يبرره البعض بالحاجة للحركة السريعة والذى لا تتيحه المناقصات، كما أن الأيادى المرتعشة فى الحكومة بالتأكيد تفضل إسناد المشروعات بهذا الشكل للخروج من دائرة المساءلة. ومن المتوقع أيضا أن تلعب المؤسسة العسكرية دورا أكبر فى الفترة القادمة فى الشراكات مع المستثمرين الكبار خاصة فى القطاعات الإستراتيجية.
ثالثا: المستثمرون الأجانب: يعول الكثيرون عليهم لدفع عجلة الاقتصاد، لكن من المتوقع أن يحجم المستثمرون الأجانب عن الدخول فى السوق المصرية لفترة ليست بالقصيرة حتى تستقر الأوضاع تماما. بينما من المتوقع أن تتدفق الاستثمارات السعودية والإماراتية بعد انتخابات الرئاسة. ومن المتوقع أيضا أن يتم ضخ هذه الاستثمارات فى قطاعات استراتيجية، كما أنه من المرجح أن يتم ذلك من خلال شراكات مع المؤسسة العسكرية لطبيعة هذه الأنشطة ولضمان سلاسة الإجراءات.
رابعا: كبار رجال الأعمال: يتطلع رجال النظام الأسبق للعودة مرة أخرى لعصر المميزات الاقتصادية، لكن الوضع العام قد لا يتيح ذلك. فالنظام الجديد من المتوقع أن يأتى برجاله والمؤسسة العسكرية ستلعب دورا كبيرا مما سيشكل منافسة تجارية حقيقية مع كبار رجال الأعمال القدامى مما يؤدى إلى تقلص دورهم إن لم يستطيعوا التكيف مع الواقع الجديد. ولذلك من غير المرجح أن يلعب نفس الفريق القديم صاحب الشركات العملاقة والثروات الضخمة دورا كبيرا فى دفع الاقتصاد على المدى القصير.
خامسا: صغار رجال الأعمال: هذا القطاع يقع بين المطرقة والسندان. فقد تأثر صغار رجال الأعمال بشكل كبير بالاضطرابات السياسية فى السنوات الأخيرة مما دفع بعضهم لغلق أو على الأقل تقليص نشاطهم. وهذه الطبقة تطلع بشدة للتحسن الاقتصادى المرتقب لكن بسبب صغر حجم أعمالهم، كل على حدة، فإنها لا تستطيع دفع النشاط الاقتصادى بل هى فى حاجة لمن ينعش الاقتصاد أولا حتى تستطيع الاستفادة من نتيجة النمو والإضافة له بعد ذلك.
سادسا: الفئات الأكثر فقرا: يتطلع هذا القطاع لفرص عمل جديدة وزيادة حقيقية فى الدخل بعد ثلاث سنوات طاحنة اقتصاديا ومحبطة سياسيا. لكن التفاعل بين اللاعبين الآخرين قد يطيح بأحلامهم. وسيكون الأمل لهذا القطاع أن تقوم الحكومة بحمايته عن طريق إعادة توزيع الدعم ليصل لمستحقيه فيزيد حصته من الدعم، كما يأمل أن تقوم الحكومة بتطبيق الحد الأدنى للأجور وزيادة هذا الحد بمرور الوقت ليتناسب مع زيادة الأسعار.
فى خضم هذه التفاعلات، من المتوقع أن يقود النشاط الاقتصادى كيانات ووجوه جديدة ناتجة عن الشراكة بين المستثمرين الخليجيين والمؤسسة العسكرية، بدلا من كبار رجال الأعمال السابقين الذين لن يكون لهم مساحة كبيرة ما لم يتكيفوا مع الواقع الجديد. وبالتالى فإن توجه اقتصاد السوق سيظل حاضرا بقوة على المستوى الاستراتيجى لكن مع تغير من يقوده على الأرض. بينما من المتوقع أن يقتصر دور الحكومة المكبلة على التعامل مع مشاكل الفئات الأكثر فقرا فى المجتمع والذين من المتوقع ألا تتحسن أحوالهم بسبب إعادة إنتاج النظام الاقتصادى غير المتوازن الذى كان متواجدا قبل ٢٠١١ وهو ما قد يمنع وجود استقرار اجتماعى حقيقى.
الخلاصة أن ثمة أسئلة اقتصادية وجودية تطرح نفسها فى المرحلة القادمة عن شكل الاقتصاد ودور اللاعبين المختلفين فى دفع عجلة النمو. وبالنظر إلى وضع اللاعبين الأساسيين فى المشهد الاقتصادى الحالى، فإنه من المتوقع أن يكون التوجه الاقتصادى الاستراتيجى، الذى تقوده كيانات جديدة ناتجة عن الشراكة بين المستثمرين الخليجيين والمؤسسة العسكرية، لا يختلف كثيرا عن الوضع قبل ٢٠١١ وإن اختلفت الوجوه. ولعل الحكومة المكبلة اقتصاديا لن تستطيع فعل الكثير لدفع النمو وقد يقتصر دورها على محاولة استيعاب الفئات الأكثر فقرا فى المجتمع. هذا التصور بالتأكيد سيمنع وجود استقرار اجتماعى مستدام مهما اشتدت الشوكة الأمنية، وعلى من يدير زمام الأمور تعلم الدرس ممن سبقه.
عمر الشنيطي
18 فبراير 2014