Tuesday, February 18, 2014

أسئلة اقتصادية وجودية

الآن وبعد أن تم تمرير الدستور تستعد البلاد لانتخاب رئيس جديد، حيث يترقب الجميع الوصول لمرحلة من الاستقرار خاصة بعد أن سيطرت المؤسسة العسكرية على الوضع الأمنى وعلى تحديد المسار السياسى. من أهم ما يترقبه العامة تحسن الوضع الاقتصادى من توافر للوظائف وتحسن لمستوى الأسعار، ويغذى هذا الشعور ما يروجه الخبراء عن التحسن المرتقب الذى يشير إليه أيضا الصعود الهيستيرى للبورصة. لكن هناك أسئلة وجودية عن كيفية حدوث ذلك التحسن، سواء فيما يتعلق بدور الحكومة ودور المؤسسة العسكرية وكذلك دور المستثمرين المحليين والأجانب فى دفع عجلة الاقتصاد وأثر ذلك على عامة الشعب.

إذا نظرنا للمشهد الاقتصادى، سنجد أن هناك ستة لاعبين أساسيين فى الساحة:

أولا: الحكومة: فمع تفاقم عجز الموازنة وضيق الحيز المالى المتاح، فإن قدرة الحكومة على إنعاش الاقتصاد ستكون محدودة خاصة مع عدم استدامة الإجراءات الاستثنائية التى تستخدمها الحكومة حاليا من مساعدات خليجية وفك لوديعة حرب الخليج لتمويل سياستها التوسعية. كما أن الحكومة ستواجه معضلة التعامل مع الدعم فى ظل عجز موازنة كبير وتركيز اللاعبين الآخرين على مصالحهم من ناحية والوضع الاقتصادى المتدهور وأثره على الفئات الأكثر فقرا من ناحية أخرى.

ثانيا: المؤسسة العسكرية: قد يصعب تحديد حجمه الفعلى، لكن بالتأكيد لا يمكن الاستهانة بنشاط المؤسسة العسكرية الاقتصادى والذى يمتد عبر قطاعات متنوعة. هذا النشاط محل جدل كبير، لكن ليس الهدف من هذا المقال الخوض فيه، ومما لا شك فيه أنه سيلعب دورا كبيرا فى دفع النمو الاقتصادى فى المرحلة القادمة فى ظل الحكومة المكبلة. وقد انعكس دور المؤسسة العسكرية البارز فى الحياة السياسية مؤخرا على زيادة نشاطها الاقتصادى والذى يأتى من أمثلته إسناد مشروعات بالأمر المباشر من الحكومة للمؤسسة العسكرية والذى يبرره البعض بالحاجة للحركة السريعة والذى لا تتيحه المناقصات، كما أن الأيادى المرتعشة فى الحكومة بالتأكيد تفضل إسناد المشروعات بهذا الشكل للخروج من دائرة المساءلة. ومن المتوقع أيضا أن تلعب المؤسسة العسكرية دورا أكبر فى الفترة القادمة فى الشراكات مع المستثمرين الكبار خاصة فى القطاعات الإستراتيجية.

ثالثا: المستثمرون الأجانب: يعول الكثيرون عليهم لدفع عجلة الاقتصاد، لكن من المتوقع أن يحجم المستثمرون الأجانب عن الدخول فى السوق المصرية لفترة ليست بالقصيرة حتى تستقر الأوضاع تماما. بينما من المتوقع أن تتدفق الاستثمارات السعودية والإماراتية بعد انتخابات الرئاسة. ومن المتوقع أيضا أن يتم ضخ هذه الاستثمارات فى قطاعات استراتيجية، كما أنه من المرجح أن يتم ذلك من خلال شراكات مع المؤسسة العسكرية لطبيعة هذه الأنشطة ولضمان سلاسة الإجراءات.

رابعا: كبار رجال الأعمال: يتطلع رجال النظام الأسبق للعودة مرة أخرى لعصر المميزات الاقتصادية، لكن الوضع العام قد لا يتيح ذلك. فالنظام الجديد من المتوقع أن يأتى برجاله والمؤسسة العسكرية ستلعب دورا كبيرا مما سيشكل منافسة تجارية حقيقية مع كبار رجال الأعمال القدامى مما يؤدى إلى تقلص دورهم إن لم يستطيعوا التكيف مع الواقع الجديد. ولذلك من غير المرجح أن يلعب نفس الفريق القديم صاحب الشركات العملاقة والثروات الضخمة دورا كبيرا فى دفع الاقتصاد على المدى القصير.

خامسا: صغار رجال الأعمال: هذا القطاع يقع بين المطرقة والسندان. فقد تأثر صغار رجال الأعمال بشكل كبير بالاضطرابات السياسية فى السنوات الأخيرة مما دفع بعضهم لغلق أو على الأقل تقليص نشاطهم. وهذه الطبقة تطلع بشدة للتحسن الاقتصادى المرتقب لكن بسبب صغر حجم أعمالهم، كل على حدة، فإنها لا تستطيع دفع النشاط الاقتصادى بل هى فى حاجة لمن ينعش الاقتصاد أولا حتى تستطيع الاستفادة من نتيجة النمو والإضافة له بعد ذلك.

سادسا: الفئات الأكثر فقرا: يتطلع هذا القطاع لفرص عمل جديدة وزيادة حقيقية فى الدخل بعد ثلاث سنوات طاحنة اقتصاديا ومحبطة سياسيا. لكن التفاعل بين اللاعبين الآخرين قد يطيح بأحلامهم. وسيكون الأمل لهذا القطاع أن تقوم الحكومة بحمايته عن طريق إعادة توزيع الدعم ليصل لمستحقيه فيزيد حصته من الدعم، كما يأمل أن تقوم الحكومة بتطبيق الحد الأدنى للأجور وزيادة هذا الحد بمرور الوقت ليتناسب مع زيادة الأسعار.

فى خضم هذه التفاعلات، من المتوقع أن يقود النشاط الاقتصادى كيانات ووجوه جديدة ناتجة عن الشراكة بين المستثمرين الخليجيين والمؤسسة العسكرية، بدلا من كبار رجال الأعمال السابقين الذين لن يكون لهم مساحة كبيرة ما لم يتكيفوا مع الواقع الجديد. وبالتالى فإن توجه اقتصاد السوق سيظل حاضرا بقوة على المستوى الاستراتيجى لكن مع تغير من يقوده على الأرض. بينما من المتوقع أن يقتصر دور الحكومة المكبلة على التعامل مع مشاكل الفئات الأكثر فقرا فى المجتمع والذين من المتوقع ألا تتحسن أحوالهم بسبب إعادة إنتاج النظام الاقتصادى غير المتوازن الذى كان متواجدا قبل ٢٠١١ وهو ما قد يمنع وجود استقرار اجتماعى حقيقى.

الخلاصة أن ثمة أسئلة اقتصادية وجودية تطرح نفسها فى المرحلة القادمة عن شكل الاقتصاد ودور اللاعبين المختلفين فى دفع عجلة النمو. وبالنظر إلى وضع اللاعبين الأساسيين فى المشهد الاقتصادى الحالى، فإنه من المتوقع أن يكون التوجه الاقتصادى الاستراتيجى، الذى تقوده كيانات جديدة ناتجة عن الشراكة بين المستثمرين الخليجيين والمؤسسة العسكرية، لا يختلف كثيرا عن الوضع قبل ٢٠١١ وإن اختلفت الوجوه. ولعل الحكومة المكبلة اقتصاديا لن تستطيع فعل الكثير لدفع النمو وقد يقتصر دورها على محاولة استيعاب الفئات الأكثر فقرا فى المجتمع. هذا التصور بالتأكيد سيمنع وجود استقرار اجتماعى مستدام مهما اشتدت الشوكة الأمنية، وعلى من يدير زمام الأمور تعلم الدرس ممن سبقه.

عمر الشنيطي
18 فبراير 2014
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق"

Saturday, February 8, 2014

هل تعبر البورصة عن حالة الاقتصاد؟

يؤثر الوضع الاقتصادي على عوام الناس حيث يحدد مستوى معيشتهم، لذلك يتطلع الناس للتعرف عما إذا كان المستقبل يحمل الأفضل أم الأسوأ. ولعدم معرفتهم بالمؤشرات الاقتصادية، يلجأ عامة الناس لمتابعة البورصة على أنها مقياس لحالة الاقتصاد، خاصة مع سهولة الوصول لأخبار البورصة ومتابعة القنوات الإعلامية المختلفة لأدائها بشكل يومي. لكن هل مؤشر البورصة مقياس جيد لحالة الاقتصاد؟ قد تكون الإجابة واضحة للعاملين والمستثمرين في البورصة، لكنها قد تخفى على عامة الناس الذين يسمعون عن صعود وهبوط البورصة بشكل يومي ولا يستطيعون ترجمة ذلك بشكل منطقي، خاصة في ظل التوظيف السياسي لكل ما يحدث في البلد بما فيه الاقتصاد.
 
الشركات عادة ما تكون ملكيتها مقسمة على مجموعة من الأسهم، يمتلك كل شريك نسبة من هذه الأسهم تساوي ملكيته في الشركة. بطبيعة الحال، يرغب المستثمرون من وقت لآخر في بيع أسهمهم في شركة معينة لأهداف شخصية أو لاستخدام العائد لشراء أسهم في شركات أخرى. ويأتي دور البورصة كسوق لتبادل أسهم الشركات العامة المقيدة في البورصة، بين المستثمرين الراغبين في البيع والشراء. ويعتبر مؤشر البورصة هو مقياس لمتوسط أسعار الأسهم في السوق في لحظة معينة. فإذا ارتفع الطلب على شراء الأسهم، ترتفع بالتبعية أسعار الأسهم ويرتفع بذلك مؤشر السوق، ويحدث العكس في حالة إنخفاض الطلب على الأسهم. ولذلك فمؤشر البورصة يعكس مستوى الطلب على شراء الأسهم والاستثمار في الشركات العامة. ويتأثر مستوى الطلب على الأسهم بعدة عوامل يمكن تلخيصها فيما يلي:
 
أولا: الوضع السياسي: فوجود اضطراب سياسي وأمني خارج عن السيطرة يؤثر سلبا على البورصة حيث يعتقد المستثمرون أن ذلك سيؤدي إلى إنخفاض أرباح الشركات المدرجة في البورصة ولذلك ينخفض الطلب على الأسهم وينخفض مؤشر البورصة. بينما وجود إنتخابات نزيهة وإنتقال سلمي للسلطة من طرف لآخر دوريا يدعم الطلب على الأسهم ويؤدي إلى ارتفاع مؤشر البورصة.
 
ثانيا: الوضع الاقتصادي: فوجود أخبار عن النمو الاقتصادي والرواج التجاري المتوقع تنبئ بارتفاع أرباح الشركات وبالتالي يزيد الطلب على الأسهم ويرتفع مؤشر البورصة. بينما تراجع النمو الاقتصادي يدفع المستثمرين لبيع أسهمهم تحسبا لإنخفاض أرباح الشركات وبالتالي قيمة الأسهم.
 
ثالثا: سياسات الحكومة: فتنبي الحكومة سياسة مالية توسعية بزيادة الإنفاق تعني إحتمالية زيادة أرباح الشركات فيزيد الطلب على الأسهم ويرتفع مؤشر البورصة. بينما تبني سياسة إنكماشية يؤدي إلى العكس. كما أن الحكومة قد تصدر قرارات تؤثر إيجابا أو سلبا على قطاعات بعينها. ففرض ضريبة جديدة على السجائر، على سبيل المثال، يؤثر سلبا على الطلب على أسهم الشركات في هذا المجال بسبب توقع إنخفاض أرباح الشركات في هذا القطاع. بينما قد تتأثر شركات الحديد والصلب إيجابا في حالة منع الحكومة استيراد الحديد من الخارج مما يؤدي إلى ارتفاع أرباح شركات الحديد والصلب المحلية ورفع الطلب عليها وعلى القطاعات المرتبطة بها.


رابعا: سياسات البنك المركزي: فحينما يتبنى البنك المركزي سياسة نقدية توسعية بخفض سعر الفائدة على الإقتراض أو إتباع سياسة التيسير الكمي بطباعة النقود وإستخدامها لشراء سندات حكومية فإنه بذلك يزيد المعروض من النقد ويخفض تكلفة الإقتراض على المستثمرين مما يدفع الطلب على الأسهم في السوق ويؤدي إلى ارتفاع مؤشر البورصة.

خامسا: الشعور العام في السوق: فإنتخاب مرشح يشعر مجتمع الأعمال بقدرته على تحسين الوضع الاقتصادي أو حدوث تغيير سياسي على هوى المستثمرين يرفع الطلب على الأسهم وبالتالي مؤشر البورصة إيمانا من المستثمرين بأن ذلك سيعمل على إنعاش الاقتصاد وبالتالي ارتفاع الأرباح المستقبلية للشركات العاملة في السوق. وبطبيعة الحال، يحدث عكس ذلك إذا كان الشعور العام سلبيا تجاه مرشح أو حدث سياسي بعينه.
 
سادسا: تحركات كبار المستثمرين: على الرغم من وجود عدد كبير من المستثمرين في السوق إلا أن المستثمرين الكبار لهم وزن نسبي أكبر. فدخول مستثمرين كبار جدد يزيد من السيولة في السوق ويؤدي إلى ارتفاع أسعار الأسهم. بينما رغبة بعض المستثمرين الكبار، خاصة المؤسسات المالية، في جني الأرباح في فترات معينة يؤدي إلى انخفاض أسعار الأسهم.
 
سابعا: نتائج الشركات: حينما تكون نتائج أعمال الشركات إيجابية أو على وجه الدقة أفضل من المتوقع، فإن ذلك يزيد الطلب على هذه الأسهم ويؤدي إلى ارتفاع مؤشر البورصة، خاصة إذا كانت هذه الشركات من الشركات الرائدة في السوق.
 
ولذلك فإن حركة مؤشر البورصة صعودا وهبوطا قد تكون مدفوعة بعدة عوامل والتي قد تتشابك مع بعضها البعض، مما يجعل مؤشر البورصة ليس مقياسا دقيقا لحالة الاقتصاد الكلي .لكن حركة مؤشر البورصة قد تكون مقياسا جيدا للشعور العام في مجتمع الأعمال تجاه التغيرات والقرارات المختلفة وتعكس وجهة نظر مجتمع الأعمال في أثر هذه القرارات على حالة الاقتصاد وربحية الشركات مستقبليا. وإذا نظرنا لأداء مؤشر البورصة المصرية في السنوات الثلاثة الأخيرة (كما هو موضح في الرسم البياني الأول والثاني)، سنجد أن المؤشر كان في حالة تذبذب بسبب الوضع السياسي المضطرب، كما سنلحظ أن الارتفعات والإنخفاضات كانت مدفوعة بالأحداث السياسية في المقام الأول مقارنة بالعوامل الأخرى التي سبق ذكرها.
 
الخلاصة أنه يجب التعامل مع صعود وهبوط البورصة على أنه إنعكاس لرؤية قطاع الأعمال للوضع العام وكردة فعل للأحداث والقرارات المختلفة وليس على أنه مقياس دقيق لحالة الاقتصاد الكلي. فليس من المنطقي أن تصعد البورصة ليوم فنقول أن الاقتصاد يتعافى، ثم تهبط في اليوم التالي فنقول أن الاقتصاد يترنح.





عمر الشنيطي
2 فبراير 2014
نُشر هذا المقال على موقع "مصر العربية"

Tuesday, February 4, 2014

هل يتعافى الاقتصاد أم ينهار؟

فى ظل الاستقطاب الحاد الذى تشهده مصر بين فريق «مصر أم الدنيا» وفريق «الانقلاب يترنح»، يتبارى كلا الفريقين فى إقحام أداء الاقتصاد فى هذا الجدل. فالفريق الأول دائم الحديث عن التعافى الكبير الذى شهده الاقتصاد مؤخرا والمستقبل المبهر الذى ينتظر الاقتصاد المصرى، بينما لا يمل الفريق الثانى من التأكيد على أن الاقتصاد انهار بالفعل ويستخدم كلا الفريقين مجموعة من المؤشرات الاقتصادية المختلفة لإثبات وجهة نظرهما مما يؤدى إلى إرباك عوام الناس الذين فقدوا القدرة على تكوين وجهة نظر منطقية عن حقيقة الوضع.

لذا ردا على الفريق الأول، فإنه فى ظل الوضع الحالى، علينا أن نعترف بأن الاقتصاد المصرى ليس فى أحسن أحواله وأدائه الكلى ضعيف وليس من المنطقى افتراض غير ذلك. فالنمو الاقتصادى الحقيقى والمستدام لا يمكن أن يحدث بدون استقرار سياسى وأمنى وهو أبعد ما يكون عن الوضع الحالى. وقد انعكس ذلك على بعض المؤشرات الكلية مثل التضخم والنمو فى الناتج المحلى وغيرها من المؤشرات التى تأثرت سلبا بالوضع السياسى. وليس من الغريب توقع إحجام المستثمرين محليا وعالميا عن الاستثمار فى مصر على المدى القصير حتى تستقر الأوضاع وهو ما يوضحه مستوى الاستثمار الأجنبى المنخفض فى الفترة الحالية. كما أن القطاع السياحى، صاحب الدور المحورى فى الاقتصاد، لم يتعاف بعد وما زال يعانى من أثر الاضطراب السياسى والأمنى. لذلك ليس من المنطقى فى ظل الوضع الحالى الحديث عن المستقبل المبهر للاقتصاد.

على الرغم من ذلك وردا على الفريق الثانى، فإن الحديث عن الانهيار الاقتصادى يعتبر خارجا عن السياق بسبب مجموعة من العوامل تمنع حدوث ذلك والتى يأتى على رأسها المساعدات الخليجية الكبيرة التى وصلت إلى ٢٥ مليار دولار من السعودية والإمارات والكويت لمساعدة مصر فى تحمل تكلفة المرحلة الانتقالية الجديدة وكذلك وديعة حرب الخليج البالغة قرابة ٩ مليارات دولار. وهذان العاملان لديهما القدرة على سد جزء كبير من عجز الموازنة بشكل استثنائى. بالإضافة لذلك، تستطيع الحكومة التوسع فى الاقتراض المحلى حيث إن نسبة الدين المحلى للناتج القومى لا يزال فى مستوى ٨٠٪ مما يعطى حيزا لزيادة الاقتراض. كما أن سياسة التيسير الكمى، والتى تقتضى بطباعة كمية كبيرة من النقود واستخدامها للاكتتاب فى السندات الحكومية، تعطى الحكومة أداة أخرى لتمويل احتياجاتها. ولذلك فإن الحديث عن الانهيار الاقتصادى غير دقيق حتى فى ظل وضع الاقتصاد الحرج.

بشكل موضوعى، يمكن القول إن الاقتصاد لم يتعاف بعد كما يدعى الفريق الأول ولم ينهر بعد كما يدعى الفريق الثانى، ولكنه فى الواقع يشهد تحسنا بطيئا بسبب سياسة الحكومة التوسعية والإجراءات الاستثنائية. فالحكومة تنتهج سياسة توسعية لدفع حركة الاقتصاد وخلق فرص عمل، حيث تعمل من خلال السياسة المالية على زيادة الإنفاق مستعينة بالمساعدات الخليجية ووديعة حرب الخليج. أما على صعيد السياسة النقدية، فيعمل البنك المركزى على تخفيض الفائدة لتحفيز الاستثمار وكذلك تبنى سياسة التيسير الكمى بزيادة طباعة النقود، حيث زاد المعروض من النقد فى السوق فى ٢٠١٣ بنسبة ٢٥٪، بينما لم تتجاوز هذه النسبة حاجز ١٣٪ فى الفترة بين ٢٠٠٩ و٢٠١٢. وهذه الزيادة بلا شك تعمل على تحريك السوق وسد احتياجات الحكومة التمويلية.

وقد تأخذ المؤشرات الكلية بعض الوقت لرصد هذا التحسن المحدود بسبب طبيعة هذه المؤشرات والتى تقيس الأداء بعد فترة من حدوثه. لكن يظهر التحسن بشكل أسرع فى مستوى أسعار الأصول المختلفة من عقارات وأسهم فى البورصة وهو ما تؤكده بعض المؤشرات الجزئية مثل ارتفاع مؤشر عقار ماب، المختص بقياس حجم الطلب على العقارات فى السوق المصرية، لخمسة أشهر على التوالى بعد أحداث ٣٠ يونيو. كما واصل مؤشر البورصة المصرية فى الارتفاع منذ ٣٠ يونيو حتى إنه عاد لمستويات ما قبل ثورة ٢٥ يناير. وصعود هذه المؤشرات يعكس أثر السياسة التوسعية على مستوى أسعار الأصول المختلفة وكذلك النظرة التفاؤلية النسبية فى السوق.
لكن هذه الأخبار الإيجابية لا تنفى وجود علامات استفهام كبيرة عن مدى استدامة هذا التحسن النسبى. فالمساعدات الخليجية الكبيرة والتى كان لها أثر فارق من المرجح أن تستمر، لكن من الصعب بقاءها على نفس المستوى المرتفع. كما أن الوضع السياسى والأمنى لا يزالان فى تدهور مستمر منذ ٣٠ يونيو والأمل فى الوصول لتسوية سياسية عادلة أصبح بعيدا مما يهدد بعدم حدوث استقرار حقيقى على المدى القصير وربما المتوسط. من ناحية أخرى، يؤدى الوضع السياسى والأمنى المضطرب إلى إحجام الاستثمارات الخاصة طويلة الأمد، سواء المحلية أو الأجنبية، لفترة قد لا تكون قصيرة. وهذه العوامل المختلفة تثير القلق حول مدى استدامة التحسن، مما يجعل هذا التحسن مصطنعا وقليل الأثر على المدى المتوسط والبعيد.

الخلاصة أن الاقتصاد لم يتعاف بعد كما يزعم مؤيدو النظام ولم ينهر بعد كما يؤكد معارضو النظام، لكنه فى الحقيقيين يشهد تحسنا نسبيا بسبب سياسة الحكومة التوسعية من خلال زيادة الإنفاق الحكومى وخفض سعر الفائدة وتبنى سياسة التيسير الكمى بطباعة النقود وتمويل عجز الحكومة. كما أن الإجراءات الاستثنائية كالمساعدات الخليجية السخية ووديعة حرب الخليج المنسية تساعد فى دفع ذلك التحسن. وهذا التوجه قد أدى إلى رواج فى سوق العقارات والبورصة مؤخرا ومن المتوقع أن ترصد المؤشرات الكلية لاحقا هذا التحسن النسبى. لكن فى ظل غياب تسوية سياسية عادلة وحالة الاضطراب السياسى والأمنى، فإن هذا التحسن النسبى يظل مصطنعا وغير مستدام.

عمر الشنيطي
4 فبراير 2014
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق"