لعقود طويلة ينظر المصريون على اختلاف مستوياتهم للاستثمار العقارى
على أنه استثمار آمن يسهل الاستحواذ عليه ويسهل إدارته والحفاظ عليه فى أغلب
الأحوال مع انخفاض احتمالية عمليات النصب فيه مقارنة بالاستثمارات الأخرى. ومع
الزيادة السكانية المتسارعة فى مصر فى العقود الأخيرة، شهدت الأصول العقارية
ارتفاعات كبيرة بمجهود ومخاطرة منخفضة مما جعل العقار بمثابة الابن البار
للكثيرين. لكن الإقبال على الاستثمار العقارى قد يؤدى فى بعض الأحوال إلى فقاعة
عقارية وهو ما يتوقع حدوثه فى السنوات القادمة.
ويجدر أولا معرفة ما هى
الفقاعة؟
الفقاعة
تحدث حينما ترتفع القيمة السوقية لأحد الأصول بشكل كبير وسريع مما يجعل السعر
السوقى أعلى بكثير من القيمة الأساسية لهذا الأصل وهى القيمة العادلة التى يحددها
الخبراء وعادة ما يتم تداول الأصل عليها قبل تفاقم الفقاعة والتى تصيب المستثمرين
بهوس يدفعهم للاستحواذ على الأصل بأسعار شديدة الارتفاع أملا فى المزيد من
الارتفاعات. وهذه المضاربة تساهم فى ارتفاع قيمة الأصل لفترة أطول. لكن عاجلا أم
آجلا يدرك المستثمرون أن القيمة المتداولة فى السوق أصبحت غير واقعية مما يدفع
قيمة هذا الأصل للتراجع ويؤدى إلى انفجار الفقاعة.
لكن هل ينطبق ذلك على
سوق العقارات؟
سوق
العقارات لا تختلف عن الأسواق الأخرى وقد تتكون فقاعة عقارية حينما ترتفع أسعار
العقارات بشكل كبير وسريع فيعتقد الناس أن الأسعار ستستمر فى الارتفاع مما يدفعهم
للمضاربة ويؤدى إلى فقاعة عقارية. لكن بعد نقطة معينة يدرك الناس أن الأسعار أصبحت
خيالية، فتنفجر الفقاعة وتتراجع الأسعار وهو ما قد يؤدى إلى تباطؤ السوق أو
انهيارها بناء على حجم الديون المستحقة على المستثمرين العقاريين. فحينما يعتمد
المستثمرون على الديون فى شراء العقارات وقت تكوين الفقاعة، فإن انفجارها يكون
حادا ويؤدى إلى انهيار الأسعار كما حدث فى سوق العقارات الأمريكية فى ٢٠٠٧ وتكرر
فى دبى فى ٢٠٠٨.
هل
شهدت مصر فقاعات عقارية؟
شهدت
السوق المصرية فقاعة عقارية خلال فترة ٢٠٠٤ــ٢٠٠٨، حيث شهدت السوق ارتفاعات كبيرة
كانت فى البداية منطقية مع التوسع فى المدن السكنية الجديدة فى ضواحى القاهرة
لكنها بعد ذلك تسارعت وزادت حدتها لمستويات مبالغ فيها حتى اندلعت الأزمة المالية
العالمية فى ٢٠٠٨ وألقت بظلالها على مصر وأدت إلى انفجار الفقاعة، لكن ذلك لم يؤد
لانهيار السوق لمحدودية الديون المستحقة على ملاك العقارات فى مصر وهو ما أدى إلى
فترة من التباطؤ فى السوق وثبات الأسعار.
هل نتوقع فقاعة عقارية أخرى؟ وهل ستستمر طويلا؟
إن
العائلات المصرية الميسورة على مستوياتها المختلفة لديها ثروات متراكمة تسعى
لاستثمارها لجلب عائد أعلى من الفائدة على ودائع البنوك التى تتراوح بين ٨ــ١٠٪
والتى تعتبر أقل من معدلات التضخم الرسمية. وبالنظر للبدائل المتاحة، نجد أن
الحفاظ على المدخرات بالدولار أصبح أمرا شاقا بعد قرارت البنك المركزى الأخيرة
والتى تحد بشكل واضح من إمكانية التعامل على الدولار كوعاء استثمارى. فى الوقت
نفسه، تذبذب أسعار الذهب فى السنوات الأخيرة تحد من جاذبيته كوعاء استثمارى. وعلى
الرغم من مكاسب البورصة فى ٢٠١٤ إلا أن التراجع أخيرا وكذلك الصورة الذهنية
السلبية لدى عموم المصريين عن البورصة تحد من جاذبيتها كوعاء استثمارى. لذلك من
المنطقى أن يقبل عوام المستثمرين على سوق العقارات كاستثمار.
وهذا
الإقبال من المتوقع أن يكون كبيرا ومن شأنه أن يؤدى إلى زيادة كبيرة ومتسارعة فى
أسعار العقارات المشتراة بهدف الاستثمار فى الأساس فى السنوات القادمة وهو ما يمكن
ملاحظته بالفعل فى سوق العقارات أخيرا خاصة فى ضواحى القاهرة، كما توضحه مبيعات
شركات العقارات الكبرى ومؤشرات الأسعار المختلفة. وسيكون هذا النشاط مبررا على
المدى القصير بعد فترة طويلة من الركود خلال ٢٠٠٨ــ٢٠١٣. لكن بسبب التدفق الكبير
لرءوس الأموال على العقارات من قبل المستثمرين، فإن هذا النمو الذى سيبدأ بشكل صحى
سيتحول إلى فقاعة وسيشهد السوق ارتفاعات كبيرة فى الأسعار بسبب المضاربة. لكن بعد
ذلك، ربما بعد أربع أو خمس سنوات، فإن الفقاعة لا محالة ستنفجر بعد وصول الأسعار
لمستويات خيالية بسبب المضاربة وبعد أن توجه الكثير من العائلات مدخراتها للمزيد
من الاستثمارات عقارية.
كيف
ستكون نهاية الفقاعة؟ وكيف يمكن التعامل معها؟
بما
أن حجم الديون على ملاك العقارات محدودة فى مصر، فإن انفجار الفقاعة على الأرجح
سيؤدى إلى فترة من التباطؤ وثبات الأسعار لعدة سنوات بعدها كما حدث فى ٢٠٠٨ــ٢٠١٠
لكن التباطؤ هذه المرة قد يكون أطول بسبب حجم الاستثمارات المتدفقة على القطاع.
هذا التصور للقطاع يجعل الاستثمار فيه فرصة جيدة جدا، حيث إن العائد المتوقع مرتفع
والمخاطرة محدودة. لكن حتى يتم تعظيم العائد على الاستثمارات العقارية، فمن الأفضل
التركيز على وحدات الإسكان المتوسط الأسهل فى البيع بدلا من الفيلات الفاخرة وكذلك
التركيز على الوحدات المطورة بالفعل أو التى سيتم تسليمها على المدى القصير بدلا
من المشروعات التى سيتم تسليمها بعد فترات طويلة والتى قد يتأخر تسليمها إذا تعثرت
السوق. كما يفضل التركيز على الوحدات المؤجرة، سواء سكنية أو إدارية أو تجارية،
والتى تُدر دخلا دوريا بدلا من مجرد تجميد الأموال بدون عائد حتى وقت البيع.
الخلاصة
أنه فى وقت تتراجع فيه جاذبية الاستثمارات البديلة، فمن المتوقع أن يزيد إقبال
المستثمرين على العقارات بشكل كبير مما سيؤدى إلى ارتفاعات كبيرة وسريعة فى أسعار
العقارات فى السنوات القادمة. تلك الارتفاعات والتى قد تبدو مبررة فى السنوات
الأولى ستؤدى إلى فقاعة عقارية، حيث سترتفع الأسعار بشكل كبير بسبب المضاربة. ومع
انفجار الفقاعة، فإن السوق على الأرجح سيشهد فترة من التباطؤ وثبات الأسعار. ومع
جاذبية الاستثمار العقارى، فمن الأفضل التركيز على الاستثمار فى وحدات الإسكان
المتوسط الجاهزة أو التى سيتم تسليمها قريبا وكذلك الوحدات المؤجرة المدرة للدخل
بمختلف أنواعها، لكن على مستوى الاقتصاد الكلى، ستظل الاستثمارات العقارية محدودة
الأثر فى إحداث تنمية عادلة ومستدامة.
عمر الشنيطى
18 - إبريل - 2015
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق"