Saturday, April 18, 2015

عن الفقاعة العقارية المرتقبة

لعقود طويلة ينظر المصريون على اختلاف مستوياتهم للاستثمار العقارى على أنه استثمار آمن يسهل الاستحواذ عليه ويسهل إدارته والحفاظ عليه فى أغلب الأحوال مع انخفاض احتمالية عمليات النصب فيه مقارنة بالاستثمارات الأخرى. ومع الزيادة السكانية المتسارعة فى مصر فى العقود الأخيرة، شهدت الأصول العقارية ارتفاعات كبيرة بمجهود ومخاطرة منخفضة مما جعل العقار بمثابة الابن البار للكثيرين. لكن الإقبال على الاستثمار العقارى قد يؤدى فى بعض الأحوال إلى فقاعة عقارية وهو ما يتوقع حدوثه فى السنوات القادمة.
ويجدر أولا معرفة ما هى الفقاعة؟
الفقاعة تحدث حينما ترتفع القيمة السوقية لأحد الأصول بشكل كبير وسريع مما يجعل السعر السوقى أعلى بكثير من القيمة الأساسية لهذا الأصل وهى القيمة العادلة التى يحددها الخبراء وعادة ما يتم تداول الأصل عليها قبل تفاقم الفقاعة والتى تصيب المستثمرين بهوس يدفعهم للاستحواذ على الأصل بأسعار شديدة الارتفاع أملا فى المزيد من الارتفاعات. وهذه المضاربة تساهم فى ارتفاع قيمة الأصل لفترة أطول. لكن عاجلا أم آجلا يدرك المستثمرون أن القيمة المتداولة فى السوق أصبحت غير واقعية مما يدفع قيمة هذا الأصل للتراجع ويؤدى إلى انفجار الفقاعة.
لكن هل ينطبق ذلك على سوق العقارات؟

سوق العقارات لا تختلف عن الأسواق الأخرى وقد تتكون فقاعة عقارية حينما ترتفع أسعار العقارات بشكل كبير وسريع فيعتقد الناس أن الأسعار ستستمر فى الارتفاع مما يدفعهم للمضاربة ويؤدى إلى فقاعة عقارية. لكن بعد نقطة معينة يدرك الناس أن الأسعار أصبحت خيالية، فتنفجر الفقاعة وتتراجع الأسعار وهو ما قد يؤدى إلى تباطؤ السوق أو انهيارها بناء على حجم الديون المستحقة على المستثمرين العقاريين. فحينما يعتمد المستثمرون على الديون فى شراء العقارات وقت تكوين الفقاعة، فإن انفجارها يكون حادا ويؤدى إلى انهيار الأسعار كما حدث فى سوق العقارات الأمريكية فى ٢٠٠٧ وتكرر فى دبى فى ٢٠٠٨.
هل شهدت مصر فقاعات عقارية؟
شهدت السوق المصرية فقاعة عقارية خلال فترة ٢٠٠٤ــ٢٠٠٨، حيث شهدت السوق ارتفاعات كبيرة كانت فى البداية منطقية مع التوسع فى المدن السكنية الجديدة فى ضواحى القاهرة لكنها بعد ذلك تسارعت وزادت حدتها لمستويات مبالغ فيها حتى اندلعت الأزمة المالية العالمية فى ٢٠٠٨ وألقت بظلالها على مصر وأدت إلى انفجار الفقاعة، لكن ذلك لم يؤد لانهيار السوق لمحدودية الديون المستحقة على ملاك العقارات فى مصر وهو ما أدى إلى فترة من التباطؤ فى السوق وثبات الأسعار. 

هل نتوقع فقاعة عقارية أخرى؟ وهل ستستمر طويلا؟

إن العائلات المصرية الميسورة على مستوياتها المختلفة لديها ثروات متراكمة تسعى لاستثمارها لجلب عائد أعلى من الفائدة على ودائع البنوك التى تتراوح بين ٨ــ١٠٪ والتى تعتبر أقل من معدلات التضخم الرسمية. وبالنظر للبدائل المتاحة، نجد أن الحفاظ على المدخرات بالدولار أصبح أمرا شاقا بعد قرارت البنك المركزى الأخيرة والتى تحد بشكل واضح من إمكانية التعامل على الدولار كوعاء استثمارى. فى الوقت نفسه، تذبذب أسعار الذهب فى السنوات الأخيرة تحد من جاذبيته كوعاء استثمارى. وعلى الرغم من مكاسب البورصة فى ٢٠١٤ إلا أن التراجع أخيرا وكذلك الصورة الذهنية السلبية لدى عموم المصريين عن البورصة تحد من جاذبيتها كوعاء استثمارى. لذلك من المنطقى أن يقبل عوام المستثمرين على سوق العقارات كاستثمار.
وهذا الإقبال من المتوقع أن يكون كبيرا ومن شأنه أن يؤدى إلى زيادة كبيرة ومتسارعة فى أسعار العقارات المشتراة بهدف الاستثمار فى الأساس فى السنوات القادمة وهو ما يمكن ملاحظته بالفعل فى سوق العقارات أخيرا خاصة فى ضواحى القاهرة، كما توضحه مبيعات شركات العقارات الكبرى ومؤشرات الأسعار المختلفة. وسيكون هذا النشاط مبررا على المدى القصير بعد فترة طويلة من الركود خلال ٢٠٠٨ــ٢٠١٣. لكن بسبب التدفق الكبير لرءوس الأموال على العقارات من قبل المستثمرين، فإن هذا النمو الذى سيبدأ بشكل صحى سيتحول إلى فقاعة وسيشهد السوق ارتفاعات كبيرة فى الأسعار بسبب المضاربة. لكن بعد ذلك، ربما بعد أربع أو خمس سنوات، فإن الفقاعة لا محالة ستنفجر بعد وصول الأسعار لمستويات خيالية بسبب المضاربة وبعد أن توجه الكثير من العائلات مدخراتها للمزيد من الاستثمارات عقارية.
كيف ستكون نهاية الفقاعة؟ وكيف يمكن التعامل معها؟
بما أن حجم الديون على ملاك العقارات محدودة فى مصر، فإن انفجار الفقاعة على الأرجح سيؤدى إلى فترة من التباطؤ وثبات الأسعار لعدة سنوات بعدها كما حدث فى ٢٠٠٨ــ٢٠١٠ لكن التباطؤ هذه المرة قد يكون أطول بسبب حجم الاستثمارات المتدفقة على القطاع. هذا التصور للقطاع يجعل الاستثمار فيه فرصة جيدة جدا، حيث إن العائد المتوقع مرتفع والمخاطرة محدودة. لكن حتى يتم تعظيم العائد على الاستثمارات العقارية، فمن الأفضل التركيز على وحدات الإسكان المتوسط الأسهل فى البيع بدلا من الفيلات الفاخرة وكذلك التركيز على الوحدات المطورة بالفعل أو التى سيتم تسليمها على المدى القصير بدلا من المشروعات التى سيتم تسليمها بعد فترات طويلة والتى قد يتأخر تسليمها إذا تعثرت السوق. كما يفضل التركيز على الوحدات المؤجرة، سواء سكنية أو إدارية أو تجارية، والتى تُدر دخلا دوريا بدلا من مجرد تجميد الأموال بدون عائد حتى وقت البيع.
الخلاصة أنه فى وقت تتراجع فيه جاذبية الاستثمارات البديلة، فمن المتوقع أن يزيد إقبال المستثمرين على العقارات بشكل كبير مما سيؤدى إلى ارتفاعات كبيرة وسريعة فى أسعار العقارات فى السنوات القادمة. تلك الارتفاعات والتى قد تبدو مبررة فى السنوات الأولى ستؤدى إلى فقاعة عقارية، حيث سترتفع الأسعار بشكل كبير بسبب المضاربة. ومع انفجار الفقاعة، فإن السوق على الأرجح سيشهد فترة من التباطؤ وثبات الأسعار. ومع جاذبية الاستثمار العقارى، فمن الأفضل التركيز على الاستثمار فى وحدات الإسكان المتوسط الجاهزة أو التى سيتم تسليمها قريبا وكذلك الوحدات المؤجرة المدرة للدخل بمختلف أنواعها، لكن على مستوى الاقتصاد الكلى، ستظل الاستثمارات العقارية محدودة الأثر فى إحداث تنمية عادلة ومستدامة.
عمر الشنيطى
18 - إبريل - 2015
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق"

Saturday, April 4, 2015

الحروب الإقليمية والاقتصاد المصري

مرت ثلاثة أسابيع على مؤتمر مصر الاقتصادي الذي أقيم في شرم الشيخ والذي تم الإعلان فيه عن حزم من المساعدات الخليجية أغلبها في صورة استثمارات وكذلك تم الإعلان عن استثمارات كبيرة. لكن بعد أيام من المؤتمر، بدأت الحرب في اليمن. كما شهد الأسبوع الماضي في شرم الشيخ أيضا القمة العربية والتي كانت تتمحور حول حرب اليمن مع الإتفاق على تكوين قوة عربية مشتركة لمحاربة الإرهاب. وهذه التطورات تضفي بأثرها على الاقتصاد المصري وتجعل الصورة المتفائلة التي نتجت عن المؤتمر في حاجة إلى تعديل.
بعد أربعة أعوام من الاضطراب السياسي والاقتصادي، بدأ الاقتصاد في إظهار بعض المؤشرات الإيجابية في النصف الأول من العام المالي الحالي من حيث ارتفاع معدلات النمو وانخفاض عجز الموازنة. وعلى الرغم من الصورة الإيجابية إلا أنها تبدو غير مستدامة إذا لم تتدفق الاستثمارات الأجنبية سريعا. وخرج المؤتمر في صورة إيجابية بالإعلان عن إتفاقيات ومذكرات تفاهم بعشرات المليارات من الدولارات وكذلك الإعلان عن دعم خليجي كبير ومتساوي بين السعودية والإمارات والكويت في إشارة سياسية لها دلالتها مما أعطي شهادة ثقة كبيرة للاقتصاد المصري أمام المستثمرين وبث روحاً إيجابية محلياً ودولياً.
لكن مع بدء حملة عاصفة الحزم العسكرية من قبل قوات التحالف التي تقوده السعودية وتشارك فيه مصر في ظل مشاركة ودعم عربي واسع، فإن النظرة المتفائلة للاقتصاد المصري على المدى القصير قد تحتاج لتعديل. فوضع الاقتصاد وقدرته على التعافي والنمو مرتبطة بلا شك بالوضع السياسي محلياً وإقليمياً خاصة حينما يتحول الوضع من مجرد خلافات سياسية في دولة ما إلى حرب لها أبعاد إقليمية عديدة ستؤثر بلا شك على استعداد المستثمرين للمضي قدما في الاستثمار في مصر. ويمكن في هذا الصدد التعليق على ثلاثة أنواع من المستثمرين:
الأول: المستثمر الخليجي:
كان الدعم الخليجي منذ ٣٠ يونيو طوق نجاة للاقتصاد المصري. لكن مع انخفاض أسعار البترول لقرابة النصف خلال ٢٠١٤ أصبحت الدول الخليجية الداعمة لمصر تعاني من عجز في موازناتها مما يقلل من قدرتها على دعم الاقتصاد المصري. لكن الفوائض المالية المتراكمة في دول الخليج تجعلها تستطيع مواكبة هذا الانخفاض والاستمرار في دعم الاقتصاد المصري لكن بمنهج حذر وفي صورة استثمارات وقروض في الأساس بدلا من المنح التي لا ترد وشحنات المواد البترولية. وهذا التحول سيؤثر على سرعة تدفق هذا الدعم وكذلك سيجعله عرضة للتقلبات السياسية في المنطقة.
الجديد مؤخرا هو الحرب في اليمن والتي تشارك فيها بلدان الخليج الداعمة لمصر وعلى رأسها السعودية والتي اعتبرت الحرب في اليمن مسألة حياة أو موت. وهذه الحرب وما يمكن أن تؤول له تجعل مسألة الاستثمار في مصر على المدى القصير ليست أمرا ذا أولوية بيد أن مشاركة مصر في التحالف والذي من المتوقع أن يتطور إلى مشاركة برية قد يؤدي إلى إعفاء مصر من مليارات من الدولارات التي تدين بها لدول الخليج كما حدث عقب حرب الخليج. كما يمكن أن تؤدي المشاركة إلى مضاعفة الاستثمارات الخليجية في مصر بعد الحرب مما يحد من آفاق الاستثمارات الخليجية في مصر على المدى القصير لكن يضاعفها بعد انتهاء الحرب.
الثاني: المستثمر الأوروبي:
بالنسبة للمستثمر الغربي سواء كان أوروبيا أو أمريكيا، فإن مصر يُنظر لها على أنها جزء من منطقة الشرق الأوسط ولا يمكن فصلها عما يحدث في المنطقة. والنظر للبلد كوجهة استثمارية على أنها جزء من منطقتها تجلى بشكل واضح في حالة كوريا الجنوبية والتي على الرغم من صلابة اقتصادها في التسعينيات إلا أنها عانت بشدة إبان الأزمة الاقتصادية التي ضربت جنوب شرق آسيا في نهاية التسعينيات مما جعل المستثمرين يحجمون عن أسواق جنوب شرق آسيا بشكل عام بما فيها كوريا الجنوبية. وعلى نفس المنوال، فإن ما يحدث في المنطقة من اضطرابات في ليبيا والعراق وسوريا والآن اليمن سيكون له أثرا على رؤية المستثمرين عن المنطقة بشكل عام بما فيها مصر. وقد يؤدي ذلك لتأخر الاستثمارات الغربية في أغلب القطاعات وكذلك في البورصة المصرية. لكن قد يستثنى من ذلك الاستثمارات في قطاع الطاقة خاصة توليد الكهرباء والتي تم الإتفاق عليها بالفعل وجاري العمل عليها خاصة أن الحكومة المصرية هي المشتري النهائي والضامن لتلك المشروعات.
الثالث: المستثمر المصري:
كان التصور المنتشر أن الاستثمارات الأجنبية ستتدفق على البلد وسيكون لها أثرا كبيرا في تحريك عجلة الاقتصاد مما يفتح مجالات مختلفة للمستثمرين المصريين. وقد عزز المؤتمر هذا التصور بشكل كبير لكن بعد المؤتمر بعدة أسابيع بدأ الناس إدراك أن تحول مذكرات التفاهم إلى استثمارات على الأرض سيتطلب بعض الوقت. وإذا أخذنا في الإعتبار التوجه الحكومي بإطلاق مشروعات قومية كبيرة مثل قناة السويس وتمويل مثل هذه المشروعات محليا من خلال شهادات استثمار محلية تمتص السيولة، فإن قدرة المستثمر المصري في الحصول على تمويل محلي لمشروعاته محدودة نسبياً. كما يواجه المستثمر المصري تحديا في توفير العملة الصعبة لتمويل عمليات الاستيراد اللازمة سواء لأغراض استهلاك محلي أو تصنيع. وهذه العوامل تؤدي إلى تباطؤ استثمارات المستثمرين المصريين بعض الشيء.
الخلاصة أن شهادة الثقة الكبيرة التي حصل عليها الاقتصاد المصري في المؤتمر قد لا تتحول لاستثمارات حقيقية في القريب العاجل بسبب الظروف الإقليمية كحرب اليمن والحرب على الإرهاب. المستثمر الخليجي سيكون بطيئا في التحرك حتى تنتهي الحرب وتستقر المنطقة. ومن المتوقع أن يحذو المستثمر الغربي حذوه بإستثناء إستثمارات توليد الكهرباء المتفق عليها بالفعل والمضمونة من الحكومة. لكن هذه الحروب الإقليمية من ناحية أخرى قد تؤدي إلى إعفاء مصر من ديون خارجية كبيرة بعد الحرب وكذلك المزيد من المساعدات الخليجية كما حدث بعد حرب الخليج. وفي ظل هذه التطورات قد يكون من المفيد أن تعمل الحكومة على إيجاد حلول محلية معتمدة على المستثمر المصري على المدى القصير حتى تستقر المنطقة.
عمر الشنيطى
04 - إبريل - 2015
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق وموقع CNN  بالعربية"