Monday, November 26, 2012

أبعاد الشراكة بين مصر وتركيا

لا تكاد تمر مناقشة أو حوار عن الاقتصاد المصرى وآفاقه إلا ويتم ذكر تركيا كشريك استراتيجى. لكن ما هى طبيعة الشراكة مع تركيا؟ وما هى أبعادها؟ وهل يمكن ان تحقق هذه الشراكة ما يأمله المصريون وخاصة الحكومة الحالية؟

إذا نظرنا سريعاً على تركيا سنجد ان إجمالى الناتج المحلى لعام 2011  بلغ حوالى 760 مليار دولار، وبذلك يكون متوسط دخل الفرد السنوى 14.400 دولار سنوياً طبقاً للتقارير الرسمية لعام 2011. وقد شهد الاقتصاد التركى  نمواً كبيراً فى السنوات السابقة تراوح بين 6-8% سنوياً وانخفض عجز الموازنة لما دون 2% من الناتج المحلى الاجمالى، وإذا أردنا ان نربط هذه المؤشرات بوضع مصر، فيكفى أن نعرف أن إجمالى الناتج المحلى فى مصر فى نفس الفترة 230 مليار دولار، ودخل الفرد فى المتوسط 6500 دولار سنويا. وبذلك فحجم الاقتصاد التركى يمثل حوالى 3 أضعاف حجم الاقتصاد المصرى.

إذا نظرنا للعلاقات الاقتصادية المصرية التركية، سنجد ان تركيا صدّرت لمصر ما قيمته 2.2 مليار دولار فى عام 2010 أهمهم منتجات حديد وصلب وسيارات، بينما صدّرت مصر لتركيا ما قيمته 0.9 مليار دولار، أهمهم منتجات زراعية، ومواد خام وبترولية. ولذلك فإن الميزان التجارى يميل الى كفة تركيا.

أما اذا نظرنا للاستثمارات التركية المباشرة فى مصر تبلغ 1.5 مليار دولار فقط حتى نهاية 2010، وعلى الرغم من ذلك، فإن الكثير من الامال معقودة على تركيا خاصة بعد زيارة رئيس الوزراء التركى لمصر الاسبوع الماضى بصحبة عدد كبير من الوزراء ورجال الاعمال ويرجع ذلك للأسباب الآتية:
- كانت تركيا ولاتزال نموذج ناجح لتطبيق المشروع الاسلامى.
- ترابط العلاقات الاقتصادية والتجارية بين رجال اعمال التيار الاسلامى فى مصر والشركات التركية، تجعل تركيا مرجعيتهم الاقتصادية.
- دعم تركيا للثورة المصرية والتحول الديمقراطى خاصة بعد صعود التيار الاسلامى الحكم.

أدت تلك الاسباب الى ارتفاع توقعات نتائج الشراكة المصرية التركية. ولكن ما هى أبعاد هذة الشراكة الاقتصادية؟ هناك بعدان:
البعد الأول: البعد الحكومى: دعم الحكومة التركية للإقتصاد المصرى واضح سواء فى دعم مادى او دعم فنى اومعنوى. على مستوى الدعم المادى، أودعت تركيا مليار دولار فى البنك المركزى المصرى مؤخراً ولكن لا يتوقع تكرار مثل هذا الدعم نظرا لعدم قدرة الحكومة على التوسع فى مثل هذا النوع من الدعم. أما الدعم الفنى والمعنوى، فهو مكثف فى شكل تبادل خبرات وبرامج تنمية ولكن الحكومة المصرية تعتمد على قدرة الحكومة المصرية فى وتطبيق هذه البرامج بشكل جيد.

البعد الثانى: البعد الاستثمارى: زيارة عدد كبير من المستثمرين الاتراك لمصر يعكس اهتمامهم بالسوق المصرى ولكن يجب ان لا نضخم من هذا الاهتمام. فعلى المدى القصير يركز المستثمرين الاتراك على فتح الاسواق المصرية وإيجاد مستوردين ووكلاء مصريين لمنتجاتهم بدون الاستثمار المباشر فى مصر. ويهدف ذلك للاستفادة من السوق الاستهلاكى المصرى الكبير فى وقت تمر أوروبا بأزمة اقتصادية طاحنة. أما على المدى البعيد، سيقوم المستثمرين الاتراك بضخ استثمارات فى مصر ولكن بعد الوصول لحالة من الاستقرار الامنى والاقتصادى. وحتى نصل الى هذه المرحلة، فإن الاتراك فى مرحلة استقراء للسوق، وهذا أمر طبيعى ومتوقع من مستثمرين هدفهم المكسب والربح فى نهاية المطاف.

وبناءا علي ما سبق، فإنه بلا شك هناك شراكة استراتيجية بين مصر وتركيا وآمال على هذه الشراكة، لكن لا يجب ان نضخم او نبالغ فى حجم الدعم التركى وأثره على الاقتصاد المصرى. 

عمر الشنيطي
٢٥-نوفمبر- ٢٠١٢
نُشر هذا المقال فى "جريدة الوطن"

Monday, November 19, 2012

يا شعبى الحبيب الصبور المهاود

شهدت مصر تحولاً كبيرا على الساحة السياسية بعد ثورة 25 يناير، ولعل من أبرز معالم هذا التحول ان الفصيل سياسى الذى كان محروماً من أبسط حقوقه السياسية، وهى تكوين حزب يعبر عن أفكاره، أصبح الآن هو الذى يمسك بمقاليد الحكم فى مصر. إن هذا التحول أدى الى تطلُع جموع الشعب المصرى الى حياة أفضل يتحقق فيها مبادئ الثورة وارتفع سقف التوقعات بشدة فى فترة الانتخابات خاصة من حملة مرشحى الإخوان الذين تعهدوا بحلول سريعة فى خلال المائة يوم الأولى لحل المشاكلات الأساسية التى تواجه المجتمع المصرى دون المساس بالعدالة الاجتماعية.

لكن كيف لمن كان بعيداً طوال حياتة عن الحكم ان يضع خطة كهذه؟ بالضرورة أن هناك افتراضات قامت بها الجماعة، وبما ان افراد الجماعة قريبين من المجتمع فهم يدركون خطورة المشاكل ولكنهم كانوا يراهنون على صبر وتحمل الشعب وقد بدى ذلك جلياً فى خطابهم اثناء فترة الانتخابات. حيث علقوا الآمال على ان الشعب الذى دعم عبدالناصر وأيد قراراته رغم قسوة بعضها وصبر على حكم العسكر 60 عاماً، بالتأكيد سيصبر على ما هو آت.

ولكن هل هذا صحيح؟ فيما يلى سنجد أن هناك أربعة اختلافات رئيسية بين الخمسينيات والآن:
أولاً: فى الخمسينيات كان الاقتصاد المصرى دائناً لانجلترا بعد الحرب العالمية الثانية، بينما نحن الآن نعانى من دين تخطى التريليون جنية.
ثانياً: فى عهد عبدالناصر تم اتخاذ العديد من القرارات الشعبية التى استفاد منها قطاع عريض من أبناء الشعب و تميز عهد عبدالناصر بالحزم السياسى والادارة السياسية القوية، بينما نحن الآن فى حالة من التخبط السياسى يبدأ من صعوبة إقرار دستور حتى غلق المحال التجارية
ثالثاً: رأى الشعب فى عبدالناصر البطل الذى جاء ليرفع طبقات المجتمع المتوسطة والفقيرة ورأوه قائداً يثقون فيه، بينما هناك شعور قوى فى مصر الآن بعدم الشفافية فى العديد من القضايا الرئيسية.
رابعاً: تميزت فترة الخمسينيات بالميل للإشتراكية التى عادة ما تلقى قبولا من قطاع واسع من طبقات الشعب ولم يكن حول عبدالناصر رجال اعمال بارزين، بينما تترسخ صورة النظام الحالى على أنه نظام رجال أعمال كسابقة ولكن بصيغة إسلامية.

هذه الأسباب الأربعة تجعل الوضع الآن مختلف عن سابقه فى الخمسينيات ولذلك فتحمل الشعب للتغيرات والإصلاحات الآن سيكون مختلفاًعن تلك الفترة التى نعِم فيها المواطن المصرى بحياة كريمة – وإن لم تكن سهلة- لكنه كان يشعر بكرامته داخل وطنه وخارجه.
كلما نظرت الى المشهد السائد على الساحة الآن، أتذكر مشهد الفنان القدير محمد صبحى فى مسرحية "تخاريف" حينما كان يلعب دور الديكتاتور وكان ينادى شعبه باستمرار قائلاً "يا شعبى الحبيب الصبور المهاود"، وهو ما لا يختلف كثيراً عن نوع الخطاب التى تطلقة الحكومة والرئاسة على الرغم من أن الرئاسة الحالية لا يمكن بأى حال تصنيفها أو وصفها بالديكتاتورية حتى الآن. ويجب أن لا ننسى ان فى آخر المسرحية لم يكن الشعب صبورا ولا مهاوداً وانقلب على رئيسه. لذلك من المهم ان تغير مؤسسة الرئاسة والحكومة والحزب الحاكم من افتراضاتها لردود فعل وقوة تحمل الشعب وان تعيد النظر فى برنامجها وخطواتها الاصلاحية.

عمر الشنيطي




١٨-نوفمبر- ٢٠١٢







Monday, November 12, 2012

هل سنعود لسيناريو 1977

فى عام 1977، أقدم الرئيس أنور السادات على خطوة كبيرة نحو تحرير اسعار السلع الرئيسية خاصة رغيف الخبز، بناءاً على توصيات البنك الدولى وصندوق النقد الدولى، فى إطار جهود مصر  لإعادة هيكلة الاقتصاد فى ذلك الحين. كانت تهدف تلك الخطوة لتحرير الأسواق وتخفيض فاتورة الدعم، لكن فى المقابل إجتاحت مصر موجة عارمة من التظاهرات اضطرته الى العدول عن قراره بعد 48 ساعة فقط من إتخاذه.

الآن وبعد 35 عاما، تعود مصر الى مفترق طرق مشابه حيث تفاوضت الحكومة الحالية مع صندوق النقد الدولى على قرض تصل قيمته 4.8 مليار دولار، ولكنه مشروط بإعادة هيكلة الدعم والقيام بالكثير من الاصلاحات الاقتصادية التى باتت ضرورية على كل حال.

لذا فإن المشهد الحالى يثير تساؤلات مهمة: "هل سنعود الى سيناريو 77؟ وهل سيخرج الشعب الى الشارع ليجبر الرئيس والحكومة على العدول عن قرارات ومبادرات الاصلاح الاقتصادى؟".
إذا نظرنا الى الموضوع نظرة استراتيجية، نجد ان هناك احتمالية -ليست صغيرة- أن تعيش مصر فترة مماثلة لعام 1977 وذلك لخمسة اسباب:
أولا: عدم الشفافية والتضارب: فالمتابع لتصريحات الحكومة والرئاسة يجد حالة من الغموض وعدم الشفافية بخصوص شروط القرض، فحيناً يقال أنه مشروط وأخرى يقال أنه غير مشروط، مما يؤدى الى تضارب فى تصريحات المسؤلين بخصوص الدعم وسعر العملة وغيرها من القضايا المتعلقة به.
ثانيا: تردى الوضع الاقتصادى: حيث يعانى الاقتصاد المصرى من اضطرابات على المستوى الكلى وينعكس ذلك على وضع الافراد خاصة الأكثر فقراً -والذين يعانون بشكل متزايد منذ اندلاع ثورة 25 يناير2011- ولذلك فقدرة الطبقات الفقيرة على تحمل اى غلاء فى الأسعار ضعيفة جداً، سواء جاء ذلك من خلال رفع سعر رغيف الخبز، وهو أمر غير متوقع، أو إعادة هيكلة الدعم على الطاقة، والذى سيؤدى الى ارتفاع غير مباشر فى الاسعار.
ثالثا: الانفلات: حيث تعانى مصر من حالة انفلات عام لا يقتصر فقط على الانفلات الامنى، ولكنها تعدت لتصل الى انفلات أخلاقى. فنجد مستوى الحوار والنقد قد تدنى لدرجة غير مقبولة. وأصبح تعريف "حرية التعبير" هو السب والقذف العلنى مما أدى إلى خلق معارضة غير منطقية للقرارات بشكل عام.
رابعا: التردد: ظهور حالة تردد شديد من الحكومة فى إتخاذ قراراتها. تجلّت فى قضية إغلاق المحال التجارية مبكراً. هذا التردد يحفز كل من يريد الاعتراض على القرارات، خاصة الفئوية منها، على المغالاه فى الإعتراض.
خامسا: الاستقطاب: تعيش مصر حالة استقطاب شديدة ولذلك فمن الطبيعى ان نجد المعارضة تقف امام مثل هذه الاصلاحات الاقتصادية، خاصة انها تمثل خيارات استراتيجية مرتبطة بتوجه الدولة.
إذا نظرنا الى هذه الأسباب، نجد هناك احتمالية لتكرار مشهد 1977 مجددا. لذلك فإنه يجب على الحكومة التخطيط بدقة قبل الإقدام على هذة الاصلاحات الاقتصادية عن طريق:
١- إشراك طوائف وفئات المجتمع المختلفة فى هذه الاصلاحات.
٢- تبنى سياسة تواصل أكثر شفافية ووضوح.
٣- إطلاق مبادرات لإعادة توزيع الدخل ورفع العبء عن الفئات الاكثر فقراً قبل إعادة هيكلة  الدعم.
٤- توفير كميات كبيرة من المنتجات فى الاسواق لطمأنة الشعب وأنه لا يوجد حاجة للتخزين.
هذه المبادرات وغيرها ستساعد على تقليل احتمالية تكرار سيناريو 1977، لذلك قفد وجب علينا التنبيه والنصح لتفادى تكرار ما لا نتمنى حدوثه.

عمر الشنيطي




١١-نوفمبر- ٢٠١٢







Monday, November 5, 2012

"قرض الصندوق .. بين الرسائل الإيجابية وغياب المشاركة الشعبية"

أثارت مفاوضات صندوق النقد الدولي مع الحكومة المصرية مؤخرا الكثير من الجدل في الأوساط الاقتصادية والسياسية على السواء. فبينما يؤيده الكثير من الاقتصادين والسياسيين لضآلة الفائدة والتي تبلغ 1.1% ونتائجه الإيجابية المتوقعة على الاقتصاد المصري، يعارضه عدد آخر منهم بدافع الاستقلالية السياسية وتجارب الصندوق السيئة مع بعض الدول الأخرى.
وإذا نظرنا للقرض من منظور استراتيجي، سنجد أن هذا القرض يعطي مصر شهادتين:

الشهادة الأولى: ألا وهي شهادة سياسية، أن صندوق النقد الدولي – وهو الذراع التمويلي للدول الغربية – يرحب بالتغيرات السياسية التي حدثت في مصر. ويعكس هذا أن الدول الغربية ولاسيما أمريكا – وهي الدول المتحكمة والموجهة للصندوق – في حالة قبول ودعم لنتائج الانتخابات في مصر وانتقال السلطة من المجلس العسكري إلى تيار الاسلام السياسي. وعلى الرغم من أن هذا التحليل قد يكون له بعض المعاني السلبية على المستوى السياسي، إلا أنه آثاره الاقتصادية ايجابية. حيث أن دعم الدول الغربية لانتقال السلطة يدل على توقعهم لاستقرار سياسي وبالتالى استقرار اقتصادى بشكل عام.

الشهادة الثانية: وهي شهادة اقتصادية، أن صندوق النقد كجهة ممولة لديها ثقة في قدرة الاقتصاد المصري على استغلال القرض بشكل مناسب، بل والتعافي والنمو بما يضمن استرجاع القرض.
هاتان الشهادتان تبعثان برسائل قوية للأسواق المالية وتعبر عن مستقبل مصر الاقتصادي. وعلى الصعيد الآخر، قرار الحصول على هذا القرض والذي تبلغ قيمته 4.8 مليار يعكس انتهاج الحكومة لخيارات استراتيجية على المستويين السياسي والاقتصادي. حيث أنه من المفترض أن تكون هذه الخيارات ناتجة عن توجه عام يخرج من حوار وطني بناء بين اطياف المجتمع المختفلة، وهذا هو حق أصيل انتزعه الشعب المصرى بقيام ثورة 25 يناير. أما في حالة عدم حدوث هذا الحوار وعدم تصديق مجلس الشعب عليه – وهو الحال الآن – فإنه يتوقع أن تكون هناك معارضة شديدة قد تكون لها آثارسلبية بالغة.

وأخيرا، على الرغم أن قرض الصندوق النقد الدولى خلفه رسائل اقتصادية وسياسية ايجابية الطابع قد لا يدركها الكثير من عموم الشعب المصرى، إلا أن الطريقة المتبعة في تناول القضية من قبل الحكومة تعتمد على علاقة أحادية تغيب فيها المشاركة الشعبية حيث أن عدم مناقشته في مجلس الشعب يضيع استحقاق أكيد للإرادة الشعبية ويزيد من حنق جموع المواطنين على القرار.

عمر الشنيطي



٤-نوفمبر- ٢٠١٢