عد عامين من الآمال الاقتصادية العريضة، سادت حالة من الرؤية السلبية على الاقتصاد الذى بدا فى وضع حرج فى الأشهر القليلة الماضية مع الحديث الدائم عن أزمة الدولار وما صاحب ذلك من تخفيض فعلى للجنيه ثم رفعه سريعا بعد ذلك. هذا الاضطراب فى سوق العملة كان له أثره على الواردات والصادرات على حد سواء مما انعكس على معدلات الإنتاج والتصنيع المحلى. كما شهدت الفترة الأخيرة موجة من ارتفاع الأسعار أصبح من الصعب إنكارها مما دفع الدولة بمؤسساتها المختلفة للتحرك وإنقاذ الوضع.
كان للدعم الخليجى بعد ٣٠ يونيو دور كبير فى تحسين الاقتصاد لكنه تراجع خلال ٢٠١٥ بسبب انخفاض أسعار البترول ووجود خلافات واضحة بين السياسة السعودية والمصرية مما عقد الوضع الاقتصادى الداخلى حتى تعالت أصوات الشكوى من ضيق الحال. وفى ظل تلك المعطيات، أصبح جليا أن على الحكومة أن تنمى مواردها من استثمارات أجنبية وسياحية لكن وضع المنطقة الملتهب وحادثة الطائرة الروسية أنهيا ذلك التصور مما دفع الحكومة للجوء للمؤسسات المالية العالمية مثل البنك الدولى والبنوك التنموية، وهو ما يتطلب تطبيق إصلاحات اقتصادية صارمة قد يكون لها تكلفة اجتماعية وربما سياسية كبيرة.
لم تكن هناك خيارات أخرى فى ظل التوقعات بأن تشهد ٢٠١٦ وضعا اقتصاديا حرجا. لكن المفاجئ أن الحكومة أخذت بعين الاعتبار الوضع الاجتماعى الملتهب فجاء الإعلان عن العديد من المبادرات للسيطرة على الأسعار، كما انتهج البنك المركزى سياسة واضحة للدفاع عن الجنيه. بدا ٢٠١٦ عام المقاربات والخيارات الصعبة لتحقيق معدلات نمو متواضعة مع الحفاظ على مستويات الأسعار مما يحد من التدهور السريع فى الاقتصاد.
وبينما يتأهب الجميع لعام اقتصادى صعب، تم الإعلان عن التحالف الإسلامى الذى تقوده السعودية، ويشمل ٣٤ دولة أخرى لمحاربة الإرهاب. وأعلنت السعودية انضمام مصر للتحالف مع التنويه عن دور استراتيجى لمصر فى التحالف. فبدا واضحا وجود تقارب مرة أخرى بين الموقف المصرى والسعودى إزاء قضايا المنطقة بما فيها سوريا. ومع انضمام مصر، تم الإعلان عن دعم اقتصادى سعودى كبير لمصر يشمل شحنات مواد بترولية لمدة ٥ سنوات وزيادة الاستثمارات السعودية لتصل إلى ٨ مليارات دولار، وكذلك شراء سندات حكومية لتمويل عجز الموازنة المصرية.
وعلى الرغم من عدم وضوح حجم الدعم هذه المرة وجدوله الزمنى وشكل الاستثمارات المرصودة فإن ذلك الدعم يظل كبيرا بما يكفى لتحسين الوضع الاقتصادى على المدى القصير وسيوفر عملة صعبة تحد من الضغط على الجنيه. تلك الآثار الإيجابية كفيلة بتغيير الرؤية السلبية الحادة التى سادت أخيرا تجاه الاقتصاد. ومما لا شك فيه أن ذلك الدعم سيعطى فرصة لتأخير بعض القرارات الحرجة مثل رفع دعم الطاقة أو تخفيض الجنيه وغيرها من القرارات، التى قد تكون ضرورية اقتصاديا لكن حرجة اجتماعيا وسياسيا.
على الرغم من إيجابيات الدعم السعودى فإنه يفتح الباب لعدة تساؤلات مهمة:
الأول: تزامن الإعلان عن انضمام مصر للتحالف مع الإعلان عن الدعم السعودى لمصر يجعل من الصعب فصل الحدثين عن بعضهما البعض لكن ليس واضحا حتى الآن دور مصر فى ذلك التحالف وتكلفة ذلك الاقتصادية والسياسية، وكذلك انعكاس ذلك على الوضع الأمنى والأعمال الإرهابية، التى قد تنتج عن ذلك انتقاما من الدور المصرى فى التحالف.
الثانى: على الرغم من ضبابية بعض بنود الدعم السعودى فإن حجم ذلك الدعم ليس قليلاً، وهو ما يضع علامات استفهام حول قدرة السعودية على الوفاء به فى ظل عجز موازنة السعودية التى تخطت ١٠٠ مليار دولار فى العام الحالى، وهو ما سيزداد مع انخفاض أسعار البترول دون ٤٠ دولارا للبرميل أخيرا. كما أن تأزم الوضع الاقتصادى فى السعودية يجعل استدامة تلك النوعية من الدعم فرضية غير واقعية على المدى المتوسط.
الثالث: التحالف الإسلامى يشمل دولاً عدة منها دول الخليج مما يجعل من المنطقى التساؤل عما إذا كان الدعم، الذى ستتلقاه مصر سيأتى فقط من السعودية أم أنه ستكون هناك موجات لاحقة من دول خليجية أخرى.
الرابع: مصر ليست حديثة عهد بالدعم الخارجى. فقد كان للدعم الخليجى بعد ٣٠ يونيو مفعول السحر فى انتشال الاقتصاد من أزمة طاحنة لكن ذلك الدعم السخى لم يقم بحل أمراض الاقتصاد المزمنة لكن كان كالمسكن الذى ذهب أثره بعد فترة لنعود للشكوى مرة أخرى. الدعم السعودى هذه المرة على الأرجح سيكون أقل من الدعم الخليجى السابق مما يقلل من قدرة ذلك الدعم على إحداث طفرة نوعية فى الاقتصاد.
الخامس: ذهبت عشرات المليارات من الدولارات من الدعم الذى تلقته مصر المرة الماضية لسد عجز الموازنة، وليس للاستثمار فى مشروعات مستدامة تحرك عجلة الاقتصاد بشكل مستمر. ولذلك لا يظهر أثرا كبيرا لها الآن. والدعم السعودى فى صورة شراء سندات خزانة وتوفير مواد بترولية مهم جدا لكن يصب فى نفس الطريق بينما يظل الأمل أن تساهم الاستثمارات المرصودة فى تغيير ذلك النهج.
السادس: تؤجل الدولة العديد من القرارات الحرجة مثل رفع الدعم وتخفيض الجنيه لأسباب اجتماعية وكذلك تعتمد على الحكومة والمؤسسة العسكرية فى إطلاق وتنفيذ مشروعات قومية عملاقة لدفع عجلة الاقتصاد لكن العام الماضى أثبت أن تلك السياسة لا تستطيع وحدها دفع الاقتصاد بشكل مستدام. وهنا يكمن السؤال المنطقى عما إذا كانت الحكومة ستعى الدرس وتشرع فى استخدام الاستثمارات لتشجيع القطاع الخاص أم أن الاستثمارات السعودية الجديدة ستكون بالشراكة مع الدولة ومؤسساتها السيادية على حساب خفوت نجم القطاع الخاص المحلى.
الدعم الاقتصادى السعودى، والذى تزامن مع إطلاق التحالف الإسلامى، لم يكن متوقعا لكنه طوق النجاة للاقتصاد المصرى على المدى القصير مما يجعل النظرة للوضع الاقتصادى فى ٢٠١٦ أفضل بعض الشىء من الصورة السلبية، التى سادت قبل الإعلان عن هذا الدعم لكن ستظل هناك تساؤلات حول استدامة ذلك الدعم وطريقة الحكومة فى التعامل معه.
عمر الشنيطى
25 - ديسمبر- 2015
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق"