تعتبر قناة السويس من أهم الممرات الملاحية فى العالم، حيث يمر من خلالها عشر التجارة العالمية، لكنها على الرغم من ذلك لا تدر إلا ٥ مليارات دولار سنويا. ولذلك فتطوير القناة والإقليم المحيط بها يعتبر أمرا بديهيا. وقد تم الإعلان مؤخرا عن بدء مشروع توسيع وتعميق القناة الحالية وكذلك حفر تفريعة جديدة فيما يعرف بمشروع «قناة السويس الجديدة»، والذى من المفترض أن يكون خطوة تمهيدية لتطوير كامل الإقليم. ومن الضرورى النظر للمشروع من زاويتين منفصلتين: الأولى مرتبطة بتقييم المشروع وأثره الكلى، بينما الثانية تتعلق بتحليل جاذبية شهادات الاستثمار المقترحة.
على الصعيد الكلى، هناك علامات استفهام كبيرة حول المشروع وجوانبه المختلفة مما يجعله أشبه ما يكون بمغامرة قومية. ويمكن تحديد ثلاثة جوانب للقلق:
الأول: الجدوى الاقتصادية: تم التصريح بأن المشروع سيضاعف طاقة القناة لاستيعاب السفن العابرة وسيمكن من استقبال أنواع سفن لم تكن تستطيع المرور سابقا، مما يؤدى إلى مضاعفة عدد السفن المارة وزيادة الإيرادات إلى ١٣ مليار دولار فى غضون ٤-٥ سنوات. وبالتأكيد سيؤدى لتعميق وتوسيع القناة الحالية للسماح بمرور سفن ذات مواصفات جديدة على القناة، كما أن شق التفريعة الجديدة سيؤدى إلى تقليل زمن الرحلة مما قد يساعد على رفع رسوم المرور بعض الشىء، لكن من غير المتوقع أن يكون لذلك أثر كبير. كما أنه من الصعب مضاعفة عدد السفن العابرة بمجرد شق تفريعة جديدة لأن عدد السفن العابرة مرتبط بحجم التجارة العالمية فى الأساس والذى لا يتوقع أن يتضاعف فى عدة سنوات.
الثانى: زمن وتكلفة المشروع: كان من المفترض أن يتطلب المشروع خمس سنوات للتنفيذ وقام فريق المشروع بضغطه لثلاث سنوات لكن تم التأكيد على إتمامه فى سنة واحدة يوم إطلاق المشروع. وهذا الضغط الرهيب لفترة التنفيذ يضع علامات استفهام كبيرة حول إمكانية الالتزام بهذا الجدول الزمنى الطموح، كما أنه من المتوقع أن يؤدى إلى زيادة التكلفة النهائية للمشروع مقارنة بالميزانية المبدئية البالغة قرابة ٨ مليارات دولار (٦٠ مليار جنيه) وهو رقم قد يظهر محدودا لكنه يقارب إجمالى الاستثمار الحكومى فى العام المالى الجديد، ولذلك فسوء تقدير تكلفة مثل هذا المشروع قد يكون كارثيا.
الثالث: تمويل المشروع: سيتم تمويل المشروع من خلال شهادات استثمار ستصدرها أربعة بنوك حكومية بالنيابة عن هيئة قناة السويس تستهدف جمع ٦٠ مليار جنيه من الأفراد والمؤسسات المصرية. لكن النظر للاكتتابات السابقة يشير إلى أن شراء الأفراد من المتوقع أن يمثل الجزء الأصغر فى تغطية المبلغ المطلوب. ولذلك سيكون على البنوك المحلية، خاصة الحكومية، تغطية الجزء الأكبر من الشهادات المطروحة. وهذا الهيكل التمويلى سيكون له أثر سلبى على القطاع المصرفى، والذى بلغ إجمالى أصوله ١.٨ تريليونات جنيه يتم توظيف ٧٦٪ منها فى سندات حكومية وتمويل عملاء فى مارس ٢٠١٤، حيث يتوقع أن يقوم الأفراد الراغبون فى شراء الشهادات بفك ودائعهم لدى البنوك مما يؤثر على أصول القطاع، كما أن شراء البنوك للشهادات سيخفض من سيولة القطاع.
لكن على الرغم من كونها مغامرة قومية إلا أن شهادات الاستثمار المقترحة قد تكون فرصة استثمارية جيدة للأفراد لعدة أسباب:
الأول: أداة التمويل: شهادات الاستثمار ستكون مديونية على هيئة قناة السويس ويجب رد قيمتها بصرف النظر عن أداء المشروع الجديد. ولذلك فإن حاملى الشهادات سيتم حمايتهم من خطورة المغامرة والتى ستتحملها بالكامل هيئة قناة السويس والحكومة بالتبعية.
الثانى: الضمان: تبلغ عوائد قناة السويس حاليا ٥ مليارات دولار سنويا وهذا الدخل يعطى الهيئة القدرة على سداد أرباح الشهادات بشكل سلس وكذلك رد قيمة الشهادات فى نهاية المدة أو إعادة تمويلها بأشكال أخرى. كما أن الحكومة أعلنت أنها ستضمن هذه الشهادات فى حالة تعثر الهيئة مما يزيد من الضمانات للمستثمرين.
الثالث: العائد: من المفترض أن تكون الشهادات لخمس سنوات بعائد صافى ١٢٪ على الجنيه ويتم توزيعه ربع سنويا. وهذا العائد أعلى من فائدة ودائع البنوك لنفس المدة والتى تبلغ ٩ــ١٠٪ فى أغلب البنوك خاصة الحكومية وهناك تفسير لذلك. فالحكومة تقوم دوريا بتمويل احتياجاتها المالية بإصدار سندات تبلغ فائدتها الإجمالية ١٤ــ١٥٪ لنفس المدة (١٢٪ بعد الضرائب) وتقوم البنوك بشرائها، مستخدمة الودائع لديها وتحقيق ربح يقارب ٣٪ (الفارق بين صافى فائدة السندات وفائدة الودائع). لكن هيئة قناة السويس ستطرح شهادات استثمار معفاة من الضرائب لاكتتاب الأفراد وبذلك تحقق مكسبا متبادلا، فتقترض الهيئة بأقل من فائدة السندات ويحصل الأفراد على عائد أعلى من فائدة الودائع وهو ما يفسر عائد الشهادات المرتفع. ويظل عائد الشهادات مساويا لصافى فائدة السندات مما يسمح للبنوك بتحقيق نفس الربح على شرائها للشهادات والذى لا مفر منه بالنسبة للبنوك الحكومية.
الخلاصة أن مشروع قناة السويس الجديدة تشوبه علامات استفهام كبيرة مما يجعله مغامرة قومية من الصعب التكهن بنتائجها الآن، لكن على الرغم من ذلك فإن شهادات الاستثمار المقترحة لتمويل المشروع قد تكون فرصة استثمارية جيدة للباحثين عن استثمار آمن وثابت العائد. ويظل المشروع فى حاجة لإعادة نظر متأنية لضمان أن تكون القناة الجديدة «سد عالى» جديدا وليست «توشكى» جديدة.
عمر الشنيطى
23 - أغسطس - 2014
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق" و "موقع CNN بالعربية" وموقع "عين العقل"