Saturday, November 29, 2014

ماذا بعد تراجع الدعم الخليجى للاقتصاد المصرى؟

كانت ثورة ٢٥ يناير بمثابة زلزال للنظام الاقتصادى السائد، حيث تراجعت استثمارات كبار رجال الأعمال وكذلك الاستثمار الأجنبى المباشر. وفى خضم ذلك كان على الحكومة الاستجابة للكثير من المطالب الفئوية مما زاد من عجز الموازنة. ومع انتخاب أول رئيس بعد الثورة٬ واجهت حكومة الدكتور قنديل وضعاً اقتصادياً معقداً وانتهجت سياسة تقشفية لا مفر منها٬ وإن اخلتفت الرؤية فى كيفية تطبيقها٬ لخفض عجز الموازنة والسيطرة على الدين الحكومى. واعتمدت تلك الحكومة على تحفيز القطاع الخاص لتدوير عجلة الاقتصاد٬ كما سعت للاتفاق مع صندوق النقد لاكتساب شهادة ثقة دولية تساعد على جذب الاستثمارت الأجنبية. كما ساعد الدعم الخارجى من قطر وتركيا وليبيا على منع سعر صرف الجنيه من الانهيار.

بعد ٣٠ يونيو٬ كان يفترض أن تقوم حكومة الدكتور الببلاوى بالاستمرار فى سياسة التقشف للسيطرة على العجز. لكن ما حدث هو عكس ذلك٬ حيث ساعدت المساعدت الخليجية السخية من السعودية والإمارات والكويت على انتهاج الحكومة لسياسية توسعية برفع الإنفاق الحكومى لإشعار الناس بالتحسن الاقتصادى. وكان لهذه المساعدات أثر كبير فى الدفاع عن سعر صرف الجنيه٬ لكن الكثير من هذه المساعدات تحولت لمشاريع حكومية تحفيزية وتم ترسيتها بالأمر المباشر للمؤسسة العسكرية فى إشارة واضحة لاعتلاء المؤسسة العسكرية عجلة قيادة الاقتصاد. وقد أثار ذلك التوجه الجديد جدلا بين المحللين٬ فمنهم من اعترض عليه واعتبره قتلا بطيئا للقطاع الخاص بينما رآه البعض الآخر ضرورة مرحلية لمساعدة الاقتصاد على التعافى. ولعل التصور المبنى على مشروعات كبيرة تمولها المساعدات الخليجية وتشرف عليها المؤسسة العسكرية كان التصور المعتمد عند الكثير من المحللين.

ومع وصول الرئيس الحالى عبدالفتاح السيسى لسدة الحكم٬ انتظر الجميع التدفق الغزير للدعم الخليجى وإطلاق مشروعات قومية عملاقة كما نوه الرئيس قبل توليه السلطة. وتم بالفعل إطلاق مشروعات عملاقة كقناة السويس الجديدة لكن المليارات الخليجية لم تتدفق وكان على الحكومة اللجوء للتمويل المحلى وتم بالفعل جمع التمويل المطلوب فى وقت قياسى٬ لم يتوقعه حتى أكبر المتفائلين. لكن لم ينته الحديث عن الدعم الخليجى والذى ظل محور كلام الاقتصاديين لأنه ببساطة هو أنبوب الاكسجين للاقتصاد المختنق حتى إن شركات الاستشارات العالمية التى استعانت بها الحكومة أوضحت حاجة الاقتصاد لتدفقات نقدية خارجية من مساعدات واستثمارات بحوالى ١٢٠ مليار دولار خلال ٤ سنوات للخروج من الركود.

وبعد مرور ٦ أشهر على تنصيب الرئيس٬ نجد أن الدعم الخليجى أقل مما كان متوقعاً حيث اقتصر على منحة من الكويت بمليار دولار كوفاء بالتزام سابق وقرض ميسر من الإمارات لتوريد مواد بترولية بقرابة ٩ مليارات دولار. وهذا الدعم مهم لكنه محدود نسبياً. أما عن الاستثمارات المباشرة٬ فقد تم الإعلان عن مؤتمر اقتصادى لكن ظل المؤتمر يؤجل حتى وصل موعده للربيع القادم. وكان التصور السائد أن الإمارات ستغطى ما على مصر دفعه لقطر وكذلك لشركات البترول الأجنبية٬ لكن الواقع جاء مغايراً ولذلك ارتفع الدولار فى السوق الموازية مؤخراً وترسخت الصورة الذهنية الجديدة وهى أنه «علينا أن نعتمد على أنفسنا». وفى ضوء هذا التطور٬ يتبادر للذهن ثلاثة أسئلة رئيسية:

الأول: هل كان تراجع الدعم الخليجى مفاجئاً؟
الأمر لم يكن مفاجئاً بأى حال فمنذ خريف ٢٠١٣ توالت الرسائل والتصريحات على أن الدعم الخليجى لن يستمر وأن على مصر الاعتماد على نفسها لكن هذه التصريحات لم تؤخذ على محمل الجد.

الثانى: هل تراجع الدعم الخليجى سيؤدى إلى مزيد من التدهور الاقتصادي؟
إزالة أنبوب الاكسجين قد يكون له آثار كبيرة على حياة المريض. فالسيطرة على عجز الموازنة ليس أمراً سهلاً وتصاعد العجز يؤدى إلى ارتفاع الدين الحكومى والذى ينتج عنه ارتفاع تكلفة الاقتراض وهو ما سيحتاج لبرنامج تقشفى قاس يزيد من حدة الركود. كما أن تراجع الدعم الخليجى واستمرار الاضطراب الأمنى وما يتبعه من تراجع للسياحة والاستثمارات الاجنبية سيؤدى بدوره لزيادة الضغط على الجنيه ويزيد من حدة التضخم. والركود التضخمى من أصعب الحالات الاقتصادية لكن لا ينبغى تهويله. فمصر ليست الدولة الأولى التى تمر بركود تضخمى وهناك العديد من الدول التى مرت بظروف أكثر قسوة من ذلك ثم عاودت النمو.

الثالث: ما هو المخرج من الوضع الحالى؟
روشتة العلاج ليست معقدة لكنها تحتاج للكثير من الواقعية والإرادة السياسية. ويمكن فى هذا الصدد تحديد عدة ملامح أساسية:
  • بناء صورة أكثر واقعية عن الوضع الاقتصادى الحالى وفرص النمو على المدى القصير.
  • التراجع عن إطلاق المشروعات القومية العملاقة التى تمتص السيولة من السوق بينما تدر عوائد على المدى البعيد.
  • بناء شراكة مع القطاع الخاص وتحفيزه على لعب دور حيوى فى تحريك الاقتصاد بدلاً من مزاحمته.
  • الإسراع فى خفض التكاليف وزيادة الضرائب بشكل موجه٬ لمن يستطيعون تحمل ذلك٬ لسد عجز الموازنة والسيطرة على الدين الحكومى.
  • الإسراع بالاتفاق مع صندوق النقد للحصول على تمويل ميسر وعملة صعبة تدافع عن الجنيه وكذلك تمنح الاقتصاد شهادة ثقة دولية.
  • العمل على تحجيم الواردات غير الأساسية لتقليل الضغط على الجنيه.
  • إدراك أن السياحة والاستثمار الأجنبى مرهونان باستقرار الوضع الأمنى مما يحتاج لإعادة النظر فى استراتيجية إدارة الوضع الداخلى.
  • التعاون اللصيق بين الحكومة ومؤسسات المجتمع المدنى لاحتواء الآثار الاجتماعية للتقشف المالى.

الخلاصة أنه بعد تراجع الدعم الخليجى للاقتصاد المصرى «على ريما أن تعود لعادتها القديمة». فعلى الحكومة العمل على تخفيض عجز الموازنة بشكل أسرع وإعادة ترسيم الملعب الاقتصادى مع القطاع الخاص لتحريك الاقتصاد وكذلك الاتفاق على قرض صندوق النقد لجذب الاستثمارات الأجنبية. لكن سيظل المشهد الاقتصادى أسيراً للتوجه السياسى والذى يحتاج للمصالحة والتهدئة السياسية أكثر من حاجته للحروب والاضطرابات الداخلية والتى لا يعلم نهايتها إلا الله، بينما تزيد من حدة الأزمة الاقتصادية وتقلل من فرص التعافى.


عمر الشنيطى
29 - نوفمبر - 2014
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق" و "موقع CNN  بالعربية" و "مدونات مباشر"

Sunday, November 16, 2014

عن علاقة الاقتصاد بحياة الناس ومدى بؤسهم

الوضع الاقتصادى وما يرتبط به من أخبار ومؤشرات كلية ليس محل اهتمام للكثير من الناس. وهذه الظاهرة ليست مقتصرة على مصر، لكنها قد تكون أكثر حدة فى مصر مقارنة بالدول الغربية. ولعل من أسباب ذلك هو الصورة الذهنية التى تكونت فى أذهان العوام عن الاقتصاديين وعن استخدام الكثير منهم للغة معقدة فى شرح الاقتصاد وكذلك استدلالهم بكمية هائلة من المؤشرات الاقتصادية المحيرة، والتى قد تكون متضاربة فى بعض الأحوال. بالإضافة لذلك، يختلف الاقتصاديون بين بعضهم البعض فى الكثير من القضايا الأساسية نظرا لاختلاف انحيازتهم مما يحير عوام الناس. كما أن بعض الاقتصاديين قد يعمدوا على توظيف المؤشرات الاقتصادية لخدمة أهداف سياسية سواء بتهوين خطورة الوضع الاقتصادى لدعم النظام أو تهويله فى حالة معارضة النظام.

وعلى الرغم من وجود بعض الاقتصاديين ممن يحافظون على موضوعيتهم فى التحليل فإن هذه الصورة الذهنية السلبية مترسخة بشكل كبير، وما يزيدها عمقا هو عدم ثقة الكثير من الناس فى دقة المؤشرات الاقتصادية التى تنشرها الهيئات الحكومية وغياب الخلفية المطلوبة عن مفاهيم الاقتصاد لدى الكثير من العوام. كما أن هذه الصورة الذهنية أوجدت حاجزا نفسيا لدى معظم الناس وأقنعتهم بعدم جدوى متابعة وضع الاقتصاد ومؤشراته لكونها لا تفيدهم فى شىء ولا تعكس واقع حياتهم اليومية. لكن هل هذا الكلام حقيقى؟

فى الواقع يتأثر الناس بشكل مباشر بالوضع الاقتصادى العام. فنمو الاقتصاد يخلق فرص عمل جديدة، ويساهم فى تحسين مستوى دخل الأفراد، بينما الركود عادة ما يصاحبه تسريح للعمالة وتدهور فى مستوى معيشة الأفراد. كما أن استقرار الأسعار فى السوق تسهل حياة الناس وتضمن لهم الحفاظ على قوتهم الشرائية، بينما فترات التضخم تؤدى إلى تآكل القوة الشرائية وإفقار الأفراد. ولذلك فإن وضع الاقتصاد العام له أثرا مباشرا على حياة الناس ولعل ذلك ما دفع الاقتصادى الأمريكى «آرثر أوكون» لإطلاق ما سماه «مؤشر البؤس» فى الستينيات فى فترة حكم الرئيس «جونسون» بهدف قياس ما يمر به عموم الناس اقتصاديا ومعرفة ما إذا كانوا فى حالة اقتصادية جيدة أم بائسة.

مؤشر البؤس فى أبسط صوره يتم حسابه بجمع معدلات البطالة والتضخم. ويقيس معدل البطالة نسبة من لا يستطيعون الحصول على فرصة عمل مقارنة بإجمالى القوة العاملة فى السوق، بينما يقيس معدل التضخم نسبة الزيادة السنوية فى أسعار سلة من السلع والخدمات الرئيسية فى السوق. وبطبيعة الحال يكره الناس ارتفاع معدلات البطالة والحاجة للجلوس على المقاهى طويلا فى انتظار فرصة عمل، كما يكرهون الارتفاعات الكبيرة والمتكررة فى الأسعار. ولذلك كلما ارتفاع قياس المؤشر، كلما ساءت حالة الناس الاقتصادية وازدادوا بؤسا، حتى وإن حقق الاقتصاد معدلات نمو مرتفعة فى نفس الفترة.

وبالنظر لمؤشر البؤس فى مصر، نجد أنه بدأ الألفية الجديدة (٢٠٠٠) عند مستوى منخفض سجل ١٢٪، لكنه سرعان ما ارتفع ليصل لمتوسط ١٦٪ فى السنوات التالية (٢٠٠٠-٢٠٠٨) حتى الوصول إلى الأزمة المالية العالمية (٢٠٠٨)، والتى كان لها أثر كبير مما دفع المؤشر إلى تسجيل أعلى معدلاته ليتخطى ٢٧٪، ثم ما لبث أن انخفض بعدها ليقارب ٢٠٪ قبل اندلاع ثورة ٢٥ يناير، والتى أدت إلى اضطراب الوضع السياسى وانعكست بالطبع على الوضع الاقتصادى مما أدى إلى ارتفاع المؤشر فى السنوات الثلاث، التى أعقبت الثورة ليقارب ٢٣٪ فى المتوسط، ثم ليسجل فى نهاية يونيو الماضى ٢٣٫٩٪، حيث سجل معدل البطالة ١٣٫٣٪، بينما معدل التضخم ١٠٫٦٪، بناء على الأرقام الرسمية، مما جعل مصر تحتل المركز الخامس عالميا فى ترتيب الدول الأكثر بؤسا، فى دراسة أعدتها «وكالة بلومبرج».

وهذا التطور التاريخى لمؤشر البؤس لا ينبغى المرور عليه مرور الكرام. فحينما كانت الحكومات فى العقد السابق لثورة ٢٥ يناير تتباهى بمعدلات النمو الاقتصادى المذهلة، كان عوام الناس يضجون من تدهور وضعهم الاقتصادى ويؤكدون أن معدلات النمو لا تعكس واقعهم، وهو ما يوضحه مؤشر البؤس الذى تضاعف مستواه فى هذا العقد ليؤكد ما كان يشعر به الناس من معاناة. وحينما يشكو الناس مؤخرا أن الثورة لم تأتِ لهم إلا بمزيد من المعاناة الاقتصادية والتدهور فى حياتهم اليومية، فإن ذلك ليس مبالغا فيه وهو ما يؤكده أيضا ارتفاع مؤشر البؤس فى السنوات الأربع الأخيرة.

بناء على ما سبق، ليس من المنطقى اعتبار أن وضع الاقتصاد ومؤشراته الكلية فى معزل عن حياة الناس. حتى مع شكوك البعض فى مدى دقة الأرقام الرسمية، فإن مقارنة مستوى المؤشرات عبر فترة زمنية ممتدة تستطيع أن تعكس الكثير من التطورات الاقتصادية وما ينتج عنها من أثر على حياة الناس اليومية. وفيما يقبع الاقتصاد المصرى فى حالة من الركود التضخمى، فإن تباطؤ النمو الاقتصادى سينعكس على الإبقاء على معدلات بطالة مرتفعة، بينما التضخم المرتقب، الناتج عن ارتفاع الدولار ورفع أسعار الطاقة، سيؤدى بلا شك لمزيد من الارتفاع فى معدلات التضخم مما يعنى بدوره أن مدى البؤس الذى يعانى منه الناس سيكون على الأرجح فى طريقه للزيادة.

الخلاصة أن الصورة الذهنية السلبية عن الاقتصاد والاقتصاديين قد أفقدت الكثير من الناس الرغبة فى متابعة وضع الاقتصاد، ورسخت لديهم فكرة إانعزال مؤشرات الاقتصاد الكلية عن واقع حياتهم اليومية. لكن هذا الافتراض ليس واقعيا والنظر لتطور «مؤشر البؤس» من مطلع الألفية وحتى الآن يعكس معاناة الناس وتدهور حالتهم حتى وإن تباهت الحكومات بمعدلات النمو الاقتصادى. ولذلك فمن مصلحة عوام الناس متابعة وضع الاقتصاد العام لما لذلك من أثر على حياتهم اليومية. فالمؤشرات الاقتصادية الكلية على الرغم من أنه لا يمكن الاعتماد عليها بالكامل فى تفسير حالة الناس إلا أنها تستطيع أن تشرح الكثير، إذا تم النظر إليها بشكل موضوعى ومتكامل.



عمر الشنيطى
15 - نوفمبر - 2014
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق"

Saturday, November 1, 2014

عن تداعيات التطورات الإقليمية والعالمية على الاقتصاد المصرى

أصبح العالم قرية صغيرة، فما يحدث فى دولة يؤثر على الكثير من الدول الأخرى ويتجلى ذلك بشدة فى حالة الدول الناشئة اقتصاديا مثل مصر. وقد شهدت الأسابيع الأخيرة الكثير من التطورات التى لا يمكن إغفال أثرها على الاقتصاد المصرى. ويبرز فى هذا الإطار ثلاثة تطورات رئيسية.

الأول: الركود فى أوروبا:
كان للأزمة المالية فى 2008 أثر كبير على الاقتصاد العالمى خاصة أوروبا حيث دخل الاقتصاد فى حالة من السبات العميق فتراجعت معدلات النمو وارتفعت البطالة والديون الحكومية فى العديد من الدول الأوروبية. وشهد العام الماضى ظهور دلالات لتعافى الاقتصاد الأوروبى، لكن قد تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن فالنمو الاقتصادى خيب توقعات الكثيرين هذا العام ثم جاء تقرير صندوق النقد الدولى الصادم مطلع الشهر الماضى ليشير إلى ضعف دلالات التعافى الاقتصادى فى أوروبا. وكان لهذه الرؤية المتحفظة أثر بالغ فى تراجع البورصات الأوروبية والعالمية على حد سواء.
الاقتصاد المصرى ليس معزولا عن ذلك، فأوروبا أكبر شريك تجارى لمصر وتباطؤ الاقتصاد الأوروبى سينعكس على تراجع الطلب على الصادرات المصرية وهو ما سيعززه تراجع قيمة اليورو وبالتالى ارتفاع أسعار الصادرات المصرية باليورو. كما أن الشركات الأوروبية خاصة فى مجال البترول تأتى كأكبر المستثمرين فى مصر وتراجع الاقتصاد الأوروبى سيدفعها إلى التقوقع لإعادة هيكلة استثماراتها استعدادا لموجة ركود جديدة مما قد ينعكس على استثماراتها فى مصر. بالإضافة لذلك، فإن الركود فى أوروبا قد ينعكس على تراجع أعداد السائحين الأوروبين القادمين لمصر ويؤخر من تعافى القطاع السياحى. وتراجع النمو الأوروبى والعالمى سيؤدى بالتبعية إلى تباطؤ نمو التجارة العالمية وبالتالى تراجع نمو إيرادات قناة السويس.

الثانى: انخفاض أسعار البترول:
تراجعت أسعار النفط مؤخرا ليصل سعر خام برنت لقرابة 85 دولارا للبرميل بعد أن وصل إلى 110 دولارات فى مطلع العام. وقد أدت سنوات طويلة من ارتفاع الأسعار إلى تراكم فوائض خيالية لدى الدول الخليجية مما ساعدهم على توسيع إنفاقهم وإقبال العديد منهم على لعب أدوار سياسية بارزة إقليميا وكذلك إلى مساعدة روسيا، شديدة الاعتماد على تصدير البترول والغاز، لاستعادة الكثير من نفوذها على الساحة الأوروبية والعالمية. ويرجع الكثير من الخبراء انخفاض الأسعار لتراجع النمو فى أوروبا وما ينتج عنه من انخفاض معدلات الطلب عالميا وكذلك زيادة إنتاج أمريكا من الغاز الصخرى. عادة ما تقوم الأوبك، منظمة اتحاد الدول المصدرة للبترول، بتخفيض إنتاجها فى مثل هذه الحالات للحفاظ على أسعار البترول. لكن ما كان مفاجئا هو قيام العديد من دول الأوبك بزيادة إنتاجها وهو ما دفع الأسعار للمزيد من الانخفاض. وقد فسر بعض الخبراء ذلك بحاجة دول الأوبك للحفاظ على مستويات إيراداتهم والرغبة فى إفلاس صناعة الغاز الصخرى التى لا تستطيع تحمل الأسعار المنخفضة، بينما فسره البعض الآخر بالضغط الأمريكى على بعض دول الأوبك لزيادة الإنتاج وخفض الأسعار للضغط على روسيا وإيران.
ولهذا الانخفاض المفاجئ، والذى قد لا يستمر طويلا، نتائج متباينة على الاقتصاد المصرى. مع تراجع عائدات النفط، تتراجع الفوائض المالية فى الدول الخليجية الداعمة لمصر، والتى يعد النفط المصدر الرئيسى لدخلها، وربما يواجه بعضها عجزا فى حالة انخفاض الأسعار بشكل أكبر وهو ما دفع بعض هذه الدول لمراجعة ميزانياتها. وذلك المنحى سيؤثر على قدرة هذه الدول على دعم الاقتصاد المصرى الذى يطفو بفضل المساعدات الخليجية السخية. من الصعب افتراض توقف المساعدات الخليجية بسبب تراكم الفوائض المالية لسنوات طويلة وكذلك ارتباط هذا الدعم بموقف سياسى فى الأساس، لكن تراجع إيرادات البترول سيقلل من الدعم الخليجى مقارنة بما تعول عليه الحكومة المصرية، كما يتوقع أن يؤدى ذلك لتراجع فرص توظيف المصريين فى الخليج وانخفاض معدلات نمو تحويلات المصريين العاملين فى الخارج.
على صعيد آخر، يؤدى انخفاض أسعار البترول إلى انخفاض فاتورة دعم الطاقة وخفض عجز الموازنة المتصاعد منذ الثورة. وعلى الرغم من أن انخفاض أسعار البترول يؤثر سلبا على روسيا ويقلل من قدرتها على لعب دور كبير كحليف محتمل لمصر إلا أنه من ناحية أخرى يصب فى مصلحة الصين ويجعل السعى لإقامة شراكة اقتصادية معها أمرا بديهيا خاصة أن الاستثمارت الصينية فى مصر لا تتناسب مع حجم الاقتصاد الصينى وفوائضه الخيالية.

الثالث: الحرب على داعش:
أدى ظهور داعش المفاجئ لتدشين حرب عالمية جديدة على الإرهاب بتكوين تحالف دولى يشمل دول خليجية. وكما هو معتاد، فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة ولذلك سيقل اهتمام الخليج بالوضع المصرى بشكل عام مقارنة بالحرب الجديدة. ومن المتوقع أن تتحمل الدول الخليجية فاتورة الحرب الجديدة، كما حدث فى حرب الخليج، وهو ما سيستنفذ جزءا ليس بالقليل من فوائض الخليج وبالتالى يقلل من قدرة الدول الخليجية الحليفة على دعم الاقتصاد المصرى. كما أن غياب الجيش المصرى من التحالف قد يكون إعفاء من مغبة الدخول فى حرب شوارع مع تنظيم شرس، لكنه يأتى على حساب تراجع الأهمية النسبية للدور المصرى من وجهة نظر الدول الخليجية الحليفة والتى كانت خزائنها المفتوحة لمصر بمثابة طوق النجاة للاقتصاد بعد ٣٠ يونيو. ومع ذلك التطور، يستوجب على الحكومة المصرية السعى وراء مصادر تمويل مستدامة من المؤسسات المالية العالمية مثل صندوق النقد الدولى والبنوك التنموية المختلفة.

الخلاصة أن التطورات الأخيرة من الركود فى أوروبا لانخفاض أسعار البترول للحرب على داعش لها تداعيات حرجة ومتباينة على الاقتصاد المصرى مما يستوجب أن تعيد الحكومة النظر فى خطتها الهادفة لإخراج الاقتصاد من دائرة الركود على المدى القصير بدفع معدلات النمو والدفاع عن الجنيه مستعينة بالتدفقات الخارجية سواء من الاستثمارت الأجنبية أوالدعم الخليجى والتى من المتوقع أن تتراجع مقارنة بالتوقعات السابقة مما يزيد من حدة الأزمة ويتطلب فترة أطول للخروج منها. كما يتعين على الحكومة بناء شراكات مستدامة مع المؤسسات المالية العالمية والصين الصاعدة بثبات.




عمر الشنيطى
1 - نوفمبر - 2014
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق"