Saturday, November 1, 2014

عن تداعيات التطورات الإقليمية والعالمية على الاقتصاد المصرى

أصبح العالم قرية صغيرة، فما يحدث فى دولة يؤثر على الكثير من الدول الأخرى ويتجلى ذلك بشدة فى حالة الدول الناشئة اقتصاديا مثل مصر. وقد شهدت الأسابيع الأخيرة الكثير من التطورات التى لا يمكن إغفال أثرها على الاقتصاد المصرى. ويبرز فى هذا الإطار ثلاثة تطورات رئيسية.

الأول: الركود فى أوروبا:
كان للأزمة المالية فى 2008 أثر كبير على الاقتصاد العالمى خاصة أوروبا حيث دخل الاقتصاد فى حالة من السبات العميق فتراجعت معدلات النمو وارتفعت البطالة والديون الحكومية فى العديد من الدول الأوروبية. وشهد العام الماضى ظهور دلالات لتعافى الاقتصاد الأوروبى، لكن قد تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن فالنمو الاقتصادى خيب توقعات الكثيرين هذا العام ثم جاء تقرير صندوق النقد الدولى الصادم مطلع الشهر الماضى ليشير إلى ضعف دلالات التعافى الاقتصادى فى أوروبا. وكان لهذه الرؤية المتحفظة أثر بالغ فى تراجع البورصات الأوروبية والعالمية على حد سواء.
الاقتصاد المصرى ليس معزولا عن ذلك، فأوروبا أكبر شريك تجارى لمصر وتباطؤ الاقتصاد الأوروبى سينعكس على تراجع الطلب على الصادرات المصرية وهو ما سيعززه تراجع قيمة اليورو وبالتالى ارتفاع أسعار الصادرات المصرية باليورو. كما أن الشركات الأوروبية خاصة فى مجال البترول تأتى كأكبر المستثمرين فى مصر وتراجع الاقتصاد الأوروبى سيدفعها إلى التقوقع لإعادة هيكلة استثماراتها استعدادا لموجة ركود جديدة مما قد ينعكس على استثماراتها فى مصر. بالإضافة لذلك، فإن الركود فى أوروبا قد ينعكس على تراجع أعداد السائحين الأوروبين القادمين لمصر ويؤخر من تعافى القطاع السياحى. وتراجع النمو الأوروبى والعالمى سيؤدى بالتبعية إلى تباطؤ نمو التجارة العالمية وبالتالى تراجع نمو إيرادات قناة السويس.

الثانى: انخفاض أسعار البترول:
تراجعت أسعار النفط مؤخرا ليصل سعر خام برنت لقرابة 85 دولارا للبرميل بعد أن وصل إلى 110 دولارات فى مطلع العام. وقد أدت سنوات طويلة من ارتفاع الأسعار إلى تراكم فوائض خيالية لدى الدول الخليجية مما ساعدهم على توسيع إنفاقهم وإقبال العديد منهم على لعب أدوار سياسية بارزة إقليميا وكذلك إلى مساعدة روسيا، شديدة الاعتماد على تصدير البترول والغاز، لاستعادة الكثير من نفوذها على الساحة الأوروبية والعالمية. ويرجع الكثير من الخبراء انخفاض الأسعار لتراجع النمو فى أوروبا وما ينتج عنه من انخفاض معدلات الطلب عالميا وكذلك زيادة إنتاج أمريكا من الغاز الصخرى. عادة ما تقوم الأوبك، منظمة اتحاد الدول المصدرة للبترول، بتخفيض إنتاجها فى مثل هذه الحالات للحفاظ على أسعار البترول. لكن ما كان مفاجئا هو قيام العديد من دول الأوبك بزيادة إنتاجها وهو ما دفع الأسعار للمزيد من الانخفاض. وقد فسر بعض الخبراء ذلك بحاجة دول الأوبك للحفاظ على مستويات إيراداتهم والرغبة فى إفلاس صناعة الغاز الصخرى التى لا تستطيع تحمل الأسعار المنخفضة، بينما فسره البعض الآخر بالضغط الأمريكى على بعض دول الأوبك لزيادة الإنتاج وخفض الأسعار للضغط على روسيا وإيران.
ولهذا الانخفاض المفاجئ، والذى قد لا يستمر طويلا، نتائج متباينة على الاقتصاد المصرى. مع تراجع عائدات النفط، تتراجع الفوائض المالية فى الدول الخليجية الداعمة لمصر، والتى يعد النفط المصدر الرئيسى لدخلها، وربما يواجه بعضها عجزا فى حالة انخفاض الأسعار بشكل أكبر وهو ما دفع بعض هذه الدول لمراجعة ميزانياتها. وذلك المنحى سيؤثر على قدرة هذه الدول على دعم الاقتصاد المصرى الذى يطفو بفضل المساعدات الخليجية السخية. من الصعب افتراض توقف المساعدات الخليجية بسبب تراكم الفوائض المالية لسنوات طويلة وكذلك ارتباط هذا الدعم بموقف سياسى فى الأساس، لكن تراجع إيرادات البترول سيقلل من الدعم الخليجى مقارنة بما تعول عليه الحكومة المصرية، كما يتوقع أن يؤدى ذلك لتراجع فرص توظيف المصريين فى الخليج وانخفاض معدلات نمو تحويلات المصريين العاملين فى الخارج.
على صعيد آخر، يؤدى انخفاض أسعار البترول إلى انخفاض فاتورة دعم الطاقة وخفض عجز الموازنة المتصاعد منذ الثورة. وعلى الرغم من أن انخفاض أسعار البترول يؤثر سلبا على روسيا ويقلل من قدرتها على لعب دور كبير كحليف محتمل لمصر إلا أنه من ناحية أخرى يصب فى مصلحة الصين ويجعل السعى لإقامة شراكة اقتصادية معها أمرا بديهيا خاصة أن الاستثمارت الصينية فى مصر لا تتناسب مع حجم الاقتصاد الصينى وفوائضه الخيالية.

الثالث: الحرب على داعش:
أدى ظهور داعش المفاجئ لتدشين حرب عالمية جديدة على الإرهاب بتكوين تحالف دولى يشمل دول خليجية. وكما هو معتاد، فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة ولذلك سيقل اهتمام الخليج بالوضع المصرى بشكل عام مقارنة بالحرب الجديدة. ومن المتوقع أن تتحمل الدول الخليجية فاتورة الحرب الجديدة، كما حدث فى حرب الخليج، وهو ما سيستنفذ جزءا ليس بالقليل من فوائض الخليج وبالتالى يقلل من قدرة الدول الخليجية الحليفة على دعم الاقتصاد المصرى. كما أن غياب الجيش المصرى من التحالف قد يكون إعفاء من مغبة الدخول فى حرب شوارع مع تنظيم شرس، لكنه يأتى على حساب تراجع الأهمية النسبية للدور المصرى من وجهة نظر الدول الخليجية الحليفة والتى كانت خزائنها المفتوحة لمصر بمثابة طوق النجاة للاقتصاد بعد ٣٠ يونيو. ومع ذلك التطور، يستوجب على الحكومة المصرية السعى وراء مصادر تمويل مستدامة من المؤسسات المالية العالمية مثل صندوق النقد الدولى والبنوك التنموية المختلفة.

الخلاصة أن التطورات الأخيرة من الركود فى أوروبا لانخفاض أسعار البترول للحرب على داعش لها تداعيات حرجة ومتباينة على الاقتصاد المصرى مما يستوجب أن تعيد الحكومة النظر فى خطتها الهادفة لإخراج الاقتصاد من دائرة الركود على المدى القصير بدفع معدلات النمو والدفاع عن الجنيه مستعينة بالتدفقات الخارجية سواء من الاستثمارت الأجنبية أوالدعم الخليجى والتى من المتوقع أن تتراجع مقارنة بالتوقعات السابقة مما يزيد من حدة الأزمة ويتطلب فترة أطول للخروج منها. كما يتعين على الحكومة بناء شراكات مستدامة مع المؤسسات المالية العالمية والصين الصاعدة بثبات.




عمر الشنيطى
1 - نوفمبر - 2014
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق"

No comments:

Post a Comment