Sunday, February 24, 2013

إقتصاد العجز ورجال الأعمال

إن الإقتصاد الحديث يجب أن يحقق التوازن بين أربعة أهداف رئيسية:
١- نمو الناتج المحلي (وهو إجمالي ما تم إنتاجه من سلع وخدمات) سنويا بنسبة مرتفعة تكون أعلى من التضخم وأعلى من زيادة السكان حتى يشعر الناس بزيادة حقيقية في دخلهم.
٢- توزيع الدخل بشكل عادل ومتوازن بين فئات المجتمع المختلفة لإقرار حالة من السلام الإجتماعي.
٣- كبح جماح التضخم حتى لا يشعر الناس بضعف قدرتهم على شراء السلع والخدمات.
٤- تقليل معدلات البطالة وتوفير فرص عمل بشكل يتناسب مع زيادة السكان.

إذا نظرنا لإدارة الإقتصاد المصري حالياً نجد أن هناك تركيز على محورين رئيسيين:
أولاً: عجز الميزانية: نجد أن هناك تركيز على كيفية خفض عجز الميزانية والذي وصل إلى ١٧٠ مليار جنيه في العام المالي الماضي ويتوقع أن يتخطى هذا المستوى في العام المالي الحالي. بجانب دأب الحكومة على إيجاد وسائل لتمويل هذا العجز عن طريق إصدار سندات حكومية تقوم البنوك المحلية بتمويل أغلبها.

ثانياً: رجال الأعمال: فالإدارة الإقتصادية الحالية تتسم بالإعتماد الشديد على رجال أعمال موالين للسلطة يقومون برسم الخطط الاقتصادية. هذا بالإضافة إلى التوجه العام المعلن عن الرغبة في المصالحة مع رجال أعمال النظام السابق وإشراكهم في الساحة الإقتصادية.

وبالتعمق في هذين المحورين، نجد أن هناك مشاكل كبيرة نتيجة التركيز علي هذين المحورين وعلاجهما بالطرق المتبعة حالياً، فعلى صعيد عجز الموازنة: يمكن القول بأن التركيز الشديد على عجز الميزانية قد أصاب الإقتصاد بالعجز لأسباب متعددة:
١- محاولة خفض العجز عن طريق خفض النفقات تزيد من حالة الركود الذي يعاني منها الإقتصاد منذ الثورة (والركود هنا يعني تباطؤ النمو الإقتصادي).
٢- التركيز على تمويل العجز داخلياً من خلال البنوك المحلية يقلل من السيولة في السوق مما يقلل من قدرة البنوك على تمويل المشروعات وبالتالي يزيد من حالة الركود.
٢- إعتبار قرض صندوق النقد هو الملجأ وإجراء إصلاحات إقتصادية بدون شفافية له آثار سلبية كبيرة كزيادة التضخم الناتج عن إرتفاع سعر صرف الدولار وزيادة الضرائب.

أما على صعيد رجال الأعمال، فإن الاعتماد عليهم في رسم الخطط الإقتصادية لها مشاكل متعددة:
١- رجال الأعمال ينتهجون سياسة استغلال الفرص لتحقيق الأرباح ولكن الإقتصاد في إدارته لابد أن يراعي مصالح فئات الشعب المختلفة. كما أن الإقتصاد علم له أسسه وآلياته التي هي أشمل و أعمقً من إدارة النشاطات التجارية. ولذلك الإعتماد على رجال الأعمال، حتى المخلصين منهم، يفقد التوجه الإقتصادي العمق المطلوب ويختذله في مجموعة من المشروعات الإستثمارية الغير متكاملة في تأثيرها على البلد.
٢- التصالح مع رجال الأعمال هي نبرة تسمع أحياناُ يعقبها نبرة التخوين لرجال الأعمال الذين يمولون الثورة المضادة ثم نعود للمصالحة وهكذا. ذلك التضارب في التوجه يصيب المستثمرين في الداخل والخارج بالقلق، الأمر الذي يؤدي إلى حالة من الترقب حتى إستقرار الأوضاع.

لذلك يجب على الإدارة الإقتصادية للدولة أن تأخذ في إعتبارها الآتي:
١- التركيز على العجز كهدف أسمى يصيب الإقتصاد بالعجز. و يجب علاجه عن طريق تغيير تركيبة تمويل العجز بتقليل الإعتماد على البنوك المحلية مقابل التمويل من الخارج. كما أن علينا تقليل التركيز على خفض النفقات بعض الشئ حتى يتعافى الإقتصاد مع فرض رقابة صارمة على الأسعار.
٢- رجال الأعمال من أعمدة الإقتصاد الرئيسية في كل الدول ولكن ليسوا هم من يجب أن يضطلع بوضع خطط مصر الاقتصادية، فهم ليسوا أهلاً لذلك، حتى وإن خلصت نواياهم. كما يجب الثبات على مبدأ مع رجال الأعمال: إما المصالحة أو المحاسبة.
٢- الإدارة الإقتصادية أوسع من العجز ورجال الأعمال ولابد من وضع برنامج إنقاذ إقتصادي متكامل يوازن بين الأهداف الأربعة : النمو، توزيع الدخل، التضخم، والبطالة.

عمر الشنيطي
٢٤-فبراير-٢٠١٣
نُشر هذا المقال فى "جريدة الوطن"

Sunday, February 17, 2013

الإقتصاد الإسلامى: واقع أم خيال؟

مع ظهور التيار الإسلامى على الساحة السياسية، كثر الحديث عن الإقتصاد الإسلامى كبديل عن الإقتصاد الربوى من منطلق أن الإسلام نظام شامل ينظم جميع نواحى الحياة بما فيها الإقتصاد والسياسة. وتزامن الحديث عن الإقتصاد الإسلامى مع الوعود بـتدفق الإستثمارات وإستحداث أدوات مالية إسلامية مثل الصكوك. ولكن ما إن وصل التيار الإسلامى الى الحكم حيث وجب عليهم التعامل مع المشاكل الاقتصادية المزمنة، وجدناهم يلجئون لنفس الأدوات التقليدية. ومن هنا يأتى التساؤل عن ماهية " الإقتصاد الإسلامى".

هل هناك فعلاً "إقتصاد إسلامى"؟!
إن النظام الإقتصادى الحديث هو فلسفة و مبادئ تحكم مجموعة من الآليات التى تنظم أدوار الجهات المختلفة وتحدد العلاقات بينهما. والنظام الإقتصادى يجب أن يكون متكامل وتم تنفيذه فى دول أخرى حتى يمكن الحكم على فاعليته. وبناءا على هذا التعريف، لا يمكن الإعتراف بأنه يوجد نظام إقتصادى إسلامى متكامل بآليات واضحة ومجربة فى دول أخرى بشكل فعال إذ أن الإقتصاد الإسلامى لا يعدو فى الحقيقة عن مجرد فلسفة ومجموعة من المبادئ والآليات الاستراتيجية استنبطها الفقهاء والإقتصاديون لكن مازالت هذه الآليات غير متكاملة وتحتاج الى الكثير من التطوير حتى يمكن تطبيقها.
قد يزعم البعض أن الإقتصاد الإسلامى نظام قائم مدللين على ذلك بوجود بنوك إسلامية فى كثير من الدول. لكن البنوك هى مجرد جزء من النظام الإقتصادى. وإن كان حدث تقدم نسبى فى مجال البنوك فى النظام الاسلامى فإن الأبعاد الاخرى فى الإقتصاد الحديث لم يشملها هذا التطور بعد مثل دور الحكومة والقوانين التجارية وغيرها.

لكن كيف يبدو الإقتصاد الإسلامى؟!
الإقتصاد الإسلامى أشبه ما يكون بالإقتصاد المختلط الذى يجمع بين آليات إقتصاد السوق كما فى الرأسمالية لكنه يعطى للدولة دور كبير فى مراقبة الأسواق وتنظيمها مع وجود آليات للعدالة الاجتماعية. لذا فإن الإقتصاد الإسلامى يعتمد على مجموعة من الآليات مثل الزكاة والأوقاف والتى يستطيع الإقتصاد من خلالها تقديم خدمات عامة مثل التعليم والصحة والضمان الاجتماعى. كما يركز النظام على عدم التعامل بالربا ويدفع المتعاملين للدخول فى عمليات بيع وشراء أو المشاركة فى العمليات التجارية نظير المشاركة فى الربح والخسارة وهذا من شأنه زيادة النشاط التجارى. هذا بالاضافة إلى آلية الميراث التى تعمل على توزيع الثروات عبر الأجيال على عدد أكبر لمنع تراكم الثروة. لذا نجد أن تطبيق الإقتصاد الإسلامى فى مصر قد يكون إيجابياً الى حد كبير. فعلى سبيل المثال إعتماد طريقة التمويل عن طريق الصكوك من المفترض أن تقلل عبء التمويل على كاهل الدولة.

كيف يمكن التحول للإقتصاد الإسلامى؟!
التنظير دائما أسهل من التطبيق، لذلك فإن التحول يحتاج للكثير من التمهيد:
أولاً: لابد من التركيز على الأزمة الإقتصادية الحالية فى مصر والتى أدت الى ضرورة الإقتراض على المدى القصير سواء من الداخل او الخارج ولكن يجب على التوازى الدفع ببرنامج إصلاح إقتصادى متكامل.
ثانياً: لابد من تمهيد الأرضية لتطبيق آليات الإقتصاد الإسلامى ويقتضى ذلك التوسع فى تدريسه فى الجامعات والأهم من ذلك التركيز على تطوير هذا النظام ليتحول من مجرد مبادئ الى آليات متكاملة يمكن تطبيقها.
ثالثاً: ينبغى تطبيق النظام بشكل تدريجى، مع التركيز على تفعيل وتوسيع قاعدة البنوك والتمويل الإسلامى بما انها أكثر الآليات تطوراً فى النظام. يجب عدم التسرع فى التطبيق خشية وقوع رد فعل عكسى من تطبيق نظام غير ناضج قد يكلف الدولة الكثير لعقود قادمة.

فى النهاية، لا يمكن القول بأنه يوجد نظام إقتصاد إسلامى متكامل ومجرب يمكن تطبيقه فى مصر ولكن توجد مبادئ وآليات استراتيجية يمكن الإستناد اليها لإيجاد نظام متوازن ومناسب لطبيعة مصر. ولكن لابد ان يتم هذا التحول بشكل تدريجى لتجنب آثار التحول السلبية.

عمر الشنيطي
١٧-فبراير-٢٠١٣
نُشر هذا المقال فى "جريدة الوطن"

Sunday, February 10, 2013

فلسفة الإخوان فى إدارة الدولة

بين إدعاءات المحللين بإن مصر أصبحت دولة "فاشلة" و تردى الوضع الإقتصادى، يتبادر للذهن: كيف وصل الحال إلى هذه المرحلة؟ هذا السؤال ينطبق على الإقتصاد وكذلك إدارة الدولة بشكل عام.

بعد بضعة  أشهرعلى وصول الإخوان للحكم، يصعُب إجراء تقييم متكامل للتجربة وكذلك يصعُب الجزم بفشلهم ولكن يمكن تحليل أدائهم واستقراء فلسفتهم فى إدارة الدولة. إذا أردنا حُكمًا موضوعيًا لابد أن ننظر لأداء الأخوان وكذلك العقبات التى تشكلها المعارضة. وعلى الرغم من إيمانى بالدورالسلبى لهذه المعارضة، إلا أننى سأقتصر فى هذا المقال على فلسفة الإخوان فقط لسببين: أولًا: أسهل شىء هو إلقاء اللوم على الآخر كوسيلة للهروب من حقيقة الإدارة السيئة. ثانيًا: أننا مازلنا لا نملك أدلة لإتهام المعارضة بالمؤامرات. فمن الأفضل الحديث على من يدير زمام الأموروقراءة فلسفته .

رغم حرمانهم لعقود من المساهمة فى إدارة الدولة، إندفع الإخوان لحصد المناصب من خلال الإنتخابات. بطبيعة الحال فإنهم لا يسعون للفشل ويبدو واضحًا أنهم بنوا فلسفتهم فى إدارة الدولة على عدة إفتراضات دفعتهم لإعطاء وعود براقة في الإنتخابات. وبالنظر إلى برنامج الحزب ثم مشروع النهضة وكذلك ما قيل فى جلسات الحوار المجتمعى، نستطيع أن نستخلص فلسفة الإخوان فى إدارة الدولة بإقتصادها ومؤسساتها بناءًا على ثلاث افتراضات رئيسية:
الأول: أن مصر دولة غنية بها موارد كثيرة ولديها القدرة على إحداث تنمية فى قطاعات مختلفة. وهذا الافتراض به الكثير من الصواب فمصر دولة بها موارد متعددة وتستطيع الارتكاز على قطاعات مختلفة ولكن الخطأ هو المبالغة فى حساب الموارد كما حدث فى موضوع الصناديق الخاصة. و كذلك عدم إدراك أن مصر تعانى لعقود من عجزهيكلى فى ميزانيتها قد يتطلب سنوات طويلة لمجرد إرجاع الميزانية تحت السيطرة.

الثانى: أن هذه الدولة الغنية بالموارد ينقصها مشروع قومى طموح حتى تنهض وهو ما ترجمته الجماعة بإصدار "مشروع النهضة". وبالرغم من أهمية هذه النوعية من المشاريع، إلا أن ما أُطلق من مشاريع كانت فى غاية التفاءل بدرجة تفوق المنطق. ولم يأبه الإخوان بالتحديات التى ستقابلهم وقت التنفيذ مثل قلة الإمكانيات المالية والعقابات الإدارية ولكن تفانوا فى تسويق هذه البرامج وإطلاق الوعود وأدى ذلك فيما بعد إلى الشعور بالإحباط خاصةً فى الجانب الإقتصادى الذى أصابه تراجع كبير.

الثالث: أن مؤسسات الدولة تسير بقوة الدفع الذاتى وكانت تدارمن مجموعة غير مخلصة وفاسدة فى كثيرٍ من الأحيان. ولذلك أعتقد الإخوان أن الدولة ستسير بشكل أفضل بتعيينهم لأفراد من "أهل الثقة" يتسمون بالحد الأدنى من الكفاءة والأمانة. الواقع أن جهاز الدولة له ثقافة مختلفة أصبحت فيها الإكراميات جزء من الحياة اليومية والفساد له تعريفات أخرى، فكان لدخول أهل الثقة وتلويحهم بمحاربة الفساد بشكل علنى أثار سيئة حتى وإن اتسم بعض من تم تعينهم بالكفاءة. فقد أدى ذلك إلى إستنفار قطاع كبير من الموظفين الذين شعروا بالخطر لأن ذلك يهدد ما اعتادوا عليه حتى وإن لم يكونوا فاسدين. كما أحدث ذلك حالة من الشلل فلا تجد مسؤول لديه رغبة فى التوقيع على ورقة.

هذه الافتراضات الثلاثة شكلت إلى حد كبيرفلسفة الإخوان في الشق الإقتصادي والإداري للدولة. ما زال مبكرًا إصدار حكم نهائى على التجربة وما زال لدى الإخوان الفرصة بأن يعيدوا النظر فى فلسفتهم وأن يعدلوا عن إفتراضات "موارد الدولة الغنية" و"البرامج الطموحة هى أهم ما تحتاجه مصر" و"سيرالدولة بقوة الدفع الذاتى وتعيين أهل الثقة" والتى ظهر الكثير من آثارها السلبية. وعليهم أن يقوموا بتغيرات فى السياسات والأشخاص الذين يتصدرون المشهد بكفاءات قادرة على تدراك الموقف وتغيير المسار. "لم تفت فرصة تغير المسار بعد ولكن لم يبقى أمامها الكثير...".

عمر الشنيطي
١٠-فبراير-٢٠١٣
نُشر هذا المقال فى "جريدة الوطن"

Sunday, February 3, 2013

السياسة قبل الاقتصاد

يمر الاقتصاد المصرى بأزمة منذ ثورة 25 يناير، وتزيد آثار هذه الأزمة بمرور الوقت فى ظل عدم تطبيق برنامج إصلاح إقتصادى متكامل. وللإنصاف، فإن هذه الأزمة ليست ناتجة من تبعات الثورة فقط، بل انها تراكمات ظل يعانى منها الاقتصاد المصرى لسنوات من عدم إتزان بين الصادرات والواردات، المصروفات والايرادات، الاستثمار والاستهلاك الى غير ذلك من اختلالات أدت الى مشكلات اقتصادية هيكلية ومزمنة.

إذا نظرنا للوضع الحالى، نجد ان الاضطرابات السياسية تعتبر هى لب المشكلة، فعلى الرغم من وجود مشاكل اقتصادية هيكلية قد يعمل الاقتصاديون على حلها، الا ان جوهر المشكلة الآن يكمن فى الصراع السياسى وعدم الاستقرار الذى يعتبر العائق الرئيسى امام اى محاولات للإصلاح. السبب الرئيسى وراء ذلك يكمن فى ان الاصلاح الاقتصادى الذى تحتاجه مصر هو عملية طويلة ومعقدة وذات تكلفة مادية واجتماعية باهظة، وقد تؤدى الى إشعال شرارة لثورة جديدة كما حدث فى عام 1977 حينما قرر الررئيس السادات رفع الدعم فثارت جموع الشعب ضده.

لذلك تعتبر البرامج الاصلاحية شديدة الخطورة وقد تتباطأ الكثير من الحكومات فى تنفيذها بل وسيسعى الحكام الى تجنبها بأى ثمن. وفى أحوال كثيرة يضطرون الى القيام بعكس ما تقتضيه هذه الإصلاحات مثلما حدث فى مصر مؤخراً، فعلى الرغم من احتياج مصر لسد عجز الموازنة وضغط النفقات الا ان الاشهر القليلة الماضية شهدت رفع للمرتبات الحكومية فى كثير من الدوائر وزياده المعاشات إما كاستجابة للمطالب الفئوية أو كمحاولة لاكتساب رضا الناس. ولذلك فإن الوضع السياسى المضطرب فى مصر يقلل من قدرة الحكومة على القيام ببرنامج إصلاح اقتصادى حقيقى وشامل يعيد التوازن بين أركان الاقتصاد المختلفة وهو ما يحتاجه الاقتصاد ولا يختلف عليه الاقتصاديون حتى وإن اختلفت توجهاتهم.

لهذا يجب على الاطراف السياسية والشعبية ان يدركوا ان استمرار هذا الصراع السياسى له ثمن باهظ على الاقتصاد. فاستمرار دائرة الاضطرابات، التى ما نكاد ان نخرج منها حتى ندخلها مجددا،ً سيؤدى الى عدم قدرة الحكومة على تخفيض نفقاتها وإعادة هيكلة الدعم بالشكل اللائق، الامر الذى سيؤدى الى زياده عجز الموازنة والذى سيتخطى 200 مليار جنية هذا العام وقد يتخطى 250 مليار جنية فى العام المالى القادم. وهذا التدهور سيؤثر حتماً على التصنيف الائتمانى لمصر والذى شهد عدة مرات من التخفيض خلال العامين الماضيين ويؤثر ذلك بشده على ارتفاع تكلفة اقتراض الحكومة ويضغط على عجز الموازنة.

من جهه أخرى، هذا التدهور سيؤدى الى زيادة الفجوة بين الواردات والصادرات، مؤثراً بشكل كبير على سعر الصرف الذى شهد انخفاضاً كبيراً فى الاسابيع الماضية وقد يؤدى عدم الاستقرار الى انخفاض اكبر لسعر الصرف. مع تدهور سعر الصرف ستشهد مصر حالة من ارتفاع شديد للاسعار فى السنوات القادمة. فى ظل هذه التغيرات وعدم قدرة الحكومة على إعادة هيكلة الاقتصاد بالشكل المطلوب لن يكون امام الحكومة الا الاقتراض ثم الاقتراض، سواء من الداخل او من الخارج او من مؤسسات مالية عالمية، وهذا هو الغالب على سياسة الحكومة بطبيعة الحال الآن. وقد يكلف التمادى فى الاقتراض على المدى المتوسط والبعيد الكثير كما كلفها فى عصورها المختلفة.

ولذلك أرى ان هناك رسالتين يجب إيصالهما:
الأولى: لمن يحكم البلاد من رئاسة أو وزارة "السياسة قبل الاقتصاد، لأنه لن يحدث إصلاح اقتصادى بدون استقرار سياسى حقيقى، والتمادى فى الاقتراض لتسيير المركب سيغرق الجميع فى النهاية"
الثانية: للتيارات السياسية المتنازعة "اعلموا ان الصراع السياسى الدائر الآن يدمر الاقتصاد وقد لا يجد الفائز بهذا الصراع الا دولة هشة غير قادرة على توفير احتياجاتها الاساسية، هذا ان كان هناك فائزاً فى نهاية المطاف"!  

عمر الشنيطي
٣-فبراير-٢٠١٣
نُشر هذا المقال فى "جريدة الوطن"