مع ظهور التيار
الإسلامى على الساحة السياسية، كثر الحديث عن الإقتصاد الإسلامى كبديل عن الإقتصاد
الربوى من منطلق أن الإسلام نظام شامل ينظم جميع نواحى الحياة بما فيها الإقتصاد
والسياسة. وتزامن الحديث عن الإقتصاد الإسلامى مع الوعود بـتدفق الإستثمارات وإستحداث أدوات مالية إسلامية مثل
الصكوك. ولكن ما إن وصل التيار الإسلامى الى الحكم حيث وجب عليهم التعامل مع المشاكل
الاقتصادية المزمنة، وجدناهم يلجئون لنفس الأدوات التقليدية. ومن هنا يأتى التساؤل
عن ماهية " الإقتصاد الإسلامى".
هل هناك فعلاً
"إقتصاد إسلامى"؟!
إن النظام الإقتصادى
الحديث هو فلسفة و مبادئ تحكم مجموعة من الآليات التى تنظم
أدوار الجهات المختلفة وتحدد العلاقات بينهما. والنظام الإقتصادى يجب أن يكون متكامل
وتم تنفيذه فى دول أخرى حتى يمكن الحكم على فاعليته. وبناءا على هذا التعريف، لا
يمكن الإعتراف بأنه يوجد نظام إقتصادى إسلامى متكامل بآليات واضحة ومجربة فى دول
أخرى بشكل فعال إذ أن الإقتصاد الإسلامى لا يعدو فى الحقيقة عن مجرد فلسفة ومجموعة
من المبادئ والآليات الاستراتيجية استنبطها الفقهاء والإقتصاديون لكن مازالت هذه الآليات
غير متكاملة وتحتاج الى الكثير من التطوير
حتى يمكن تطبيقها.
قد يزعم البعض أن الإقتصاد الإسلامى نظام قائم
مدللين على ذلك
بوجود بنوك إسلامية فى كثير من الدول. لكن البنوك هى مجرد جزء من النظام الإقتصادى.
وإن كان حدث تقدم نسبى فى مجال البنوك فى النظام الاسلامى فإن الأبعاد الاخرى فى الإقتصاد
الحديث لم يشملها هذا التطور بعد مثل دور الحكومة والقوانين التجارية وغيرها.
لكن كيف يبدو الإقتصاد
الإسلامى؟!
الإقتصاد الإسلامى أشبه ما يكون بالإقتصاد المختلط الذى يجمع بين آليات
إقتصاد السوق كما فى الرأسمالية لكنه يعطى للدولة دور كبير فى
مراقبة الأسواق وتنظيمها مع
وجود آليات للعدالة الاجتماعية. لذا فإن الإقتصاد الإسلامى يعتمد على مجموعة من الآليات مثل الزكاة والأوقاف
والتى يستطيع الإقتصاد من خلالها تقديم خدمات عامة مثل التعليم والصحة والضمان
الاجتماعى. كما يركز النظام على عدم التعامل بالربا ويدفع المتعاملين للدخول فى عمليات بيع وشراء أو المشاركة فى العمليات التجارية نظير المشاركة فى الربح
والخسارة وهذا من شأنه زيادة النشاط التجارى. هذا بالاضافة إلى آلية الميراث التى
تعمل على توزيع الثروات عبر الأجيال على عدد أكبر لمنع تراكم الثروة. لذا نجد أن تطبيق
الإقتصاد الإسلامى فى مصر قد يكون إيجابياً الى حد كبير. فعلى
سبيل المثال إعتماد طريقة التمويل عن طريق الصكوك من المفترض أن تقلل عبء التمويل على
كاهل الدولة.
كيف يمكن التحول
للإقتصاد الإسلامى؟!
التنظير دائما
أسهل من التطبيق، لذلك فإن التحول يحتاج للكثير من التمهيد:
أولاً: لابد من التركيز على الأزمة الإقتصادية
الحالية فى مصر والتى أدت الى ضرورة الإقتراض على المدى القصير سواء من الداخل او
الخارج ولكن يجب على التوازى الدفع ببرنامج إصلاح إقتصادى متكامل.
ثانياً: لابد من تمهيد الأرضية لتطبيق آليات الإقتصاد
الإسلامى ويقتضى ذلك التوسع فى تدريسه فى الجامعات والأهم من ذلك التركيز على تطوير هذا
النظام ليتحول من مجرد مبادئ الى آليات متكاملة يمكن تطبيقها.
ثالثاً: ينبغى تطبيق النظام بشكل تدريجى، مع التركيز
على تفعيل وتوسيع قاعدة البنوك والتمويل الإسلامى بما انها أكثر الآليات تطوراً فى النظام. يجب عدم التسرع فى التطبيق خشية وقوع رد فعل عكسى من تطبيق نظام
غير ناضج قد يكلف الدولة الكثير لعقود قادمة.
فى النهاية، لا
يمكن القول بأنه يوجد نظام إقتصاد إسلامى متكامل ومجرب يمكن تطبيقه فى مصر ولكن توجد
مبادئ وآليات استراتيجية يمكن الإستناد اليها لإيجاد نظام متوازن ومناسب لطبيعة
مصر. ولكن لابد ان يتم هذا التحول بشكل تدريجى لتجنب آثار التحول السلبية.
عمر الشنيطي
١٧-فبراير-٢٠١٣
نُشر هذا المقال فى "جريدة الوطن"
نُشر هذا المقال فى "جريدة الوطن"
No comments:
Post a Comment