يتحمل القطاع الخاص فى النظم الرأسمالية مسئولية تحريك عجلة الاقتصاد بينما ينحصر دور الحكومة على توجيه النشاط الاقتصادى والرقابة عليه. ويشمل القطاع الخاص الشركات والمجموعات الاستثمارية العملاقة، كما يشمل الشركات المتوسطة والصغيرة بالإضافة إلى المستثمرين الأفراد.
وبشكل عام، كان القطاع الخاص على اختلاف مستوياته فى حالة من التناغم مع النظام قبل اندلاع ثورة ٢٥ يناير، حيث كان الوضع يتسم بالوضوح فيما يخص الأوزان النسبية للاعبين المختلفين، وما هو متاح لكل لاعب وما يستتبعه من أثر على ثروات القطاع الخاص.
جاءت ثورة ٢٥ يناير كصاعقة ليس فقط للنظام ولكن للقطاع الخاص أيضا. فالعديد، إن لم يكن أغلب، المجموعات الاستثمارية كانت على صلة وثيقة بالنظام الأسبق ولذلك بادر رموزها بالخروج من البلاد مخافة المسائلة القانونية ولم تتوقف الشائعات، التى يصعب إثبات صحتها، عن الثروات الطائلة التى تم تهريبها خارج البلد عقب اندلاع الثورة. على صعيد آخر، واجهت الشركات المتوسطة والصغيرة وضعا معقدا دفع بعضهم للدخول فى بيات شتوى حتى تتضح الصورة. ولم يختلف الحال كثيرا بالنسبة للمستثمرين الأفراد الذين فضلوا التراجع للحفاظ على ثرواتهم حتى تستقر الأوضاع. وقد أدى هذا التراجع إلى انخفاض معدلات النمو من مستوى ٥-٦٪ قبل الثورة إلى حوالى ٢٪ بالإضافة إلى زيادة تحويل المدخرات من الجنيه إلى الدولار. لذلك لم يساهم القطاع الخاص حقيقة فى دفع النمو فى هذه المرحلة.
مع وصول أول رئيس مدنى منتخب لسدة الحكم، كان الأمل كبيرا فى إرساء نظاما ديمقراطيا تصاحبه سوقا مفتوحة. لكن المجموعات العملاقة كانت لا تزال فى مرحلة استكشاف الواقع الجديد وبناء تحالفات مع النظام الجديد، بينما كانت الشركات المتوسطة والصغيرة على استعداد للحركة لكنها لا تستطيع أخذ زمام المبادرة. ومن ناحية أخرى كان المستثمرون الأفراد فى حالة من النشوة وهم يحلمون بالنهضة المرتقبة وهو ما عكسه صعود البورصة الكبير فى بداية حكم الرئيس السابق. لكن سرعان ما تبدلت الأوضاع وطغت الخلافات السياسية وسوء إدارتها على المشهد وبات واضحا أن الكثير من الوعود الانتخابية لا تعدو كونها أحلاما فعاد القطاع الخاص على اختلاف مستوياته للبيات الشتوى، ولذلك لم يساهم حقيقة فى دفع النمو فى هذه المرحلة أيضا.
ومع هذا التوتر، أنتظر القطاع الخاص التغيير الذى لم يتأخر كثيرا فجاء عزل الرئيس السابق فى ٣ يوليو ومعه خارطة طريق جديدة تعد بوضع اقتصادى أفضل وشرعت الحكومة الجديدة بتبنى سياسة اقتصادية توسعية ممولة من المساعدات الخليجية لتحفيز القطاع الخاص. لكن المجموعات العملاقة، والتى رحبت بالتغيير، لم تتحرك سريعا انتظارا منها لاتضاح الرؤية، وكذلك تأثرا بمزاحمة الحكومة والمؤسسة العسكرية للقطاع الخاص. وكما هو معتاد تظل الشركات المتوسطة والصغيرة فى انتظار من يأخد زمام المبادرة. أما المستثمرون الأفراد، فإن الأمل لديهم كبير لكن محفوف بالخوف من توقف المساعدات الخليجية وتدهور الجنيه. انعكس ذلك الوضع الضبابى على معدلات النمو، التى ظلت عند مستوى ٢٪ على الرغم من مليارات الدولارات التى تم ضخها فى الاقتصاد فى الأشهر الماضية.
وعلى الرغم من جهد الحكومات المتعاقبة وخاصة الأخيرة على تحفيز القطاع الخاص وتحريك الاقتصاد فإنها قد فشلت فى إزالة سبب القلق الأساسى وهو ضبابية الوضع السياسى وأثره المجتمعى والاقتصادى السيئ. لكن هذه المرحلة تبدو مختلفة عن المراحل الأخرى والتوجه المتحفظ للقطاع الخاص فى هذه المرحلة قد يكون نقطة فارقة فى دور القطاع الخاص والمساحة المتاحة له مستقبلا. فالنظام الجديد الذى سيكتمل بانتخاب الرئيس الجديد لا بد وأنه سيفكر فى ما قدمه القطاع الخاص للبلد فى المرحلة السابقة شديدة الحرج، ولن يكون مستغربا أن يصل هذا النظام لنتيجة أن القطاع الخاص لم يقدم كثيرا للبلد فى هذه الظروف الاستثنائية بل ظل يفكر فى مصلحته أولا.
سيزيد من حدة تلك الصورة الذهنية السياسة التحفيزية الكبيرة التى تبنتها الحكومة بعد ٣٠ يونيو ثم ما لبث النظام أن أفاق على صدمة هبوط البورصة بشكل غير متوقع بعد إعلان ترشح وزير الدفاع، والذى كان له أثر سيئ اضطر العديد من خبراء البورصة لاختلاق نظريات اقتصادية لتفسير ذلك بشكل دبلوماسى. ومما لا شك فيه أن هذا الحدث سيرسخ فى ذهن النظام الجديد عدم وطنية القطاع الخاص. واللطيف فى الأمر أن هذا النظام الجديد لديه بديل جاهز يستطيع دفع عجلة الاقتصاد بشكل سريع، وهذا البديل هو الجهاز الاقتصادى بالمؤسسة العسكرية والذى من المتوقع أن يلعب دورا أكبر فى الفترة المقبلة على حساب القطاع الخاص الذى سيتم، إن لم يكن تم بالفعل، وصمه بغير الوطنية.
الخلاصة أن الوضع السياسى المضطرب قد دفع القطاع الخاص للدخول فى حالة بيات شتوى منذ ثورة ٢٥ يناير مما أدى إلى عدم مساهمة القطاع الخاص بشكل حقيقى فى دفع النمو فى تلك الفترة العصيبة. وعلى الرغم من السياسية التحفيزية الكبيرة التى تبنتها الحكومة بعد ٣٠ يونيو فإن القطاع الخاص لم يتحرك كما كان متوقعا وأنتهى الأمر بهبوط البورصة بشكل غير متوقع عقب إعلان وزير الدفاع السابق ترشحه فيما يمكن اعتباره القشة التى قصمت ظهر البعير ووصمت القطاع الخاص بأنه غير وطنى وغير مستعد لتنحية مصلحته من أجل مصلحة البلد. وهذه الرؤية ستؤدى فى الأغلب إلى إضعاف دور القطاع الخاص فى الفترة المقلبلة على حساب دور أكبر للجهاز الاقتصادى للمؤسسة العسكرية. لكن يبقى السؤال: هل كان متوقعا من القطاع الخاص ألا يفكر فى مصلحته.. وهل ذلك التفكير ضد الوطنية؟
عمر الشنيطى
19 - أبريل - 2014
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق"