Saturday, January 24, 2015

هل سترفع الحكومة أسعار الطاقة مرة أخرى؟

أسعار الطاقة لها أهمية كبيرة على حياة الناس اليومية حيث يؤثر التغيير فى أسعار الطاقة على أسعار العديد من السلع والخدمات الأساسية وبالتالى القوة الشرائية للناس ومستوى معيشتهم.

وظلت الحكومة المصرية لعقود تدعم الطاقة بالإضافة للعديد من السلع الغذائية ضمن برنامج اجتماعى يهدف لمساعدة المواطنين على مواجهة الفقر وارتفاع الأسعار. وعلى الرغم من العديد من الدراسات التى تنتقد سياسة الدعم وطريقة تطبيقها وتسرب جزء كبير من الدعم لغير مستحقيه، إلا أن الحديث عن رفع الدعم ظل من المحرمات طوال الثلاثة عقود التى سبقت الثورة، ولعل السبب فى ذلك الاضطرابات الواسعة التى شهدتها البلاد فى ١٩٧٧ حينما شرع الرئيس السادات فى رفع الدعم عن العيش.

واستمر الحديث عن هيكلة الدعم بعد الثورة من قبل الحكومات المتعاقبة، حيث تخطى دعم الطاقة ١٠٠ مليار جنيه سنويا مع ذهاب أغلبه لدعم السولار والبوتاجاز والبنزين. لكن لم يتم اتخاذ قرارات بشأن ذلك، نتيجة ارتفاع التكلفة السياسية والاجتماعية لمثل هذه الإجراءات خاصة فى ظل الوضع المضطرب الذى شهدته البلاد بعد الثورة. لكن هذا الوضع تغير فى مطلع الصيف الماضى حيث أقدمت الحكومة فى خطوة جريئة على رفع أسعار الطاقة.

لكن لماذا أقدمت هذه الحكومة على ذلك ولم تتردد مثل الحكومات السابقة؟
ببساطة لأن الوضع الاقتصادى أصبح لا يفسح مجالا للتردد. فعلى الرغم من المساعدات الخليجية السخية لمصر بعد ٣٠ يونيو والتى بلغت ١١٧ مليار جنيه، إلا أن عجز الموازنة وصل إلى ٢٥٣ مليار جنيه فى ٢٠١٣/٢٠١٤ وأصبح على الحكومة خفض عجز الموازنة لتجنب الدخول فى دائرة مفرغة من ارتفاع العجز والدين الحكومى. ولذلك شرعت الحكومة بتبنى برنامج لخفض دعم الطاقة تدريجيا خلال أربع سنوات.

واستهدفت الحكومة إجمالى عجز ١٠٪ من الناتج المحلى فى موازنة ٢٠١٤/٢٠١٥ وهو ما تطلب تخفيض دعم الطاقة من ١٣٠ إلى ١٠٠ مليار جنيه حيث تم رفع أسعار البنزين والسولار والغاز الطبيعى بنسب كبيرة لكن متفاوتة بين منتج وآخر. وكان لذلك أثر كبير على ارتفاع معدل التضخم الشهرى والذى سجل ٣٫٣٪ فى يوليو الماضى بسبب ارتفاع أسعار العديد من السلع والخدمات الأساسية. وعلى الرغم من مرور الموجة الأولى من رفع الأسعار بسلام، حتى مع حدة ارتفاع الأسعار، إلا أن الحديث كان دائما عما سيحدث فى الموجات التالية.

ومع الانخفاض الكبير لأسعار البترول يتبادر السؤال: ما أثر ذلك على دعم الطاقة؟
الانخفاض فى أسعار البترول من ١١٠ دولارات للبرميل فى مطلع ٢٠١٤ لما دون ٥٠ دولارا الآن له أثر إيجابى على تقليل الفجوة بين سعر المنتجات البترولية فى السوق وأسعارها العالمية وهو ما يخفض من بند الدعم. ويرجح بعض الخبراء أن أسعار الطاقة المنخفضة حاليا تجعل بعض المنتجات البترولية فى السوق غير مدعمة من الأساس، وأن التخفيض فى بند دعم الطاقة قد يصل إلى ٥٠ ــ٧٠ مليار جنيه سنويا.

لكن هل هذا هو الأثر الصافى لانخفاض أسعار الطاقة؟
النظر إلى الموازنة يوضح أن قطاع البترول يساهم بحوالى ٩٠ مليار جنيه سواء من الضرائب المستحقة على القطاع أو أرباح شركات القطاع. ومع انخفاض أسعار البترول، من المتوقع أن ينخفض إسهام القطاع بحوالى ٣٠ مليار جنيه وهو ما يجعل الوفر النهائى فى بند الدعم حوالى ٢٠ــ٤٠ مليار جنيه، وبالتالى هو أثر إيجابى لكن أقل مما توقعه البعض. وسيساعد انخفاض بند الدعم على تحقيق خطة الحكومة الطموحة بتخفيض عجز الموازنة والذى من المتوقع أن يسجل ١١٪ فى ٢٠١٤/٢٠١٥.

إذا كان الأثر النهائى لانخفاض أسعار البترول إيجابى على تخفيض الدعم وعجز الموازنة فهل ستلتزم الحكومة بخطتها برفع أسعار الطاقة مرة أخرى؟
هذا الأمر شديد الجدل فانخفاض أسعار البترول، وهو ما لم يكن للحكومة تدخل فيه، قد خفض من فاتورة الدعم وجعل بعض المنتجات غير مدعمة مما يوحى بعدم الحاجة لرفع أسعار الطاقة مرة أخرى، لكن هذا التصور مرتبط ببقاء أسعار البترول على مستوياتها المنخفضة مستقبلا وهو أمر يصعب افتراضه. فعلى الرغم من حدة وسرعة موجة الانخفاض فى أسعار البترول التى حدثت مؤخرا وما زالت مستمرة إلا أن العديد من المحللين يتوقعون ارتفاع أسعار البترول لمستوى ٨٠ ــ٩٠ دولارا للبرميل على المدى المتوسط وهو ما يجعل الأثر الإيجابى لانخفاض أسعار البترول غير مستديم.

بطبيعة الحال، انخفاض أسعار البترول كان بمثابة طوق النجاة للحكومة حيث يتيح لها التدرج فى رفع أسعار الطاقة كما يتيح لها علاج المشكلة فى أكثر نقطة انخفاضا لفاتورة الدعم. لكن عدم المضى قدُما بمزيد من رفع أسعار الطاقة سيؤدى إلى تفاقم دعم الطاقة وتصاعد عجز الموازنة مرة أخرى بعد عدة سنوات حينما تعاود أسعار البترول الارتفاع. ولذلك يتوقع أن تستكمل الحكومة برنامجها الهادف لخفض دعم الطاقة بالمزيد من رفع الأسعار فى الصيف المقبل إلا أنه من المتوقع أن تكون الموجة الثانية أقل حدة من حيث ارتفاعات الأسعار وأن تشمل المنتجات التى مازالت مدعمة فقط وعلى رأسها السولار.

الخلاصة أن رفع أسعار الطاقة كان ضروريا لخفض عجز الموازنة المتصاعد، وعلى الرغم من انخفاض أسعار البترول إلا أنه من المتوقع وجود موجة أخرى من رفع الأسعار فى العام الحالى، لكن بدرجة أقل من الموجة الأولى. لكن تبرز العديد من الأسئلة الحرجة التى تحتاج لإجابة: ما هى الآثار السلبية المباشرة وغير المباشرة لرفع أسعار الطاقة على محدودى الدخل؟ هل يستطيعون تحمل الموجة الثانية؟ وما هى خطة الدولة لتوجيه الوفر لتحسين الخدمات العامة وتعويض الفقراء ومحدودى الدخل عن رفع الدعم؟ هذه الأسئلة لا تقل أهمية عن رفع الدعم ذاته وتحتاج لمناقشة جادة. فهدف الاقتصاد فى النهاية ليس تحسين أرقام العجز والدين الحكومى، بل هذه المؤشرات مجرد وسائل لقياس سلامة واستدامة النظام الاقتصادى حتى يؤدى دوره الرئيسى وهو تحسين الظروف المعيشية للناس.


عمر الشنيطى
24 - يناير - 2015
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق"

Thursday, January 22, 2015

ستة أسئلة حول ارتفاع الدولار

يأتي الحديث عن الدولار وارتفاعاته في مقدمة اهتمامات الناس في الشأن الاقتصادي؛ ولعل السبب في ذلك هو سهولة متابعة سعر صرف الدولار سواءً في البنوك أو في السوق الموازية (السوق السوداء) والأهم من ذلك الأثر الكبير لتغير سعر الصرف على حياة الناس.
لكن ما هو أثر ارتفاع الدولار على حياة الناس؟
ارتفاع الدولار يزيد من تكلفة العديد من السلع الأساسية، خاصة المستوردة منها أو المصنعة محلياً لكن يدخل في تصنيعها مكونات مستوردة، وهو ما ينطبق على أغلب المنتجات في السوق. وارتفاع الأسعار يؤدي إلى إفقار قوة الناس الشرائية.كما يؤدي ارتفاع الدولار إلى انخفاض ثروات الأفراد الذين يحافظون على مدخراتهم بالجنيه ويضعف القوة الشرائية لتلك المدخرات.ومع تكرار الارتفاعات والتكهن بها يُحجم الأفراد عن الاستثمار بأشكاله ويتجهون للدولرة؛ أي تحويل مدخراتهم من الجنيه للدولار مراهنين على ارتفاع الدولار في القريب العاجل.
هل ينطبق نفس التأثير على الشركات؟
قد يكون الوضع على مستوى الشركات مغايراً ومعتمداً على طبيعة النشاط. فالشركات التي تعتمد على استيراد منتجات نهائية وبيعها في السوق المحلي ستتأثر سلباً، حيث سترتفع الأسعار النهائية لمنتجاتها بالجنيه في السوق المصري وبالتالي يقل الطلب عليها. بينما الشركات التي تركز على التصدير ستشهد أثراً إيجابياً، حيث ينخفض السعر النهائي لمنتجاتها بالدولار في الأسواق العالمية وبالتالي يزيد الطلب عليها.
كيف يتم تحديد سعر صرف الدولار؟
سوق العملة مثل أي سوق؛ يخضع لعوامل العرض والطلب. فالمعروض من الدولار يأتي من أنشطة مثل السياحة والتصدير والاستثمار الأجنبي وتحويلات المصريين بالخارج وقناة السويس وغيرها. بينما يأتي الطلب على الدولار من أنشطة مثل الاستيراد وخروج الاستثمار الأجنبي من البلد وغيرها.
حينما يكون هناك توازناً بين ما يدخل للاقتصاد من عملة صعبة وما يخرج منها، فإن سعر صرف الجنيه يبقى على مستواه. بينما حينما يكون ما يدخل أقل مما يخرج، فإن سعر صرف الجنيه من المفترض أن ينخفض، ما لم يتدخل البنك المركزي مستخدماً احتياطي النقد الأجنبي لديه للدفاع عن الجنيه.
هل يمكن توقع التغير في سعر الصرف؟
متابعة ميزان المدفوعات وكذلك احتياطي النقد الأجنبي قد تساعد في ذلك. ميزان المدفوعات هو بيان يوضح إجمالي التعاملات بين الاقتصاد والدول الأخرى، ويشمل الميزان التجاري الذي يحسب الفارق بين الصادرات والواردات من سلع وخدمات، كما يشمل الميزان الرأسمالي الذي يحسب إجمالي الاستثمارت والقروض الواردة والصادرة للاقتصاد. أما احتياطي النقد الأجنبي فهو إجمالي ما لدى البنك المركزي من عملة صعبة نتيجة تعاملاته ويستطيع استخدامها للدفاع عن الجنيه. وهذه البيانات متاحة على موقع وزارة المالية وموقع البنك المركزي بشكل دوري.
كما هو موضح في الرسم البياني الأول، فإن الميزان التجاري (الخط الأحمر) يوضح وضعاً سالباً مستداماً حيث أن ما تصدره البلد أقل مما تستورده، وهو ما يضع على الجنيه ضغطاً دائماً يختلف بناءً على وضع الميزان الرأسمالي والذي يوضح كما يشير الرسم البياني الأول (الخط الرمادي) وضعاً متفاوتاً. فقبل الثورة كان هناك تدفقاً دائماً للاستثمارت الأجنبية بما يعوض العجز في الميزان التجاري ويؤدي إلى ميزان مدفوعات متوازن (الخط الأزرق). لكن اختلف الوضع بعد الثورة وهربت الاستثمارت الأجنبية وهو ما دفع الميزان الرأسمالي للسالب وبالتبعية ميزان المدفوعات.
رسم بياني لميزان المدفوعات
بعد ذلك شهد الاقتصاد موجتين من تدفق المساعدات والقروض الخارجية لأسباب سياسية في الأساس: الأولى وصلت لحوالي ١٢ مليار دولار في عهد حكومة الدكتور قنديل، بينما الثانية وصلت لحوالي ٢٠ مليار دولار في عهد حكومة الدكتور الببلاوي. وكان لتلك الموجتين أثرا كبيرا على تحويل الميزان الرأسمالي للموجب وبالتبعية ميزان المدفوعات، وكذلك مساعدة البنك المركزي على زيادة الاحتياطي -كما يوضح الرسم البياني الثاني- وهو ما استخدمه المركزي للدفاع عن الجنيه باستماتة في الفترات التي تلت تدفق تلك المساعدات.
رسم بياني لإحتياطي النقد الأجنبي
هل كان الارتفاع الأخير للدولار مفاجئاً؟
بناءً على ما سبق ذكره، فالميزان التجاري دائماً سالب وتدفق الاستثمارت والمساعدات هو ما يؤدي إلى ميزان رأسمالي موجب ويُحدث توازناً في ميزان المدفوعات. ومع تراجع المساعدات الخليجية منذ منتصف ٢٠١٤ وتآكل الاحتياطي ضعفت قدرة البنك المركزي في الدفاع عن الجنيه وبالتالي كان الدولار ليرتفع عاجلاً أم آجلاً، وهو ما انعكس على اشتعال السوق الموازية مؤخراً مع حاجة المركزي للاستجابة لطلبات المستثمرين بتخفيض الجنيه مع اقتراب موعد المؤتمر الاقتصادي في مارس.
هل هناك توقع بمزيد من الارتفاع للدولار؟
من المتوقع أن يستمر ارتفاع الدولار أمام الجنيه عدة أيام أخرى في البنوك لأن البنك المركزي ليس من سياسته تحريك سعر الصرف الرسمي إلا على فترات متباعدة، وبالتالي سيستمر ارتفاع الدولار حتى يصل لمستوى لا يحتاج المركزي لتغييره لفترة ليست بالقصيرة. وقد يكون المستهدف الذي تشير إليه العديد من بنوك الاستثمار هو (٧٫٥-٧٫٧)؛ وهو ما يقارب ٦٪ زيادة مقارنة بالسعر الرسمي قبل الموجة الأخيرة (٧٫١٨). وبعد هذه الموجة، من المتوقع أن يستقر سعر الصرف الرسمي عند المستوى الجديد لقرابة عام.
على الرغم من ارتفاع الدولار رسمياً إلا أنه سيكون من المستبعد اختفاء السوق الموازية والتي ستستمر مدفوعة بوجود عجز مستدام بين ما يدخل للاقتصاد من دولار وما يخرج منه، وهو ما سيستمر حتى تتعافى السياحة والاستثمار الأجنبي والذي تأمل الحكومة في حدوثه بعد المؤتمر الاقتصادي. لكن السوق الموازية ستستمر في توقع المزيد من الارتفاع للدولار وستتداوله على مستوى أعلى من السعر الرسمي، وإن كانت الفجوة ستكون في حدود ٥٪ أعلى من السعر الرسمي. وستؤجل السوق الموازية قرارها بمزيد من المضاربة حتى يظهر أثر المؤتمر الاقتصادي.
عمر الشنيطى
22 - يناير - 2015
نُشر هذا المقال فى "موقع أصوات مصرية"

Saturday, January 10, 2015

حصاد ٢٠١٤ وتوقعات ٢٠١٥

 ٢٠١٤ كان عاما مليئا بالإثارة حيث شهد تغيرات كبيرة فى سياسة الحكومة الاقتصادية وكذلك العديد من التطورات التى لا يمكن إغفال أثرها على الاقتصاد فى ٢٠١٥.

وعلى الرغم من كثرة الأحداث فإنه يمكن الإشارة إلى ثمانى محطات رئيسية:

الأولى: الدعم الخليجى وتوجه الحكومة التوسعى: حيث كان متوقعا أن ينفرط عقد الاقتصاد بعد ٣٠ يونيو إلا أن المساعدات الخليجية منعت الاقتصاد من الانهيار وأتاحت للحكومة تبنى سياسة توسعية بزيادة الإنفاق الحكومى لإنعاش الاقتصاد. وقد خيم على الأجندة الاقتصادية أن الدعم الخليجى، المرتبط بأسباب سياسية، لن يتوقف وأن التقشف الاقتصادى ذهب بلا رجعة.

الثانية: توسع دور المؤسسة العسكرية الاقتصادى: حيث تمت ترسية عدد كبير من العقود الحكومية بالأمر المباشر للمؤسسة العسكرية وهو ما برره البعض بإمكانية التعاقد السريع مع المؤسسة العسكرية وضمان جودة وسرعة تنفيذ المشروعات، لكن يأتى ذلك على حساب مزاحمة القطاع الخاص والذى أصبح يعانى من منافسة غير عادلة، بينما يظهر أن دور المؤسسة العسكرية الاقتصادى قد أصبح من ثوابت العصر الجديد.

الثالثة: تراجع الدعم الخليجى وتوجه الحكومة التقشفى: حيث لم تتدفق المساعدات الخليجية بعد تنصيب الرئيس وهو ما كان محل استغراب الكثير من المحللين على الرغم من التأكيدات على أن الدعم الخليجى لن يستمر وأن على مصر الاعتماد على نفسها. ودفع ذلك الحكومة لتبنى توجه تقشفى بخفض عجز موازنة ٢٠١٤/٢٠١٥ من ١٢٪ إلى ١٠٪ بين عشية وضحاها وسط علامات استفهام حول إمكانية تحقيق ذلك.

الرابعة: رفع أسعار الطاقة: أقدمت الحكومة فى مطلع الصيف على رفع أسعار الطاقة لتخفيض بند الدعم وعجز الموازنة، لكن ذلك أدى إلى ارتفاع أسعار أغلب السلع والخدمات الأساسية. وعلى الرغم من الخوف من تكرار فوضى ١٩٧٧ حينما تم رفع أسعار العيش إلا أن الأمر قد مر بسلام هذه المرة.

الخامسة: إطلاق مشروع قناة السويس الجديدة: والذى يشمل تعميق وتوسيع المجرى الحالى وحفر قناة موازية وحفر ستة أنفاق تحت القناة. كان للمشروع صدى كبير عالميا لكن برزت علامات استفهام كبيرة حول جدوى المشروع الاقتصادية وتكلفة الفرصة البديلة. كما تم الاعتماد على إصدار شهادات استثمار محلية والتى جمعت ٦٤ مليار جنيه فى عدة أيام بشكل فاق توقعات أكثر المتفائلين. لكن مع ضغط الجدول الزمنى، كان على هيئة قناة السويس الاعتماد على بعض الشركات الأجنبية للتنفيذ مما أضعف الأثر الإيجابى للمشروع على تنشيط الاقتصاد.

السادسة: التوجه للاستثمار الخاص: مع تراجع الدعم الخليجى واستمرار شبح الركود، توجهت الحكومة للاستثمار الأجنبى المباشر وتوقعت جذب حوالى ٥٠ مليار دولار فى «مؤتمر المانحين لمصر» والذى تم تغييره إلى «مؤتمر مصر الاقتصادى» وتم تأجيله عدة مرات، ويتوقع انعقاده فى مارس القادم، لكن بتوقعات أكثر تحفظا. وقد توجهت الحكومة إثر ذلك لفتح الباب مرة أخرى للمستثمرين المحليين وتغير الخطاب العام من أهمية «التبرع لمصر» لأهمية «الاستثمار فى مصر».

السابعة: التوجه لصندوق النقد: فى محاولة لكسب شهادة ثقة دولية تفتح الباب للاقترض الخارجى فى وقت أصبحت البنوك المحلية مثقلة بتمويل عجز الموازنة. وقد أبدت بعثة الصندوق رأيا إيجابيا فى الإصلاحات الاقتصادية، خاصة خفض دعم الطاقة، لكنها أوصت بأهمية التراجع عن المشروعات القومية.

الثامنة: انخفاض أسعار البترول: بشكل كبير من المتوقع أن يؤثر إيجابا على خفض بند الدعم وبالتالى عجز الموازنة، بينما سيزيد من الضغط على سعر صرف الجنيه ويقلل من قدرة الاقتصاد على تحقيق معدلات نمو مرتفعة.

وهذه التطورات لها آثار عديدة على الاقتصاد فى ٢٠١٥ على الأصعدة الآتية:

الأول: معدلات النمو والبطالة: مع توجه الحكومة التقشفى وتراجع الدعم الخليجى وانخفاض التوقعات بتدفق الاستثمارات الأجنبية، من الخليج وشركات البترول الأجنبية، سيكون من الصعب زيادة معدلات النمو والتى قد تقف عند متوسط ٣٪ وهو ما سينعكس بدوره على عدم خفض معدلات البطالة بالشكل المطلوب.

الثانى: الدعم وعجز الموازنة: انخفاض أسعار البترول يصب فى خفض عجز الموازنة والذى قد يصل إلى ١١٪ فى نهاية العام المالى ليقارب مستهدف الحكومة. كما أن انخفاض الأسعار سيزيل الدعم عن بعض المنتجات البترولية، إلا أنه من المتوقع أن ترفع الحكومة أسعار الطاقة مرة أخرى، خاصة على المنتجات المدعمة، لكن على الأرجح ستكون مستويات الزيادة أقل من المرة السابقة.

الثالث: تمويل عجز الموازنة: سيظل عجز الموازنة ضخما (قرابة ٢٥٠ مليار جنيه) وسيكون على الحكومة تمويل الجزء الأكبر منه محليا من القطاع المصرفى والذى تشكل السندات الحكومية ما يزيد على٤٠٪ من أصوله على حساب تمويل القطاع الخاص. وهذا التوجه سيزيد من الضغط على سيولة القطاع وسيُبقى على سعر الفائدة مرتفعا لضمان جذب الودائع. قد يخفف قرض صندوق النقد من حدة الاقتراض المحلى، لكن من الصعب أن يغير الوضع خلال ٢٠١٥.

الرابع: سعر الصرف والتضخم: انخفاض أسعار البترول له أثر سلبى فى المجمل على موارد الاقتصاد من العملة الصعبة وبالتالى يزيد من الضغط على الجنيه. ومن المتوقع أن يشهد الدولار ارتفاعا رسميا فى البنوك خاصة مع اقتراب المؤتمر الاقتصادى ؛استجابة لشكاوى المستثمرين وتحجيما للسوق الموازية. ومع ارتفاع الدولار وأسعار الطاقة، سترتفع معدلات التضخم وهو ما قد يقابله البنك المركزى برفع سعر الفائدة.

الخلاصة أن ٢٠١٤ كان عاما مليئا بالأحداث الاقتصادية الكبيرة التى تفرض العديد من التحديات فى ٢٠١٥ والذى من المتوقع أن يشهد نموا اقتصاديا متواضعا يعجز عن إخراج الاقتصاد من الركود، بينما ستستطيع الحكومة خفض عجز الموازنة لكن سيظل تمويله محليا عبئا على القطاع المصرفى. ومن المتوقع أن يرتفع الدولار رسميا نتيجة الضغط الكبير على الجنيه، بينما يتوقع ارتفاع سعر الفائدة لتحجيم التضخم. وقد لا يشهد العام الجديد تغييرا جذريا فى الوضع الكلى للاقتصاد، إلا أنه سيكون خير برهان على قدرة الحكومة على «العودة للأساسيات» فى إدارة الاقتصاد، بالاعتماد على الموارد الداخلية بدلا من المساعدات الخارجية.


عمر الشنيطى
10 - يناير - 2015
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق و موقع CNN  بالعربية"