يأتي الحديث عن الدولار وارتفاعاته في مقدمة اهتمامات الناس في الشأن الاقتصادي؛ ولعل السبب في ذلك هو سهولة متابعة سعر صرف الدولار سواءً في البنوك أو في السوق الموازية (السوق السوداء) والأهم من ذلك الأثر الكبير لتغير سعر الصرف على حياة الناس.
لكن ما هو أثر ارتفاع الدولار على حياة الناس؟
ارتفاع الدولار يزيد من تكلفة العديد من السلع الأساسية، خاصة المستوردة منها أو المصنعة محلياً لكن يدخل في تصنيعها مكونات مستوردة، وهو ما ينطبق على أغلب المنتجات في السوق. وارتفاع الأسعار يؤدي إلى إفقار قوة الناس الشرائية.كما يؤدي ارتفاع الدولار إلى انخفاض ثروات الأفراد الذين يحافظون على مدخراتهم بالجنيه ويضعف القوة الشرائية لتلك المدخرات.ومع تكرار الارتفاعات والتكهن بها يُحجم الأفراد عن الاستثمار بأشكاله ويتجهون للدولرة؛ أي تحويل مدخراتهم من الجنيه للدولار مراهنين على ارتفاع الدولار في القريب العاجل.
هل ينطبق نفس التأثير على الشركات؟
قد يكون الوضع على مستوى الشركات مغايراً ومعتمداً على طبيعة النشاط. فالشركات التي تعتمد على استيراد منتجات نهائية وبيعها في السوق المحلي ستتأثر سلباً، حيث سترتفع الأسعار النهائية لمنتجاتها بالجنيه في السوق المصري وبالتالي يقل الطلب عليها. بينما الشركات التي تركز على التصدير ستشهد أثراً إيجابياً، حيث ينخفض السعر النهائي لمنتجاتها بالدولار في الأسواق العالمية وبالتالي يزيد الطلب عليها.
كيف يتم تحديد سعر صرف الدولار؟
سوق العملة مثل أي سوق؛ يخضع لعوامل العرض والطلب. فالمعروض من الدولار يأتي من أنشطة مثل السياحة والتصدير والاستثمار الأجنبي وتحويلات المصريين بالخارج وقناة السويس وغيرها. بينما يأتي الطلب على الدولار من أنشطة مثل الاستيراد وخروج الاستثمار الأجنبي من البلد وغيرها.
حينما يكون هناك توازناً بين ما يدخل للاقتصاد من عملة صعبة وما يخرج منها، فإن سعر صرف الجنيه يبقى على مستواه. بينما حينما يكون ما يدخل أقل مما يخرج، فإن سعر صرف الجنيه من المفترض أن ينخفض، ما لم يتدخل البنك المركزي مستخدماً احتياطي النقد الأجنبي لديه للدفاع عن الجنيه.
هل يمكن توقع التغير في سعر الصرف؟
متابعة ميزان المدفوعات وكذلك احتياطي النقد الأجنبي قد تساعد في ذلك. ميزان المدفوعات هو بيان يوضح إجمالي التعاملات بين الاقتصاد والدول الأخرى، ويشمل الميزان التجاري الذي يحسب الفارق بين الصادرات والواردات من سلع وخدمات، كما يشمل الميزان الرأسمالي الذي يحسب إجمالي الاستثمارت والقروض الواردة والصادرة للاقتصاد. أما احتياطي النقد الأجنبي فهو إجمالي ما لدى البنك المركزي من عملة صعبة نتيجة تعاملاته ويستطيع استخدامها للدفاع عن الجنيه. وهذه البيانات متاحة على موقع وزارة المالية وموقع البنك المركزي بشكل دوري.
كما هو موضح في الرسم البياني الأول، فإن الميزان التجاري (الخط الأحمر) يوضح وضعاً سالباً مستداماً حيث أن ما تصدره البلد أقل مما تستورده، وهو ما يضع على الجنيه ضغطاً دائماً يختلف بناءً على وضع الميزان الرأسمالي والذي يوضح كما يشير الرسم البياني الأول (الخط الرمادي) وضعاً متفاوتاً. فقبل الثورة كان هناك تدفقاً دائماً للاستثمارت الأجنبية بما يعوض العجز في الميزان التجاري ويؤدي إلى ميزان مدفوعات متوازن (الخط الأزرق). لكن اختلف الوضع بعد الثورة وهربت الاستثمارت الأجنبية وهو ما دفع الميزان الرأسمالي للسالب وبالتبعية ميزان المدفوعات.
بعد ذلك شهد الاقتصاد موجتين من تدفق المساعدات والقروض الخارجية لأسباب سياسية في الأساس: الأولى وصلت لحوالي ١٢ مليار دولار في عهد حكومة الدكتور قنديل، بينما الثانية وصلت لحوالي ٢٠ مليار دولار في عهد حكومة الدكتور الببلاوي. وكان لتلك الموجتين أثرا كبيرا على تحويل الميزان الرأسمالي للموجب وبالتبعية ميزان المدفوعات، وكذلك مساعدة البنك المركزي على زيادة الاحتياطي -كما يوضح الرسم البياني الثاني- وهو ما استخدمه المركزي للدفاع عن الجنيه باستماتة في الفترات التي تلت تدفق تلك المساعدات.
هل كان الارتفاع الأخير للدولار مفاجئاً؟
بناءً على ما سبق ذكره، فالميزان التجاري دائماً سالب وتدفق الاستثمارت والمساعدات هو ما يؤدي إلى ميزان رأسمالي موجب ويُحدث توازناً في ميزان المدفوعات. ومع تراجع المساعدات الخليجية منذ منتصف ٢٠١٤ وتآكل الاحتياطي ضعفت قدرة البنك المركزي في الدفاع عن الجنيه وبالتالي كان الدولار ليرتفع عاجلاً أم آجلاً، وهو ما انعكس على اشتعال السوق الموازية مؤخراً مع حاجة المركزي للاستجابة لطلبات المستثمرين بتخفيض الجنيه مع اقتراب موعد المؤتمر الاقتصادي في مارس.
هل هناك توقع بمزيد من الارتفاع للدولار؟
من المتوقع أن يستمر ارتفاع الدولار أمام الجنيه عدة أيام أخرى في البنوك لأن البنك المركزي ليس من سياسته تحريك سعر الصرف الرسمي إلا على فترات متباعدة، وبالتالي سيستمر ارتفاع الدولار حتى يصل لمستوى لا يحتاج المركزي لتغييره لفترة ليست بالقصيرة. وقد يكون المستهدف الذي تشير إليه العديد من بنوك الاستثمار هو (٧٫٥-٧٫٧)؛ وهو ما يقارب ٦٪ زيادة مقارنة بالسعر الرسمي قبل الموجة الأخيرة (٧٫١٨). وبعد هذه الموجة، من المتوقع أن يستقر سعر الصرف الرسمي عند المستوى الجديد لقرابة عام.
على الرغم من ارتفاع الدولار رسمياً إلا أنه سيكون من المستبعد اختفاء السوق الموازية والتي ستستمر مدفوعة بوجود عجز مستدام بين ما يدخل للاقتصاد من دولار وما يخرج منه، وهو ما سيستمر حتى تتعافى السياحة والاستثمار الأجنبي والذي تأمل الحكومة في حدوثه بعد المؤتمر الاقتصادي. لكن السوق الموازية ستستمر في توقع المزيد من الارتفاع للدولار وستتداوله على مستوى أعلى من السعر الرسمي، وإن كانت الفجوة ستكون في حدود ٥٪ أعلى من السعر الرسمي. وستؤجل السوق الموازية قرارها بمزيد من المضاربة حتى يظهر أثر المؤتمر الاقتصادي.
عمر الشنيطى
22 - يناير - 2015
نُشر هذا المقال فى "موقع أصوات مصرية"
No comments:
Post a Comment