Saturday, December 21, 2013

عن معضلة الدعم

لا يكاد يخلو حديث عن وضع الاقتصاد المصرى إلا ويذكر الدعم كمعضلة كبيرة يجب مواجهتها. يأتى هذا بعد أن خرج الناس فى ٢٥ يناير مطالبين بالعيش والعدالة الاجتماعية، لكن بعد مرور قرابة ثلاث سنوات لم يتحسن الوضع الاقتصادى بل على العكس يزداد الوضع سوءا، كما أن هناك تخوفات من رفع الدعم وما سيعقبه من ارتفاع كبير فى الأسعار. ونظرا لحساسية موضوع الدعم، وجب علينا توضيح حجم الدعم الحكومى وسياسات التعامل معه وآثار هذه السياسات.

يعتبر الدعم من المساعدات التى تقدمها الدولة للمواطنين، حيث تغطى جزءا من سعر المنتجات الرئيسية حتى تُطرح بسعر منخفض فى السوق. بدأ تطبيق برنامج الدعم فى مصر فى ١٩٤١ أثناء الحرب العالمية الثانية، وتطور بمرور الوقت بدافع سد احتياجات المواطنين وإحداث عدالة فى التوزيع. كان برنامج الدعم يمثل ٤٪ من إجمالى النفقات الحكومية خلال التسعينيات إلا أنه ارتفع بشدة مؤخرا بسبب ارتفاع أسعار المنتجات المدعومة ليصل إلى ٢٣٪، أى ما يقارب ١٦٠ مليار جنيه فى العام المالى الحالى. ويمثل دعم الطاقة ٧١٪ من إجمالى فاتورة الدعم، بينما يمثل دعم المواد الغذائية وغيرها ٢٩٪.

ومع هذه الفاتورة الباهظة، يأتى السؤال حول مدى استدامة الدعم خاصة فى ظل وضع اقتصادى معقد بلغ فيه عجز الموازنة ٢٤٠ مليار جنيه فى العام المالى الماضى، أى ما يعادل ١٣٫٨٪ من إجمالى الناتج المحلى، ومن المتوقع أن يتخطى العجز حاجز ٣٠٠ مليار جنيه فى العام المالى الحالى لو لم يتم اتخاذ إجراءات اقتصادية جذرية.

تشكل الرواتب وخدمة الدين والدعم حوالى ٨٠٪ من إجمالى النفقات الحكومية، وبما أن بند الرواتب يصعب تخفيضه وبند خدمة الدين لا مفر من زيادته، فإنه لا بديل عن النظر فى قضية الدعم. وقد أوضحت عدة دراسات اقتصادية مستقلة فى العقد الأخير وجود نسبة ليست بالقليلة من الدعم يتم إهداره، ولا يصل لمستحقيه. كما أن الفئات الأكثر ثراء فى المجتمع تحصل على حصة أكبر من الدعم مقارنة بالفئات الأكثر فقرا المستهدفة بالأساس ببرنامج الدعم، مما يجعل تخفيض فاتورة الدعم ضرورة ملحة.

تعمد الحكومات عادة إلى إعادة هيكلة الدعم إن كان لا يصل لمستحقيه، بينما تعمل على خفضه حينما يصل إلى مستويات مرتفعة. وتواجه الحكومات خيارين فى إعادة هيكلة الدعم كما أوضحت تجارب الأردن والجزائر وسريلانكا وإيران: أحدهما التحول إلى الدعم العينى الموجه حيث يتم استهداف الأسر الفقيرة والمتوسطة فقط من خلال توزيع البطاقات توزيعا عادلا واستبعاد الأسر الغنية نهائيا، بينما الخيار الثانى فهو التحول إلى الدعم النقدى المعتمد أساسا على رفع الأسعار إلى سعر التكلفة وإعطاء بديل مالى للأسر المستحقة حتى لا تتأثر برفع الأسعار فى السوق. ويضمن تطبيق الدعم العينى وصول الدعم لمستحقيه لكن يأتى ذلك على حساب الصعوبة والتكلفة المرتفعة للتطبيق. بينما تطبيق الدعم النقدى أسهل لكن يأتى ذلك على حساب زيادة التضخم.

قد يكون الدعم النقدى الأنسب للحالة المصرية من حيث السرعة والكفاءة. لكن من الواضح أن الحكومة تعمد على خفض الدعم فى المقام الأول أكثر من إعادة هيكلته بسبب عجز الموازنة المتفاقم. ويأتى على رأس ذلك خفض دعم الطاقة مثل بنزين السيارات والذى تأتى أولى خطواته بتطبيق كارت البنزين، والذى من المتوقع أن يعقبه إجراءات أخرى. كما قامت الحكومة السابقة برفع سعر الغاز على الصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة مثل الإسمنت قبل ٣٠ يونيو لكن لم تسمح الحكومة السابقة أو الحالية لهذه المصانع باستيراد واستخدام بدائل للطاقة مثل الفحم لدواعٍ بيئية. ولا يظهر حتى الآن كيف تنوى الحكومة التعامل مع دعم الكهرباء والبوتاجاز، وقد يكون التحول للدعم النقدى هو الأفضل فى هذا الصدد، لكن من الأرجح أن الحكومة ستقوم باتباع طريقة الدعم العينى الموجه خوفا من التضخم. ويظل دعم الغذاء خارج نطاق التخفيض خوفا من تكرار الاحتجاجات العارمة التى حدثت حينما شرع الرئيس السادات فى ذلك ويظل التوجه فى هذا الصدد هو منع الإهدار وهو ما ركزت عليه الحكومة السابقة.

وسيكون لتوجه الحكومة الذى لا مفر منه نتائج متباينة. فرفع الدعم تدريجيا على البنزين سيؤدى إلى تخفيض فاتورة الدعم، وبالتالى عجز الموازنة ليعود لمستويات منطقية. بينما رفع الدعم تدريجيا على الغاز للأنشطة الصناعية يخفض من القدرة التنافسية لهذه الصناعات كما يصيبها بالشلل بسبب عدم استدامة توريد الغاز للمصانع وعدم السماح باستيراد واستخدام بدائل للطاقة مثل الفحم مما يقلل من أرباح الشركات، وبالتالى الحصيلة الضريبية منها، لكن التخفيض فى فاتورة الدعم سيكون أكبر من انخفاض الحصيلة الضريبية. أما احتمالية إعادة هيكلة دعم الكهرباء والبوتاجاز فستؤدى إلى تخفيض مؤكد فى فاتورة الدعم لكن يأتى ذلك على حساب زيادة مستوى الأسعار والتى قد تثير احتجاجات شعبية.

الخلاصة أن عجز الموازنة المتصاعد وهيكل النفقات الحكومية يجعل من شبه المستحيل إبقاء الدعم على مستواه الحالى ولذلك من المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة رفعا تدريجيا للدعم الموجه للفئات الأكثر ثراء عن طريق تخفيض دعم بنزين السيارات وكذلك الاستمرار فى تخفيض دعم الغاز للمصانع، بينما من المتوقع أن تتم إعادة هيكلة دعم الكهرباء والبوتاجاز وإن كانت هذه الخطوة وآلياتها مازالت غير واضحة. ومن المتوقع أن يكون لهذا التوجه الضرورى نتائج متباينة بين تحسن لعجز الموازنة مقابل زيادة فى التضخم، بينما التطبيق غير المكتمل أو المتسرع قد يؤدى إلى احتجاجات واسعة. وتعتبر الشفافية من ناحية الحكومة فى مثل هذه القضايا الاقتصادية غير الشعبوية ضرورة ملحة إلا أنها غائبة حتى الآن.

عمر الشنيطي
21 ديسمبر 2013
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق"

Saturday, December 7, 2013

عن العلاقات المصرية التركية

تعتبر تركيا أحد أهم اللاعبين فى المنطقة سياسيا واقتصاديا وقد انتعشت علاقاتها الاقتصادية مع مصر فى السنوات التى سبقت ثورة ٢٥ يناير وما بعدها٬ لكن بعد ٣٠ يونيو شهدت هذه العلاقات أزمة حقيقية بعد التوتر السياسى الذى حدث بين البلدين مما أدى إلى تخفيض التمثيل الدبلوماسى بين البلدين لأسباب سياسية. وقد انبرى الخبراء فى تحليل الخسائر الاقتصادية جراء هذا التوتر٬ فذهب البعض إلى أن تركيا هى الخاسر من ذلك بينما ذهب آخرون إلى عكس ذلك. ولذلك يهدف هذا المقال إلى إلقاء الضوء على الأبعاد الاقتصادية للعلاقات المصرية التركية وتحليل نتيجة التوتر السياسى الأخير عليها.

يمتد تاريخ العلاقات الاقتصادية بين مصر وتركيا لعقود حيث وقع البلدان أول اتفاقية للتجارة فى ١٩٦٦ ثم اتفاقية ثانية فى ١٩٧٦ وثالثة فى ١٩٩٦ لكن هذه الاتفاقيات لم تؤد إلى نمو كبير فى حجم التبادل التجارى بين البلدين. فى عام ٢٠٠٥ قام البلدان بتوقيع اتفاقية جديدة للتجارة والتى دخلت حيز التنفيذ فى مطلع عام ٢٠٠٧، كان لهذه الاتفاقية أثر كبير فى تعميق العلاقات الاقتصادية بين البلدين حيث تضاعف إجمالى التبادل التجارى بين البلدين فى خلال عامين من تطبيق الاتفاقية٬ كما فتحت هذه الاتفاقية الباب أمام الاستثمارات التركية لدخول السوق المصرية. وعقب ثورة ٢٥ يناير٬ تطورت العلاقات السياسية بشكل كبير وكذلك الاقتصادية بالتبعية بشكل أسرع.

لكن هذه العلاقات السياسية ما لبثت أن تراجعت بعد عزل الرئيس السابق ودخول مصر فى مرحلة انتقالية جديدة. ويتوقع العديد من الخبراء تراجع التعاون الاقتصادى بين البلدين جراء ذلك. وقبل النظر فى العلاقات الاقتصادية بين البلدين٬ يجب إدراك تعقد وتشابك العلاقات الاقتصادية بين الدول وكذلك أبعادها المختلفة حيث يستفيد فيها كل طرف من الآخر٬ وهو ما يعتبر أساس فكرة التكامل الاقتصادى فى العصر الحديث. لذا يجب علينا تحليل أربعة جوانب رئيسية: التبادل التجاري٬ التبادل السياحي٬ الاستثمارات المباشرة٬ والمساعدات الاقتصادية.

بالنسبة للتبادل التجاري٬ بلغت إجمالى الصادرات المصرية لتركيا ١٫١ مليار دولار فى العام المالى الماضي٬ قرابة ٤٪ من إجمالى الصادرات المصرية٬ وتأتى على رأسها الأرز والفحم والبتروكيماويات والقطن والفوسفات. بينما بلغت إجمالى الصادرات التركية لمصر ٢٫٣ مليار دولار فى العام المالى الماضي٬ قرابة ٢٪ من إجمالى الصادرات التركية٬ وتأتى على رأسها السيارات والحديد والخضر والفواكه والمنسوجات. وحيث إن تركيا تصدِّر لمصر أكثر مما تستورده منها٬ فإن التبادل التجارى بين البلدين يصب فى صالح تركيا.

ومن المتوقع ألا يؤدى التوتر السياسى الأخير إلى تقهقر كبير فى حجم التبادل التجارى لكن على الأرجح سيؤدى إلى عدم زيادة مستواه الحالى. وفى حالة حدوث تأثر٬ فإن الصادرات التركية وعلى رأسها الحديد هى ما قد تتأثر٬ خاصة مع وجود تحفظات كبيرة من المنتجين المصريين على ذلك٬ بينما على الصعيد الآخر لا يتوقع حدوث تغير كبير فى مستوى الصادرات المصرية لتركيا بسبب طبيعة هذه الصادرات. لذلك فإن خسائر تركيا من المتوقع أن تكون أكبر فى جانب التبادل التجاري٬ وإن كانت إجمالى هذه الخسائر ضئيلة.

أما عن التبادل السياحي٬ فقد بلغ متوسط عدد السائحين المصريين لتركيا قرابة ٦٠ ألف سائح سنويا فى الأعوام القليلة الماضية٬ بينما لا يتعدى عدد السائحين الأتراك لمصر بضعة آلاف سنويا٬ وهما ما يجعل التبادل السياحى بين البلدين يصب فى صالح تركيا. ومن المتوقع أن تؤدى التطورات الأخيرة إلى تراجع التبادل السياحى بين البلدين خاصة مع الدعوات المتصاعدة فى مصر لمقاطعة السياحة التركية وهو ما قد يؤثر على عدد السائحين المصريين لتركيا. ولذلك فإن خسائر تركيا من المتوقع أن تكون أكبر فى جانب التبادل السياحى.

وبالنظر للاستثمارات المباشرة٬ نجد أن إجمالى الاستثمارات التركية المباشرة فى مصر قد بلغت حوالى ١٫٥ مليار دولار وتوظف هذه الاستثمارات ما يزيد على ٥٠ ألف عامل مصري٬ بينما الاستثمارات المصرية المباشرة فى تركيا منخفضة٬ إن لم تكن منعدمة. ومع التوتر السياسى الأخير٬ فإنه من الطبيعى أن تتوقف الاستثمارات التركية المباشرة فى مصر عن الزيادة فى الفترة القادمة مع احتمالية خروج العديد من المستثمرين الأتراك من السوق المصرية مخافة الاضطهاد السياسى والمقاطعة الاقتصادية. لذلك فإن خسائر مصر من المتوقع أن تكون أكبر بكثير فى جانب الاستثمارات المباشرة والتى تحتاج إليها مصر بشدة لإنعاش الاقتصاد.

أما على صعيد المساعدات الاقتصادية٬ فقد قامت تركيا بتقديم حزمة من المساعدات لمصر فى أكتوبر ٢٠١٢ بلغت ٢ مليار دولار٬ مليار دولار منحة لا ترد ومليار دولار قرضا. بينما لم تقدم مصر أية مساعدات اقتصادية فى الماضى القريب لتركيا والتى شهدت نهضة اقتصادية كبيرة فى السنوات الاخيرة. ومن البديهى توقف المساعدات التركية لمصر جراء التصعيد السياسى الأخير. لذلك فإن مصر هى الخاسر الحقيقى فى جانب المساعدات الاقتصادية٬ فى وقت تحتاج مصر فيه لكل دعم متاح.

الخلاصة أن العلاقات الاقتصادية بين الدول دائما ما تكون متشابكة ولها أبعاد مختلفة يستفيد فيها كل طرف من الآخر من باب التكامل الاقتصادى. ومع تصاعد حدة التوتر السياسى مؤخرا بين مصر وتركيا٬ فإنه من المتوقع حدوث خسائر اقتصادية للطرفين٬ تخسر فيها تركيا على صعيد التبادل التجارى والتبادل السياحي٬ بينما تخسر مصر أكبر من ذلك على صعيد الاستثمارات المباشرة والمساعدات الاقتصادية، مما يجعل مصر فى المجمل الخاسر الحقيقى اقتصاديا نتيجة هذا التصعيد السياسى والذى يأتى فى وقت تمر فيه مصر بأزمة اقتصادية طاحنة ومتصاعدة تدفعها لزيادة الاعتماد على السعودية والإمارات والكويت٬ بشكل مقلق وغير متوازن سياسيا.

عمر الشنيطي
7 ديسمبر 2013
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق"

Saturday, November 23, 2013

السياحة.. واقع وآفاق

تعد مصر واحدة من الوجهات السياحية العالمية لما فيها من آثار متنوعة وشواطئ خلابة وطقس معتدل طوال العام. ولا يخفى على أحد أهمية قطاع السياحة للاقتصاد المصرى ومدى تأثره بالأحداث السياسية التى تمر بها البلاد، لذلك يجب التعرف على طبيعة هذا القطاع وما يعانى منه مؤخرا وكذلك آفاقه المستقبلية.

بالنظر لطبيعة هذا القطاع، نجد أن سياحة الشواطئ تأتى على رأس أنواع السياحة فى مصر خاصة فى منطقة البحر الأحمر وجنوب سيناء والتى تحتل ما يقرب من ٧٠٪ من النشاط السياحى فى مصر. كما تتميز مصر بالسياحة الثقافية والتى تشمل المزارات الأثرية والمتاحف والمساجد المتنوعة التى تشتهر بها مصر وعلى رأسها محافظة الأقصر التى يوجد بها ثلث آثار العالم. هذا بالإضافة إلى وجود أنواع أخرى من السياحة مثل السياحة العلاجية والسياحة الرياضية وسياحة السفارى وغيرها وإن كانت هذه الأنواع لا تمثل نسبة كبيرة من نشاط القطاع.

أما عن آداء القطاع، نجد أن عدد الفنادق والقرى السياحية تخطى ١٤٠٠ قبل ٢٠١١، لكن هذا العدد انخفض مؤخرا لقرابة ١٣٠٠، كما انخفض عدد السائحين القادمين لمصر من ١٤ مليون سائح فى عام ٢٠١٠ الى ما بين ١٠ إلى ١١ مليون سائح سنويا فى العامين الماضيين. يمثل السائحون الأوروبيون ٧٥٪ والسائحون الخليجيون ١٥٪ من إجمالى السائحين. وقد بلغ متوسط عدد الليالى التى يقضيها السائح فى مصر ١٠ ليال فى ٢٠١٠، ولكن شهد هذا العدد تذبذبا فى العامين الماضيين حيث ارتفع إلى ١٤ ليلة ثم انخفض مؤخرا ليصل إلى ٧ ليال. هذا بالإضافة الى انخفاض متوسط ما ينفقه السائح فى الليلة من ٨٥ دولارًا فى ٢٠١٠ ليصل إلى ٦٠ دولارا فى الليلة فى العامين الماضيين.

من الناحية الاقتصادية، انخفضت إيرادات القطاع من ١٣ مليار دولار فى ٢٠١٠ لتتراوح بين ٩ و١٠ مليارت دولار سنويا فى العامين الماضيين. هذا وتساهم إيرادات القطاع المباشرة وغير المباشرة بقرابة ١٤٪ من إجمالى الناتج المحلى. كما شكلت إيرادات القطاع ٢٨٪ من إجمالى الصادرات فى ٢٠١٠، بينما انخفضت هذه النسبة إلى ٢٠٪ فى العامين الماضيين. بالإضافة إلى ذلك، يوفر القطاع بشكل مباشر وغير مباشر ما يزيد على ٣ مليون فرصة عمل وهو ما يمثل ١٢٪ من إجمالى سوق العمل فى مصر.

وقد شهد قطاع السياحة تطورا كبيرا فى العقد الأخير، حيث ارتفع عدد السائحين من ٥٫٥ مليون سائح فى ٢٠٠٠ إلى ١٤ مليون سائح فى ٢٠١٠ فى زيادة ملحوظة ساهمت بشدة فى دفع نمو الناتج المحلى الإجمالى وتوفير الكثير من فرص العمل. لكن مع إندلاع الثورة فى بداية ٢٠١١ وحالة الاضطراب السياسى، شهد القطاع تراجعا كبيرا حيث انخفض عدد السائحين فى ٢٠١١ بنسبة ٢٧٪ مقارنة بالعام السابق ليصل إلى ١٠ ملايين سائح. لكن سريعا ما عاد القطاع للتعافى بعد ٢٠١١، حيث ارتفع عدد السائحين فى النصف الأول من ٢٠١٢ بنسبة ١٥٪ مقارنة بالنصف الأول من ٢٠١١ بعد إجراء انتخابات مجلس الشعب.

وقد أدى تنصيب أول رئيس مدنى منتخب فى منتصف ٢٠١٢ إلى دفع القطاع لمزيد من التعافى، حيث ارتفع عدد السائحين فى العام المالى ٢٠١٢/٢٠١٣ بنسبة ١٠٪ مقارنة بالعام المالى ٢٠١٢/٢٠١١. وعلى الرغم من ذلك النمو إلا أن القطاع لم يسترد عافيته كاملة حيث ظل عدد السائحين فى النصف الأول من ٢٠١٣ أقل بنسبة ٩٪ مقارنة بالنصف الأول من ٢٠١٠. لكن لم يمر وقت كبير حتى تراجع مرة أخرى بعد عزل الرئيس السابق فى يوليو ٢٠١٣، حيث انخفض عدد السائحين فى يوليو ٢٠١٣ بنسبة ٢٥٪ مقارنة بيوليو ٢٠١٢. ومع فض الاعتصامات بالقوة فى أغسطس، شهد القطاع صدمة حقيقية نتج عنها تراجع كبير كما جاء على لسان وزير السياحة الذى أكد أيضا أن القطاع بدأ فى التعافى مرة أخرى بعد أن رفعت عدة دول الحظر عن سفر مواطنيها لمصر فى الأسابيع القليلة الماضية.

هذا وتحتل مصر المركز السادس والعشرين عالميا من حيث عدد السائحين سنويا. وإذا نظرنا لبعض الدول الأخرى، نجد أن دولة مثل فرنسا يزورها ٨١ مليون سائح بإجمالى إيرادات ٦٥ مليار دولار سنويا ودولة مثل إسبانيا يزورها ٥٦ مليون سائح بإجمالى إيرادات ٦٨ مليار دولار سنويا. كما أن مدينة مثل دبى تخطى زائروها ١٠ ملايين سائح فى ٢٠١٢. وهذه الأمثلة تدل على التقصير الكبير فى الاستفادة من قدرات القطاع السياحى فى مصر وقدرة هذا القطاع الهائلة على النمو فى ظل وجود عوامل يصعب توافرها معا لوجهة سياحية. لذلك من الواجب على الحكومة العمل على تطوير قطاع السياحة وترويجه عالميا بشكل يتناسب مع قدرات مصر السياحية.

الخلاصة أن مصر تتمتع بكمية هائلة من الآثار والعديد من الشواطئ بالإضافة إلى جو معتدل طوال العام. ولقطاع السياحة أهمية كبيرة فى الاقتصاد المصرى نظرا لمساهمته فى الناتج المحلى الإجمالى وهو مصدر هام للعملة الصعبة وكذلك توفيره للكثير من فرص العمل. لكن آداء القطاع مرتبط بشدة بالوضع السياسى والأمنى ولذلك شهد تراجعا كبيرة منذ بداية ٢٠١١ بسبب الاضطرابات السياسية مصحوبا بتذبذب كبير صعودا ونزولا بالتزامن مع الأحداث السياسية فى العامين الماضيين. وبمقارنة مصر بوجهات سياحية أخرى عالميا، يتضح عدم الاستفادة الكاملة من قدرات القطاع فى مصر وقدرة هذا القطاع على النمو لأضعاف حجمه الحالى وهو ما يجب أن تتبناه الحكومة كتوجه استراتيجى فى ظل وضع اقتصادى حرج.

عمر الشنيطي
23 نوفمبر 2013
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق"

Saturday, November 9, 2013

لندن والتمويل الإسلامى

فاجأ رئيس الوزراء البريطانى مؤخرا العالم بالإعلان عن عزم الحكومة البريطانية على إصدار صكوك، وبهذا تكون بريطانيا أول دولة غير إسلامية تقوم بإصدار صكوك، وكذلك خطة الحكومة البريطانية لتحويل لندن لمركز عالمى للتمويل الإسلامى جنبا إلى جنب مع دبى وماليزيا. وقد أثار هذا الخبر ردود أفعال متضاربة، لكن هذا التوجه وما سيتبعه يستحق النظر بعمق لقطاع التمويل الإسلامى ودور لندن المستقبلى فيه وما يمكن أن نتعلمه من هذا التطور.

تصدر الحكومات أوراقا مالية للاقتراض من أجل تمويل احتياجاتها وقد يكون هذا الاقترض فى شكل سندات تقليدية أو سندات موافقة لأحكام الشريعة الإسلامية «الصكوك». السندات الحكومية التقليدية تقضى بإصدار أوراق مالية لجمع الأموال مقابل وعد برد أصل المبلغ بعد فترة زمنية محددة بالإضافة لدفع فوائد محددة عليه. يعتبر السند مديونية على الدولة ولكن يعطى للحكومة الحرية فى استخدام الأموال فى سد عجز الموازنة أو تمويل مشروعات أو غيرها، وبما أن السندات تمنح حامليها عوائد محددة دون مخاطرة أو دخول فى عمليات بيع وشراء فهى تعتبر مخالفة لأحكام الشريعة الاسلامية.

أما الصكوك فهى أداة مالية تستطيع من خلالها الحكومة جمع الأموال ولكن للصرف فى مشروعات محددة، ويترتب على ذلك مشاركة الممولين فى الربح والخسارة كالمضاربة أو الإجارة، أو الدخول فى عمليات بيع وشراء وتطوير كالاستصناع أو المرابحة، كما يلزم عدم استخدام الأموال التى تم جمعها لتمويل أنشطة تخالف الشريعة الإسلامية مثل الخمور والمقامرة وغيرها ولذلك تُعتبر الصكوك موافقة لأحكام الشريعة الإسلامية. من ناحية أخرى، إذا كانت من النوع الذى يتطلب المشاركة فى الربح والخسارة، فإن الصكوك لا تُعتبر مديونية على الدولة وهى ميزة كبيرة، خاصة للحكومات التى تعانى من مستوى دين حكومى مرتفع.

على الرغم من وجود اختلافات بين السندات والصكوك من الناحية القانونية والتعاقدية فإن العائد عليهما عادة ما يكون مقاربا وعادة ما يتم تسويقهما بنفس الطريقة ومن خلال نفس القنوات واعتبارهما أدوات تمويل بديلة، وهو ما قد يجعل الكثيرين لا يرون اختلافا حقيقيا بينهما فى التطبيق. وهذه المشكلة لا تقتصر فقط على الصكوك، بل أيضا تشمل البنوك الإسلامية وغيرها من أدوات التمويل الإسلامى. ولعل السبب وراء ذلك هو أن أدوات التمويل الإسلامى لم تظهر إلا فى العقود الأخيرة فى شكل «أسلمة» لأدوات التمويل التقليدى حتى تكون موافقة لأحكام الشريعة الإسلامية.

لكن بالرغم من هذه التحفظات فإن الكثير من المستثمرين المسلمين قد يفضلون أدوات التمويل الإسلامى لكونها متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية وهو ما أدى إلى نمو كبير فى هذا القطاع وخاصة الصكوك. فقد بلغ إجمالى سوق الصكوك العالمية ٣٠٠ مليار دولار بنهاية ٢٠١٢، أصدرت ماليزيا ثلثى هذا الرقم والباقى أغلبيته صدر فى الخليج. وتتوقع التقارير زيادة سوق الصكوك إلى ٩٠٠ مليار دولار بنهاية ٢٠١٧. إضافة إلى نمو قطاع البنوك الإسلامية مؤخرا بنسبة ٥٠٪ أسرع من نمو قطاع البنوك التقليدية. وهذا النمو الكبير يجعل من المتوقع وصول إجمالى الاستثمارات الإسلامية إلى حوالى ١٫٣ تريليون دولار فى ٢٠١٤.

ولعل هذا النمو الملحوظ هو ما جذب انتباه بريطانيا للعب دور محورى فى هذا القطاع الواعد والاستفادة من الثروات المتراكمة فى الدول الإسلامية، خاصة دول الخليج الغنية بالنفط، لتمويل احتياجات بريطانيا فى المستقبل وهو ما عبر عنه رئيس الوزراء البريطانى على صفحته على الإنترنت عن إدراكه أن بريطانيا فى سباق عالمى من أجل مستقبلها الاقتصادى وأن عليها فتح مجالات عمل جديدة مثل التمويل الإسلامى للحفاظ على مكانة لندن كمركز مالى عالمى فى ظل منافسة عالمية شرسة لجذب رءوس الأموال. ومن الجدير بالذكر أن بريطانيا هى أكبر بلد غربى يحوى بنوكا إسلامية. كما أن بها ما يزيد على ١٦ جامعة تمنح درجات الماجستير فى التمويل الإسلامى مما يؤهلها للعب دور محورى فى هذا القطاع.

إذا كانت دولة غربية وعريقة اقتصاديا مثل بريطانيا تدرك حقيقة السباق الاقتصادى العالمى وأهمية تبنى أدوات التمويل الإسلامى بشكل منفتح لجذب رءوس الأموال من الدول الإسلامية ولعب دور محورى فى هذا القطاع الواعد، فمن الأولى أن تتبنى دولة عربية مركزية مثل مصر هذا التوجه.
وهناك العديد من العوامل التى قد تساعد مصر فى هذا الصدد. أولا: تراجع الوضع الاقتصادى العام منذ ٢٠١١ وحاجة مصر لفتح مجالات جديدة تستطيع المنافسة فيها بقوة. ثانيا: وجود طلب محلى على أدوات التمويل الإسلامى بسبب تفضيل البعض التعامل فيها لأسباب دينية. ثالثا: وجود إمكانية كبيرة لنمو هذا القطاع محليا حيث إنه لا يزال قطاعا ناشئا على الرغم من وجود بنوك إسلامية فى مصر منذ فترة طويلة. رابعا: وجود موارد بشرية برزت فى هذا المجال خاصة فى دول الخليج ولديها القدرة على تنمية هذا القطاع فى مصر.

الخلاصة أن قطاع التمويل الإسلامى يختلف عن قطاع التمويل التقليدى فى شكل المعاملات من الناحية القانونية والتعاقدية وإن كانت هذه الاختلافات لا تزال محدودة، فى نظر الكثيرين. ويشهد هذا القطاع مؤخرا نموا ملحوظا مقارنة بقطاع التمويل التقليدى بسبب الطلب المتزايد من العديد من المؤسسات والأفراد فى الدول الإسلامية، وهو ما دفع بريطانيا لإصدار صكوك لتمويل احتياجات الحكومة وكذلك تبنى خطة لتحويل لندن لمركز عالمى للتمويل الإسلامى. ولعل من الأولى أن تتبنى هذا التوجه دولة عربية مركزية كمصر حيث تتوافر فيها العديد من العوامل لنجاح هذا القطاع خاصة فى ظل وضع اقتصادى حرج تحتاج فيه مصر لقطاعات جديدة وواعدة تستطيع التميز فيها.
عمر الشنيطي
9 نوفمبر 2013
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق"

Saturday, October 26, 2013

عن التضخم والاقتصاد غير الرسمى

كنت قد كتبت مقالا منذ أسبوعين عن التضخم «ارتفاع الأسعار» الذى تشهده مصر وأسبابه وتوقعاته المستقبلية. وبعد نشر المقال، تلقيت اتصالا من رئيس الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، وهى الجهة المسئولة عن حساب التضخم، معاتبا على ما ذكرته من أن الكثير من الاقتصاديين يشككون فى دقة معدلات التضخم الرسمية. وبعد مناقشة فنية طويلة عن الطريقة المتبعة لحساب التضخم ومدى الحرص على دقة البيانات من ناحية وكذلك التحفظات على المعدلات الرسمية المعلنة من ناحية أخرى، قام رئيس الجهاز مشكورا بدعوتى لزيارة الجهاز والتعرف على تفاصيل طريقة جمع البيانات وحسابها.

وعلى الرغم من غرابة الموقف فى بداية الأمر إلا أنه بمثابة علامة جيدة على اهتمام المسئولين بالجهاز ورغبتهم فى التواصل مع المجتمع. وبالفعل قمت بالزيارة والتعرف على الكثير من التفاصيل الفنية وكذلك مناقشة رئيس الجهاز فى طرق جمع البيانات وتحليلها حيث يقوم الجهاز بجمع أسعار آلاف السلع والخدمات بشكل شهرى من ١٠٠٨٥ مصدرا بالحضر و٤٣٣٧ مصدرا بالريف من خلال مندوبين يقومون بزيارات ميدانية لهذه المصادر ويتم التأكد من صحة هذه البيانات بأشكال مختلفة ثم جمعها وتحليلها طبقا للمعاير المتبعة دوليا وهو ما شهدت به عدة مؤسسات دولية مثل صندوق النقد الدولى الذى قام بفحص وتقييم الأسلوب المتبع فى الجهاز منذ عدة سنوات.

وعلى الرغم مما سبق ذكره من مجهود كبير وتحرٍ للدقة فى جمع البيانات وكذلك المعايير الدولية المتبعة لتجميع وتحليل الأرقام من قبل الجهاز إلا أن العديد من الاقتصاديين ومراكز الدراسات الاقتصادية داخل مصر وخارجها قد انتقدوا معدلات التضخم الرسمية لأسباب فنية متعلقة بمصادر جمع البيانات وطريقة الجمع والأوزان النسبية للمنتجات المختلفة فى سلة السلع والخدمات وغيرها من الأسباب. كما أن هناك تحفظا مستقبليا خاصا بفرض التسعيرة الجبرية والذى قد يجبر التجار على الالتزام بالسعر الرسمى ظاهريا لكن قد يؤدى إلى الامتناع عن البيع وظهور سوق موازية لهذه المنتجات مما سيؤدى إلى ارتفاع حقيقى فى الأسعار وإن كانت البيانات الرسمية ستعجز عن رصده. وقد تقبل رئيس الجهاز هذا النقد بصدر رحب حينما حدث النقاش حول هذه الدراسات والتى قمت بجمعها وإعطائه نسخة منها للاطلاع والأخذ فى الاعتبار مستقبلا.

لعل هذه الواقعة تأخذنا للحديث عن أحد أهم سمات الاقتصاد المصرى وهى كبر حجم «الاقتصاد غير الرسمى». يشمل الاقتصاد غير الرسمى الأنشطة الاقتصادية التى لا ترصدها البيانات الرسمية والتى لا تدخل فى حساب الناتج المحلى ولذلك لا يتم تحصيل ضرائب عليها. وينقسم إلى نوعين من الأنشطة فى الأساس، الأول يشمل ما لا تدركه البيانات الرسمية كليا مثل الباعة الجائلين وسائقى التاكسى والبناء المخالف للقانون الذى انتشر مؤخرا وغيرها من المهن والأنشطة الأخرى، بينما الثانى يشمل ما تدركه البيانات الرسمية جزئيا مثل قيام العديد من المؤسسات والأفراد بعدم الإفصاح عن جزء من نشاطهم من باب التهرب الضريبى.

لا يكاد يخلو بلد من وجود اقتصاد غير رسمى حتى الدول الغربية المتقدمة، لكن مصر كمثيلاتها من الدول النامية تتسم بحجم اقتصاد غير رسمى كبير. وعلى الرغم من صعوبة تحديد حجمه إلا أن العديد من الدراسات قامت بتحليل هذا القطاع ومحاولة تقدير حجمه وقد أشارت أغلب هذه الدراسات إلى أن حجمه فى مصر قد يتراوح بين ثلث ونصف حجم الاقتصاد الرسمى، مما يعنى أن الاقتصاد غير الرسمى يشكل ربعا إلى ثلث إجمالى النشاط الاقتصادى (الاقتصاد الرسمى زائد الاقتصاد غير الرسمى). وإذا كان هذا الحجم الكبير من النشاط الاقتصادى يتم بصورة غير رسمية، فمن البديهى توقع عدم قدرة البيانات الرسمية على رصد هذه الأنشطة وبالتالى عدم دقة الكثير من المؤشرات الاقتصادية الكلية والتى يأتى على رأسها الناتج المحلى وتوزيع الدخل والبطالة والتضخم وغيرها من المؤشرات.

من ناحية أخرى، وجود اقتصاد غير رسمى كبير الحجم لا يعنى عدم جدوى المؤشرات الرسمية، فهذه المؤشرات يتم حسابها بطريقة صحيحة وطبقا للمعايير العالمية كما سبق ذكره. لكن يجب إدراك أن هذه المؤشرات ترصد الجزء الرسمى من الاقتصاد بدقة، بينما لا تستطيع ذلك فى الجزء غير الرسمى من الاقتصاد. ولذلك من الحكمة التعامل مع المؤشرات الرسمية على سبيل مقارنتها بالفترات السابقة بشكل نسبى لاستخلاص التغيرات الاقتصادية مع العلم أن القيم المطلقة لهذه المؤشرات فى فترة بعينها قد لا تكون معبرة بشكل كامل، وهو ما ينطبق على أغلب المؤشرات الاقتصادية الكلية. فعلى سبيل المثال، تظهر البيانات الرسمية مؤخرا زيادة فى معدلات التضخم وهو ما يتفق مع نتائج مراكز الدراسات المستقلة وما يشعر به المواطن العادى فى حياته اليومية وهو الأهم، لكن الشعور العام أن الزيادة الحقيقية فى الأسعار أعلى مما ترصده المعدلات الرسمية، وهو ما يوضح قدرة المؤشرات الرسمية على رصد التغيرات الاقتصادية وإن كانت القيم المطلقة لهذه المؤشرات ستظل محل جدل.

الخلاصة أن الاقتصاد المصرى يتسم بوجود اقتصاد غير رسمى كبير الحجم قد يشكل ربعا إلى ثلث إجمالى النشاط الاقتصادى. وبسبب طبيعة الاقتصاد غير الرسمى، لا تستطع البيانات الرسمية رصد ما يحدث فى هذا الجزء من الاقتصاد مما يحد من دقة الكثير من المؤشرات الاقتصادية الكلية. ولذلك يجب النظر للمؤشرات الرسمية على سبيل القياس والمقارنة بشكل نسبى بين فترة وأخرى فى المقام الأول أكثر من النظر إلى القيم المطلقة لهذه المؤشرات فى فترة بعينها.


عمر الشنيطي
26 أكتوبر 2013
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق"

Saturday, October 12, 2013

التضخم.. أسبابه وتوقعاته

يتحدث الناس عن تدهور الوضع الاقتصادى لكنهم لا يأبهون بمؤشرات الاقتصاد الكلية، بينما يركزون على ما يلمسونه من ظواهر فى حياتهم اليومية، والتى برز منها مؤخرا ارتفاع الأسعار، وهو ما يعرف بالتضخم. يتحدث الناس عن تضاعف أسعار الكثير من السلع والخدمات الأساسية منذ ٢٠١١ مما خفض من القوة الشرائية للمواطنين، وهو ما أشعرهم بالفقر حتى مع ثبات رواتبهم. وبسبب حساسية التضخم وأثره الاجتماعى تأتى محاربته على قائمة أولويات الحكومة، لكن تعقُد الأمر قد يحد من قدرة الحكومة على السيطرة عليه.

التضخم هو معدل الزيادة فى مستوى أسعار السلع والخدمات ويتم قياسه بمقارنة مستوى أسعار سلة من السلع والخدمات الأساسية من فترة لأخرى. يمثل المأكل والمشرب ٤٠٪ والمسكن وما يتبعه من تكلفة الماء والكهرباء ١٨٪ من وزن سلة السلع والخدمات، بينما تمثل باقى السلع والخدمات ما تبقى من وزن السلة فى مصر. وتعلن الحكومة دوريا عن معدلات التضخم والتى تراوحت بين ٩و١٠٪ خلال الثلاثة أعوام السابقة، لكن يشكك الكثير من الاقتصاديين فى دقة هذه الأرقام حيث إنها تأخذ فى الاعتبار الأسعار الرسمية بينما تتجاهل الأسعار الحقيقية الأكثر ارتفاعا مما أدى إلى تضخم كبير فى الأسعار يشعر به الناس وإن كانت البيانات الرسمية لا ترصده.
هناك العديد من الأسباب وراء ظاهرة التضخم يمكن تلخيصها فى ثلاثة أسباب رئيسية:

أولا: الاضطرابات السياسية منذ ثورة يناير ٢٠١١ والتى أدت إلى توقف العمل فى الكثير من المصانع وتراجع الإنتاج، وبالتالى المعروض من المنتجات. كما أدت إلى زيادة المضاربة على أسعار المنتجات خاصة فى ظل تقلب سعر صرف الدولار والذى يؤثر على أسعار العديد من المنتجات الأساسية مما دفع الكثير من التجار لتخزين المنتجات حتى ترتفع الأسعار. صاحب ذلك أيضا احتجاجات واسعة نتج عنها رفع رواتب العمال والموظفين وزيادة تكلفة الإنتاج. كما قام الكثير من التجار برفع الأسعار بنسبة أعلى من زيادة التكلفة تحسبا لانخفاض الجنيه أو زيادة تكاليف الإنتاج مرة أخرى.

ثانيا: عجز الموازنة الناتج عن الزيادة الكبيرة فى مصاريف الحكومة فى بنود الرواتب والدعم وخدمة الدين بينما لم تزد الإيرادات بنفس المعدل مما أدى إلى وصول عجز الموازنة إلى ١٤٪ من الناتج المحلى فى العام المالى الماضى. حيث لجأت الحكومات المتعاقبة للإقتراض المحلى لتمويل هذا العجز مما أدى إلى توجيه جزء كبير من موارد القطاع المصرفى لتمويل الحكومة على حساب تمويل الأنشطة الصناعية والتجارية مما رفع تكلفة التمويل على الشركات. كما توسعت البنوك فى جذب أموال المودعين لتمويل الحكومة مما رفع عوائد الودائع وبالتالى الطلب على المنتجات وأسعارها فى السوق، بينما توسع البنك المركزى فى طباعة النقود لسد عجز الموازنة المتفاقم.

ثالثا: تخفيض الجنيه الناتج عن تراجع الاستثمار الأجنبى والسياحة مما ضغط على سعر صرف الجنيه أمام الدولار، ومع وجود فجوة كبيرة بين سعر الصرف الرسمى والمتداول فى السوق الموازية كان لا مفر من تخفيض قيمة الجنيه أمام الدولار بحوالى ١٧٪، وهو ما انعكس على زيادة أسعار السلع المستوردة. كما نتج عن ذلك ارتفاع أسعار المواد الخام المستوردة التى تدخل فى صناعة الكثير من المنتجات المحلية مما أدى إلى زيادة أسعار هذه المنتجات. بجانب التقلب الكبير فى سعر الصرف والقيود التى وضعها البنك المركزى، تذبذب المعروض من السلع المستوردة مؤديا إلى زيادة أسعارها فى السوق.

وقد أدت العوامل السابقة إلى تضخم ملحوظ فى الأسواق حتى وإن لم ترصده البيانات الرسمية. لكن يبدو أن الحكومة أدركت حدة أزمة التضخم فتبنت مجموعة من السياسيات، يأتى على رأسها قيام البنك المركزى برفع قيمة الجنيه أمام الدولار وتقييد سوق العملة الموازية لخفض أسعار السلع المستوردة. كما تعمل الحكومة على فرض تسعيرة جبرية فى الأسواق على السلع الأساسية. هذا بالاضافة إلى محاولة الحكومة توفير كميات كبيرة من السلع الأساسية فى المجمعات الاستهلاكية.

لكن هناك علامات استفهام كبيرة على مدى جدوى هذه المحاولات. فعلى الرغم من استخدام البنك المركزى لمليارات الدولارات من الدعم الخليجى للدفاع عن الجنيه فإن السوق الموازية لم تختفِ، وهو ما يثير القلق حول سعر صرف الجنيه بعد أن تتوقف المساعدات الخليجية. كما أن فرض تسعيرة جبرية قد يجبر التجار على الإلتزام بالسعر الرسمى ظاهريا لكن قد يؤدى إلى الامتناع عن البيع وظهور سوق موازية لهذه المنتجات مما سيؤدى إلى ارتفاع حقيقى فى الأسعار وإن كانت البيانات الرسمية ستعجز عن رصده. وبالرغم من وجاهة مبادرة الحكومة فى توفير كميات كبيرة من السلع الأساسية فى المجمعات الاستهلاكية لزيادة المعروض الحقيقى فى السوق، لكن يبقى السؤال حول قدرة الحكومة على توفير الموارد المطلوبة لذلك فى ظل تصاعد عجز الموازنة، مما يشير إلى أن الفترة المقبلة قد تشهد معدلات تضخم أعلى.

الخلاصة أن الاضطرابات السياسية وعجز الموازنة وتخفيض الجنيه قد نتج عنهم ارتفاع فى تكاليف الإنتاج، وبالتالى مستوى الأسعار النهائى مما أدى إلى التضخم الذى تشهده الأسواق والذى لا ترصده البيانات الرسمية. وعلى الرغم من تبنى الحكومة العديد من السياسيات للسيطرة على التضخم مثل رفع قيمة الجنيه وفرض تسعيرة جبرية على السلع الأساسية وتوفير كمية كبيرة من هذه السلع فى المجمعات الاستهلاكية فإن هناك علامات استفهام كبيرة حول مدى جدوى هذه المبادرات مما قد يؤدى إلى معدلات تضخم أعلى فى الفترة المقبلة. ويظل الاستقرار السياسى هو المطلب الأساسى لاحتواء الأزمة الاقتصادية.
عمر الشنيطي
12 أكتوبر 2013
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق"

Saturday, September 28, 2013

فى قراءة المشهد الاقتصادى

المتابع للمشهد الاقتصادى مؤخرا يلاحظ عددا من القرارات والأحداث مثل إقرار الحد الأدنى للأجور والتوسع فى طباعة النقود وارتفاع الأسعار، بينما خفّض البنك المركزى سعر الفائدة وانخفض سعر صرف الدولار. قد تبدو هذه الأمور متضاربة لعموم الناس خاصة فى ظل انتشار الشائعات. ولذلك هدف هذا المقال هو قراءة المشهد الاقتصادى وتحليل سياسة الحكومة فى التعامل معه.

دائما ما تكون للقرارات الاستراتيجية ثلاثة أبعاد. أولا: البعد الاقتصادى من حيث تكلفة القرارات ومردودها على مؤشرات الاقتصاد الكلي. ثانيا: البعد الاجتماعى من حيث أثر القرارات على فئات المجتمع المختلفة. ثالثا: البعد السياسى من حيث مواقف التيارات والأحزاب السياسية ومدى تقبل الرأى العام للقرارات. وعادة ما تكون القرارات السياسية والاجتماعية الشعبية ذات أثر اقتصادى سيئ. وتدير الحكومة الاقتصاد من خلال السياسة المالية المعنية بمستوى الإنفاق الحكومى على الرواتب والاستثمار وغيرها وكذلك السياسة النقدية المعنية بمستوى المعروض من النقد وما يرتبط به من سعر الفائدة وغيرها.

بالاعتماد على السياسة المالية والنقدية تستطيع الحكومة نهج توجه توسعى أو تقشفى. ففى حالة التوسع، تقوم الحكومة ماليا برفع الإنفاق الحكومى وزيادة الرواتب والاستثمار الداخلى فى الأساس، كما يعمل البنك المركزى نقديا على زيادة المعروض من النقد عن طريق خفض سعر الفائدة فى الأساس. ويؤدى ذلك إلى نمو الاقتصاد وخلق فرص عمل جديدة مما يؤدى إلى زيادة دخل الأفراد، لكن يأتى ذلك فى الأغلب على حساب زيادة عجز الموازنة والتضخم. ودائما ما يكون التوجه التوسعى مرحبا به اجتماعيا وسياسيا لإيجاده فرص عمل جديدة إذا تمت السيطرة على التضخم فى المقابل.

بينما فى حالة التقشف، تقوم الحكومة ماليا بخفض الإنفاق على الرواتب والاستثمار الداخلى، كما يعمل البنك المركزى نقديا على خفض المعروض من النقد برفع سعر الفائدة، مما يؤدى إلى خفض عجز الموازنة وكبح جماح التضخم، لكن يأتى عادة على حساب تباطؤ النمو وارتفاع البطالة. لذلك دائما ما يكون التوجه التقشفى غير مرحب به اجتماعيا وسياسيا. ويتضح من ذلك أنه لا يوجد توجه مثالى، فكل توجه له مميزاته ومخاطره، مما يجعل اختيار التوجه الاقتصادى أمرا مركبا وذا آثار ممتدة.
وتواجه الحكومة وضعا سياسيا غير مستقر منذ ٣٠ يونيو، إلى جانب وضع اجتماعى حرج وشعور عام بعدم تحقق مطالب الثورة بعد مرور ثلاثة أعوام عليها. ويصاحب ذلك تأزم فى الوضع الاقتصادى الذى يعانى من ركود تضخمى تراجع فيه معدل النمو وزادت البطالة وارتفع عجز الموازنة والدين العام للدولة، كما ارتفعت الأسعار خاصة على السلع الأساسية. وفى ظل هذا الوضع الحرج، على الحكومة أن تحدد أولوياتها بناء على قراءة الأبعاد المختلفة.

ويبدو أن الحكومة أدركت خطورة الوضع السياسى والاجتماعى ولذلك قررت التوسع ماليا ونقديا. فعلى الصعيد المالى، تتوسع فى الإنفاق من خلال رفع الرواتب الحكومية والمحافظة على معدلات الاستثمار الحكومى، على الرغم من عجز الموازنة المتفاقم. أما على الصعيد النقدى، فيعمل البنك المركزى على زيادة المعروض من النقد عن طريق تخفيض هيكل أسعار الفائدة مثل الفائدة على الودائع والقروض البنكية، وكذلك التوسع فى طباعة النقود. هذا التوسع سيؤدى إلى زيادة الاستثمار الداخلى وزيادة الدخل وخلق فرص عمل جديدة، لكن سيأتى على حساب تفاقم عجز الموازنة والدين الداخلى اللازم لتمويله وكذلك ارتفاع معدلات التضخم.

ولعل الدافع وراء ذلك هو الرغبة فى تحفيز الاقتصاد عن طريق خلق فرص عمل جديدة للسيطرة على البطالة التى أصبحت تشكل كارثة اجتماعية وكذلك رفع مستوى دخل الأفراد خصوصا الطبقات الفقيرة الأكثر تضررا من غياب العدالة الاجتماعية. وتأمل الحكومة أن يكون ذلك بمثابة دفعة أولى للنمو حتى تستقر الأوضاع السياسية والأمنية فتعود السياحة والاستثمار الأجنبى إلى سابق عهدهما ويأخذا زمام المبادرة فى دفع عجلة النمو، مما سيؤدى بدوره إلى زيادة الناتج المحلى بشكل سريع ليعود عجز الموازنة والدين الحكومى إلى معدلات آمنة. كما تعول الحكومة على قدرتها على السيطرة على التضخم من خلال مراقبة الأسعار فى الأسواق وخفض سعر صرف الدولار وبالتالى خفض أسعار المنتجات المستوردة.

لكن هذا التصور الذى يبدو مثاليا له مخاطر كبيرة يأتى على رأسها أمران. أولا: قد لا تستقر الأوضاع السياسية والأمنية مما يقلص من دور السياحة والاستثمار الأجنبى واستمرار الاعتماد على الحكومة لتحفيز النمو دافعا عجز الموازنة والدين الداخلى للخروج عن السيطرة. ومع زيادة الدين الخارجى بسبب المساعدات الخليجية، فإن الاقتصاد قد يدخل فى انكماش اقتصادى وفخ ديون، قد يتطلب عقود للخروج منه. ثانيا: قد لا تستطيع الحكومة التحكم فى الأسعار، خصوصا مع عدم الاستقرار، فيخرج التضخم عن السيطرة ويشهد الاقتصاد حالة من التضخم المفرط. وقد لا يحالف الحكومة الحظ فيتزامن الخطران ويدخل الاقتصاد فى انكماش تضخمى يكون بمثابة كارثة اقتصادية وليس فقط أزمة عابرة.

الخلاصة أن الاقتصاد يعانى من ركود تضخمى تأمل الحكومة علاجه بتبنى توجه توسعى ذى شعبية إجتماعية وسياسية يهدف لدفع عجلة النمو وخلق فرص عمل، لكن على حساب زيادة عجز الموازنة والدين الحكومى والتضخم على المدى القصير حتى يستقر الوضع السياسى والأمنى فتعود السياحة والاستثمار الأجنبى لدفع عجلة النمو. وعلى الرغم من كونها سياسة اقتصادية ذات وجاهة فإنها تحمل معها مخاطر كبيرة، كاحتمالية انكماش الاقتصاد ودخوله فى فخ ديون فى حالة عدم الاستقرار، أو احتمالية التضخم المفرط فى حالة خروج التضخم عن السيطرة، أو تزامن الأمرين والدخول فى انكماش تضخمى لا تحمد عقباه. ويظل الاستقرار السياسى والأمنى الشرط الأساسى للخروج من الأزمة الاقتصادية.

عمر الشنيطي
28 سبتمبر 2013
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق"

Saturday, September 14, 2013

تكلفة المرحلة الانتقالية

منذ فبراير٢٠١١ دخلت مصر مرحلة انتقالية تهدف لبناء نظام مدنى ديمقراطى، لكن هذا المرحلة امتدت لعامين ونصف من حكم المجلس العسكرى ثم الإخوان واتسمت بحالة من عدم الاستقرار السياسى رفعت التكلفة الاقتصادية للمرحلة. لكن لحسن الحظ استطاعت الحكومة تمويل عجز الموازنة والدفاع عن الجنيه مستعينة بالسيولة المرتفعة فى القطاع المصرفى واحتياطى النقد الأجنبى المرتفع فى بداية ٢٠١١، بالإضافة إلى المساعدات الخارجية التى تلقتها مصر خلال هذه المرحلة.

وبعد ٣٠ يونيو، دخلت مصر مرحلة انتقالية جديدة تتسم بالاضطرابات السياسية والتى تطورت لأعمال عنف مما أثر على الاقتصاد الذى لم يكن قد تعافى بعد من المرحلة الانتقالية الأولى. وتزامنت المرحلة الانتقالية الجديدة مع تراجع الأنشطة الصناعية والتجارية المختلفة وتأثر القطاع السياحى بشكل غير مسبوق. ومع انخفاض مستوى السيولة فى القطاع المصرفى واحتياطى النقد الأجنبى مقارنة ببداية ٢٠١١، فإن تحمل تكلفة المرحلة الانتقالية الجديدة داخليا قد يكون شاقا بدون مساعدات خارجية كبيرة، وهو ما يطرح عدة تساؤلات هامة فى هذا السياق:

أولا: هل تستطيع المساعدات الخارجية إنقاذ الاقتصاد المصرى؟
بالنظر للمرحلة السابقة، نجد أن مصر تلقت مساعدات خارجية من قطر وليبيا وتركيا بحوالى ١٢ مليار دولار. وقد تم استخدام هذه المساعدات بالإضافة إلى الاحتياطى لإحداث توازن فى ميزان المدفوعات والذى تأثر بزيادة الواردات أمام الصادرات وتراجع السياحة والاستثمار الأجنبى. وقد ساعد ذلك فى الدفاع عن الجنيه والذى انخفضت قيمته فقط بنسبة ١٧٪ خلال المرحلة السابقة وهو تدهور أقل بكثير من توقعات الكثير من الخبراء.
 أيضا هذه المساعدات الخارجية والسيولة المرتفعة فى القطاع المصرفى ساعدت فى تمويل عجز الموازنة المتصاعد. لذلك فإن المساعدات الخارجية لعبت دورا كبيرا فى تحمل تكلفة المرحلة السابقة وأنقذت الاقتصاد من تدهور كبير. وبناء على وضع السيولة والاحتياطى الحالى، فإن المساعدات الخارجية أصبحت حتمية حتى يستطيع الاقتصاد تحمل تكلفة المرحلة الانتقالية الجديدة، حيث ستساعد فى الدفاع عن الجنيه فى السوق وتخفيف ضغط تمويل عجز الموازنة عن كاهل البنوك المحلة.

ثانيا: ما هو حجم المساعدات الخارجية المطلوبة حتى لا ينهار الاقتصاد؟
لا يمكن الجزم بمدة المرحلة الانتقالية الجديدة لكن بالتأكيد لن تنتهى فى ستة أشهر ولذلك فافتراض مدة سنة أو سنة ونصف سيكون أقرب للواقع. ولتوقع حجم المساعدات المطلوبة فى هذه الفترة لابد من النظر لعجز الموازنة المتوقع وسداد الديون المستحقة من ناحية، ومستوى تآكل الاحتياطى النقد الأجنبى من ناحية أخرى، حيث إن المساعدات الخارجية تصب فى هذين الاتجاهين.
 بالنظر لعجز الموازنة، نجد أن العجز المتوقع فى موازنة العام المالى ٢٠١٣/٢٠١٤ كان حوالى ١٩٥ مليار جنيه، بالإضافة إلى الحاجة لسداد حوالى ١١٥ مليار جنيه ديون مستحقة، مما يجعل الحكومة بحاجة لاقتراض حوالى ٣١٠ مليارات جنيه خلال العام المالى الحالى. لكن التقديرات تشير إلى أن عجز الموازنة الحقيقى قد يصل إلى حوالى ٢٥٠ مليار جنيه، مما يعنى حاجة الحكومة لاقتراض حوالى ٣٥٠ مليار جنيه فى العام المالى الحالى. ولو اعتبرنا أن المرحلة الانتقالية ستطول لسنة ونصف حتى نهاية ٢٠١٤، فإن الحكومة ستحتاج لاقتراض حوالى ٥٠٠ مليار جنيه داخليا وخارجيا لسد العجز وسداد الديون المستحقة.
وبالنظر إلى الاحتياطى، نجد أن معدل التآكل الناتج عن استخدام البنك المركزى للاحتياطى للدفاع عن الجنيه، فى وقت تتراجع فيه عوائد السياحة والاستثمار الأجنبى من الدولار، يصل إلى حوالى مليار دولار شهريا. لكن مع استمرار التدهور الاقتصادى قد يزيد معدل التآكل ليصل إلى ١٫٥ مليار دولار شهريا. ولذلك فإن الاقتصاد سيحتاج فى المرحلة الإنتقالية (يوليو ٢٠١٣ ــ ديسمبر ٢٠١٤) حوالى ٢٥ مليار دولار لدعم الاحتياطى. وهذا الرقم هو توقع مبدئى وقد يزيد لو زاد تعقد الوضع السياسى، وبطبيعة الحال لابد من تمويل هذا الرقم خارجيا لتوفير العملة الصعبة.
  بناء على ذلك، يحتاج الاقتصاد حوالى ٢٥ مليار دولار من المساعدات الخارجية فى المرحلة الانتقالية الجديدة. وهذا من شأنه دعم الاحتياطى للدفاع عن الجنيه وكذلك تقليل العبء عن كاهل البنوك المحلية والتى عليها توفير باقى احتياجات الحكومة التمويلية.

ثالثا: هل يمكن توفر هذا الحجم الكبير من المساعدات فى الفترة القادمة؟
 ما إن دخلت مصر المرحلة الانتقالية الجديدة إلا وسارعت بعض الدول الخليجية لتقديم المساعدات لمصر والتى بلغت ١٤ مليار دولار تعهدت بها السعودية والكويت والإمارات. وتغطى هذه المساعدات بالفعل حوالى نصف ما يحتاجه الاقتصاد خارجيا فى المرحلة الانتقالية الجديدة. وبالنظر للمرحلة السابقة، نجد أن المساعدات التى قدمتها الدول الحليفة فى بداية المرحلة لحقها مساعدات أخرى فيما بعد. ولذلك فمن المتوقع أن حزمة المساعدات الأولى سيعقبها مساعدات أخرى لاحقا.

ونظرا لاعتماد الاقتصاد فى هذه المرحلة على المساعدات الخارجية يستشرف الناس أخبارها باهتمام بالغ. وقد تلقت مصر بالفعل جزءا من المساعدات السعودية والإماراتية بلغت حوالى ٥ مليار دولار. وطبقا لمواقف هذه الدول حتى الآن، فإنه من المتوقع الوفاء بالمساعدات المتفق عليها، بل أيضا أن تزيد هذه المساعدات فى الفترة القادمة.

الخلاصة أن المرحلة الانتقالية لها تكلفة اقتصادية وفى ظل انخفاض السيولة والاحتياطى مقارنة ببداية ٢٠١١، أصبح لا مفر من الإعتماد الكبير على المساعدات الخارجية. ومن المتوقع أن يحتاج الاقتصاد حوالى ٢٥ مليار دولار من المساعدات الخارجية لدعم الاحتياطى وتمويل احتياجات الحكومة. وقد تم بالفعل التعهد بتقديم مساعدات بلغت ١٤ مليار دولار، متوقع زيادتها لاحقا لتغطية الفجوة المطلوبة. لكن للتذكرة، هذه المساعدات رغم كونها مسكنات هامة لتحمل تكلفة المرحلة الانتقالية إلا أنها لا تبنى اقتصادا ولا تحقق تنمية.

عمر الشنيطي
14 سبتمبر 2013
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق"

Friday, August 30, 2013

حتى لا ينهار الاقتصاد

أصبح الكلام عن الأزمة الاقتصادية فى مصر أمرا شائعا بين عوام الناس وليس فقط المتخصصين. فالأزمة الحالية متصاعدة ويشعر بها الجميع، وعلى الرغم من كونها أزمة اقتصادية بالأساس وليست مالية، فإن تصاعد هذه الأزمة الاقتصادية سيهدد القطاع المالى بمرور الوقت مما ينذر بأزمة كبيرة قد تصيب الاقتصاد على المدى المتوسط. لذا فمن الضرورى أن يتخذ من يحكم مصر إجراءات سياسية واقتصادية عاجلة، حتى لا ينهار الاقتصاد.

إذا نظرنا إلى الوضع الاقتصادى، نجد أن تراكمات العقود السابقة والمرحلة الانتقالية الحرجة التى تخوضها البلاد منذ ٢٠١١ قد دفعت الاقتصاد إلى حالة من الركود التضخمى، حيث تعانى المؤشرات الاقتصادية الكلية من تراجع كبير كانخفاض معدل نمو الناتج القومى وارتفاع نسبة البطالة نتيجة الاضطرابات السياسية وتراجع النشاط الاقتصادى. كما واكب ذلك تضخما كبيرا نتيجة انخفاض قيمة الجنيه مع عدم وجود تحسن فى توزيع الدخل على المواطنين مقارنة بما قبل ٢٠١١.

وتزداد حدة الأزمة الاقتصادية بمرور الوقت مما قد يؤدى إلى أزمة فى القطاع المالى والتى ستزيد من تعقيد الوضع الاقتصادى بالتأكيد. ومن المرجح أن ينخفض النمو الاقتصادى نتيجة ذلك والذى بدوره سيؤدى إلى ارتفاع البطالة، فى حين وجود ضغط كبير على الجنيه مؤديا إلى انخفاضه وبالتالى زيادة معدلات التضخم. وذلك سيدفع من تبقى من المستثمرين إلى الخروج من السوق وكذلك هجرة الكثير من الخبرات.

لكن الأخطر من ذلك هو ما قد يلحق بالقطاع المصرفى من جراء ذلك. فاستمرار التدهور الاقتصادى سيزيد من عجز الموازنة ويزيد عبء التمويل على كاهل البنوك المحلية التى تمول الجزء الأكبر من هذا العجز. وهذا من شأنه خفض مستوى السيولة لدى البنوك، مما قد يدفع الناس فى ظل حرب الشائعات إلى الهرولة للبنوك لسحب أموالهم مما قد يهدد القطاع المصرفى. وعلى الرغم من قدرة البنك المركزى على التدخل فى السوق واحتواء احتمالية إفلاس البنوك فإن ذلك التدخل سيكون له آثار تضخمية كبيرة.
قد يظن بعض المتفائلين أن ما قد سبق ذكره من احتمالات ونتائج انهيار الاقتصاد غير واقعية لكن من يتأمل المؤشرات الكلية فى مصر وتجارب الدول المختلفة يعى جيدا أن الانهيار الاقتصادى فى مصر محتمل جدا، خاصة مع استمرار الاضطرابات السياسية وعدم اتخاذ إجراءات اقتصادية جذرية. من المهم ألا يستمر الجدل حول من المسئول عن هذا التدهور الاقتصادى، فوصول الوضع لهذا الحال بالتأكيد نتيجة تراكمات عقود ولكن الأهم الآن هو كيفية التعامل مع هذا الوضع الحرج، حتى لا ينهار الاقتصاد.

لابد من إدراك أن هذه الأزمة الاقتصادية فى جوهرها أزمة سياسية، فهى ناتجة عن الاضطرابات السياسية منذ ٢٠١١ وإن كان الكثير من أمراضها ظلت كامنة لعقود. لذلك لا أمل فى وجود حل للوضع الاقتصادى الراهن بدون تسوية للوضع السياسى والذى يتطلب مصالحة وطنية حقيقية تتم بشكل عادل ومستدام يضمن وجود لاعبين سياسيين متنوعين فى المشهد وهو ما سيؤدى لتوقف الاحتجاجات فى الشارع والمضى قدما فى تنفيذ خارطة الطريق من دستور لانتخابات، وإن لم تكن غاية أحلام الكثيرين.

على الصعيد الاقتصادى، تفرض حالة الركود التضخمى هدف الإنعاش الاقتصادى كأولوية قصوى فى التعامل مع الأزمة الاقتصادية، ولكن لابد من إدراك أن أحداث ٣٠ يونيو وما ترتب عليها وما أعقابها من جدل محلى ودولى حول شرعية النظام الجديد سيجعل من الصعب الاستعانة بالدعم الخارجى سواء من المؤسسات المالية العالمية العامة أو الخاصة فى الأجل القصير. لذلك فعلى من يحكم مصر أن يعى أن عليه الاعتماد على الموارد الداخلية وكذلك الاستعانة بالدول الخليجية الداعمة لمصر فى هذه المرحلة.

وبناءً على ذلك، يجب تبنى أربعة توجهات رئيسية لإنعاش الاقتصاد:

أولا: إعادة تمويل جزء من الديون المحلية من مصادر خارجية عن طريق طرح سندات حكومية دولارية تشتريها الدول الخليجية الداعمة لمصر الآن، حيث يتم الآن تمويل الجزء الأكبر من هذه الديون من خلال البنوك المحلية مما يثقل كاهلها. لذلك فإعادة تمويل الديون خارجيا من شأنة ضخ مليارات من الدولارات فى القطاع المصرفى لإحداث رواج اقتصادى يقلل من أثر الركود.

ثانيا: تبنى سياسية نقدية توسعية من قبل البنك المركزى بخفض سعر الفائدة مما سيؤدى إلى تشجيع الاستثمار فى الأسواق وكذلك خفض بند خدمة الدين فى موازنة الحكومة.
ثالثا: تشجيع الاستثمار المحلى عن طريق إعطاء مزايا تمويلية وضريبية للشركات ورجال الأعمال المصريين للتوسع فى المشروعات القائمة وبدء مشروعات جديدة.

رابعا: طرح مشروعات اقتصادية قومية عملاقة فى مجالات البنية التحتية والطاقة والنقل والصناعات الثقيلة والاتفاق مع الدول الخليجية الداعمة لمصر الآن على تمويل هذه المشروعات عن طريق الاستثمار المباشر وليس عن طريق الإقراض. وهذا من شأنه تحريك عجلة الاقتصاد وخلق فرص عمل جديدة فى القريب العاجل.
على التوازى من ذلك، قد يكون من الحكمة إصدار بعض القوانين المتعلقة بالعدالة الاجتماعية لاستيعاب مطالب التيار الثورى الغاضب وإحداث بعض الاستقرار.

الخلاصة أن الأزمة الحالية مازالت أزمة اقتصادية ولم تلحق بعد بالقطاع المالى، لكن الاضطرابات السياسية وتصاعد حدة الأزمة الاقتصادية قد يحدث أزمة فى القطاع المالى مما سيدخل الاقتصاد فى وضع شديد الخطورة. لذلك على من يحكم مصر أن يسارع بحل الأزمة عن طريق إحداث استقرار سياسى عادل ومستدام الى جانب سرعة البدء فى إنعاش الاقتصاد من خلال الإعتماد على الموارد الداخلية والاستعانة بالدول الخليجية الداعمة لمصر الآن، حتى لا ينهار الاقتصاد.

عمر الشنيطي
30-أغسطس-2013
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق"

Saturday, August 17, 2013

أزمة مصر اقتصادية وليست مالية

بعد عامين ونصف من المخاض السياسى، يعانى الاقتصاد المصرى من أزمة تزداد حدتها مع تعقد الأوضاع السياسية والتى وصلت إلى وضع متأزم. و على الرغم من تصاعد حدة الأزمة الاقتصادية التى يعانى منها الاقتصاد الحقيقى إلا أن القطاع المالى مازال حتى الآن فى مأمن من هذا التدهور المتسارع.
يطلق مصطلح الأزمة الاقتصادية على إصابة الاقتصاد الحقيقى بالتباطؤ فى النمو والذى قد يؤدى فى بعض الأحوال إلى إنكماش الاقتصاد. وينعكس ذلك عادة على ارتفاع معدلات البطالة ليدخل الاقتصاد فى حالة من الركود. وقد يتزامن ذلك مع ارتفاع فى الأسعار لأسباب مختلفة قد يكون منها تدهور العملة والذى يؤدى إلى ركود تضخمى.
على الصعيد الآخر، يطلق مصطلح الأزمة المالية على إصابة القطاع المالى بأزمة تؤدى إلى انخفاض حاد فى قيمة الأصول المالية مثل العقارات أو الأسهم أو القروض المصرفية. عادة ما يأتى هذا الانخفاض نتيجة وجود فقاعة فى السوق تشهد خلالها أسعار الأصول المالية ارتفاعات غير منطقية ثم تنهار بعد ذلك. وقد تنخفض قيمة الأصول المالية أيضا نتيجة الركود الاقتصادى وانخفاض الطلب بشكل عام.
دائما ما يخلط الناس بين الأزمة الاقتصادية والأزمة المالية لكنهما فى الواقع مختلفتان، حيث تضرب الأزمة الاقتصادية الاقتصاد الحقيقى من زراعة وصناعة وتجارة بينما تضرب الأزمة المالية الأصول المالية المختلفة. وقد يعانى الاقتصاد من وقت لآخر من إحدى الأزمتين لكنهما قلما تتزامنا. وفى حالة تزامنهما، فإن الاقتصاد يمر بوضع حرج قد يحتاج لإجراءات استثنائية.
إذا نظرنا إلى حال مصر، نجد أن الاقتصاد يواجه أزمة اقتصادية منذ ثورة يناير ٢٠١١ تزداد بمرور الوقت بسبب عدم الاستقرار السياسى والاعتصامات المستمرة التى عرقلت عملية الإنتاج ورفعت من خطورة الاستثمار ودفعت السياحة للركود، مما أدى إلى تباطؤ النمو وارتفاع البطالة خلال العامين ونصف المنصرمين.
وقد أدى ذلك إلى زيادة كبيرة فى عجز الموازنة والتى اعتمدت الحكومة فى تمويله على الاقتراض المحلى مما أثقل كاهل البنوك المحلية التى توجه جزءا كبيرا من مواردها لتمويل عجز الموازنة على حساب تمويل المشرعات و هو ما يزيد بدوره من حدة الركود. وقد صاحب ذلك الركود تضخما كبيرا بسبب انخفاض قيمة الجنيه.
لكن على الرغم من الأزمة الاقتصادية المتصاعدة إلا أن القطاع المالى ما زال بحالة جيدة حيث إن الأصول المالية من عقارات وأسهم فى البورصة وقروض مصرفية يتم تداولها بأسعار منطقية، بل فى كثير من الأحوال بأسعار منخفضة مما يجعل وجود فقاعة على وشك الانهيار احتمالا ضعيفا.
وإذا نظرنا إلى القطاع المصرفى باعتباره أحد المصادر المحتملة للأزمة المالية، نجد أن المؤشرات الكلية للقطاع طبقا لبيانات البنك المركزى فى الربع الثانى من ٢٠١٣ ما زالت فى نطاق مطمئن حيث تبلغ القروض المتعثرة ١٠٪ من إجمالى القروض ومخصصات القروض ٩٧٪ من إجمالى القروض المتعثرة، مما يعنى أن القروض المتعثرة مغطاة بالكامل عن طريق المخصصات ولا يوجد قلق حقيقى من مخاطرها.
بشكل كلى، نجد أن إجمالى أصول القطاع المصرفى بلغت حوالى ١٬٥٥٠ مليار جنيه يتم تمويلها عن طريق ودائع بنسبة ٧٤٪ ورأس مال ومخصصات للبنوك بنسبة ٢٦٪. ويتم استخدام هذه الأصول فى تمويل عجز الموازنة من خلال السندات والأذونات الحكومية بنسبة ٤٢٪ وتمويل الشركات والأفراد من خلال القروض بنسبة ٣٥٪ (و هو ما يجعل القروض تمثل ٤٨٪ من إجمالى الودائع، بينما يتم استثمار النسبة المتبقية البالغة ٢٣٪ فى أصول أخرى أغلبها ذات طبيعة سائلة).
من ناحية أخرى، بلغت مجمل الودائع فى القطاع المصرفى حوالى ١٬١٥٠ مليار جنيه (٧٤٪ من إجمالى الأصول) و هى موزعة بين ودائع حكومية بنسبة ١١٪ وودائع لقطاعى الأعمال العام والخاص بنسبة ٢٠٪ وودائع للأفراد بنسبة ٦٩٪، وبالتالى فإن ودائع الأفراد تمثل ٥١٪ من إجمالى أصول القطاع المصرفى والجزء الأكبر من هذه الودائع مربوط فى حسابات توفير وودائع آجلة.
بناء على ذلك، يمكن القول بأن القطاع المصرفى فى وضع آمن مما يجعل دخول الاقتصاد فى أزمة مالية فى المستقبل القريب احتمالا ضعيفا. ولعل السبب فى ذلك هو التوجه المتحفظ الذى ينتهجه القطاع المصرفى وعملية إعادة الهيكلة التى حدثت فى العديد من البنوك قبل ٢٠١١ مما أوصل القطاع المصرفى إلى وضع جيد جعله قادرا على تحمل العبء الأكبر من تمويل عجز الموازنة.
وعلى الرغم من التدهور الاقتصادى المتوقع فى الفترة القادمة إلا أن القطاع المصرفى ما زال لديه القدرة على تمويل عجز الموازنة على المدى القصير وحتى المتوسط. لذلك فما يتم إثارته مؤخرا عن إفلاس البنوك وضياع حقوق المودعين لا أساس له من الصحة، حيث يضمن البنك المركزى ودائع البنوك كاملة ومن غير المنطقى أن يقف عاجزا أمام أزمة سيولة فى الجنيه وهو الجهة المصدرة له ولديه العديد من الأدوات للتدخل والتحكم فى الكمية المعروضة منه فى السوق.
الخلاصة أن الاقتصاد يعانى من أزمة اقتصادية بسبب عدم الاستقرار السياسى مما دفع الاقتصاد للدخول فى حالة من الركود التضخمى والتى تزداد حدته بمرور الوقت وتعقد الوضع السياسى خاصة بعد ٣٠ ــ يونيو. لكن هذا التدهور لم يصب القطاع المالى الذى ما زال متماسكا بسبب السياسية المتحفظة للقطاع المصرفى لسنوات ما قبل ٢٠١١ مما أعطاه القدرة على تحمل أعباء تمويل عجز الموازنة وأعفى الاقتصاد من مشقة مواجهة أزمة مالية فى المستقبل القريب.
عمر الشنيطي
17-أغسطس-2013
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق"