لا يكاد يخلو حديث عن وضع الاقتصاد المصرى إلا ويذكر الدعم كمعضلة كبيرة يجب مواجهتها. يأتى هذا بعد أن خرج الناس فى ٢٥ يناير مطالبين بالعيش والعدالة الاجتماعية، لكن بعد مرور قرابة ثلاث سنوات لم يتحسن الوضع الاقتصادى بل على العكس يزداد الوضع سوءا، كما أن هناك تخوفات من رفع الدعم وما سيعقبه من ارتفاع كبير فى الأسعار. ونظرا لحساسية موضوع الدعم، وجب علينا توضيح حجم الدعم الحكومى وسياسات التعامل معه وآثار هذه السياسات.
يعتبر الدعم من المساعدات التى تقدمها الدولة للمواطنين، حيث تغطى جزءا من سعر المنتجات الرئيسية حتى تُطرح بسعر منخفض فى السوق. بدأ تطبيق برنامج الدعم فى مصر فى ١٩٤١ أثناء الحرب العالمية الثانية، وتطور بمرور الوقت بدافع سد احتياجات المواطنين وإحداث عدالة فى التوزيع. كان برنامج الدعم يمثل ٤٪ من إجمالى النفقات الحكومية خلال التسعينيات إلا أنه ارتفع بشدة مؤخرا بسبب ارتفاع أسعار المنتجات المدعومة ليصل إلى ٢٣٪، أى ما يقارب ١٦٠ مليار جنيه فى العام المالى الحالى. ويمثل دعم الطاقة ٧١٪ من إجمالى فاتورة الدعم، بينما يمثل دعم المواد الغذائية وغيرها ٢٩٪.
ومع هذه الفاتورة الباهظة، يأتى السؤال حول مدى استدامة الدعم خاصة فى ظل وضع اقتصادى معقد بلغ فيه عجز الموازنة ٢٤٠ مليار جنيه فى العام المالى الماضى، أى ما يعادل ١٣٫٨٪ من إجمالى الناتج المحلى، ومن المتوقع أن يتخطى العجز حاجز ٣٠٠ مليار جنيه فى العام المالى الحالى لو لم يتم اتخاذ إجراءات اقتصادية جذرية.
تشكل الرواتب وخدمة الدين والدعم حوالى ٨٠٪ من إجمالى النفقات الحكومية، وبما أن بند الرواتب يصعب تخفيضه وبند خدمة الدين لا مفر من زيادته، فإنه لا بديل عن النظر فى قضية الدعم. وقد أوضحت عدة دراسات اقتصادية مستقلة فى العقد الأخير وجود نسبة ليست بالقليلة من الدعم يتم إهداره، ولا يصل لمستحقيه. كما أن الفئات الأكثر ثراء فى المجتمع تحصل على حصة أكبر من الدعم مقارنة بالفئات الأكثر فقرا المستهدفة بالأساس ببرنامج الدعم، مما يجعل تخفيض فاتورة الدعم ضرورة ملحة.
تعمد الحكومات عادة إلى إعادة هيكلة الدعم إن كان لا يصل لمستحقيه، بينما تعمل على خفضه حينما يصل إلى مستويات مرتفعة. وتواجه الحكومات خيارين فى إعادة هيكلة الدعم كما أوضحت تجارب الأردن والجزائر وسريلانكا وإيران: أحدهما التحول إلى الدعم العينى الموجه حيث يتم استهداف الأسر الفقيرة والمتوسطة فقط من خلال توزيع البطاقات توزيعا عادلا واستبعاد الأسر الغنية نهائيا، بينما الخيار الثانى فهو التحول إلى الدعم النقدى المعتمد أساسا على رفع الأسعار إلى سعر التكلفة وإعطاء بديل مالى للأسر المستحقة حتى لا تتأثر برفع الأسعار فى السوق. ويضمن تطبيق الدعم العينى وصول الدعم لمستحقيه لكن يأتى ذلك على حساب الصعوبة والتكلفة المرتفعة للتطبيق. بينما تطبيق الدعم النقدى أسهل لكن يأتى ذلك على حساب زيادة التضخم.
قد يكون الدعم النقدى الأنسب للحالة المصرية من حيث السرعة والكفاءة. لكن من الواضح أن الحكومة تعمد على خفض الدعم فى المقام الأول أكثر من إعادة هيكلته بسبب عجز الموازنة المتفاقم. ويأتى على رأس ذلك خفض دعم الطاقة مثل بنزين السيارات والذى تأتى أولى خطواته بتطبيق كارت البنزين، والذى من المتوقع أن يعقبه إجراءات أخرى. كما قامت الحكومة السابقة برفع سعر الغاز على الصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة مثل الإسمنت قبل ٣٠ يونيو لكن لم تسمح الحكومة السابقة أو الحالية لهذه المصانع باستيراد واستخدام بدائل للطاقة مثل الفحم لدواعٍ بيئية. ولا يظهر حتى الآن كيف تنوى الحكومة التعامل مع دعم الكهرباء والبوتاجاز، وقد يكون التحول للدعم النقدى هو الأفضل فى هذا الصدد، لكن من الأرجح أن الحكومة ستقوم باتباع طريقة الدعم العينى الموجه خوفا من التضخم. ويظل دعم الغذاء خارج نطاق التخفيض خوفا من تكرار الاحتجاجات العارمة التى حدثت حينما شرع الرئيس السادات فى ذلك ويظل التوجه فى هذا الصدد هو منع الإهدار وهو ما ركزت عليه الحكومة السابقة.
وسيكون لتوجه الحكومة الذى لا مفر منه نتائج متباينة. فرفع الدعم تدريجيا على البنزين سيؤدى إلى تخفيض فاتورة الدعم، وبالتالى عجز الموازنة ليعود لمستويات منطقية. بينما رفع الدعم تدريجيا على الغاز للأنشطة الصناعية يخفض من القدرة التنافسية لهذه الصناعات كما يصيبها بالشلل بسبب عدم استدامة توريد الغاز للمصانع وعدم السماح باستيراد واستخدام بدائل للطاقة مثل الفحم مما يقلل من أرباح الشركات، وبالتالى الحصيلة الضريبية منها، لكن التخفيض فى فاتورة الدعم سيكون أكبر من انخفاض الحصيلة الضريبية. أما احتمالية إعادة هيكلة دعم الكهرباء والبوتاجاز فستؤدى إلى تخفيض مؤكد فى فاتورة الدعم لكن يأتى ذلك على حساب زيادة مستوى الأسعار والتى قد تثير احتجاجات شعبية.
الخلاصة أن عجز الموازنة المتصاعد وهيكل النفقات الحكومية يجعل من شبه المستحيل إبقاء الدعم على مستواه الحالى ولذلك من المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة رفعا تدريجيا للدعم الموجه للفئات الأكثر ثراء عن طريق تخفيض دعم بنزين السيارات وكذلك الاستمرار فى تخفيض دعم الغاز للمصانع، بينما من المتوقع أن تتم إعادة هيكلة دعم الكهرباء والبوتاجاز وإن كانت هذه الخطوة وآلياتها مازالت غير واضحة. ومن المتوقع أن يكون لهذا التوجه الضرورى نتائج متباينة بين تحسن لعجز الموازنة مقابل زيادة فى التضخم، بينما التطبيق غير المكتمل أو المتسرع قد يؤدى إلى احتجاجات واسعة. وتعتبر الشفافية من ناحية الحكومة فى مثل هذه القضايا الاقتصادية غير الشعبوية ضرورة ملحة إلا أنها غائبة حتى الآن.
عمر الشنيطي
21 ديسمبر 2013