أصبح الكلام عن الأزمة الاقتصادية فى
مصر أمرا شائعا بين عوام الناس وليس فقط المتخصصين. فالأزمة الحالية متصاعدة ويشعر
بها الجميع، وعلى الرغم من كونها أزمة اقتصادية بالأساس وليست مالية، فإن تصاعد
هذه الأزمة الاقتصادية سيهدد القطاع المالى بمرور الوقت مما ينذر بأزمة كبيرة قد
تصيب الاقتصاد على المدى المتوسط. لذا فمن الضرورى أن يتخذ من يحكم مصر إجراءات
سياسية واقتصادية عاجلة، حتى لا ينهار الاقتصاد.
إذا نظرنا إلى الوضع الاقتصادى، نجد
أن تراكمات العقود السابقة والمرحلة الانتقالية الحرجة التى تخوضها البلاد منذ
٢٠١١ قد دفعت الاقتصاد إلى حالة من الركود التضخمى، حيث تعانى المؤشرات الاقتصادية
الكلية من تراجع كبير كانخفاض معدل نمو الناتج القومى وارتفاع نسبة البطالة نتيجة
الاضطرابات السياسية وتراجع النشاط الاقتصادى. كما واكب ذلك تضخما كبيرا نتيجة
انخفاض قيمة الجنيه مع عدم وجود تحسن فى توزيع الدخل على المواطنين مقارنة بما قبل
٢٠١١.
وتزداد حدة الأزمة الاقتصادية بمرور
الوقت مما قد يؤدى إلى أزمة فى القطاع المالى والتى ستزيد من تعقيد الوضع
الاقتصادى بالتأكيد. ومن المرجح أن ينخفض النمو الاقتصادى نتيجة ذلك والذى بدوره
سيؤدى إلى ارتفاع البطالة، فى حين وجود ضغط كبير على الجنيه مؤديا إلى انخفاضه
وبالتالى زيادة معدلات التضخم. وذلك سيدفع من تبقى من المستثمرين إلى الخروج من
السوق وكذلك هجرة الكثير من الخبرات.
لكن الأخطر من ذلك هو ما قد يلحق
بالقطاع المصرفى من جراء ذلك. فاستمرار التدهور الاقتصادى سيزيد من عجز الموازنة
ويزيد عبء التمويل على كاهل البنوك المحلية التى تمول الجزء الأكبر من هذا العجز.
وهذا من شأنه خفض مستوى السيولة لدى البنوك، مما قد يدفع الناس فى ظل حرب الشائعات
إلى الهرولة للبنوك لسحب أموالهم مما قد يهدد القطاع المصرفى. وعلى الرغم من قدرة
البنك المركزى على التدخل فى السوق واحتواء احتمالية إفلاس البنوك فإن ذلك التدخل
سيكون له آثار تضخمية كبيرة.
قد يظن بعض المتفائلين أن ما قد سبق
ذكره من احتمالات ونتائج انهيار الاقتصاد غير واقعية لكن من يتأمل المؤشرات الكلية
فى مصر وتجارب الدول المختلفة يعى جيدا أن الانهيار الاقتصادى فى مصر محتمل جدا،
خاصة مع استمرار الاضطرابات السياسية وعدم اتخاذ إجراءات اقتصادية جذرية. من المهم
ألا يستمر الجدل حول من المسئول عن هذا التدهور الاقتصادى، فوصول الوضع لهذا الحال
بالتأكيد نتيجة تراكمات عقود ولكن الأهم الآن هو كيفية التعامل مع هذا الوضع
الحرج، حتى لا ينهار الاقتصاد.
لابد من إدراك أن هذه الأزمة
الاقتصادية فى جوهرها أزمة سياسية، فهى ناتجة عن الاضطرابات السياسية منذ ٢٠١١ وإن
كان الكثير من أمراضها ظلت كامنة لعقود. لذلك لا أمل فى وجود حل للوضع الاقتصادى
الراهن بدون تسوية للوضع السياسى والذى يتطلب مصالحة وطنية حقيقية تتم بشكل عادل
ومستدام يضمن وجود لاعبين سياسيين متنوعين فى المشهد وهو ما سيؤدى لتوقف
الاحتجاجات فى الشارع والمضى قدما فى تنفيذ خارطة الطريق من دستور لانتخابات، وإن
لم تكن غاية أحلام الكثيرين.
على الصعيد الاقتصادى، تفرض حالة
الركود التضخمى هدف الإنعاش الاقتصادى كأولوية قصوى فى التعامل مع الأزمة
الاقتصادية، ولكن لابد من إدراك أن أحداث ٣٠ يونيو وما ترتب عليها وما أعقابها من
جدل محلى ودولى حول شرعية النظام الجديد سيجعل من الصعب الاستعانة بالدعم الخارجى
سواء من المؤسسات المالية العالمية العامة أو الخاصة فى الأجل القصير. لذلك فعلى
من يحكم مصر أن يعى أن عليه الاعتماد على الموارد الداخلية وكذلك الاستعانة بالدول
الخليجية الداعمة لمصر فى هذه المرحلة.
وبناءً على ذلك، يجب تبنى أربعة
توجهات رئيسية لإنعاش الاقتصاد:
أولا: إعادة تمويل جزء من الديون
المحلية من مصادر خارجية عن طريق طرح سندات حكومية دولارية تشتريها الدول الخليجية
الداعمة لمصر الآن، حيث يتم الآن تمويل الجزء الأكبر من هذه الديون من خلال البنوك
المحلية مما يثقل كاهلها. لذلك فإعادة تمويل الديون خارجيا من شأنة ضخ مليارات من
الدولارات فى القطاع المصرفى لإحداث رواج اقتصادى يقلل من أثر الركود.
ثانيا: تبنى سياسية نقدية توسعية من
قبل البنك المركزى بخفض سعر الفائدة مما سيؤدى إلى تشجيع الاستثمار فى الأسواق
وكذلك خفض بند خدمة الدين فى موازنة الحكومة.
ثالثا: تشجيع الاستثمار المحلى عن
طريق إعطاء مزايا تمويلية وضريبية للشركات ورجال الأعمال المصريين للتوسع فى
المشروعات القائمة وبدء مشروعات جديدة.
رابعا: طرح مشروعات اقتصادية قومية
عملاقة فى مجالات البنية التحتية والطاقة والنقل والصناعات الثقيلة والاتفاق مع
الدول الخليجية الداعمة لمصر الآن على تمويل هذه المشروعات عن طريق الاستثمار
المباشر وليس عن طريق الإقراض. وهذا من شأنه تحريك عجلة الاقتصاد وخلق فرص عمل
جديدة فى القريب العاجل.
على التوازى من ذلك، قد يكون من
الحكمة إصدار بعض القوانين المتعلقة بالعدالة الاجتماعية لاستيعاب مطالب التيار
الثورى الغاضب وإحداث بعض الاستقرار.
الخلاصة أن الأزمة الحالية مازالت
أزمة اقتصادية ولم تلحق بعد بالقطاع المالى، لكن الاضطرابات السياسية وتصاعد حدة
الأزمة الاقتصادية قد يحدث أزمة فى القطاع المالى مما سيدخل الاقتصاد فى وضع شديد
الخطورة. لذلك على من يحكم مصر أن يسارع بحل الأزمة عن طريق إحداث استقرار سياسى
عادل ومستدام الى جانب سرعة البدء فى إنعاش الاقتصاد من خلال الإعتماد على الموارد
الداخلية والاستعانة بالدول الخليجية الداعمة لمصر الآن، حتى لا ينهار الاقتصاد.
عمر الشنيطي
30-أغسطس-2013
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق"