Friday, August 30, 2013

حتى لا ينهار الاقتصاد

أصبح الكلام عن الأزمة الاقتصادية فى مصر أمرا شائعا بين عوام الناس وليس فقط المتخصصين. فالأزمة الحالية متصاعدة ويشعر بها الجميع، وعلى الرغم من كونها أزمة اقتصادية بالأساس وليست مالية، فإن تصاعد هذه الأزمة الاقتصادية سيهدد القطاع المالى بمرور الوقت مما ينذر بأزمة كبيرة قد تصيب الاقتصاد على المدى المتوسط. لذا فمن الضرورى أن يتخذ من يحكم مصر إجراءات سياسية واقتصادية عاجلة، حتى لا ينهار الاقتصاد.

إذا نظرنا إلى الوضع الاقتصادى، نجد أن تراكمات العقود السابقة والمرحلة الانتقالية الحرجة التى تخوضها البلاد منذ ٢٠١١ قد دفعت الاقتصاد إلى حالة من الركود التضخمى، حيث تعانى المؤشرات الاقتصادية الكلية من تراجع كبير كانخفاض معدل نمو الناتج القومى وارتفاع نسبة البطالة نتيجة الاضطرابات السياسية وتراجع النشاط الاقتصادى. كما واكب ذلك تضخما كبيرا نتيجة انخفاض قيمة الجنيه مع عدم وجود تحسن فى توزيع الدخل على المواطنين مقارنة بما قبل ٢٠١١.

وتزداد حدة الأزمة الاقتصادية بمرور الوقت مما قد يؤدى إلى أزمة فى القطاع المالى والتى ستزيد من تعقيد الوضع الاقتصادى بالتأكيد. ومن المرجح أن ينخفض النمو الاقتصادى نتيجة ذلك والذى بدوره سيؤدى إلى ارتفاع البطالة، فى حين وجود ضغط كبير على الجنيه مؤديا إلى انخفاضه وبالتالى زيادة معدلات التضخم. وذلك سيدفع من تبقى من المستثمرين إلى الخروج من السوق وكذلك هجرة الكثير من الخبرات.

لكن الأخطر من ذلك هو ما قد يلحق بالقطاع المصرفى من جراء ذلك. فاستمرار التدهور الاقتصادى سيزيد من عجز الموازنة ويزيد عبء التمويل على كاهل البنوك المحلية التى تمول الجزء الأكبر من هذا العجز. وهذا من شأنه خفض مستوى السيولة لدى البنوك، مما قد يدفع الناس فى ظل حرب الشائعات إلى الهرولة للبنوك لسحب أموالهم مما قد يهدد القطاع المصرفى. وعلى الرغم من قدرة البنك المركزى على التدخل فى السوق واحتواء احتمالية إفلاس البنوك فإن ذلك التدخل سيكون له آثار تضخمية كبيرة.
قد يظن بعض المتفائلين أن ما قد سبق ذكره من احتمالات ونتائج انهيار الاقتصاد غير واقعية لكن من يتأمل المؤشرات الكلية فى مصر وتجارب الدول المختلفة يعى جيدا أن الانهيار الاقتصادى فى مصر محتمل جدا، خاصة مع استمرار الاضطرابات السياسية وعدم اتخاذ إجراءات اقتصادية جذرية. من المهم ألا يستمر الجدل حول من المسئول عن هذا التدهور الاقتصادى، فوصول الوضع لهذا الحال بالتأكيد نتيجة تراكمات عقود ولكن الأهم الآن هو كيفية التعامل مع هذا الوضع الحرج، حتى لا ينهار الاقتصاد.

لابد من إدراك أن هذه الأزمة الاقتصادية فى جوهرها أزمة سياسية، فهى ناتجة عن الاضطرابات السياسية منذ ٢٠١١ وإن كان الكثير من أمراضها ظلت كامنة لعقود. لذلك لا أمل فى وجود حل للوضع الاقتصادى الراهن بدون تسوية للوضع السياسى والذى يتطلب مصالحة وطنية حقيقية تتم بشكل عادل ومستدام يضمن وجود لاعبين سياسيين متنوعين فى المشهد وهو ما سيؤدى لتوقف الاحتجاجات فى الشارع والمضى قدما فى تنفيذ خارطة الطريق من دستور لانتخابات، وإن لم تكن غاية أحلام الكثيرين.

على الصعيد الاقتصادى، تفرض حالة الركود التضخمى هدف الإنعاش الاقتصادى كأولوية قصوى فى التعامل مع الأزمة الاقتصادية، ولكن لابد من إدراك أن أحداث ٣٠ يونيو وما ترتب عليها وما أعقابها من جدل محلى ودولى حول شرعية النظام الجديد سيجعل من الصعب الاستعانة بالدعم الخارجى سواء من المؤسسات المالية العالمية العامة أو الخاصة فى الأجل القصير. لذلك فعلى من يحكم مصر أن يعى أن عليه الاعتماد على الموارد الداخلية وكذلك الاستعانة بالدول الخليجية الداعمة لمصر فى هذه المرحلة.

وبناءً على ذلك، يجب تبنى أربعة توجهات رئيسية لإنعاش الاقتصاد:

أولا: إعادة تمويل جزء من الديون المحلية من مصادر خارجية عن طريق طرح سندات حكومية دولارية تشتريها الدول الخليجية الداعمة لمصر الآن، حيث يتم الآن تمويل الجزء الأكبر من هذه الديون من خلال البنوك المحلية مما يثقل كاهلها. لذلك فإعادة تمويل الديون خارجيا من شأنة ضخ مليارات من الدولارات فى القطاع المصرفى لإحداث رواج اقتصادى يقلل من أثر الركود.

ثانيا: تبنى سياسية نقدية توسعية من قبل البنك المركزى بخفض سعر الفائدة مما سيؤدى إلى تشجيع الاستثمار فى الأسواق وكذلك خفض بند خدمة الدين فى موازنة الحكومة.
ثالثا: تشجيع الاستثمار المحلى عن طريق إعطاء مزايا تمويلية وضريبية للشركات ورجال الأعمال المصريين للتوسع فى المشروعات القائمة وبدء مشروعات جديدة.

رابعا: طرح مشروعات اقتصادية قومية عملاقة فى مجالات البنية التحتية والطاقة والنقل والصناعات الثقيلة والاتفاق مع الدول الخليجية الداعمة لمصر الآن على تمويل هذه المشروعات عن طريق الاستثمار المباشر وليس عن طريق الإقراض. وهذا من شأنه تحريك عجلة الاقتصاد وخلق فرص عمل جديدة فى القريب العاجل.
على التوازى من ذلك، قد يكون من الحكمة إصدار بعض القوانين المتعلقة بالعدالة الاجتماعية لاستيعاب مطالب التيار الثورى الغاضب وإحداث بعض الاستقرار.

الخلاصة أن الأزمة الحالية مازالت أزمة اقتصادية ولم تلحق بعد بالقطاع المالى، لكن الاضطرابات السياسية وتصاعد حدة الأزمة الاقتصادية قد يحدث أزمة فى القطاع المالى مما سيدخل الاقتصاد فى وضع شديد الخطورة. لذلك على من يحكم مصر أن يسارع بحل الأزمة عن طريق إحداث استقرار سياسى عادل ومستدام الى جانب سرعة البدء فى إنعاش الاقتصاد من خلال الإعتماد على الموارد الداخلية والاستعانة بالدول الخليجية الداعمة لمصر الآن، حتى لا ينهار الاقتصاد.

عمر الشنيطي
30-أغسطس-2013
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق"

Saturday, August 17, 2013

أزمة مصر اقتصادية وليست مالية

بعد عامين ونصف من المخاض السياسى، يعانى الاقتصاد المصرى من أزمة تزداد حدتها مع تعقد الأوضاع السياسية والتى وصلت إلى وضع متأزم. و على الرغم من تصاعد حدة الأزمة الاقتصادية التى يعانى منها الاقتصاد الحقيقى إلا أن القطاع المالى مازال حتى الآن فى مأمن من هذا التدهور المتسارع.
يطلق مصطلح الأزمة الاقتصادية على إصابة الاقتصاد الحقيقى بالتباطؤ فى النمو والذى قد يؤدى فى بعض الأحوال إلى إنكماش الاقتصاد. وينعكس ذلك عادة على ارتفاع معدلات البطالة ليدخل الاقتصاد فى حالة من الركود. وقد يتزامن ذلك مع ارتفاع فى الأسعار لأسباب مختلفة قد يكون منها تدهور العملة والذى يؤدى إلى ركود تضخمى.
على الصعيد الآخر، يطلق مصطلح الأزمة المالية على إصابة القطاع المالى بأزمة تؤدى إلى انخفاض حاد فى قيمة الأصول المالية مثل العقارات أو الأسهم أو القروض المصرفية. عادة ما يأتى هذا الانخفاض نتيجة وجود فقاعة فى السوق تشهد خلالها أسعار الأصول المالية ارتفاعات غير منطقية ثم تنهار بعد ذلك. وقد تنخفض قيمة الأصول المالية أيضا نتيجة الركود الاقتصادى وانخفاض الطلب بشكل عام.
دائما ما يخلط الناس بين الأزمة الاقتصادية والأزمة المالية لكنهما فى الواقع مختلفتان، حيث تضرب الأزمة الاقتصادية الاقتصاد الحقيقى من زراعة وصناعة وتجارة بينما تضرب الأزمة المالية الأصول المالية المختلفة. وقد يعانى الاقتصاد من وقت لآخر من إحدى الأزمتين لكنهما قلما تتزامنا. وفى حالة تزامنهما، فإن الاقتصاد يمر بوضع حرج قد يحتاج لإجراءات استثنائية.
إذا نظرنا إلى حال مصر، نجد أن الاقتصاد يواجه أزمة اقتصادية منذ ثورة يناير ٢٠١١ تزداد بمرور الوقت بسبب عدم الاستقرار السياسى والاعتصامات المستمرة التى عرقلت عملية الإنتاج ورفعت من خطورة الاستثمار ودفعت السياحة للركود، مما أدى إلى تباطؤ النمو وارتفاع البطالة خلال العامين ونصف المنصرمين.
وقد أدى ذلك إلى زيادة كبيرة فى عجز الموازنة والتى اعتمدت الحكومة فى تمويله على الاقتراض المحلى مما أثقل كاهل البنوك المحلية التى توجه جزءا كبيرا من مواردها لتمويل عجز الموازنة على حساب تمويل المشرعات و هو ما يزيد بدوره من حدة الركود. وقد صاحب ذلك الركود تضخما كبيرا بسبب انخفاض قيمة الجنيه.
لكن على الرغم من الأزمة الاقتصادية المتصاعدة إلا أن القطاع المالى ما زال بحالة جيدة حيث إن الأصول المالية من عقارات وأسهم فى البورصة وقروض مصرفية يتم تداولها بأسعار منطقية، بل فى كثير من الأحوال بأسعار منخفضة مما يجعل وجود فقاعة على وشك الانهيار احتمالا ضعيفا.
وإذا نظرنا إلى القطاع المصرفى باعتباره أحد المصادر المحتملة للأزمة المالية، نجد أن المؤشرات الكلية للقطاع طبقا لبيانات البنك المركزى فى الربع الثانى من ٢٠١٣ ما زالت فى نطاق مطمئن حيث تبلغ القروض المتعثرة ١٠٪ من إجمالى القروض ومخصصات القروض ٩٧٪ من إجمالى القروض المتعثرة، مما يعنى أن القروض المتعثرة مغطاة بالكامل عن طريق المخصصات ولا يوجد قلق حقيقى من مخاطرها.
بشكل كلى، نجد أن إجمالى أصول القطاع المصرفى بلغت حوالى ١٬٥٥٠ مليار جنيه يتم تمويلها عن طريق ودائع بنسبة ٧٤٪ ورأس مال ومخصصات للبنوك بنسبة ٢٦٪. ويتم استخدام هذه الأصول فى تمويل عجز الموازنة من خلال السندات والأذونات الحكومية بنسبة ٤٢٪ وتمويل الشركات والأفراد من خلال القروض بنسبة ٣٥٪ (و هو ما يجعل القروض تمثل ٤٨٪ من إجمالى الودائع، بينما يتم استثمار النسبة المتبقية البالغة ٢٣٪ فى أصول أخرى أغلبها ذات طبيعة سائلة).
من ناحية أخرى، بلغت مجمل الودائع فى القطاع المصرفى حوالى ١٬١٥٠ مليار جنيه (٧٤٪ من إجمالى الأصول) و هى موزعة بين ودائع حكومية بنسبة ١١٪ وودائع لقطاعى الأعمال العام والخاص بنسبة ٢٠٪ وودائع للأفراد بنسبة ٦٩٪، وبالتالى فإن ودائع الأفراد تمثل ٥١٪ من إجمالى أصول القطاع المصرفى والجزء الأكبر من هذه الودائع مربوط فى حسابات توفير وودائع آجلة.
بناء على ذلك، يمكن القول بأن القطاع المصرفى فى وضع آمن مما يجعل دخول الاقتصاد فى أزمة مالية فى المستقبل القريب احتمالا ضعيفا. ولعل السبب فى ذلك هو التوجه المتحفظ الذى ينتهجه القطاع المصرفى وعملية إعادة الهيكلة التى حدثت فى العديد من البنوك قبل ٢٠١١ مما أوصل القطاع المصرفى إلى وضع جيد جعله قادرا على تحمل العبء الأكبر من تمويل عجز الموازنة.
وعلى الرغم من التدهور الاقتصادى المتوقع فى الفترة القادمة إلا أن القطاع المصرفى ما زال لديه القدرة على تمويل عجز الموازنة على المدى القصير وحتى المتوسط. لذلك فما يتم إثارته مؤخرا عن إفلاس البنوك وضياع حقوق المودعين لا أساس له من الصحة، حيث يضمن البنك المركزى ودائع البنوك كاملة ومن غير المنطقى أن يقف عاجزا أمام أزمة سيولة فى الجنيه وهو الجهة المصدرة له ولديه العديد من الأدوات للتدخل والتحكم فى الكمية المعروضة منه فى السوق.
الخلاصة أن الاقتصاد يعانى من أزمة اقتصادية بسبب عدم الاستقرار السياسى مما دفع الاقتصاد للدخول فى حالة من الركود التضخمى والتى تزداد حدته بمرور الوقت وتعقد الوضع السياسى خاصة بعد ٣٠ ــ يونيو. لكن هذا التدهور لم يصب القطاع المالى الذى ما زال متماسكا بسبب السياسية المتحفظة للقطاع المصرفى لسنوات ما قبل ٢٠١١ مما أعطاه القدرة على تحمل أعباء تمويل عجز الموازنة وأعفى الاقتصاد من مشقة مواجهة أزمة مالية فى المستقبل القريب.
عمر الشنيطي
17-أغسطس-2013
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق"

Saturday, August 3, 2013

مصر: إلى اليسار

لكل نظام اقتصادى تحيزاته وهى التى تشكل الخيارات الاستراتيجية لهذا النظام. فالنظام الاشتراكى يعظم من دور الدولة فى توجيه النشاط الاقتصادى ويعمل على تقليل الفجوة بين طبقات المجتمع. بينما يعطى النظام الرأسمالى مساحة أقل للدولة فى توجيه النشاط الاقتصادى ولا يمانع وجود فجوة كبيرة بين الطبقات. ويأتى النظام المختلط بين هذا وذاك ليوازن بين أهداف النظامين الاشتراكى والرأسمالى فى آن واحد.
وقد شهد الاقتصاد المصرى تطورا كبيرا خلال العقود السابقة حيث تبنى الاقتصاد تصورا اشتراكيا يميل إلى أقصى اليسار فى عهد عبدالناصر فتضخم دور الدولة فى النشاط الاقتصادى وتم تأميم الشركات.
أما فى عهد السادات، اتجه الاقتصاد يمينا متبنيا اتجاها رأسماليا مع سياسية الانفتاح الاقتصادى. ثم جاء عهد مبارك استمرارا لسياسة السادات، فزاد التوجه اليمينى وضعف دور الدولة الاقتصادى خاصة مع تطبيق برنامج الخصخصة. ولم تشهد الفترة الانتقالية منذ ثورة يناير ٢٠١١ تغييرا يذكر فى توجه الاقتصاد مقارنة بعهد مبارك.
الآن وبعد الـ٣٠ من يونيو، يقف الاقتصاد أمام مفترق طرق ما بين الاستمرار فى التوجه يمينا أو تغيير الاتجاه والتوجه يسارا. وفى ظل الوضع السياسى الحالى وتتابع الأحداث فإنه من المرجح أن يتوجه الاقتصاد يسارا. وهناك سبعة عوامل رئيسية تدعم ذلك:
أولا: شهدت السنوات الأخيرة التى سبقت ثورة يناير ٢٠١١ تفاوتا كبيرا فى دخول الطبقات المختلفة فازداد الأغنياء غنى والفقراء فقرا. وقد بات ذلك واضحا فى شعور الناس بعدم عدالة التوزيع.
ثانيا: قامت ثورة يناير ٢٠١١ وعلى رأس مطالبها «العيش» و«العدالة الاجتماعية» حيث توقع الشعب الثائر تغيرات كبيرة فى توجه الدولة من خلال اصدار قوانين عادلة فى هذا الإطار. لكن ذلك لم يحدث خلال الفترة الانتقالية.
ثالثا: شهد العام الماضى تنصيب أول رئيس مدنى منتخب والذى واجهته الكثير من التحديات السياسية والاقتصادية التى انتهت بعزله. لكن بعيدا عن الشق السياسى، فإن العام الماضى شهد تدهورا اقتصاديا تحملت آثاره الطبقات الفقيرة فى المجتمع بسبب التضخم الناتج عن تدهور سعر صرف الجنيه.
رابعا: المشكلة الاقتصادية الأكبر التى ظهرت خلال العام الماضى هى عدم قدرة النظام الحاكم على تقديم تصور واضح لإدارة الاقتصاد، إلى جانب الاضطرابات السياسية التى لم تتوقف، فأبقى النظام الحاكم على التوجه الاقتصادى دون تغيير حتى بدا وكأنه امتدادا لسياسات مبارك الاقتصادية.
خامسا: أبرزت الأحداث والمواقف السياسية فى العامين الماضيين صحوة ملحوظة للتيار اليسارى على اختلاف مجموعاته ورموزه. وسيلعب هذا التيار ــ خاصة الجزء الثورى منه ــ دورا معارضا للنظام. والتيار اليسارى بطبيعة طرحه لديه القدرة على كسب تأييد الشارع ولذلك سيكون على النظام استيعابه.
سادسا: النظام الجديد يزعم أنه يكتسب شرعيته من الشعب ولذلك سيكون فى حاجة لتقديم بعض المكاسب السريعة لهذا الشعب والذى ينتظر الكثير بعد تدهور وضعه الاقتصادى والاجتماعى حيث يتطلع لرؤية تحول فى توجه الدولة الاقتصادى.
سابعا: الجيش المصرى ليس فقط مؤسسة عسكرية بل منظومة كاملة، حيث يمتلك ويدير عدة أنشطة اقتصادية مؤثرة. ومع تنامى دور الجيش السياسى بعد ٣٠ يونيو، فإنه من المتوقع أن يبرز دوره الاقتصادى أيضا، سواء من حيث الإنتاج أو التوزيع. وهذا التوجه يزيد من دور الدولة الاقتصادى، حتى لو من خلال أحد مؤسساتها وليس مباشرة من خلال الوزارات المعنية.
هذه العوامل تجعل من المرجح توجه الاقتصاد يسارا فى الفترة القادمة استيعابا للشعب الساخط الذى ينتظر مكاسب سريعة بعد تراكمات عقود تبعهما عامان من الألم. وتبنى توجه يسارى لا يعنى أن هذا هو التوجه الأفضل للاقتصاد على المدى البعيد أو التوجه المفضل لدى النظام الجديد، لكنه سيأتى انعكاسا للوضع السياسى المعقد لكى يعمل كصمام أمان سياسى واجتماعى على المدى القصير.
مع ذلك وعلى الرغم من توقع توجه النظام الاقتصادى يسارا إلا أن سيولة الوضع تفرض الكثير من التساؤلات:
أولا: مع رجوع رجال مبارك للسلطة من جديد ومع العلم بتوجههم اليمينى، فهل سيدركون المتطلبات السياسية والاجتماعية فيتجه النظام يسارا لاستيعاب مطالب الشارع ومنح الشعب مكاسب سريعة؟ أم سيتشبث النظام بفكره اليمينى فيخرج الناس عليه حتى يدرك أهمية تغيير التوجه؟
ثانيا: إذا أدرك النظام أهمية التوجه يسارا، فإلى أى مدى سيطبق ذلك التوجه؟ وهل سيتبنى النظام تصورا اشتراكيا كاملا؟ أم سيحافظ على توجه الاقتصاد اليمينى مع إضافة نكهة يسارية فى ما سيؤدى إلى نظام مختلط؟
ثالثا: هل التوجه اليسارى سيكون تصورا أصيلا سيتبناه النظام لعقود قادمة؟ أم أنه سيكون مناورة تكتيكية قصيرة المدى لاستيعاب الوضع السياسى فقط؟
رابعا: إذا أدرك النظام أهمية التوجه يسارا وبدأ العمل على ذلك بشكل موسع، فكيف سيتعامل مع رجال الأعمال خاصة المنتمين للنظام القديم والذين يشكلون أحد ركائز هذا النظام العميق؟
الخلاصة أن التراكمات الاقتصادية التى عانت منها مصر لعقود ما قبل ثورة يناير ٢٠١١ والتطورات السياسية التى شهدتها مصر منذ تلك الثورة وحتى الآن تجعل من المرجح تغير التوجه الاقتصادى إلى اليسار لمواكبة واحتواء الوضع.

وهذا التوجه قد لا يكون الأفضل لمصر اقتصاديا على المدى البعيد، لكنه قد يكون ضرورة سياسية واجتماعية على المدى القصير. وعلى النظام الجديد ــ أيا كان توجهه ــ استيعاب هذا الوضع المعقد الذى سيحتم عليه التوجه يسارا إلى جانب تحديد طبيعة التوجه الجديد وتدبر كيفية إدارة هذا التحول بشكل فعال.
عمر الشنيطي
3-أغسطس-2014
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق"