زاد مؤخراً الحديث عن الإفلاس. وعلى الرغم أنى
ممن توقعوا حدوث أزمة فى وقت كان يتحدث فيه آخرون عن النهضة المرتقبة، الا انه لا يجب تضخيم الوضع لكى نحسن التعامل معه.
هل أفلست مصر؟!
الأجابة بالطبع
"لا" لم تفلس مصر. الإفلاس هو عدم قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها، كالديون
والمرتبات. الواقع أن الدولة قادرة على الوفاء بالديون وهذا لان 85% من الدين هو
دين داخلى للبنوك والمؤسسات المحلية وتستطيع الدولة إعادة تمويلة و دفع المرتبات بطرح سندات مرة أخرى لهذه المؤسسات التى مازالت لديها القدرة للتمويل ، وان كانت
مثقلة بهذه الأعباء التمويلية. لكن عدم وجود إفلاس لا يعنى ان الوضع جيد!!
ما هى حقيقة
الوضع؟!
هناك أزمة
اقتصادية حقيقية يمكن وصفها بالركود التضخمى، وهى مجموع ظاهرتين:
الأولى (الركود): وهو حالة من انخفاض الانتاج
مصحوباً بانخفاض فى التوظيف. ونحن نعانى من ذلك منذ الثورة نتيجة الاضطرابات
السياسية وخوف المستثمرين و الاعتصامات التى لا تنتهى.
الثانية (التضخم): وهو زيادة أسعار السلع بسبب زيادة تكاليف
الانتاج وزيادة الضرائب والدمغات ورفع الدعم المرتقب خاصة عن المواد البترولية للمصانع، وكذلك تدهور سعر
الصرف المرتقب مما يؤدى الى ارتفاع أسعار السلع المستوردة.
عادة ما تعانى
الدول من واحدة من هاتين الظاهرتين، ولكن حينما يجتمعان يتأزم الوضع. بدون تدخل
قاطع، ممكن ان يسوء الوضع بشكل كبير ويتحول الى "ثورة جياع"، حيث تستمر
الاسعار فى الإزدياد وتتناقص السلع فى الاسواق، فيخرج الناس مطالبين بحقهم فى لقمة
العيش.
ماذا يجب فعله؟!
على الحكومة ان تطرح برنامج "إنقاذ اقتصادى" للخروج من الأزمة
بأقل الخسائر، واقترح ان يتكون هذا البرنامج من ستة محاور.
أولاً: تشكيل لجنة
اقتصادية مستقلة ممن يشهد لهم بالكفاءة والنزاهة. تقوم هذة اللجنة بإعداد تقرير
مفصل عن حقيقة الوضع وتعرضه بمنتهى الشفافية على الشعب.
ثانياً: تعيين
فريق من الخبراء الاقتصاديين فى الحقائب الوزارية يكونوا مستقلين حيث ان قرارات
الانقاذ الاقتصادى غير شعبية ولا يستطيع حزب أو جماعة تحمل عواقبها.
ثالثاً: السعى
الجاد للوصول لحالة من الاستقرار السياسى مما يتطلب تأجيل الانتخابات البرلمانية
بعض الشئ والدعوة لحوار جاد للمصالحة الوطنية يضم جميع التيارات لإنهاء حالة
الاستقطاب السياسى والدينى العنيفة.
رابعاً: يجب ان
تتصرف المؤسسات الحاكمة للدولة) رئاسة الجمهورية، رئاسة الوزراء، حزب الحرية
والعدالة وجماعة الإخوان(
كفريق.
فالجماعة هى من أسست الحزب الذى رشح الرئيس الذى عين الوزارة. فيجب التنسيق بين
الأربع جهات والتواصل مع الإعلام بشكل جيد.
خامساً: اتخاذ
إجراءات لانعاش السوق وعلى رأس ذلك يأتى إعادة تمويل الديون المحلية من مصادر
خارجية. حيث أن إجمالى الدين حوالى 200 مليار دولار، منه 170 مليار دولار ممول
محلياً، هذا يعنى ان هذا المبلغ قامت البنوك المحلية بجمعها من الأفراد والمؤسسات
فى صورة ودائع وإقراضها للحكومة. الخطورة لا تكمن فى حجم أجمالى الديون، ولكن تكمن
فى نسبة الدين الداخلى المرتفعة التى تعنى عدم قيام البنوك بتمويل الشركات
والافراد بالشكل الكافى. لذلك يجب ان تسعى الحكومة بالتعاون مع الرئاسة فى طرح
سندات حكومية دولارية فى الخارج تشتريها الدول الحليفة للنظام فى الخليج والغرب.
هذا من شأنة إعادة ضخ مليارات من الدولارات فى القطاع المصرفى مع الضغط على البنوك
للتوسع فى نشاط الإقراض لإحداث رواج اقتصادى يقلل من أثر الركود.
سادساً: فى ظل هذا
الوضع، يجب تأجيل العمل بقانون الضرائب الجديد لبعض الوقت، الى جانب ضرورة خفض سعر
الصرف ثم تثبيته حتى تتوقف حالة القلق وظاهرة الدولرة.
فى النهاية، أحب
ان أشير الى ان الوضع الذى وصلنا اليه هو وضع حرج ولكنه ليس إفلاساً و لكن ان لم تتخذ الحكومة خطوات فعلية خلال الأسابيع القليلة القادمة قد
تكون البلد بالفعل على مشارف الإفلاس.
عمر الشنيطي
٣٠-ديسمبر- ٢٠١٢
نُشر هذا المقال فى "جريدة الوطن"
نُشر هذا المقال فى "جريدة الوطن"