Saturday, March 21, 2015

المؤتمر الاقتصادى.. شهادة ثقة وليس مصباح علاء الدين

أقيم الأسبوع الماضى مؤتمر لدعم وتنمية الاقتصاد المصرى، والذى خرج فى صورة أكثر من رائعة حيث حضر المؤتمر وفود وشركات من أكثر من مائة دولة وأبرز المؤتمر فى المجمل صورة إيجابية عن مستقبل الاقتصاد المصرى أبرزتها وسائل الإعلام المحلية والعالمية. المؤتمر فى مجمله نجاح كبير سواء على المستوى السياسى أو الاقتصادى. لكن السماء لم تمطر ذهبا بعد المؤتمر وهناك تكلفة وتحضيرات مهمة لإتمام الاتفاقات التى تم الإعلان عنها تجعل نجاح المؤتمر بداية لطريق طويل.

على الصعيد السياسى، الوفود المشاركة ضمت ملوك وأمراء ورؤساء ووزراء من العديد من بلدان العالم. هذا المستوى من التمثيل يعكس الدعم السياسى الكبير للنظام فى مصر وهو دعم راهن البعض أنه غير موجود. كما أن دعم السعودية والإمارات والكويت الكبير والمتساوى يعكس أن هذه الدول لا تزال على قلب رجل واحد دعما لمصر. الوجود الأوروبى والأمريكى والتعهدات الاستثمارية من شركاتها يمثل أيضا دعم للنظام الحالى. وهذا النجاح السياسى يمنح الحكومة والاقتصاد المصرى شهادة ثقة غالية.

على الصعيد الاقتصادى، المؤتمر شهد الإعلان عن دعم خليجى يصل إلى ١٢٫٥ مليار دولار، أغلبه فى صورة استثمارات. كما قامت مؤسسات مالية عالمية بتقديم قروض ميسرة تقارب المليار دولار. وقد تم توقيع اتفاقيات باستثمارات تصل إلى ١٥ مليار دولار وكذلك التوقيع على مذكرات تفاهم بعشرات المليارات من الدولارات حتى تدرس ويتم تنفيذها مستقبلا. ما تم التعهد به كاستثمارات متوافق مع توقعات وزير الاستثمار قبيل المؤتمر. أما الدعم المباشر من دول الخليج وكذلك قروض المؤسسات المالية كان أكبر مما كان متوقعا. وتأتى مذكرات التفاهم التى فاقت أحجامها كل التوقعات كعلامة على ثقة مجتمع الأعمال فى الاقتصاد المصرى.

هذه أخبار عظيمة، فالاقتصاد سينتعش وسينتهى عهد التقشف. لكن للأسف الواقع غير ذلك والطريق للتعافى ملىء بالتحديات. ويمكن فى هذا الصدد التعليق على أربعة أمور.

الأول: رفع سقف التوقعات:
نجحت وسائل الإعلام المحلية فى تضخيم حجم الاستثمارات المتدفقة وتصوير أن مشكلات الاقتصاد قد انتهت. وليس من الغريب أن يتوقع المواطن العادى أن الاقتصاد سينتعش وأن فرص العمل ستتوافر بغزارة. لكن الصورة ليست وردية بهذا الشكل. فالجزء الأكبر من المليارات التى تم الحديث عنها مازالت فى صورة مذكرات تفاهم ستأخذ وقتا طويلا للدراسة وترتيب التمويل حتى ترى النور. لذلك هناك فجوة واضحة بين ما يتوقعه الناس وبين الواقع وقد يكون من المفيد أن تقوم الحكومة بعقد مؤتمر صحفى لضبط توقعات الناس التى بلغت عنان السماء.

الثانى: الإصلاح الاقتصادى:
يتوقع الناس أن الإصلاحات الاقتصادية كرفع الدعم ذهبت بلا رجعة بعد نجاح المؤتمر. لكن الواقع أن الحكومة تعهدت فى المؤتمر باستكمال خطتها لخفض عجز الموازنة وهذا يعنى المزيد من رفع أسعار الطاقة. ومن الجدير بالذكر أن قطاع الطاقة والذى شهد اهتماما كبيرا من المستثمرين خصوصا فى مجال توليد الكهرباء يرتكز على قدرة الحكومة على شراء الكهرباء من المحطات الخاصة، وهو ما يتطلب الانضباط المالى للحكومة برفع أسعار الطاقة، لكن قد يكون من الحكمة أن تجعل الحكومة برنامج الإصلاح الاقتصادى أكثر تدرجا وتقوم بتوسيع المساعدات المباشرة للفقراء لتخفيف العبء عنهم وإلا سنشهد مرة أخرى نموا ينعم به الأغنياء ويلعنه الفقراء.

الثالث: طبيعة المشروعات:
الطاقة والاستثمار العقارى كانا على رأس القطاعات التى شهدت اتفاقيات استثمارية. استثمارات قطاع الطاقة بلا شك إيجابية حيث إنها تعمل على حل مشكلة الطاقة المتفاقمة، كما أن لها أثرا إيجابيا على باقى قطاعات الاقتصاد حيث إن توافر الطاقة حاجة أساسية لأى مشروع اقتصادى. لكن الاستثمارات العقارية خاصة المجمعات السكنية الفخمة قد لا يكون لها نفس الأثر الإيجابى حيث أنها لا تستطيع توفير فرص عمل مستدامة ودفع معدلات النمو بشكل صحى. ويبرز فى هذا الصدد مشروع العاصمة الجديدة والذى ستقوم شركة إماراتية بتطويره بتكلفة ٤٥ مليار دولار بالشراكة مع الحكومة المصرية. إن بناء عاصمة جديدة قد يكون فكرة جيدة لخفض التكدس داخل القاهرة لكن أثر ذلك المشروع الاقتصادى وعلاقة العاصمة الجديدة بالقديمة غير واضح حتى الآن.

ومن الجدير بالذكر أن تطوير مشروع عقارى لا يعنى ضخ المبلغ بالكامل حيث أن ١٠ ــ ٢٠٪ من الاستثمار هو المطلوب للتصميم والتسويق ثم يبدأ بيع الوحدات وتمويل بناء المشروع من إيرادات البيع ولذلك يجب عدم تضخيم حجم الاستثمار الذى سيدخل البلد نتيجة ذلك المشروع. لكن بشكل استراتيجى يجدر السؤال: هل بناء عاصمة جديدة هو الأولوية الآن؟ وهل يستطيع خلق فرص عمل جديدة ومستديمة بعد انتهاء فترة البناء؟ ويرتبط بهذا الأمر غياب الاستثمارات الصناعية والزراعية بشكل واضح من قائمة الاستثمارات علما بأن تلك الاستثمارت لها قدرة على توظيف العمالة بشكل كثيف ومستديم. كما أن لها القدرة على خفض الواردات وزيادة الصادرات وسيكون من المفيد أن تعيد الحكومة النظر فى استراتيجية تطوير القطاع الصناعى والزراعى.

الرابع: البرلمان الأمان:
عقود استكشاف البترول التى تم الإعلان عنها يرتبط تنفيذها بوجود برلمان يصدق على هذه الاتفاقيات ولذلك فالإسراع بالانتخابات أمر مهم. وعلى صعيد آخر، سيتوافد المستثمرون فى الأسابيع المقبلة على القاهرة، وليس شرم الشيخ، للبدء فى المشروعات التى تم الاتفاق عليها. ومع وجودهم فى القاهرة سيواجهون الصورة الحقيقية للبلد بكل ما فيها من بيروقراطية وعقبات ومخاطر والتى يأتى على رأسها الخطر الأمنى. ولذلك فإن العمل على إحداث استقرار أمنى سريع ومستديم شرط أساسى لضمان تدفق الاستثمارات.

الخلاصة أن المؤتمر نجح بشكل واضح فى تحقيق أهدافه السياسية والاقتصادية لكن يجب عدم تصور أن المؤتمر هو مصباح علاء الدين الذى سيحل كل المشكلات. المؤتمر أعطى شهادة ثقة غالية للاقتصاد ويمثل بداية جيدة جدا، لكن على الحكومة أن تعمل سريعا على احتواء توقعات الناس وكذلك العمل على تخفيف حدة خطة الإصلاح الاقتصادى وإيجاد خطة لتنمية صناعية وزراعية مستديمة مع الإسراع بإيجاد برلمان وإحداث استقرار أمنى فى القريب العاجل لجنى ثمار المؤتمر.


عمر الشنيطى
21 - مارس - 2015
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق"


Saturday, March 7, 2015

عن المستثمرين والفقراء

إدارة الاقتصاد مهمة صعبة حيث يجب إرضاء أصحاب المصالح المختلفين من مستثمرين وموظفين وأصحاب الدخول المحدودة، كما يجب الوصول لوضع اقتصادى متوازن من حيث نسب النمو والبطالة والتضخم وتوزيع الدخل. وحينما يمر بلد باضطرابات كالتى حدثت فى مصر فى السنوات الأربع الأخيرة، فإن مهمة إدارة الاقتصاد تصبح أمرا شديد التعقيد مع وجود كمية كبيرة من المشكلات المتشابكة مع بعضها البعض حيث يصبح حل أحد المشكلات سببا فى تفاقم مشكلات أخرى ويأتى إرضاء مجموعة من أصحاب المصالح على حساب مجموعات أخرى. وتتجلى تلك الصورة الحرجة فى التعامل مع المستثمرين والفقراء فى وقت ضاقت فيه الخيارات أمام صانع القرار.

لكن فى البداية، هل يجب أن يختار صانع القرار بين المستثمرين والفقراء كأولوية؟
تراجع الاقتصاد نتيجة الاضطرابات السياسية حيث شهد معدلات نمو تقارب ٢٪ لأربع سنوات، ووصل عجز الموازنة إلى ١٢٫٨٪ فى العام المالى الأخير على الرغم من المساعدات الخليجية السخية وتزامن مع ذلك تراجع للسياحة والاستثمارات الأجنبية مما ضغط على سعر صرف الجنيه. وقد أدى ذلك إلى ارتفاع معدلات البطالة لتتخطى ١٣٪ ومعدلات الفقر لتتخطى ٢٦٪ بينما يشهد التضخم موجات ارتفاع من وقت لآخر. وفى ظل هذا الوضع المركب، على صانع القرار أن يحدد نقطة البداية.

لتشجيع المستثمرين، على صانع القرار أن ينضبط ماليا بالعمل على خفض عجز الموازنة والسيطرة على الدين الحكومى لتحسين التصنيف الائتمانى كما أن عليه تحرير سعر صرف الجنيه. وهذه الإجراءات ستشجع المستثمرين بالتأكيد لكنها تحمل الكثير من الأخبار السيئة للفقراء والذين سيواجهون زيادة فى البطالة وارتفاعا فى الأسعار على المدى القصير، لكن الأمل فى أن يؤدى هذا التوجه لخلق فرص عمل تحسن الوضع على المدى المتوسط والبعيد. أما لو ركز صانع القرار على الفقراء، فذلك سيتطلب زيادة فى الإنفاق الحكومى لإيجاد فرص عمل وزيادة المميزات الاجتماعية من أشكال الدعم المختلفة لانتشال البعض من دائرة الفقر، لكن ذلك سيأتى على حساب زيادة عجز الموازنة وبالتالى التوسع فى الدين الحكومى وهى ما تمثل أخبار سيئة للمستثمرين.

إذا كانت تلك هى الخيارات، فماذا كان توجه الحكومة؟
بعد تراجع الدعم الخليجى وعدم تقديم الدعم إلا فى صورة استثمارات، أصبح على الحكومة الاعتماد على نفسها وضبط نفقاتها، لذلك انتهجت الحكومة برنامجا اقتصاديا مطلع الصيف الماضى يعمل على تخفيض عجز الموازنة بتخفيض دعم الطاقة والتى أوضحت العديد من الدراسات تسرب جزء كبير منه. وكان لانخفاض أسعار البترول غير المتوقع دورا فى السيطرة على عجز الموازنة فى العام الحالى ليصل إلى ١٠ ــ ١١٪. كما قام البنك المركزى أخيرا بتخفيض قيمة الجنيه فى إشارة إيجابية للمستثمرين قبل المؤتمر الاقتصادى.

لكن هذه الإجراءات لها تكلفة باهظة على الفقراء الذين واجهوا زيادة كبيرة فى أسعار السلع والخدمات الأساسية الصيف الماضى بعد رفع أسعار الطاقة ومن المتوقع أن يواجهوا موجات أخرى على المدى القصير سواء من رفع أسعار الطاقة مجددا أو من ارتفاع الدولار. وقد تنبهت الحكومة لذلك فعملت على زيادة المستفيدين من التحويلات النقدية وكذلك تحسين بعض المواد التموينية لكن على الأرجح الأثر السلبى لارتفاع الأسعار أكبر من إجراءات الحكومة الاجتماعية وهو ما يعنى زيادة فى تكلفة المعيشة ومعدلات الفقر.

هل يستطيع الفقراء تحمل ذلك؟
على الرغم من تدهور وضع الفقراء فى السنوات الأربع الأخيرة وزيادته مع توجه الحكومة التقشفى إلا أنه حتى الآن يبدو أن الفقراء قابلين بالوضع ولا يوجد مظاهر اعتراض صارخة. وهذه بالتأكيد أخبار جيدة للحكومة. لكن مع تراجع الدعم الخليجى وحاجة الحكومة للاستمرار فى برنامجها التقشفى، فإن وضع الفقراء سيزداد سوءا وبؤسا بمرور الوقت. وإذا تأخرت الاستثمارت الأجنبية فى التدفق مقارنة بالتوقعات الرسمية المتفائلة، فإن الوضع الاقتصادى سيصبح شديد الحرج وأثر ذلك على الفقراء قد يصعب احتماله.

ليكن الله فى عون الفقراء. ولكن هل يؤثر ذلك على المستثمرين؟
ظاهريا المستثمرون فى معزل عن ذلك، مادامت الحكومة متعهدة بتذليل الصعاب للمستثمرين خاصة الأجانب، قد يبدو أن المستثمرين يجب ألا يقلقوا من تدهور وضع الفقراء. لكن السنوات الأربع الأخيرة أثبتت أن الاستقرار السياسى والاجتماعى عاملين مهمين لاستدامة المشروعات الاقتصادية. وقد وعى المستثمرون ذلك الدرس جيدا. المستثمرون لا يأبهون لوجود ديمقراطية فى حد ذاتها لكنهم يهتمون بوجود استقرار سياسى وأمنى يجنب البلد ثورة جديدة. المستثمرون أيضا لا يأبهون لوجود عدالة اجتماعية لكنهم يهتمون بوجود استقرار اجتماعى يجنب البلد ثورة جياع أو ما شابه. ومن ناحية أخرى يركز المستثمرون على وجود قوة شرائية كبيرة فى السوق المصرية بفضل عدد السكان الكبير وبالتأكيد تدهور الوضع الاجتماعى سيؤثر سلبا على تلك القوة الشرائية وبالتالى سيؤثر على المشروعات المختلفة والمستثمرين عاجلا أم آجلا.

إذًا ما العمل؟
الحل فى برنامج اقتصادى يضبط المالية العامة كما تريد الحكومة لكن بشكل أكثر تدرجا حتى لا يؤثر سلبا بشكل غير محتمل على الفقراء فى المجتمع. وعلى التوازى يجب على الحكومة العمل على توسيع شبكة الضمان الاجتماعى بزيادة المستفيدين من التحويلات النقدية وزيادة هذه التحويلات بشكل يعوض تلك الفئات عن الزيادة المضطربة فى الأسعار. كما يجب إدراك أن المجتمع المدنى له دور يجب أن يفسح له المجال للقيام به حتى يستطيع استكمال تقديم الخدمات للفقراء والمحتاجين.

الخلاصة أن التركيز على المستثمرين على حساب الفقراء بتحرير الاقتصاد وتقليص عجز الموازنة له آثار كبيرة على الفقراء الذين ساءت أحوالهم بشدة فى الأعوام الأربعة الأخيرة. وعلى الرغم من حرص الحكومة على تذليل كل العقبات للمستثمرين وخصوصا الأجانب منهم، فإن تدهور وضع الفقراء سيكون له أثرا سلبيا على المستثمرين الذين يرغبون فى الحد الأدنى من الاستقرار السياسى والأمنى وكذلك الاجتماعى للاستثمار. إن الوضع صعب والخيارات قليلة أمام صانع القرار ولذلك فالتدرج فى التطبيق والنظر للجانب الاجتماعى بعين الاعتبار قد يكون توجها حكيما.


عمر الشنيطى
07 - مارس - 2015
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق و موقع CNN  بالعربية"