Friday, April 29, 2016

النفط حائرا بين السعودية وإيران

بدأ سعر الذهب الأسود فى الانخفاض منذ عامين حتى فقد ما يقارب ٧٠٪ من سعره فى نهاية ٢٠١٥. وقد فسر البعض ذلك بزيادة المعروض عالميا نتيجة التوسع فى إنتاج الغاز الصخرى وكذلك زيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة فى الوقت الذى تراجع فيه مستوى الطلب العالمى بسبب تباطؤ النمو فى أوروبا وهو ما انعكس على تراجع معدلات التصنيع فى الصين. فى خضم تلك المتغيرات، زاد إنتاج إيران بعد إبرامها للاتفاق النووى. توقع العالم أن تقوم الأوبك بتخفيض الإنتاج كما هو معتاد للحفاظ على مستويات الأسعار لكن ذلك لم يحدث بل أكدت السعودية على استعدادها لتحمل أسعار شديدة الانخفاض بغية الحفاظ على حصتها السوقية، غير أن البعض رأى فى ذلك حربا اقتصادية على منتجى الغاز الصخرى وكذلك حربا سياسية على إيران التى لا تستطيع تحمل الأسعار المنخفضة.

مع الانخفاض الحاد فى الأسعار، تكبدت الدول المصدرة خسائر كبيرة. بعض هذه الدول مثل نيجيريا وفنزويلا أصبحت فى أزمة حرجة والبعض الآخر مثل دول الخليج اعتمد على الاحتياطات المتراكمة لمجابهة العجز المتصاعد. لكن ذلك الانخفاض كان من المفترض أن يدفع النمو العالمى ويحدث طفرة فى الدول المستوردة، حيث توقع صندوق النقد الدولى أن كل ٢٠ دولار انخفاض فى الأسعار من المفترض أن يؤدى لزيادة النمو العالمى بما يقارب ٠٫٥ــ١٪ وهو ما يعنى أن ذلك الانخفاض كان من المفترض أن يؤدى لزيادة فى النمو تقارب ٢ــ٤٪ لكن الواقع أتى مغايرا للتوقعات حيث إن الدول المصدرة شهدت تراجعا كبيرا فى معدلات النمو مما انعكس على تراجع استثماراتها الخارجية التى كانت تعد مصدرا هاما للنمو لكن فى الوقت نفسه ظلت الدول المستوردة فى حالة حذر خوفا من معاودة ارتفاع الأسعار ولم يرتفع الاستهلاك المحلى فيها بالشكل المتوقع مما جعل الاستفادة الإجمالية محدودة على مستوى الاقتصاد العالمى.

استمرت الأسعار فى النزيف حتى وصل البرميل لما دون ٣٠ دولارا. لكن سرعان ما عاودت فى الارتفاع حيث أظهرت البيانات أن الاقتصاد العالمى أفضل مما كان متوقعا وظل الاقتصاد الصينى متماسكا مما زاد الطلب على البترول عالميا. على صعيد العرض، تراجع إنتاج الغاز الصخرى فى ظل الأسعار المنخفضة والتى لا تكاد تغطى تكلفة الإنتاج، كما تراجعت شركات البترول العالمية عن الكثير من المشروعات التوسعية. وأدى التوجه التقشفى فى الدول المصدرة لاعتصامات أثرت على مستويات الإنتاج كما حدث أخيرا فى الكويت، حيث أضرب العمال اعتراضا على المساس بمميزاتهم. زيادة الطلب وتراجع العرض كانا كفيلين بدفع الأسعار للزيادة لما فوق ٣٠ دولارا للبرميل وبدأ مصدرو البترول فى تنفس الصعداء. لكن مصدرى البترول الذين أصبحوا يعانون من عجز تاريخى أدركوا أن عليهم فعل المزيد لرفع الأسعار وبدأ الحديث عن اجتماع مرتقب فى الدوحة لمناقشة تجميد الإنتاج عند مستويات يناير الماضى.

التحضير لاجتماع الدوحة كان جيدا مع الكثير من التطمينات على أن السعودية ستوافق على تجميد الإنتاج. تلك التوجهات تم تسريبها عدة أسابيع قبل الاجتماع وهو ما أعطى ثقة فى امكانية الوصول لاتفاق مما كان كافيا لتعزيز التوقعات وبالفعل زادت الأسعار حتى تخطت حاجز ٤٠ دولارا للبرميل مع توقع المزيد من الارتفاع قبل نهاية العام. لكن الاجتماع المرتقب جاء مخيبا للآمال، فإيران لم تعبأ بالحضور من الأساس فى إشارة واضحة على عدم الرغبة لمناقشة تجميد الإنتاج وأنها عازمة على زيادة إنتاجها واستعادة حصتها السوقية بعد أعوام من العزلة. أما السعودية والتى كان متوقعا أن توافق على تجميد الإنتاج، طلبت أن تقوم إيران أيضا بتجميد إنتاجها وكذلك بعض الدول المصدرة خارج الأوبك فيما بدا مستحيلا. وانتهى اجتماع الدوحة بدون اتفاق فى ظل جو من الاحباط حول فشل الأوبك فى الدفاع عن الأسعار. فانتهى الحال باجتماع الدوحة أن كان سببا فى انخفاض الأسعار مجددا بعد أن كان مقصودا به رفع الأسعار التى كانت قد بدأت بالفعل فى الزيادة، حتى ان سعر البترول فى اليوم التالى للاجتماع قد انخفض بقرابة ٧٪.

التطورات الأخيرة فى أسواق النفط خاصة اجتماع الدوحة لها دلالات عديدة. أولا، سوق البترول أصبحت ملعبا مفتوحا للصراعات السياسية حتى إن تلك الصراعات أصبحت هى العامل الرئيسى فى تحديد أسعار البترول. السعودية كانت لتوافق على تجميد الإنتاج فى المعتاد غير أن تركيز السعودية منصب الآن على الصراع مع إيران فى وقت يخوض فيه البلدين حربا بالوكالة فى اليمن وسوريا ويتجلى هذا الصراع بشكل مباشر فى سوق النفط. السعودية تبدو على استعداد لتحمل خسائر تاريخية فى تصدير البترول حتى تلحق الضرر بإيران والتى لا تستطيع تحمل الأسعار المنخفضة مثل السعودية صاحبة الاحتياطات الكبيرة. ثانيا، أن الأوبك فقدت الكثير من قدرتها على التأثير فى أسعار النفط فى ظل الصراع المحتدم بين السعودية وإيران مما حد من قدرة الأوبك للوصول لاتفاق مما يؤثر على مستقبل الأوبك كمؤسسة فاعلة. ثالثا، الغاز الصخرى ومصادر الطاقة البديلة أصبحت تلعب دورا كبيرا ولن يختفى هذا الدور حتى فى ظل أسعار البترول المنخفضة، حيث إن تطور التكنولوجيا جعل مصادر الطاقة البديلة أرخص اقتصاديا من ذى قبل وإنتاج الغاز الصخرى يستطيع أن يتواكب مع مستوى أسعار متوسط.

سوق النفط العالمية تشهد تغيرات كبيرة بينما السعودية فى موقف حرج حيث تحارب غريمها التقليدى إيران فى معركة حياة أو موت تشمل حروبا بالوكالة فى المنطقة وكذلك حربا مباشرة فى سوق النفط مما يؤثر سلبا على أسعار البترول التى تنزف مع عدم قدرة دول الأوبك على الوصول لاتفاق بتخفيض أو حتى تجميد الإنتاج. من المتوقع أن تستعيد أسعار البترول جزءا من خسائرها فى السنوات القادمة غير أنه من المرجح أن تظل مستويات الأسعار منخفضة نسبيا على المدى المتوسط. وستزداد أهمية النفط كسلاح استراتيجى فى المرحلة القادمة غير أن الإفراط فى استخدام ذلك السلاح سيفقده جزءا كبيرا من فاعليته والتى بالفعل تراجعت مع تطور مصادر الطاقة الأخرى.

عمر الشنيطى
 29 - أبريل - 2016
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق"
  

Friday, April 15, 2016

السعودية تتغير ومعها المنطقة

على الرغم من حداثة تأسيسها إلا أن السعودية تعتبر دولة محورية فى المنطقة، حيث إنها أكبر دولة فى مجلس التعاون الخليجى، إضافة إلى أن للسعودية أهمية خاصة نظرًا لوجود بيت الله الحرام بها والذى يحج الناس إليه كل عام. اقتصاديًا، تعتبر السعودية من أكبر منتجى البترول فى العالم حيث تنتج قرابة ١٠ ملايين برميل يوميًا وهو ما يزيد على ١٠٪ من الإنتاج العالمى. إنتاج البترول الهائل جعل للسعودية مكانة مهمة فى الاقتصاد العالمى، حيث إن حجم إنتاج السعودية يعتبر عاملاً رئيسيًا فى تحديد سعر البترول، وهذا ما مكنها من جنى ثروات طائلة على مر العقود الأخيرة تقدر بمئات المليارات من الدولارات. لكن السعودية ذات التأثير العالمى ظلت دولة محافظة داخليًا وكذلك دولة لا تتقبل التغيير إلى حد كبير طوال العقود الماضية.

لكن العام الماضى شهد تغيرات كبيرة فى المملكة. فعلى الصعيد السياسى، تولى الملك سلمان زمام الأمور وتم تغيير ولاية العهد بين عشية وضحاها ليصعد إلى طليعة الصفوف جيل جديد سنًا وفكرًا. وسرعان ما انعكس ذلك التغيير على مواقف المملكة الخارجية والتى تغيرت لتكون أكثر حسمًا تجاه إيران وحلفائها فى المنطقة، فإذا بالسعودية تتدخل عسكريًا لحسم الوضع فى اليمن وكذلك تلوح بالتدخل فى سوريا ما لم يتم حسم القضية، كما قطعت السعودية مساعداتها أخيرًا عن لبنان كرد سياسى لممارسات اعتبرتها ضد مصالحها. السعودية والتى لم تكن لاعبًا عسكريًا بشكل مباشر فى المنطقة أعلنت العام الماضى عن قوة عربية مشتركة وكذلك عن تحالف إسلامى لمحاربة الإرهاب، فيما توسعت بشدة فى تدريب وتسليح جيشها.

على الصعيد الاقتصادى، واجهت السعودية عجزًا كبيرًا فى الموازنة وصل لقرابة ١٠٠ مليار دولار فى العام الماضى وهو ما تطلب إجراءات اقتصادية صارمة. تلك الإجراءات شملت رفعًا لأسعار الطاقة وخفضًا لمخصصات المؤسسات المختلفة والتوسع فى سعودة الوظائف، بالإضافة لاستعادة جزء من استثمارات المملكة فى الأسواق العالمية وطرح سندات حكومية للاقتراض فى وقت تصاعد فيه العجز وانخفض احتياطى النقد الأجنبى. بجانب تلك الإجراءات السريعة، شرعت الحكومة فى تطبيق برنامج تحول اقتصادى لإعداد الاقتصاد لعصر ما بعد النفط بالاعتماد على القطاع الخاص كقاطرة للتنمية وتوسيع سوق المال وطرح جزء من شركة أرامكوا والتى تعتبر أكبر شركة لإنتاج النفط عالميًا بل أيضا أكبر شركة من حيث القيمة والتى قد تصل لعدة تريليونات من الدولارات مما يتيح للمملكة تأسيس صندوق سيادى بقرابة ٢ تريليون دولار.

بلا شك أن السعودية تشهد تحولاً كبيرًا يفوق توقعات غالبية المحللين وهو ما يشير إلى الدور الكبير الذى تلعبه السعودية فى المنطقة أخيرًا. ويمكن تحديد عاملين رئيسيين وراء هذا التحول. الأول هو تغير السياسة الأمريكية تجاه المنطقة. فبعد عقود من الإمساك بأوراق اللعبة الأساسية، تقلص الدور الأمريكى فى المنطقة أخيرا بل وبدا واضحًا رغبة أمريكا فى تغيير استراتيجى فى المنطقة بإتمام الاتفاق النووى مع إيران رغم اعتراضات السعودية. كما أن أمريكا فى عهد أوباما ليست لديها الرغبة فى التدخل عسكريًا فى صراعات المنطقة الملتهبة. أما السبب الثانى فيعود للانخفاض الحاد فى أسعار البترول والذى جاء بعد فترة ممتدة من الأسعار المرتفعة. ذلك الانخفاض كان حادًا وكذلك استمر لفترة طويلة حتى إن الأسعار مازالت عند ثلث مستواها منذ عامين.

التغيرات التى طرأت تجعل السعودية اليوم تختلف عن السعودية التى اعتدنا عليها لعقود. وسيكون هناك أثر لتلك التغيرات على مصر بعدة أوجه. الأول، أن السعودية ستقود المنطقة أو على أقل تقدير ستشارك مصر زمام القيادة ولن تكتفى بالمقعد الخلفى مستقبلاً. الثانى، أن أولويات السعودية فيما يخص مواجهة تمدد النفوذ الإيرانى فى المنطقة ستطغى على باقى القضايا بما فيها قضايا السياسة الداخلية. الثالث، أن السعودية لن تقدم منحًا سخية لمصر مرة أخرى بل سيكون دعمها فى صورة استثمارات فى مشروعات مجدية ماليًا أو قروض مضمونة العائد بعد انخفاض أسعار البترول وانحصار الفوائض المالية. الرابع، أنه سيكون على الحكومة المصرية المضى قدمًا بتطبيق إجراءات اقتصادية تقشفية صارمة أسوة بما تفعله السعودية لتقليص عجز الموازنة وهو ما يعنى المزيد من التضخم والتدهور للوضع الاجتماعى.

وقد تكون زيارة الملك سلمان الأخيرة لمصر دليلاً على ذلك التحول. فتلك الزيارة التى تعتبر تاريخية من حيث مدتها وبرنامجها، بالإضافة لتوقيع العديد من الاتفاقات بين البلدين توضح توسع النفوذ السعودى بشكل كبير. فعادة ما تأخذ الخلافات الحدودية عقودا لتسويتها إلا أن الخلاف على جزيرتى تيران وصنافير تمت تسويته بشكل غير تقليدى. كما تحول الحديث لتهديدات إيران للمنطقة وأهمية التحالف بين مصر والسعودية فى وقت تواجه فيه مصر مشاكل سياسية وأمنية واقتصادية ولا تحتاج لمواجهة أخرى مع إيران سواء بشكل مباشر أو بالوكالة. أما اقتصاديًا، فكان متوقعًا الإعلان عن دعم مباشر لتعزيز الاحتياطى والدفاع عن الجنيه وهو ما لم يحدث. وعلى الرغم من التوقيع على اتفاقات عدة من شأنها أن تساعد على تدفق العملة الصعبة مستقبلاً مثل إنشاء صندوق مشترك للاستثمار واتفاق لتوريد مواد بترولية ودفعها آجلاً إلا أن السوق الموازية للعملة لم تتفاعل على الإطلاق مع ذلك وهو ما يعكس قناعة المتعاملين فى السوق على أن تلك الاتفاقات لن ينتج عنها تدفقات سريعة وأن عصر المساعدات الخليجية السخية قد ولى.

العلاقات بين مصر والسعودية قوية وممتدة لكن السعودية تتغير بشكل سريع سياسيًا واقتصاديًا ويتسع نفوذها إقليميًا بشكل كبير فى محاولة منها لمواجهة تمدد النفوذ الإيرانى. الدعم السعودى لمصر مهم جدًا ومما لا شك فيه أنه يمثل حجر الزاوية لمنع انهيار الاقتصاد المصرى الآيل للسقوط لكن ذلك الدعم لا يأتى مجانًا وبدأ يظهر أخيرًا أن تكلفته السياسية ليست قليلة مما يجعل من الحكمة إعادة النظر فى تصور إدارة الاقتصاد والاعتماد على حلول جذرية لإعادة تدوير عجلة الاقتصاد بدلاً من الدعم الخارجى الذى يلعب دور المسكن قصير الأجل لكن تكلفته السياسية وربما العسكرية طويلة الأجل.

عمر الشنيطى
 15 - أبريل - 2016
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق"

Wednesday, April 6, 2016

Egypt's 1977 demonstrations: A lesson and a warning

Less than a year separates us from the fortieth anniversary of the January 1977 demonstrations. After two decades of socialism, economic transition towards capitalism and liberating markets began.
President Anwar El-Sadat, who was then at the zenith of his popularity after the 1973 Arab-Israeli war, took a crucial decision to lift government subsidies for different commodities.
President Sadat was confident that his popularity and his historical achievement would convince the people to wait for the yield of the Open Door policy to trickle down to them. However, in an unexpected move, people took to the streets protesting over the increase in prices.
Chaos was rampant and President Sadat considered what happened to be a “thieves’ uprising”, but he was obliged to back down from his decisions and subsidies returned once again.
The 1977 demonstrations were a watershed, for it has been widely understood since that day that lifting subsidies from the poor is a red line which no sane person should attempt.
Even President Hosni Mubarak did not agree to lift subsidies during the three decades of his rule, despite global institutions’ recommendations to do so.
But that harsh lesson has not discouraged the government during the past two years from taking stern economic measures, to even speak of which was previously considered a kind of fantasy.
Such measures did have a major influence on rising prices. Here, we can shed some light on the four main aspects of those measures.
First: Lifting subsidies
With the launch of economic reform program, focus was drawn to reducing the budget deficit through lifting subsidies gradually on fuels. The first wave started in summer 2014.
Last summer was supposed to witness another wave, but the drop in oil prices relieved the government from taking such a measure. However, with the recent rise in oil prices, the government will resume the program to lift subsidies, including gasoline, diesel and electricity.
Price increases will not be restricted to a single wave in the next few months, but rather will be followed by other waves in the future. Although the programme promises not to affect low-income earners, previous experiences show that lifting subsidies is reflected on the rise in prices of different goods and services in the economy.
Second: Devaluating the pound
The years following the 2011 revolution witnessed a deficit between the incoming and outgoing foreign currency to the economy, leading to a mounting pressure on the pound. The central bank has fought tooth and claw in its defence of the pound by using foreign currency reserves.
With the erosion of the reserves, the central bank has relied on Gulf support; but due to the oil prices drop this support has receded. Thus, the pressure on the pound rose and led to the parallel market going wild.
Despite reassurances that floating the pound or devaluating it to a great extent is not on the horizon, the central bank resorted at last to devaluating the pound by about 14 percent.
Some think that this will not lead to a rise in prices because obtaining hard currency for importing was done from the parallel market anyway. But this devaluation will certainly lead to a rise in prices for goods which were imported according to the unofficial rate of the pound, which were the non-essential goods.
As for the essential goods, obtaining foreign currency for importing them was done through banks according to the official rate. Moreover, the customs on all products are accounted for on the official rate of the pound against the dollar.
Third: Import restrictions
In an attempt to reduce the pressure on the pound, the central bank imposed, in cooperation with the government, restrictions on importing, aiming at limiting importing non-essential products. This led to a shortage in the availability of several essential products, including medicines, and this in a country that imports three times what it exports, and even those goods it exports or produces locally often require imported raw materials enter to manufacture.
With a shortage in supply, the demand on those products has increased and consequently their prices rose in anticipation of more shortages in supply in the future.
Fourth: Printing currency
With the budget deficit worsening in the last few years, the government resorted to financing the deficit locally by borrowing from banks, until the total of what the banks lend to the government became bigger than what it lends to individuals and companies.
Since this did not cover the financing gap, the central bank was driven to expand in printing currency and using it in buying government bonds to finance the budget deficit. This resulted in doubling the central bank’s investment in the government bonds during last year.
This trend is continuing, thus increasing the supply of printed money and leading to a rise in the prices of different goods and services.
It is undeniable that all four aspects have a direct effect on a rise in prices. But what’s new is that accumulative effect of the four aspects combined will lead to a steady increase in prices in the coming period.
However, the incomes of individuals and families are not increasing at the same rate due to the economic slowdown, which leads to an accelerated decrease in purchasing power to great extent.
This will affect the middle classes’ expenditure on luxuries, while it will make the poor classes unable to meet their basic needs and will lead to the descent of a larger segment of society below the poverty line.
The government has adopted some social programs to alleviate the negative effect on low income earners, whether through direct monetary handouts or through increasing the number of consumer complexes and diversifying foods available through them at low prices.
Those are commendable actions, but they are unable to face the inflationary effect of the four aspects combined. This inflationary wave may drive different segments of society to take to the streets, not asking for a political change but in demand for a decent living.
The 1977 demonstrations came as a reaction to a severe and sudden wave in increasing prices. The present rise in prices is happening now gradually, but the final effect of this graduality is bigger than that of the 1977 wave, due to the synchronization of the combined different four aspects of price rises.
The government is moving forward with applying the economic reform program to reduce the budget deficit and improve the investment environment adopting, in coordination with the central bank, stern economic approaches to save the ramshackle economy.
However, the government expansion in those crucial measures and their synchronization will have great social repercussions that may develop into a political reaction from different social classes, like those which took place in the January 1977 demonstrations.
But it seems that what happened forty years ago has been forgotten. Despite El-Sadat's popularity and the 1973 victory, people still took to the streets when their life became unbearable.
Thus, it is necessary to review the adopted economic reforms and the pace of applying them, and to expand the social security network to a greater extent.

Omar El-Shenety
6 April 2016 
This article was published in "Al Ahram Online"

Friday, April 1, 2016

ولنا فى تظاهرات ١٩٧٧ عبرة وعظة

أشهر معدودات تفصلنا عن الذكرى الأربعين لتظاهرات يناير ١٩٧٧. فبعد عقدين من الاشتراكية، بدأ التحول الاقتصادى للرأسمالية وتحرير الأسواق. حينئذ اتخذ الرئيس السادات وهو فى أوج شعبيته بعد حرب ١٩٧٣ قرارا حاسما برفع الدعم الحكومى عن السلع المختلفة. كان الرئيس السادات واثقا من أن شعبيته وإنجازه التاريخى سيقنعان الشعب بانتظار ثمار الانفتاح الاقتصادى حتى تتساقط عليهم. لكن بشكل غير متوقع خرج الناس للشوارع معترضين على ارتفاع الأسعار. عمت الفوضى واعتبر الرئيس السادات ما حدث «انتفاضة حرامية» لكنه اضطر للتراجع عن قرارته وعاد الدعم مرة أخرى.

تظاهرات ١٩٧٧ كانت علامة فارقة حيث ترسخ منذ يومها أن رفع الدعم عن الفقراء خط أحمر لا يقربه عاقل حتى إن الرئيس مبارك لم يوافق على رفع الدعم لثلاثة عقود على الرغم من توصيات المؤسسات العالمية بذلك. لكن ذلك الدرس القاسى لم يثنِ الحكومة فى العامين الماضيين عن اتخاذ إجراءات اقتصادية صارمة كان مجرد الحديث عنها سابقا دربا من دروب الخيال. تلك الإجراءات لها أثر كبير على ارتفاع الأسعار. ويمكن تسليط الضوء على أربعة أوجه رئيسية لتلك الإجراءات.

الأول: رفع الدعم

مع انطلاق برنامج الإصلاح الاقتصادى، جاء التركيز على خفض عجز الموازنة برفع الدعم عن المحروقات تدريجيا، بدأت الموجة الأولى منه فى صيف ٢٠١٤ وكان من المفترض أن يشهد الصيف الماضى موجة أخرى إلا أن انخفاض أسعار البترول أعفى الحكومة منها. لكن مع ارتفاع أسعار البترول أخيرا، فإن الحكومة ستستكمل برنامج رفع الدعم وسيشمل ذلك البنزين والسولار والكهرباء. ولن يقتصر رفع الأسعار على موجة واحدة فقط فى الأشهر القادمة ولكن سيعقبها موجات أخرى مستقبلا. وعلى الرغم من أن البرنامج يعد بعدم المساس بمحدودى الدخل إلا أن التجارب السابقة تشير إلا أن رفع الدعم ينعكس على ارتفاع أسعار السلع والخدمات المختلفة فى الاقتصاد.

الثانى: تخفيض الجنيه

شهدت السنوات التى أعقبت ثورة ٢٠١١ عجزا بين الصادر والوارد للاقتصاد من العملة الصعبة مما أدى للضغط على الجنيه. دافع البنك المركزى باستماتة عن الجنيه باستخدام احتياطى النقد الأجنبى. ومع تآكل الاحتياطى اعتمد البنك المركزى على الدعم الخليجى لكن مع انخفاض أسعار البترول، انحصر ذلك الدعم مما زاد الضغوط على الجنيه وأدى لاشتعال السوق الموازية. على الرغم من التأكيدات أن تعويم الجنيه أو تخفيضه بشكل كبير ليس فى الأفق إلا أن البنك المركزى لجأ أخيرا لتخفيض الجنيه بقرابة ١٤٪. يعتقد البعض أن ذلك لن يؤدى لارتفاع الأسعار لأن تدبير العملة للاستيراد كان يتم من السوق الموازية، لكن ذلك التخفيض سيؤدى بالتأكيد لارتفاع الأسعار حيث إن السلع التى كانت تستورد بناء على السعر غير الرسمى هى السلع غير الأساسية. أما السلع الأساسية، فكانت عملية تدبير العملة تتم من خلال البنوك على السعر الرسمى. كما أن الجمارك على جميع المنتجات يتم حسابها على السعر الرسمى للدولار.

الثالث: قيود الاستيراد

فى محاولة لتخفيض الضغط عن الجنيه، فرض البنك المركزى بالتعاون مع الحكومة قيودا على الاستيراد بهدف الحد من استيراد المنتجات غير الأساسية مما أدى لنقص فى توافر العديد من المنتجات الأساسية ومنها الدواء فى بلد يستورد ثلاثة أضعاف ما تصدره وحتى ما تصدره أو تنتجه محليا يدخل فى تصنيعه العديد من الخامات المستوردة. مع نقص المعروض، فإن الطلب على تلك المنتجات وبالتالى سعرها ارتفع تحسبا للمزيد من النقص فى المعروض مستقبلا. 

الرابع: طباعة النقد

مع تفاقم عجز الموازنة فى السنوات الأخيرة، لجأت الحكومة لتمويل العجز محليا عن طريق الاقتراض من البنوك حتى أصبح إجمالى ما تقرضه البنوك للحكومة أكبر مما تقرضه للأفراد والشركات. لكن ذلك لم يغطِ الفجوة التمويلية مما دفع البنك المركزى للتوسع فى طباعة النقد واستخدامه لشراء السندات الحكومية لتمويل عجز الموازنة، حيث تضاعف استثمار البنك المركزى فى السندات الحكومية خلال العام الماضى وهذا التوجه ما زال مستمرا مما يزيد من المعروض من النقد ويؤدى لزيادة أسعار السلع والخدمات المختلفة.

كل من الأوجه الأربعة له أثر مباشر على ارتفاع الأسعار وهو ما يصعب إنكاره. لكن الجديد فى الأمر هو التأثير التراكمى للأربعة أوجه مجتمعين وهو ما سيؤدى فى الفترة القادمة لزيادة مضطردة فى الأسعار. لكن دخول الأفراد والعائلات لا تزيد بنفس المستوى بسبب التباطؤ الاقتصادى مما يؤدى لتسارع انخفاض القوة الشرائية بشكل كبير. يؤثر ذلك على تراجع إنفاق الطبقات المتوسطة على الكماليات بينما يؤدى لعدم قدرة الطبقات الفقيرة على الوفاء باحتياجاتها الأساسية ونزول جزء أكبر من المجتمع تحت خط الفقر.

تتبنى الحكومة بعض البرامج الاجتماعية لتخفيف الأثر السلبى على محدودى الدخل سواء من خلال التوزيعات النقدية المباشرة أو زيادة المجمعات الاستهلاكية وتنويع الأغذية فيها بأسعار مخفضة. وتلك إجراءات محمودة لكنها تقف عاجزة أمام الأثر التضخمى للأربعة أوجه مجتمعين. وقد تدفع تلك الموجة التضخمية فئات مختلفة من المجتمع للخروج للشوارع، ليس طلبا فى التغيير السياسى ولكن طلبا فى لقمة العيش. فتظاهرات ١٩٧٧ جاءت كردة فعل لموجة حادة ومفاجئة فى ارتفاع الأسعار. أما ارتفاع الأسعار الآن فيحدث تدريجيا لكن الأثر النهائى لذلك التدرج أكبر من موجة ١٩٧٧ بسبب تزامن الأوجه المختلفة لارتفاع الأسعار.

تمضى الحكومة قدما ببرنامج الإصلاح الاقتصادى لتخفيض عجز الموازنة وتحسين بيئة الاستثمار متبنية، بالتنسيق مع البنك المركزى، توجهات اقتصادية صارمة لإنقاذ الاقتصاد الآيل للسقوط. لكن توسع الحكومة فى تلك الإجراءات الحرجة وتزامنها له آثار اجتماعية كبيرة قد تتطور لرد فعل سياسى من مختلف طبقات المجتمع على غرار ما حدث فى تظاهرات يناير ١٩٧٧، غير أن من يدير دفة الحكم يبدو أنه قد نسى ما حدث منذ أربعين عاما ولا يدرك أن حتى شعبية ونصر ١٩٧٣ لم يغنيا عن صاحبهما شيئا فخرج الناس للشوارع حينما ضاقت بهم الحياة، مما يجعل من الضرورى إعادة النظر فى الإصلاحات الاقتصادية المتبعة وسرعة تطبيقها وتوسيع شبكة الضمان الاجتماعى بشكل أكبر.

عمر الشنيطى
 1 - أبريل - 2016
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق"