بدأ سعر الذهب الأسود
فى الانخفاض منذ عامين حتى فقد ما يقارب ٧٠٪ من سعره فى نهاية ٢٠١٥. وقد فسر البعض
ذلك بزيادة المعروض عالميا نتيجة التوسع فى إنتاج الغاز الصخرى وكذلك زيادة
الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة فى الوقت الذى تراجع فيه مستوى الطلب العالمى
بسبب تباطؤ النمو فى أوروبا وهو ما انعكس على تراجع معدلات التصنيع فى الصين. فى
خضم تلك المتغيرات، زاد إنتاج إيران بعد إبرامها للاتفاق النووى. توقع العالم أن
تقوم الأوبك بتخفيض الإنتاج كما هو معتاد للحفاظ على مستويات الأسعار لكن ذلك لم
يحدث بل أكدت السعودية على استعدادها لتحمل أسعار شديدة الانخفاض بغية الحفاظ على
حصتها السوقية، غير أن البعض رأى فى ذلك حربا اقتصادية على منتجى الغاز الصخرى
وكذلك حربا سياسية على إيران التى لا تستطيع تحمل الأسعار المنخفضة.
مع الانخفاض الحاد فى
الأسعار، تكبدت الدول المصدرة خسائر كبيرة. بعض هذه الدول مثل نيجيريا وفنزويلا
أصبحت فى أزمة حرجة والبعض الآخر مثل دول الخليج اعتمد على الاحتياطات المتراكمة
لمجابهة العجز المتصاعد. لكن ذلك الانخفاض كان من المفترض أن يدفع النمو العالمى ويحدث
طفرة فى الدول المستوردة، حيث توقع صندوق النقد الدولى أن كل ٢٠ دولار انخفاض فى
الأسعار من المفترض أن يؤدى لزيادة النمو العالمى بما يقارب ٠٫٥ــ١٪ وهو ما يعنى
أن ذلك الانخفاض كان من المفترض أن يؤدى لزيادة فى النمو تقارب ٢ــ٤٪ لكن الواقع
أتى مغايرا للتوقعات حيث إن الدول المصدرة شهدت تراجعا كبيرا فى معدلات النمو مما
انعكس على تراجع استثماراتها الخارجية التى كانت تعد مصدرا هاما للنمو لكن فى
الوقت نفسه ظلت الدول المستوردة فى حالة حذر خوفا من معاودة ارتفاع الأسعار ولم
يرتفع الاستهلاك المحلى فيها بالشكل المتوقع مما جعل الاستفادة الإجمالية محدودة
على مستوى الاقتصاد العالمى.
استمرت الأسعار فى
النزيف حتى وصل البرميل لما دون ٣٠ دولارا. لكن سرعان ما عاودت فى الارتفاع حيث
أظهرت البيانات أن الاقتصاد العالمى أفضل مما كان متوقعا وظل الاقتصاد الصينى
متماسكا مما زاد الطلب على البترول عالميا. على صعيد العرض، تراجع إنتاج الغاز
الصخرى فى ظل الأسعار المنخفضة والتى لا تكاد تغطى تكلفة الإنتاج، كما تراجعت
شركات البترول العالمية عن الكثير من المشروعات التوسعية. وأدى التوجه التقشفى فى
الدول المصدرة لاعتصامات أثرت على مستويات الإنتاج كما حدث أخيرا فى الكويت، حيث
أضرب العمال اعتراضا على المساس بمميزاتهم. زيادة الطلب وتراجع العرض كانا كفيلين
بدفع الأسعار للزيادة لما فوق ٣٠ دولارا للبرميل وبدأ مصدرو البترول فى تنفس
الصعداء. لكن مصدرى البترول الذين أصبحوا يعانون من عجز تاريخى أدركوا أن عليهم
فعل المزيد لرفع الأسعار وبدأ الحديث عن اجتماع مرتقب فى الدوحة لمناقشة تجميد
الإنتاج عند مستويات يناير الماضى.
التحضير لاجتماع الدوحة
كان جيدا مع الكثير من التطمينات على أن السعودية ستوافق على تجميد الإنتاج. تلك
التوجهات تم تسريبها عدة أسابيع قبل الاجتماع وهو ما أعطى ثقة فى امكانية الوصول
لاتفاق مما كان كافيا لتعزيز التوقعات وبالفعل زادت الأسعار حتى تخطت حاجز ٤٠
دولارا للبرميل مع توقع المزيد من الارتفاع قبل نهاية العام. لكن الاجتماع المرتقب
جاء مخيبا للآمال، فإيران لم تعبأ بالحضور من الأساس فى إشارة واضحة على عدم
الرغبة لمناقشة تجميد الإنتاج وأنها عازمة على زيادة إنتاجها واستعادة حصتها
السوقية بعد أعوام من العزلة. أما السعودية والتى كان متوقعا أن توافق على تجميد
الإنتاج، طلبت أن تقوم إيران أيضا بتجميد إنتاجها وكذلك بعض الدول المصدرة خارج
الأوبك فيما بدا مستحيلا. وانتهى اجتماع الدوحة بدون اتفاق فى ظل جو من الاحباط
حول فشل الأوبك فى الدفاع عن الأسعار. فانتهى الحال باجتماع الدوحة أن كان سببا فى
انخفاض الأسعار مجددا بعد أن كان مقصودا به رفع الأسعار التى كانت قد بدأت بالفعل
فى الزيادة، حتى ان سعر البترول فى اليوم التالى للاجتماع قد انخفض بقرابة ٧٪.
التطورات الأخيرة فى
أسواق النفط خاصة اجتماع الدوحة لها دلالات عديدة. أولا، سوق البترول أصبحت ملعبا
مفتوحا للصراعات السياسية حتى إن تلك الصراعات أصبحت هى العامل الرئيسى فى تحديد
أسعار البترول. السعودية كانت لتوافق على تجميد الإنتاج فى المعتاد غير أن تركيز
السعودية منصب الآن على الصراع مع إيران فى وقت يخوض فيه البلدين حربا بالوكالة فى
اليمن وسوريا ويتجلى هذا الصراع بشكل مباشر فى سوق النفط. السعودية تبدو على
استعداد لتحمل خسائر تاريخية فى تصدير البترول حتى تلحق الضرر بإيران والتى لا
تستطيع تحمل الأسعار المنخفضة مثل السعودية صاحبة الاحتياطات الكبيرة. ثانيا، أن
الأوبك فقدت الكثير من قدرتها على التأثير فى أسعار النفط فى ظل الصراع المحتدم
بين السعودية وإيران مما حد من قدرة الأوبك للوصول لاتفاق مما يؤثر على مستقبل
الأوبك كمؤسسة فاعلة. ثالثا، الغاز الصخرى ومصادر الطاقة البديلة أصبحت تلعب دورا
كبيرا ولن يختفى هذا الدور حتى فى ظل أسعار البترول المنخفضة، حيث إن تطور
التكنولوجيا جعل مصادر الطاقة البديلة أرخص اقتصاديا من ذى قبل وإنتاج الغاز
الصخرى يستطيع أن يتواكب مع مستوى أسعار متوسط.
سوق النفط العالمية
تشهد تغيرات كبيرة بينما السعودية فى موقف حرج حيث تحارب غريمها التقليدى إيران فى
معركة حياة أو موت تشمل حروبا بالوكالة فى المنطقة وكذلك حربا مباشرة فى سوق النفط
مما يؤثر سلبا على أسعار البترول التى تنزف مع عدم قدرة دول الأوبك على الوصول
لاتفاق بتخفيض أو حتى تجميد الإنتاج. من المتوقع أن تستعيد أسعار البترول جزءا من
خسائرها فى السنوات القادمة غير أنه من المرجح أن تظل مستويات الأسعار منخفضة
نسبيا على المدى المتوسط. وستزداد أهمية النفط كسلاح استراتيجى فى المرحلة القادمة
غير أن الإفراط فى استخدام ذلك السلاح سيفقده جزءا كبيرا من فاعليته والتى بالفعل
تراجعت مع تطور مصادر الطاقة الأخرى.
عمر الشنيطى
29 - أبريل - 2016
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق"