مر عام على اتفاق مصر مع صندوق
النقد الدولى والذى حصلت مصر بمقتضاه على ١٢ مليار دولار بالإضافة لشهادة ثقة تدعم
برنامج الإصلاح الاقتصادى الطموح المبنى على تنفيذ سياسات غير شعبية والتى تم
الإعلان عنها خلال العام الماضى على موجات مع كل شريحة جديدة يصرفها الصندوق لمصر.
من المفيد العودة بالذاكرة لما قبل نوفمبر
٢٠١٦ حيث كان الاقتصاد يعانى من أزمة حقيقية فى سوق الصرف وكان هناك نشاط غير
طبيعى فى السوق الموازية مستفيدة من المضاربة على سعر صرف الدولار. الاضطراب فى
سعر الصرف وما تبعه من فقدان الثقة فى الجنيه كان ليدخلنا فى مرحلة انصهار للعملة
وهو ما يعنى انخفاضا كبيرا فى سعر صرف الجنيه قد يصل بالدولار لمستويات خيالية
أضعاف ما عليه المستوى الحالى. ولعل الذعر من الوصول لتلك المرحلة ونضوب
الاستثمارات الأجنبية وما لحقها من معدلات نمو بطيئة ومعدلات تضخم أعلى من المتوسط
هو ما جعل من الضرورى اللجوء لصندوق النقد الذى يعتبر الملاذ الأخير.
ولكن ذلك الملاذ الأخير لا يقرض من يأتى
إليه بغير شروط. فقامت الحكومة بوضع برنامج إصلاح اقتصادى صدق عليه صندوق النقد
واعتبره أحد أركان اتفاقية التمويل حيث يشمل أربعة محاور رئيسية. الأول: خفض
النفقات برفع الدعم عن المحروقات والعديد من الخدمات العامة وتقليص الزيادة فى
الرواتب والاستثمارات الحكومية. الثانى: زيادة الإيرادات بفرض ضريبة القيمة
المضافة. ثالثا: تحرير سعر الصرف للقضاء على السوق الموازية. رابعا: خصخصة بعض
الشركات الحكومية ببيعها لمستثمرين أجانب أو طرحها فى البورصة. وبعد عام على
القرض، يمكننا تقييم تلك التجربة من ستة جوانب أساسية:
الأول: سعر صرف العملة: شهد العام الماضى زيادة كبيرة فى التدفقات الواردة من العملة الصعبة سواء من خلال قرض الصندوق أو قرض البنك الدولى أو السندات الدولارية التى طرحتها مصر فى أوروبا أو استثمار الأجانب فى السندات الحكومية الذى تخطى ١٨ مليار دولار مما رفع الاحتياطى لأكثر من ٣٦ مليار دولار وساعد على اختفاء السوق الموازية. لكن لا يمكننا أن نغض الطرف عن التفاوت الكبير بين سعر الصرف الحالى وبين ما كان متوقعا قبل التعويم بسبب صدمة السوق بدون سيولة كافية وبدون إغلاق الخطوط الائتمانية المفتوحة بالدولار.
الأول: سعر صرف العملة: شهد العام الماضى زيادة كبيرة فى التدفقات الواردة من العملة الصعبة سواء من خلال قرض الصندوق أو قرض البنك الدولى أو السندات الدولارية التى طرحتها مصر فى أوروبا أو استثمار الأجانب فى السندات الحكومية الذى تخطى ١٨ مليار دولار مما رفع الاحتياطى لأكثر من ٣٦ مليار دولار وساعد على اختفاء السوق الموازية. لكن لا يمكننا أن نغض الطرف عن التفاوت الكبير بين سعر الصرف الحالى وبين ما كان متوقعا قبل التعويم بسبب صدمة السوق بدون سيولة كافية وبدون إغلاق الخطوط الائتمانية المفتوحة بالدولار.
الثانى: الميزان التجارى:
تراجعت الواردات خلال العام الماضى بينما زادت الصادرات على أثر تعويم الجنيه مما
أدى لانخفاض عجز الميزان التجارى وهو مؤشر جيد وأساسى للتقييم.
ثالثا: التضخم: ارتفعت الأسعار بشكل غير
مسبوق مدفوعة بتعويم الجنيه وزيادة الجمارك وضريبة القيمة المضافة ورفع الدعم ورفع
أسعار الخدمات العامة فى فترة قصيرة حتى وصل معدل التضخم لقرابة ٣٥٪ بينما كان
المتوقع ألا يتخطى ٢٠٪.
رابعا: النمو: شهد الاقتصاد معدلات نمو
متواضعة تقارب ٤٪ سنويا مقارنة بما يزيد على ٥٪ فى توقعات ما قبل القرض بسبب بطء
تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتآكل القوة الشرائية نتيجة التضخم الكبير
وتراجع معدلات الاستثمار الحكومى وتباطؤ استثمار القطاع الخاص بعد رفع سعر الفائدة
الكبير.
خامسا: عجز الموازنة: تراجع عجز الموازنة
نسبيا بعد خفض النفقات وزيادة الإيرادات. وعلى الرغم من أن العجز مازال قرابة ١٠٪
إلا أن اتجاهه للانخفاض يعتبر مؤشرا جيدا.
سادسا: عبء الديون: اعتمدت الحكومة على
الاقتراض بكثافة لتمويل عجز الموازنة مما دفع الدين المحلى لتخطى حاجز ٣ تريليون
جنيه لكنه لا يزال أقل من الناتج المحلى الذى زاد بشدة بسبب التضخم الرهيب. كما
ارتفعت الديون الخارجية لتقارب ٨٠ مليار دولار متخطية ٤٠٪ من الناتج المحلى بعدما
كانت دون ٢٠٪ وهى معدلات ارتفاع مخيفة.
النظر للجوانب السابقة يوضح تباين آثار
قرض الصندوق. فعلى مستوى الاقتصاد الكلى، تمت السيطرة على السوق الموازية،
والميزان التجارى فى تراجع، والاستثمارات الأجنبية تتدفق بقوة حتى لو فى صورة
قروض، وعجز الموازنة يتم السيطرة عليه وصندوق النقد يجدد ثقته فى الاقتصاد مع صرف
كل شريحة بينما الأثر الاجتماعى وإن كان كبيرا، ففى النهاية لم يخرج الناس
للشوارع. لكن على مستوى الأفراد والشركات، فالوضع مختلف حيث إن التضخم الرهيب أدى
لتآكل القوة الشرائية للعائلات بينما لم ينتعش الاقتصاد ولم تزداد الرواتب وفرص
العمل بشكل يعوض تلك الارتفاعات. ولعل تآكل القوة الشرائية التى تزامنت مع ارتفاع
الفائدة كان لها أثر سلبى على الشركات بالإضافة لتأثر بعضها بالتعويم وما تبعه من
خسائر مما أدى لتراجع معدلات النمو والأرباح فى تلك الشركات.
الفجوة بين مؤشرات الاقتصاد الكلى وأداء
الاقتصاد الحقيقى على مستوى الأفراد والشركات ليست جديدة على برامج الإصلاح
الاقتصادى، وهنا يأتى دور السياسات القطاعية الوسيطة لسد الفجوة بين التوجهات
الكلية والاقتصاد الحقيقى الذى يلمسه الناس حيث تعمل تلك السياسات على تحفيز
قطاعات لمصر فيها ميزة تنافسية سواء فى مجال تصدير السلع أو الخدمات لإحداث نمو
مستدام يستطيع توفير عملة صعبة بشكل دائم وليس اعتمادا على الاقتراض الخارجى. فمن
الجدير بالذكر أن الصادرات الزراعية زادت ١٤٪ فقط بينما انخفض الجنيه ٥٠٪ وذلك
يوضح عدم مرونة الصادرات المصرية وهو ما يحتاج كغيره من القطاعات العمل على زيادة
التنافسية للاستفادة من إجراءات الإصلاح الاقتصادى الحرجة. قد لا يتسع المجال فى
هذا المقال للحديث باستفاضة عن السياسات القطاعية لكن المهم إدراك أن غيابها يسبب
فجوة كبيرة بين الإجراءات الكلية وبين ما يعيشه الناس.
الخلاصة أنه بعد مرور عام على قرض صندوق
النقد، تم القضاء على السوق الموازية وبدأ الميزان التجارى وعجز الموازنة فى
التحسن، لكن ذلك جاء على حساب تضخم غير مسبوق ونمو متواضع مصحوبا بمعدلات اقتراض
خيالية. ويمكن القول إن الاقتصاد يقف على مفترق طرق، فالعام القادم سيمر بهدوء إلى
حد كبير بإجراءات قليلة وتضخم أقل وربما نمو أفضل من العام الحالى لكن بعد ذلك
سيكون علينا تسديد الكثير من الديون الخارجية والتى بدون نمو فعال ومصادر مستدامة
للعملة الصعبة، فإن الاقتصاد سيكون فى مأزق كبير. ويبقى«تنشيط الاقتصاد الحقيقى»
باب الخروج من الأزمة وتبقى «السياسات القطاعية» المفتاح لذلك.
عمر
الشنيطي
01
نوفمبر 2017
نشر
هذا المقال في جريدة الشروق