Saturday, May 31, 2014

التوازن بين النمو وتوزيع الدخل

سبق أن تناولت فى المقال السابق أن المساواة فى توزيع الدخل لم تعد مطلبا لليسار وحده حيث إنها أصبحت مطلبا عاما وذلك بعد الأزمة المالية العالمية وما أعقبها من تشكيك فى النظام الاقتصادى الحالى، الأمر الذى دفع مؤسسات مثل صندوق النقد الدولى للحديث عن الحاجة لإعادة النظر فى توزيع الدخل بشكل عادل بعد أن أدركت أن عدم المساواة المبالغ فيها لا يمثل فقط تحديا اجتماعيا وسياسيا بل أيضا تحديا اقتصاديا يعيق جهود التنمية المستديمة. كما أوضحت العديد من الدراسات أن إعادة توزيع الدخل ليس لها بالضرورة أثرا سلبيا كليا على الاقتصاد حيث إن الأثر السلبى على الأغنياء يعوضه التحسن فى وضع محدودى الدخل.

وبعد مرور ثلاث سنوات على الثورة المصرية، ازداد الغنى غنى والفقير فقرا. ومع تقشف الحكومة الحالى، فإن الركود التضخمى أصبح لا مفر منه مما سيكون له بالغ الأثر على الفئات الأكثر فقرا فى ظل غياب شبكة أمان اجتماعى متكاملة. ويأتى هذا المقال كتلخيص للدروس المستفادة من الدراسات العالمية فى مجال إعادة توزيع الدخل والإشارة للسياسات التى يمكن انتهاجها فى المرحلة القادمة من أجل تبنّى أجندة اقتصادية متوازنة تتمحور حول نمو اقتصادى موجه يصاحبه توزيع فعال للدخل. فالتركيز على النمو وحده سيؤدى إلى زيادة الفجوة فى توزيع الدخل وتعميق الفقر فى المجتمع، بينما التركيز على توزيع الدخل وحده سيكبل قدرة الاقتصاد على النمو.

فعلى صعيد النمو، دائما ما يتم تسليط الضوء على إجمالى النمو بدون النظر إلى مكونات ذلك النمو ومدى استدامته وأثره على مستويات التوظيف. لذلك فإن تنبى نمو موجه سيؤدى إلى نمو مستديم ومتوائم مع السياسة التقشفية وقد يشمل عدة سياسات رئيسية:
أولا: تبنى سياسة تحفيزية للقطاعات ذات القيمة المضافة وشديدة الاعتماد على الأيدى العاملة فى صورة دعم مالى للصادرات أو حوافز ضريبية أو حوافز تمويلية. فالسياسة التقشفية لا يجب أن تشمل كل القطاعات الاقتصادية.
ثانيا: الحد من مزاحمة الحكومة والمؤسسة العسكرية للقطاع الخاص وإتاحة المجال للقطاع الخاص لتحريك عجلة الاقتصاد حتى لا يصاب بركود مزمن.
ثالثا: توجيه الاستثمار الأجنبى للقطاعات ذات القيمة المضافة والبعد عن الاستثمار العقارى والتجارة فى الأراضى التى لا تضيف قيمة كبيرة للاقتصاد.
رابعا: إعادة هيكلة شركات قطاع الأعمال من أجل الحفاظ على فرص العمل وتوفير المزيد منها وكذلك ضبط الأسعار فى الأسواق.
خامسا: ربط الدعم المقدم للأسر باستكمال أولادهم للتعليم أو المتابعة الصحية لضمان حصولهم على الفرص المناسبة للنمو والترقى فى المجتمع.
وتهدف هذه السياسات المقترحة لضمان التركيز على تنمية القطاعات ذات الأثر الإيجابى والمستدام اقتصاديا وإجتماعيا فى ظل الوضع الاقتصادى الحرج .

أما على صعيد توزيع الدخل، فإن توسيع القاعدة الضريبية واستخدام الضرائب كأداة لتوجيه النشاط الاقتصادى ــ من استهلاك واستثمار- وليس فقط كمصدر للإيرادات الحكومية تعد من الأهداف الرئيسية التى يجب تبنيها فى هذا الصدد وقد يشمل ذلك عدة سياسات رئيسية:
أولا: رفع الحد الأدنى للأجور إلى مستوى ٧٠ ـ ٨٠٪ من متوسط الدخل الحقيقى مما سيؤدى إلى مساعدة الطبقات محدودة الدخل على تحمل تبعات المرحلة القادمة. ويجب تطبيق ذلك على القطاع العام والخاص بالتنسيق مع النقابات المختلفة.
ثانيا: تبنى ضريبة تصاعدية على الدخل تشمل ضريبة منخفضة على مستويات الدخل المنخفضة بينما ضريبة أكثر ارتفاعا من المستوى الحالى على مستويات الدخل المرتفعة.
ثالثا: تطبيق الضريبة العقارية وتوسيع نطاقها لتشمل الأراضى المجمدة وغير المستغلة مما يؤدى إلى محاربة ظاهرة تجميد الأراضى ويعمل على تحريك سوق العقارات والإنشاءات.
رابعا: إعادة هيكلة الضريبة على أرباح الشركات ليتفاوت مستواها بناء على نوعية القطاع مما يؤدى إلى تحفيز القطاعات ذات القيمة المضافة والأولوية الكبيرة للاقتصاد.
خامسا: توسيع تطبيق الضريبة على الأرباح الرأسمالية لتشمل الاستثمارات المالية وقد يتفاوت مستوى الضريبة بناء على طبيعة القطاع ومساهمته فى الاقتصاد.
سادسا: تطبيق ضريبة على الميراث تشمل حدا مرتفعا للإعفاء حيث يتم تطبيق الضريبة على مستويات المواريث شديدة الارتفاع وعلى أن تكون الضريبة المطبقة فى البداية منخفضة.
سابعا: توجيه ضريبة الاستهلاك ــ سواء كانت فى صورة ضريبة مبيعات أو ضريبة قيمة مضافة ــ لتتفاوت طبقا لطبيعة المنتج ومستوى الاستهلاك لتوجيه نمط الاستهلاك.
ثامنا: توسيع القاعدة الضريبية بالعمل على ضم القطاع غير الرسمى فى الحصيلة الضريبية وعلى أن يبدأ ذلك بضرائب منخفضة للقطاعات حديثة الضم.
تاسعا: محاربة التهرب الضريبى بالتنسيق مع البنوك وفرض غرامات مرتفعة على المتهربين ضريبيا.
عاشرا: العمل على إيجاد نظام لرصد وتحليل ونشر بيانات الحصيلة الضريبية وطريقة صرفها على الخدمات المختلفة بشفافية لبث الثقة فى نفوس المواطنين وربط الضريبة المحصلة بالخدمات المقدمة.

وتعتبر النقاط السابقة تلخيصا للدروس المستفادة من الدراسات العالمية فى صدد إعادة توزيع الدخل يمكن تبنيها كأجندة من السياسة المالية فى المرحلة القادمة وتطبيقها على سنوات عديدة للعمل على توزيع الدخل بشكل فعال بالتوازى مع نمو موجه ومستدام.
الخلاصة أن الأجندة الاقتصادية المثلى فى الفترة القادمة يجب أن تتمحور حول تبنى سياسة نمو اقتصادى موجه يصاحبها سياسة توزيع فعال للدخل لتحقيق نمو اقتصادى عادل ومستدام.

عمر الشنيطى
31 - مايو - 2014
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق"

Saturday, May 17, 2014

المساواة فى توزيع الدخل لم تعد فقط مطلبًا لليسار

لعقود طويلة ظلت المساواة فى توزيع الدخل مطلب التيار اليسارى، بينما كان التيار اليمينى يسخر من مثل هذه المطالب. لكن برز مؤخرا اتجاه عالمى يعترض على التفاوت فى توزيع الدخل، ويعتبر عدم المساواة المبالغ فيها ليست فقط تحديا اجتماعيا وسياسيا بل أيضا تحديا اقتصاديا. واللافت للنظر أن هذا الاتجاه يعتبر ظاهرة عالمية تدعمها مؤسسات كبيرة أبعد ما تكون عن اليسار مما جعل المساواة فى توزيع الدخل مطلبا عاما لا يقتصر على تيار بعينه.

وهذا التغير يمكن إرجاعه لعدة أسباب: السبب الأول يعود للأزمة المالية العالمية والتى شككت فى النظام الاقتصادى السائد وعدم عدالته حيث تدخلت الحكومات باستخدام أموال دافعى الضرائب لإنقاذ القطاع المالى مما أدى إلى ظهور حركة «احتلال وال ستريت» المعترضة على القطاع المالى وحوافز مديرى البنوك.

أما السبب الثانى فيرجع إلى العديد من تقارير صندوق النقد الدولى والتى أكدت أن الفجوة الكبيرة فى توزيع الدخل تعتبر عائقا حقيقيا لجهود التنمية المستدامة عالميا. وعلى الرغم من كون المساواة المبالغ فيها غير محبذة حيث إنها تزيل الحافز على العمل والإبداع، فإن عدم المساواة المبالغ فيها غير مقبولة أيضا حيث أنها تعيق التنمية وتمنع الفقراء من الحصول على الموارد المطلوبة لتحسين أحوالهم. وكما أوضحت التقارير أن إعادة توزيع الدخل بتوسيع القاعدة الضريبية ورفع الضرائب ليس لها بالضرورة أثرا سليبا كليا حيث إن الأثر السلبى على الأغنياء يعوضه التحسن فى وضع محدودى الدخل.

أما السبب الثالث فيتعلق بتقارير نشرتها مؤسسات دولية حيث أصدرت مؤسسة «أوكسفام» البريطانية تقريرا يوضح غياب ثقة الأفراد فى عدالة النظام الاقتصادى حيث يسيطر ١٪ من السكان على نصف الثروة عالميا، كما أن النصف الأقل دخلا من السكان يملكون ثروة تساوى ما يملكه أغنى ٨٥ شخصا فقط فى العالم. كما أشار عدد من المقالات فى مجلات مثل الإيكونومست إلى نفس الأمر وطالبت الحكومات باتخاذ إجراءات حاسمة لإعادة توزيع الدخل. بينما يأتى السبب الرابع متعلقا بكتاب «رأس المال فى القرن الواحد والعشرين» والذى يوضح أن نسبة العائد على رأس المال أعلى من نسبة نمو الاقتصاد مما يجعل الثروة الموروثة تتراكم بشكل أكبر من الثروة التى يحصلها الفرد من عمله. ولذلك يتطلب التغلب على عدم المساواة فى توزيع الدخل إجراءات راديكالية مثل الضريبة على الثروة والميراث.

وقد أطاحت التطورات الأخيرة بعدة ثوابت اقتصادية، فالنظرية تقول إن اقتصاد السوق قادر على خلق فرص العمل وتحسين دخل الأفراد، لكن الواقع أثبت أن الاقتصاد العالمى قد مر بتقلبات شديدة ومتتالية كان لها أثر سيئا على مستويات التوظيف وأدت إلى انخفاض مرتبات الموظفين والعمال كنسبة من الناتج المحلى العالمى فى العقود الأخيرة. كما تقول النظرية أن مرحلة التصنيع يصاحبها زيادة فى عدم المساواة فى البداية لكن سريعا ما تتقلص الفجوة ويجنى محدودى الدخل ثمار التنمية، لكن الواقع أثبت أن الفجوة فى توزيع الدخل قد اتسعت حيث إن أغنى ١٪ من السكان فى أمريكا تضاعف دخلهم فى العقود الثلاثة الأخيرة كنسبة من إجمالى الدخل ولا يقتصر ذلك على أمريكا وحدها. بالإضافة لذلك تقول النظرية أن الأغنياء هم من يتحملون العبء الأكبر للركود الاقتصادى، لكن الواقع أثبت أنه بعد الأزمة المالية العالمية حصل أغنى ١٪ من السكان فى أمريكا على ٩٥٪ من مكاسب تعافى الاقتصاد، كما أن أفقر ١٠٪ من السكان فى اليونان كانوا أكثر الفئات تأثرا بالإجراءات التقشفية التى انتهجتها الحكومة للتعافى. وهذا التباين الشديد بين النظرية والتطبيق دفع الكثيرون من داخل النظام الاقتصادى الحالى للمطالبة بتدخل الحكومات بشكل أكبر لتقليص الفجوة فى توزيع الدخل بعد أن عجز النظام الاقتصادى عن فعل ذلك بشكل تلقائى.

إن هذه التغيرات تعنى الكثير لمصر التى قامت فيها ثورة يأتى على رأس مطالبها العيش والعدالة الاجتماعية حيث لم ينعم محدودو الدخل بثمار النمو الاقتصادى فى السنوات التى سبقت الثورة، بل إن محدودى الدخل هم أكثر الفئات التى دفعت ثمن الركود الذى أعقب الثورة فزادت معدلات البطالة والفقر بشكل كبير بينما لم تتأثر ثروات رجال الأعمال الكبار فى مصر. والآن نستشرف حقبة من الركود التضخمى نتيجة إجراءات الحكومة التقشفية لتقليص عجز الموازنة مما سيكون له بالغ الأثر على الفئات الأكثر فقرا فى ظل غياب شبكة ضمان اجتماعى تحمى الفقراء من العاصفة القادمة. وإذا كان التوجه عالميا هو إعادة توزيع الدخل، فإنه من الأحرى أن يكون ذلك هو التوجه فى مصر فى ظل الوضع الصعب للفئات الأكثر فقرا والتى ستزداد فقرا مع إجراءات الحكومة التقشفية.

الخلاصة أن المساواة فى توزيع الدخل لم تعد مطلبا للتيار اليسارى فقط بل أصبحت مطلبا عاما حتى من داخل التيار اليمينى بعد الأزمة المالية العالمية وما فعلته من تشكيك فى النظام الاقتصادى الحالى وهو ما دفع مؤسسات مثل صندوق النقد الدولى للحديث عن الحاجة لانتهاج سياسات لإعادة توزيع الدخل بشكل عادل بعد أن أدركت أن عدم المساواة المبالغ فيها فى توزيع الدخل لا تمثل فقط تحديا اجتماعيا وسياسيا بل أيضا تحديا اقتصاديا يعيق جهود التنمية المستدامة عالميا. ولهذا التوجه مردود كبير على مصر والتى قامت بها ثورة تطالب بالعدالة الاجتماعية لتحسين أحوال محدودى الدخل، لكن للأسف ساءت أحوالهم منذ الثورة ومن المتوقع أن تزداد سوءا فى الفترة المقبلة مع إجراءات الحكومة التقشفية مما يجعل من الضرورى تبنى قضية المساواة فى توزيع الدخل كمطلب عام لا يقتصر على تيار بعينه.


عمر الشنيطى
17 - مايو - 2014
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق"

Saturday, May 3, 2014

التصدير هو الحل

الوضع الاقتصادى فى مصر معقد وحرج، لا يعنى ذلك أن الاقتصاد يترنح لكن لا يعنى أيضا أنه سيشهد أزهى عصوره فى المستقبل القريب. من الناحية الكلية، بات تخفيض الجنيه مسألة وقت بسبب عدم التوازن بين مصادر ومصارف الدولار بعد أن تراجعت الاستثمارات الأجنبية وعائدات السياحة وكذلك عدم استدامة المساعدات الخليجية. على صعيد آخر، ستؤدى إجراءات الحكومة التقشفية لخفض عجز الموازنة إلى الدخول فى ركود سيصاحبه تضخما لا مفر منه بسبب رفع جزء من الدعم وانخفاض قيمة الجنيه المصرى. لذلك من المتوقع أن يشهد المستقبل القريب حالة من الركود التضخمى، يتراجع فيه النشاط الاقتصادى بصورة أكبر من الوضع الحالى فترتفع البطالة بينما تزيد الأسعار بشكل مضطرب. على الرغم من ذلك، هناك جانب مشرق حيث إن ذلك الوضع سيوفر حافزا للتصدير بسبب انخفاض الجنيه وبالتالى انخفاض سعر المنتجات المصرية بالدولار فى السوق العالمية وزيادة الطلب عليها مما يجعل التصدير فى الفترة القادمة هو المخرج.

على المستوى الجزئى، ستواجه الشركات تراجعا فى مستوى الطلب المحلى على السلع والخدمات بسبب الركود المتوقع وكذلك التضخم الكبير الذى سيقلل من قيمة الدخل الحقيقى للأفراد ومن ثم يقلل من قوتهم الشرائية. لذلك على الشركات التوجه للأسواق الخارجية التى تتمتع بمستوى طلب أقوى إلى جانب العمل على زيادة الصادرات قبل الشروع فى تأسيس شركات فى الخارج. وسيساعد انخفاض الجنيه إلى انخفاض سعر المنتج النهائى بالدولار ومن ثم زيادة الطلب عليه فى الأسواق العالمية. كما أن الركود المحلى وارتفاع البطالة سيؤدى إلى توافر الموارد البشرية المدربة وذات الكفائة الجيدة بتكلفة مقبولة مما يدعم التصدير بشدة وعلى وجه الخصوص تصدير الخدمات التى تأتى على رأسها خدمات التعهيد (Outsourcing). لذلك على الشركات المحلية أن تعى الواقع الجديد وتعمل بسرعة على فتح أسواق خارجية لمنتجاتها من أجل الحفاظ على مستوى أرباحها.

وإذا نظرنا الى المؤشرات الكلية، نجد أن الصادرات المصرية قد بلغت حوالى ٢٠ مليار دولار فى العام المالى الماضى طبقا لبيانات البنك المركزى، موزعة بين مواد بترولية (٥٨٪) وكيماويات (١٣٪) وقطن ومنسوجات (١٠٪) ومنتجات معدنية (٨٪) وأغذية (٦٪) وغيرها (٥٪). وتعتبر أوروبا السوق الرئيسية للصادرات المصرية (٤٤٪( ثم الدول العربية (٢٠٪) وأمريكا (١٤٪). بجانب تصدير السلع، يأتى تصدير الخدمات والذى قطعت مصر فيه شوطا كبيرة قبل ثورة ٢٥ يناير بفضل توافر الموارد البشرية المدربة وقليلة التكلفة مقارنة بالعديد من دول العالم. من ناحية أخرى تستورد مصر ضعف ما تصدره حيث بلغت الواردات حوالى ٤٥ مليار دولار فى العام المالى الماضى، مما أدى إلى وجود عجز كبير فى الميزان التجارى) الفارق بين الصادرات والواردات) وهو ما يضغط على الجنيه.

كما أنه من المتوقع ان تواجة الحكومة ارتفاعا فى معدلات البطالة بسبب الركود وسيكون عليها خلق فرص عمل جديدة خارج نطاق الاقتصاد المحلى. وهذان السببان، عجز الميزان التجارى والبطالة، سيجعلان التوجه للتصدير من أولويات الحكومة. ودور الحكومة أكبر من القطاع الخاص فى تنشيط التصدير حيث أنها تمتلك العديد من الأدوات التى تستطيع من خلالها دعم الصادرات بشكل فعال. ومن الأولويات فى هذا الصدد تحديد قطاعات يتم التركيز عليها من خلال برامج الدعم ويفضل أن تكون قطاعات بها ميزة تنافسية للمنتج المصرى وكذلك تكون قطاعات كثيفة الاعتماد على العنصر البشرى مثل المنسوجات والتجميع وتعهيد الخدمات. بينما يجب البعد عن تحفيز القطاعات كثيفة الاستهلاك للطاقة التى تعانى مصر من نقصها مثل الأسمدة وغيرها.

وعلى الحكومة العمل على تحفيز التصدير من خلال برنامج يشمل خمسة مسارات رئيسية:
الأول: توفير الدعم المالى لتشجيع الشركات على التوسع فى النشاط التصديرى بناء على الأثر الإيجابى لدعم هذه القطاعات على الاقتصاد.
الثاني: توفير التسويق الدولى من أجل مساعدة هذه الشركات على اقتحام السوق العالمية والتواصل مع العملاء الأجانب وعادة ما يكون هذا الدعم فنيا وماليا.
الثالث: تفعيل وتعميق الاتفاقات التجارية التى تربط مصر بدول العالم المختلفة والتى تتيح للشركات تصدير منتجاتها وخدماتها بدون المعاناة التجارية والجمركية.
الرابع: تنشيط المناطق التجارية الحرة داخل مصر والتى تساعد على دفع الأنشطة التجميعية والتصنيعية بدون تحمل أعباء ضريبية وبيروقراطية كبيرة.
الخامس: عقد صفقات اقتصادية كبيرة بين الحكومة والدول الشقيقة مثل السعودية والإمارات تحصل بمقتضاها الشركات المصرية على عقود إستراتيجية يتم توظيف أعداد كبيرة من العمالة المصرية فيها. هذه المسارات وغيرها ستساهم فى زيادة الصادرات وخفض عجز الميزان التجارى وبالتالى تخفيض الضغط عن الجنيه. كما أنها ستساعد على خلق فرص عمل وإحداث رواج فى السوق المحلية.

الخلاصة أن الاقتصاد المصرى من المرجح أن يدخل فى حالة طويلة من الركود التضخمى مدفوعة بالإجراءات الحكومية التقشفية وتخفيض الجنيه. ومن المتوقع أن يؤدى ذلك إلى بطء فى النمو الاقتصادى وزيادة فى البطالة وارتفاع فى مستوى الأسعار وكذلك انخفاض فى مستوى ربحية الشركات المحلية مما يجعل المخرج من هذا الوضع الحرج هو التوجه للتصدير للاستفادة من الطلب الخارجى القوى على السلع والخدمات وكذلك انخفاض سعر المنتجات المصرية بالدولار وزيادة الطلب عليها عالميا نتيجة انخفاض الجنيه وأيضا توافر الموارد البشرية المدربة محليا بتكلفة منخفضة نسبيا وهو ما سيكون له أثر إيجابى على الشركات من حيث مستوى ربحيتها وكذلك على المستوى الكلى للاقتصاد من حيث زيادة الصادرات وخفض الضغط عن الجنيه وخفض معدلات البطالة. ولذلك على الشركات التوجه بقوة للتصدير وعلى الحكومة دعم ذلك التوجه من خلال برنامج متكامل وفعال تحت شعار «التصدير هو الحل».

عمر الشنيطى
3 - مايو - 2014
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق"