Saturday, May 3, 2014

التصدير هو الحل

الوضع الاقتصادى فى مصر معقد وحرج، لا يعنى ذلك أن الاقتصاد يترنح لكن لا يعنى أيضا أنه سيشهد أزهى عصوره فى المستقبل القريب. من الناحية الكلية، بات تخفيض الجنيه مسألة وقت بسبب عدم التوازن بين مصادر ومصارف الدولار بعد أن تراجعت الاستثمارات الأجنبية وعائدات السياحة وكذلك عدم استدامة المساعدات الخليجية. على صعيد آخر، ستؤدى إجراءات الحكومة التقشفية لخفض عجز الموازنة إلى الدخول فى ركود سيصاحبه تضخما لا مفر منه بسبب رفع جزء من الدعم وانخفاض قيمة الجنيه المصرى. لذلك من المتوقع أن يشهد المستقبل القريب حالة من الركود التضخمى، يتراجع فيه النشاط الاقتصادى بصورة أكبر من الوضع الحالى فترتفع البطالة بينما تزيد الأسعار بشكل مضطرب. على الرغم من ذلك، هناك جانب مشرق حيث إن ذلك الوضع سيوفر حافزا للتصدير بسبب انخفاض الجنيه وبالتالى انخفاض سعر المنتجات المصرية بالدولار فى السوق العالمية وزيادة الطلب عليها مما يجعل التصدير فى الفترة القادمة هو المخرج.

على المستوى الجزئى، ستواجه الشركات تراجعا فى مستوى الطلب المحلى على السلع والخدمات بسبب الركود المتوقع وكذلك التضخم الكبير الذى سيقلل من قيمة الدخل الحقيقى للأفراد ومن ثم يقلل من قوتهم الشرائية. لذلك على الشركات التوجه للأسواق الخارجية التى تتمتع بمستوى طلب أقوى إلى جانب العمل على زيادة الصادرات قبل الشروع فى تأسيس شركات فى الخارج. وسيساعد انخفاض الجنيه إلى انخفاض سعر المنتج النهائى بالدولار ومن ثم زيادة الطلب عليه فى الأسواق العالمية. كما أن الركود المحلى وارتفاع البطالة سيؤدى إلى توافر الموارد البشرية المدربة وذات الكفائة الجيدة بتكلفة مقبولة مما يدعم التصدير بشدة وعلى وجه الخصوص تصدير الخدمات التى تأتى على رأسها خدمات التعهيد (Outsourcing). لذلك على الشركات المحلية أن تعى الواقع الجديد وتعمل بسرعة على فتح أسواق خارجية لمنتجاتها من أجل الحفاظ على مستوى أرباحها.

وإذا نظرنا الى المؤشرات الكلية، نجد أن الصادرات المصرية قد بلغت حوالى ٢٠ مليار دولار فى العام المالى الماضى طبقا لبيانات البنك المركزى، موزعة بين مواد بترولية (٥٨٪) وكيماويات (١٣٪) وقطن ومنسوجات (١٠٪) ومنتجات معدنية (٨٪) وأغذية (٦٪) وغيرها (٥٪). وتعتبر أوروبا السوق الرئيسية للصادرات المصرية (٤٤٪( ثم الدول العربية (٢٠٪) وأمريكا (١٤٪). بجانب تصدير السلع، يأتى تصدير الخدمات والذى قطعت مصر فيه شوطا كبيرة قبل ثورة ٢٥ يناير بفضل توافر الموارد البشرية المدربة وقليلة التكلفة مقارنة بالعديد من دول العالم. من ناحية أخرى تستورد مصر ضعف ما تصدره حيث بلغت الواردات حوالى ٤٥ مليار دولار فى العام المالى الماضى، مما أدى إلى وجود عجز كبير فى الميزان التجارى) الفارق بين الصادرات والواردات) وهو ما يضغط على الجنيه.

كما أنه من المتوقع ان تواجة الحكومة ارتفاعا فى معدلات البطالة بسبب الركود وسيكون عليها خلق فرص عمل جديدة خارج نطاق الاقتصاد المحلى. وهذان السببان، عجز الميزان التجارى والبطالة، سيجعلان التوجه للتصدير من أولويات الحكومة. ودور الحكومة أكبر من القطاع الخاص فى تنشيط التصدير حيث أنها تمتلك العديد من الأدوات التى تستطيع من خلالها دعم الصادرات بشكل فعال. ومن الأولويات فى هذا الصدد تحديد قطاعات يتم التركيز عليها من خلال برامج الدعم ويفضل أن تكون قطاعات بها ميزة تنافسية للمنتج المصرى وكذلك تكون قطاعات كثيفة الاعتماد على العنصر البشرى مثل المنسوجات والتجميع وتعهيد الخدمات. بينما يجب البعد عن تحفيز القطاعات كثيفة الاستهلاك للطاقة التى تعانى مصر من نقصها مثل الأسمدة وغيرها.

وعلى الحكومة العمل على تحفيز التصدير من خلال برنامج يشمل خمسة مسارات رئيسية:
الأول: توفير الدعم المالى لتشجيع الشركات على التوسع فى النشاط التصديرى بناء على الأثر الإيجابى لدعم هذه القطاعات على الاقتصاد.
الثاني: توفير التسويق الدولى من أجل مساعدة هذه الشركات على اقتحام السوق العالمية والتواصل مع العملاء الأجانب وعادة ما يكون هذا الدعم فنيا وماليا.
الثالث: تفعيل وتعميق الاتفاقات التجارية التى تربط مصر بدول العالم المختلفة والتى تتيح للشركات تصدير منتجاتها وخدماتها بدون المعاناة التجارية والجمركية.
الرابع: تنشيط المناطق التجارية الحرة داخل مصر والتى تساعد على دفع الأنشطة التجميعية والتصنيعية بدون تحمل أعباء ضريبية وبيروقراطية كبيرة.
الخامس: عقد صفقات اقتصادية كبيرة بين الحكومة والدول الشقيقة مثل السعودية والإمارات تحصل بمقتضاها الشركات المصرية على عقود إستراتيجية يتم توظيف أعداد كبيرة من العمالة المصرية فيها. هذه المسارات وغيرها ستساهم فى زيادة الصادرات وخفض عجز الميزان التجارى وبالتالى تخفيض الضغط عن الجنيه. كما أنها ستساعد على خلق فرص عمل وإحداث رواج فى السوق المحلية.

الخلاصة أن الاقتصاد المصرى من المرجح أن يدخل فى حالة طويلة من الركود التضخمى مدفوعة بالإجراءات الحكومية التقشفية وتخفيض الجنيه. ومن المتوقع أن يؤدى ذلك إلى بطء فى النمو الاقتصادى وزيادة فى البطالة وارتفاع فى مستوى الأسعار وكذلك انخفاض فى مستوى ربحية الشركات المحلية مما يجعل المخرج من هذا الوضع الحرج هو التوجه للتصدير للاستفادة من الطلب الخارجى القوى على السلع والخدمات وكذلك انخفاض سعر المنتجات المصرية بالدولار وزيادة الطلب عليها عالميا نتيجة انخفاض الجنيه وأيضا توافر الموارد البشرية المدربة محليا بتكلفة منخفضة نسبيا وهو ما سيكون له أثر إيجابى على الشركات من حيث مستوى ربحيتها وكذلك على المستوى الكلى للاقتصاد من حيث زيادة الصادرات وخفض الضغط عن الجنيه وخفض معدلات البطالة. ولذلك على الشركات التوجه بقوة للتصدير وعلى الحكومة دعم ذلك التوجه من خلال برنامج متكامل وفعال تحت شعار «التصدير هو الحل».

عمر الشنيطى
3 - مايو - 2014
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق"

No comments:

Post a Comment