Sunday, December 2, 2012

الأبعاد الثلاثية للقرارات الاستراتيجية

اتخد الرئيس مرسى منذ توليه العديد من القرارات، منها ما هو إجرائى ومنها ما هو إستراتيجى. وبما أنه أول رئيس منتخب بعد الثورة، يتوقع منه أن يتخذ العديد من القرارت الاستراتيجية التى يغلب عليها الطابع الاقتصادى كجزء من برنامجه الاصلاحى. ولكن هذه القرارات، هى قرارات معقدة لها ثلاثة أبعاد: اقتصادية واجتماعية وسياسية. لذلك فالتركيز على بُعد واحد فى اتخاذ هذه القرارات واهمال الأبعاد الأخرى هو أمر شديد الخطورة سيؤدى حتماً الى فشل هذه القرارات.

عندما ينظر السياسيون والاقتصاديون لقرارات كقرض صندوق النقد، أو رفع الدعم، أو زيادة الضرائب أو إسقاط الديون عن الفلاحين، لابد أن يحللوا الثلاثة جوانب:
أولاً: الجانب الاقتصادى، لابد من النظر الى تكلفة هذه القرارات ومردودها على إيراد الموازنة وطبيعة الطلب على المنتجات وآثارها على وضع الدولة المالى.
ثانياً: الجانب الاجتماعى،  يجب معرفة قدرة الفئات المتضررة على تحمل آثار القرارات الى جانب أثر القرارات على نمط الاستهلاك فى المجتمع.
ثالثاً: الجانب السياسى، يجب مراعاة مواقف التيارات والاحزاب السياسية ومدى تقبل الرأى العام لحكمة القيادة السياسية وتداعيات هذه القرارات على تشكيل الخريطة السياسة.

رصد وتحليل هذه الجوانب الثلاثة المتشابكة والتعامل معهما بتوازن وحكمة هو صمام الأمان لضمان اتخاذ القرار الصائب. ولتوضيح أهمية الأبعاد الثلاثية، يمكننا أن نقارن بين قرارين تم اتخاذهم من قبل الرئيس، الأول خاص بإسقاط الديون عن الفلاحين والثانى خاص بزيادة الضرائب.
فى الحالة الأولى: اتخذ الرئيس قرار بإسقاط الديون عن 45 ألف فلاح ثم تم تعديله لإسقاط جزء من هذه الديون. إذا نظرنا الى الجانب الاقتصادى فإن هذا القرار ليس جيداً، اذ تتحمل الحكومة نصف عبء هذه الديون ويتحمل الجزء الآخر بنك التنمية والائتمان الزراعى. كذلك من الناحية البنكية، فإن هذا القرار يفتح الباب لفكرة إسقاط الديون أو إعفاء المتعثرين وهو ما يهدد النظام البنكى. ولكن من الناحية الاجتماعية، جاء هذا القرار ليُعلى فكرة العدالة الاجتماعية ويرفع الضغط عن قطاع الفلاحين الذين كانوا فى معاناه شديدة. ومن الناحية سياسية، كان هذا قراراً ذكياً لكسب ود 45 ألف أسرة أغلبهم فى محافظات التى لم يفوز بها. فعلى الرغم من ان هذا القرار الاقتصادى ليس الأمثل، الا أنه كان قراراً سياسياً واجتماعياً شديد الامتياز.

فى الحالة الثانية: اتخذ الرئيس قراراً بفرض ضرائب ودمغات على بعض المنتجات. من الناحية الاقتصادية، الميزانية فى حالة عجز وتحتاج الدولة لتعظيم إيرادتها. بالإضافة الى ان بعض السلع التى زادت عليها الضرائب هى سلع كمالية لاتؤثر على الطبقات الفقيرة، لذلك فالقرارت من الناحية الاقتصادية فى مجملها قرارات جيدة.
ولكن إذا نظرنا للجانب الاجتماعى، سنجد أن التضخم حتماً سيؤثر بشكل كبير على الطبقات الفقيرة حيث ان الكثير من الدمغات المفروضة سترفع، بشكل غير مباشر، السعر النهائى للسلع والخدمات. كما أدى الترويج لاقتصار هذه الضرائب على "السجائر والخمور"، الى تعميق ظاهرة الاستقطاب فى التحليل.
أما على الجانب السياسى، فلا يمكن ان يكون هناك توقيت أسوأ للإعلان عن هذه القرارات. بالإضافة الى عدم الشفافيه فى شرح القرارات منذ البداية ثم تجميدها بعد ساعات. فعلى الرغم من صحة القرار الاقتصادى الا ان البعدين الاجتماعى والسياسى غابا عن المشهد وأفشلا القرار فى النهاية.

وبناءاً على ذلك، فلابد من النظر بعين الاعتبار للأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية معاً قبل اتخاذ مثل هذه القرارات الاستراتيجية فى المستقبل، مع التركيز على الإخراج الجيد للقرار، لتجنب الاضطرابات الناتجة عن هذه القرارات. فحكم الدول يحتاج إلى الحكمة و التوازن.

عمر الشنيطي
٢-ديسمبر- ٢٠١٢


نُشر هذا المقال فى "جريدة الوطن"



No comments:

Post a Comment