مرت ثلاثة أسابيع على مؤتمر مصر الاقتصادي الذي أقيم في شرم الشيخ
والذي تم الإعلان فيه عن حزم من المساعدات الخليجية أغلبها في صورة استثمارات
وكذلك تم الإعلان عن استثمارات كبيرة. لكن بعد أيام من المؤتمر، بدأت الحرب في
اليمن. كما شهد الأسبوع الماضي في شرم الشيخ أيضا القمة العربية والتي كانت تتمحور
حول حرب اليمن مع الإتفاق على تكوين قوة عربية مشتركة لمحاربة الإرهاب. وهذه
التطورات تضفي بأثرها على الاقتصاد المصري وتجعل الصورة المتفائلة التي نتجت عن
المؤتمر في حاجة إلى تعديل.
بعد أربعة أعوام من الاضطراب السياسي والاقتصادي، بدأ الاقتصاد في
إظهار بعض المؤشرات الإيجابية في النصف الأول من العام المالي الحالي من حيث
ارتفاع معدلات النمو وانخفاض عجز الموازنة. وعلى الرغم من الصورة الإيجابية إلا
أنها تبدو غير مستدامة إذا لم تتدفق الاستثمارات الأجنبية سريعا. وخرج المؤتمر في
صورة إيجابية بالإعلان عن إتفاقيات ومذكرات تفاهم بعشرات المليارات من الدولارات
وكذلك الإعلان عن دعم خليجي كبير ومتساوي بين السعودية والإمارات والكويت في إشارة
سياسية لها دلالتها مما أعطي شهادة ثقة كبيرة للاقتصاد المصري أمام المستثمرين وبث
روحاً إيجابية محلياً ودولياً.
لكن مع بدء حملة عاصفة الحزم العسكرية من قبل قوات التحالف التي
تقوده السعودية وتشارك فيه مصر في ظل مشاركة ودعم عربي واسع، فإن النظرة المتفائلة
للاقتصاد المصري على المدى القصير قد تحتاج لتعديل. فوضع الاقتصاد وقدرته على
التعافي والنمو مرتبطة بلا شك بالوضع السياسي محلياً وإقليمياً خاصة حينما يتحول
الوضع من مجرد خلافات سياسية في دولة ما إلى حرب لها أبعاد إقليمية عديدة ستؤثر
بلا شك على استعداد المستثمرين للمضي قدما في الاستثمار في مصر. ويمكن في هذا
الصدد التعليق على ثلاثة أنواع من المستثمرين:
الأول: المستثمر الخليجي:
كان الدعم الخليجي منذ ٣٠ يونيو طوق نجاة للاقتصاد المصري. لكن مع
انخفاض أسعار البترول لقرابة النصف خلال ٢٠١٤ أصبحت الدول الخليجية الداعمة لمصر
تعاني من عجز في موازناتها مما يقلل من قدرتها على دعم الاقتصاد المصري. لكن
الفوائض المالية المتراكمة في دول الخليج تجعلها تستطيع مواكبة هذا الانخفاض
والاستمرار في دعم الاقتصاد المصري لكن بمنهج حذر وفي صورة استثمارات وقروض في
الأساس بدلا من المنح التي لا ترد وشحنات المواد البترولية. وهذا التحول سيؤثر على
سرعة تدفق هذا الدعم وكذلك سيجعله عرضة للتقلبات السياسية في المنطقة.
الجديد مؤخرا هو الحرب في اليمن والتي تشارك فيها بلدان الخليج
الداعمة لمصر وعلى رأسها السعودية والتي اعتبرت الحرب في اليمن مسألة حياة أو موت.
وهذه الحرب وما يمكن أن تؤول له تجعل مسألة الاستثمار في مصر على المدى القصير
ليست أمرا ذا أولوية بيد أن مشاركة مصر في التحالف والذي من المتوقع أن يتطور إلى
مشاركة برية قد يؤدي إلى إعفاء مصر من مليارات من الدولارات التي تدين بها لدول
الخليج كما حدث عقب حرب الخليج. كما يمكن أن تؤدي المشاركة إلى مضاعفة الاستثمارات
الخليجية في مصر بعد الحرب مما يحد من آفاق الاستثمارات الخليجية في مصر على المدى
القصير لكن يضاعفها بعد انتهاء الحرب.
الثاني: المستثمر الأوروبي:
بالنسبة للمستثمر الغربي سواء كان أوروبيا أو أمريكيا، فإن مصر
يُنظر لها على أنها جزء من منطقة الشرق الأوسط ولا يمكن فصلها عما يحدث في
المنطقة. والنظر للبلد كوجهة استثمارية على أنها جزء من منطقتها تجلى بشكل واضح في
حالة كوريا الجنوبية والتي على الرغم من صلابة اقتصادها في التسعينيات إلا أنها
عانت بشدة إبان الأزمة الاقتصادية التي ضربت جنوب شرق آسيا في نهاية التسعينيات
مما جعل المستثمرين يحجمون عن أسواق جنوب شرق آسيا بشكل عام بما فيها كوريا
الجنوبية. وعلى نفس المنوال، فإن ما يحدث في المنطقة من اضطرابات في ليبيا والعراق
وسوريا والآن اليمن سيكون له أثرا على رؤية المستثمرين عن المنطقة بشكل عام بما
فيها مصر. وقد يؤدي ذلك لتأخر الاستثمارات الغربية في أغلب القطاعات وكذلك في
البورصة المصرية. لكن قد يستثنى من ذلك الاستثمارات في قطاع الطاقة خاصة توليد
الكهرباء والتي تم الإتفاق عليها بالفعل وجاري العمل عليها خاصة أن الحكومة
المصرية هي المشتري النهائي والضامن لتلك المشروعات.
الثالث: المستثمر المصري:
كان التصور المنتشر أن الاستثمارات الأجنبية ستتدفق على البلد
وسيكون لها أثرا كبيرا في تحريك عجلة الاقتصاد مما يفتح مجالات مختلفة للمستثمرين
المصريين. وقد عزز المؤتمر هذا التصور بشكل كبير لكن بعد المؤتمر بعدة أسابيع بدأ
الناس إدراك أن تحول مذكرات التفاهم إلى استثمارات على الأرض سيتطلب بعض الوقت.
وإذا أخذنا في الإعتبار التوجه الحكومي بإطلاق مشروعات قومية كبيرة مثل قناة
السويس وتمويل مثل هذه المشروعات محليا من خلال شهادات استثمار محلية تمتص
السيولة، فإن قدرة المستثمر المصري في الحصول على تمويل محلي لمشروعاته محدودة
نسبياً. كما يواجه المستثمر المصري تحديا في توفير العملة الصعبة لتمويل عمليات
الاستيراد اللازمة سواء لأغراض استهلاك محلي أو تصنيع. وهذه العوامل تؤدي إلى
تباطؤ استثمارات المستثمرين المصريين بعض الشيء.
الخلاصة أن شهادة الثقة الكبيرة التي حصل عليها الاقتصاد المصري في
المؤتمر قد لا تتحول لاستثمارات حقيقية في القريب العاجل بسبب الظروف الإقليمية
كحرب اليمن والحرب على الإرهاب. المستثمر الخليجي سيكون بطيئا في التحرك حتى تنتهي
الحرب وتستقر المنطقة. ومن المتوقع أن يحذو المستثمر الغربي حذوه بإستثناء
إستثمارات توليد الكهرباء المتفق عليها بالفعل والمضمونة من الحكومة. لكن هذه
الحروب الإقليمية من ناحية أخرى قد تؤدي إلى إعفاء مصر من ديون خارجية كبيرة بعد
الحرب وكذلك المزيد من المساعدات الخليجية كما حدث بعد حرب الخليج. وفي ظل هذه
التطورات قد يكون من المفيد أن تعمل الحكومة على إيجاد حلول محلية معتمدة على
المستثمر المصري على المدى القصير حتى تستقر المنطقة.
عمر الشنيطى
04 - إبريل - 2015
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق وموقع CNN بالعربية"
No comments:
Post a Comment