Saturday, February 8, 2014

هل تعبر البورصة عن حالة الاقتصاد؟

يؤثر الوضع الاقتصادي على عوام الناس حيث يحدد مستوى معيشتهم، لذلك يتطلع الناس للتعرف عما إذا كان المستقبل يحمل الأفضل أم الأسوأ. ولعدم معرفتهم بالمؤشرات الاقتصادية، يلجأ عامة الناس لمتابعة البورصة على أنها مقياس لحالة الاقتصاد، خاصة مع سهولة الوصول لأخبار البورصة ومتابعة القنوات الإعلامية المختلفة لأدائها بشكل يومي. لكن هل مؤشر البورصة مقياس جيد لحالة الاقتصاد؟ قد تكون الإجابة واضحة للعاملين والمستثمرين في البورصة، لكنها قد تخفى على عامة الناس الذين يسمعون عن صعود وهبوط البورصة بشكل يومي ولا يستطيعون ترجمة ذلك بشكل منطقي، خاصة في ظل التوظيف السياسي لكل ما يحدث في البلد بما فيه الاقتصاد.
 
الشركات عادة ما تكون ملكيتها مقسمة على مجموعة من الأسهم، يمتلك كل شريك نسبة من هذه الأسهم تساوي ملكيته في الشركة. بطبيعة الحال، يرغب المستثمرون من وقت لآخر في بيع أسهمهم في شركة معينة لأهداف شخصية أو لاستخدام العائد لشراء أسهم في شركات أخرى. ويأتي دور البورصة كسوق لتبادل أسهم الشركات العامة المقيدة في البورصة، بين المستثمرين الراغبين في البيع والشراء. ويعتبر مؤشر البورصة هو مقياس لمتوسط أسعار الأسهم في السوق في لحظة معينة. فإذا ارتفع الطلب على شراء الأسهم، ترتفع بالتبعية أسعار الأسهم ويرتفع بذلك مؤشر السوق، ويحدث العكس في حالة إنخفاض الطلب على الأسهم. ولذلك فمؤشر البورصة يعكس مستوى الطلب على شراء الأسهم والاستثمار في الشركات العامة. ويتأثر مستوى الطلب على الأسهم بعدة عوامل يمكن تلخيصها فيما يلي:
 
أولا: الوضع السياسي: فوجود اضطراب سياسي وأمني خارج عن السيطرة يؤثر سلبا على البورصة حيث يعتقد المستثمرون أن ذلك سيؤدي إلى إنخفاض أرباح الشركات المدرجة في البورصة ولذلك ينخفض الطلب على الأسهم وينخفض مؤشر البورصة. بينما وجود إنتخابات نزيهة وإنتقال سلمي للسلطة من طرف لآخر دوريا يدعم الطلب على الأسهم ويؤدي إلى ارتفاع مؤشر البورصة.
 
ثانيا: الوضع الاقتصادي: فوجود أخبار عن النمو الاقتصادي والرواج التجاري المتوقع تنبئ بارتفاع أرباح الشركات وبالتالي يزيد الطلب على الأسهم ويرتفع مؤشر البورصة. بينما تراجع النمو الاقتصادي يدفع المستثمرين لبيع أسهمهم تحسبا لإنخفاض أرباح الشركات وبالتالي قيمة الأسهم.
 
ثالثا: سياسات الحكومة: فتنبي الحكومة سياسة مالية توسعية بزيادة الإنفاق تعني إحتمالية زيادة أرباح الشركات فيزيد الطلب على الأسهم ويرتفع مؤشر البورصة. بينما تبني سياسة إنكماشية يؤدي إلى العكس. كما أن الحكومة قد تصدر قرارات تؤثر إيجابا أو سلبا على قطاعات بعينها. ففرض ضريبة جديدة على السجائر، على سبيل المثال، يؤثر سلبا على الطلب على أسهم الشركات في هذا المجال بسبب توقع إنخفاض أرباح الشركات في هذا القطاع. بينما قد تتأثر شركات الحديد والصلب إيجابا في حالة منع الحكومة استيراد الحديد من الخارج مما يؤدي إلى ارتفاع أرباح شركات الحديد والصلب المحلية ورفع الطلب عليها وعلى القطاعات المرتبطة بها.


رابعا: سياسات البنك المركزي: فحينما يتبنى البنك المركزي سياسة نقدية توسعية بخفض سعر الفائدة على الإقتراض أو إتباع سياسة التيسير الكمي بطباعة النقود وإستخدامها لشراء سندات حكومية فإنه بذلك يزيد المعروض من النقد ويخفض تكلفة الإقتراض على المستثمرين مما يدفع الطلب على الأسهم في السوق ويؤدي إلى ارتفاع مؤشر البورصة.

خامسا: الشعور العام في السوق: فإنتخاب مرشح يشعر مجتمع الأعمال بقدرته على تحسين الوضع الاقتصادي أو حدوث تغيير سياسي على هوى المستثمرين يرفع الطلب على الأسهم وبالتالي مؤشر البورصة إيمانا من المستثمرين بأن ذلك سيعمل على إنعاش الاقتصاد وبالتالي ارتفاع الأرباح المستقبلية للشركات العاملة في السوق. وبطبيعة الحال، يحدث عكس ذلك إذا كان الشعور العام سلبيا تجاه مرشح أو حدث سياسي بعينه.
 
سادسا: تحركات كبار المستثمرين: على الرغم من وجود عدد كبير من المستثمرين في السوق إلا أن المستثمرين الكبار لهم وزن نسبي أكبر. فدخول مستثمرين كبار جدد يزيد من السيولة في السوق ويؤدي إلى ارتفاع أسعار الأسهم. بينما رغبة بعض المستثمرين الكبار، خاصة المؤسسات المالية، في جني الأرباح في فترات معينة يؤدي إلى انخفاض أسعار الأسهم.
 
سابعا: نتائج الشركات: حينما تكون نتائج أعمال الشركات إيجابية أو على وجه الدقة أفضل من المتوقع، فإن ذلك يزيد الطلب على هذه الأسهم ويؤدي إلى ارتفاع مؤشر البورصة، خاصة إذا كانت هذه الشركات من الشركات الرائدة في السوق.
 
ولذلك فإن حركة مؤشر البورصة صعودا وهبوطا قد تكون مدفوعة بعدة عوامل والتي قد تتشابك مع بعضها البعض، مما يجعل مؤشر البورصة ليس مقياسا دقيقا لحالة الاقتصاد الكلي .لكن حركة مؤشر البورصة قد تكون مقياسا جيدا للشعور العام في مجتمع الأعمال تجاه التغيرات والقرارات المختلفة وتعكس وجهة نظر مجتمع الأعمال في أثر هذه القرارات على حالة الاقتصاد وربحية الشركات مستقبليا. وإذا نظرنا لأداء مؤشر البورصة المصرية في السنوات الثلاثة الأخيرة (كما هو موضح في الرسم البياني الأول والثاني)، سنجد أن المؤشر كان في حالة تذبذب بسبب الوضع السياسي المضطرب، كما سنلحظ أن الارتفعات والإنخفاضات كانت مدفوعة بالأحداث السياسية في المقام الأول مقارنة بالعوامل الأخرى التي سبق ذكرها.
 
الخلاصة أنه يجب التعامل مع صعود وهبوط البورصة على أنه إنعكاس لرؤية قطاع الأعمال للوضع العام وكردة فعل للأحداث والقرارات المختلفة وليس على أنه مقياس دقيق لحالة الاقتصاد الكلي. فليس من المنطقي أن تصعد البورصة ليوم فنقول أن الاقتصاد يتعافى، ثم تهبط في اليوم التالي فنقول أن الاقتصاد يترنح.





عمر الشنيطي
2 فبراير 2014
نُشر هذا المقال على موقع "مصر العربية"

No comments:

Post a Comment