Tuesday, February 4, 2014

هل يتعافى الاقتصاد أم ينهار؟

فى ظل الاستقطاب الحاد الذى تشهده مصر بين فريق «مصر أم الدنيا» وفريق «الانقلاب يترنح»، يتبارى كلا الفريقين فى إقحام أداء الاقتصاد فى هذا الجدل. فالفريق الأول دائم الحديث عن التعافى الكبير الذى شهده الاقتصاد مؤخرا والمستقبل المبهر الذى ينتظر الاقتصاد المصرى، بينما لا يمل الفريق الثانى من التأكيد على أن الاقتصاد انهار بالفعل ويستخدم كلا الفريقين مجموعة من المؤشرات الاقتصادية المختلفة لإثبات وجهة نظرهما مما يؤدى إلى إرباك عوام الناس الذين فقدوا القدرة على تكوين وجهة نظر منطقية عن حقيقة الوضع.

لذا ردا على الفريق الأول، فإنه فى ظل الوضع الحالى، علينا أن نعترف بأن الاقتصاد المصرى ليس فى أحسن أحواله وأدائه الكلى ضعيف وليس من المنطقى افتراض غير ذلك. فالنمو الاقتصادى الحقيقى والمستدام لا يمكن أن يحدث بدون استقرار سياسى وأمنى وهو أبعد ما يكون عن الوضع الحالى. وقد انعكس ذلك على بعض المؤشرات الكلية مثل التضخم والنمو فى الناتج المحلى وغيرها من المؤشرات التى تأثرت سلبا بالوضع السياسى. وليس من الغريب توقع إحجام المستثمرين محليا وعالميا عن الاستثمار فى مصر على المدى القصير حتى تستقر الأوضاع وهو ما يوضحه مستوى الاستثمار الأجنبى المنخفض فى الفترة الحالية. كما أن القطاع السياحى، صاحب الدور المحورى فى الاقتصاد، لم يتعاف بعد وما زال يعانى من أثر الاضطراب السياسى والأمنى. لذلك ليس من المنطقى فى ظل الوضع الحالى الحديث عن المستقبل المبهر للاقتصاد.

على الرغم من ذلك وردا على الفريق الثانى، فإن الحديث عن الانهيار الاقتصادى يعتبر خارجا عن السياق بسبب مجموعة من العوامل تمنع حدوث ذلك والتى يأتى على رأسها المساعدات الخليجية الكبيرة التى وصلت إلى ٢٥ مليار دولار من السعودية والإمارات والكويت لمساعدة مصر فى تحمل تكلفة المرحلة الانتقالية الجديدة وكذلك وديعة حرب الخليج البالغة قرابة ٩ مليارات دولار. وهذان العاملان لديهما القدرة على سد جزء كبير من عجز الموازنة بشكل استثنائى. بالإضافة لذلك، تستطيع الحكومة التوسع فى الاقتراض المحلى حيث إن نسبة الدين المحلى للناتج القومى لا يزال فى مستوى ٨٠٪ مما يعطى حيزا لزيادة الاقتراض. كما أن سياسة التيسير الكمى، والتى تقتضى بطباعة كمية كبيرة من النقود واستخدامها للاكتتاب فى السندات الحكومية، تعطى الحكومة أداة أخرى لتمويل احتياجاتها. ولذلك فإن الحديث عن الانهيار الاقتصادى غير دقيق حتى فى ظل وضع الاقتصاد الحرج.

بشكل موضوعى، يمكن القول إن الاقتصاد لم يتعاف بعد كما يدعى الفريق الأول ولم ينهر بعد كما يدعى الفريق الثانى، ولكنه فى الواقع يشهد تحسنا بطيئا بسبب سياسة الحكومة التوسعية والإجراءات الاستثنائية. فالحكومة تنتهج سياسة توسعية لدفع حركة الاقتصاد وخلق فرص عمل، حيث تعمل من خلال السياسة المالية على زيادة الإنفاق مستعينة بالمساعدات الخليجية ووديعة حرب الخليج. أما على صعيد السياسة النقدية، فيعمل البنك المركزى على تخفيض الفائدة لتحفيز الاستثمار وكذلك تبنى سياسة التيسير الكمى بزيادة طباعة النقود، حيث زاد المعروض من النقد فى السوق فى ٢٠١٣ بنسبة ٢٥٪، بينما لم تتجاوز هذه النسبة حاجز ١٣٪ فى الفترة بين ٢٠٠٩ و٢٠١٢. وهذه الزيادة بلا شك تعمل على تحريك السوق وسد احتياجات الحكومة التمويلية.

وقد تأخذ المؤشرات الكلية بعض الوقت لرصد هذا التحسن المحدود بسبب طبيعة هذه المؤشرات والتى تقيس الأداء بعد فترة من حدوثه. لكن يظهر التحسن بشكل أسرع فى مستوى أسعار الأصول المختلفة من عقارات وأسهم فى البورصة وهو ما تؤكده بعض المؤشرات الجزئية مثل ارتفاع مؤشر عقار ماب، المختص بقياس حجم الطلب على العقارات فى السوق المصرية، لخمسة أشهر على التوالى بعد أحداث ٣٠ يونيو. كما واصل مؤشر البورصة المصرية فى الارتفاع منذ ٣٠ يونيو حتى إنه عاد لمستويات ما قبل ثورة ٢٥ يناير. وصعود هذه المؤشرات يعكس أثر السياسة التوسعية على مستوى أسعار الأصول المختلفة وكذلك النظرة التفاؤلية النسبية فى السوق.
لكن هذه الأخبار الإيجابية لا تنفى وجود علامات استفهام كبيرة عن مدى استدامة هذا التحسن النسبى. فالمساعدات الخليجية الكبيرة والتى كان لها أثر فارق من المرجح أن تستمر، لكن من الصعب بقاءها على نفس المستوى المرتفع. كما أن الوضع السياسى والأمنى لا يزالان فى تدهور مستمر منذ ٣٠ يونيو والأمل فى الوصول لتسوية سياسية عادلة أصبح بعيدا مما يهدد بعدم حدوث استقرار حقيقى على المدى القصير وربما المتوسط. من ناحية أخرى، يؤدى الوضع السياسى والأمنى المضطرب إلى إحجام الاستثمارات الخاصة طويلة الأمد، سواء المحلية أو الأجنبية، لفترة قد لا تكون قصيرة. وهذه العوامل المختلفة تثير القلق حول مدى استدامة التحسن، مما يجعل هذا التحسن مصطنعا وقليل الأثر على المدى المتوسط والبعيد.

الخلاصة أن الاقتصاد لم يتعاف بعد كما يزعم مؤيدو النظام ولم ينهر بعد كما يؤكد معارضو النظام، لكنه فى الحقيقيين يشهد تحسنا نسبيا بسبب سياسة الحكومة التوسعية من خلال زيادة الإنفاق الحكومى وخفض سعر الفائدة وتبنى سياسة التيسير الكمى بطباعة النقود وتمويل عجز الحكومة. كما أن الإجراءات الاستثنائية كالمساعدات الخليجية السخية ووديعة حرب الخليج المنسية تساعد فى دفع ذلك التحسن. وهذا التوجه قد أدى إلى رواج فى سوق العقارات والبورصة مؤخرا ومن المتوقع أن ترصد المؤشرات الكلية لاحقا هذا التحسن النسبى. لكن فى ظل غياب تسوية سياسية عادلة وحالة الاضطراب السياسى والأمنى، فإن هذا التحسن النسبى يظل مصطنعا وغير مستدام.

عمر الشنيطي
4 فبراير 2014
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق"

No comments:

Post a Comment