Saturday, January 25, 2014

نحو نمو واقعى ومتوازن

النظر في أرقام الاقتصادي المصري الكلية من حيث مقياس جيني المختص بقياس مستوى العدالة في توزيع الدخل على الشرائح المختلفة في المجتمع وكذلك متوسط مستوى دخل الفرد في السنوات التي سبقت ثورة ٢٥ يناير ومقارنة مصر ببعض دول أمريكا اللاتينية صاحبة التجارب الرائدة في العدالة الإجتماعية يوضح أن مستوى توزيع الدخل في مصر أكثر عدالة من البرازيل والأرجنتين، بينما متوسط دخل الفرد في مصر يقف عند حوالي ربع مستوى الدخل في البرازيل والأرجنتين. وهذا يعني أن المشكلة في مصر ليست في العدالة الإجتماعية وتوزيع الدخل، لكنها تكمن في انخفاض مستوى دخل الفرد في المقام الأول (كما سبق شرحه بالتفصل في مقال سابق، يمكن مراجعته في الرابط الأول)
 
كما أن النظر لهيكل المصروفات الحكومية يوضح أن ٧٧٪ من إجمالي المصروفات تذهب لثلاثة بنود رئيسية هي الرواتب والدعم وخدمة الدين ومن الصعب إجراء تغيرات في هذه البنود على المدى القصير مما يقلل من الحيز المالى المتاح للحكومة لتنشيط الاقتصاد ويزيد من الإعتماد على القطاع الخاص في دفع عجلة النمو وخلق فرص عمل. ولذلك فإن الأولى تبني سياسات تدفع النمو وترفع مستوى الدخل قبل الدفع في إعادة توزيع الدخل والذي قد يكون له أثرا سلبيا على المدى القصيرعلى من كانت هذه الإجراءات تهدف لتحسين وضعهم في الأساس.
 
وعلى الرغم من وجاهة الدفع بسياسات تحفيزية لتنشيط الاقتصاد إلا أن هذه السياسة قد لا تختلف ظاهريا عن توجه النظام قبل ثورة ٢٥ يناير مما يثير القلق حول الأثر السلبي لتبني مثل هذه السياسة. لكن يمكن الرد على ذلك بأن المشكلة الحقيقة ليست في تبني هذه السياسية على وجه التحديد وإنما تكمن في توغل الفساد وما يستتبعه من فقر. فالفساد المتوغل في جهاز الدولة الإداري والذي قد يصل لدرجة الفساد الممنهج يزيد من حدة الفقر ويمنع من وصول ثماره النمو للفقراء لمساعدتهم في الخروج من حيز الفقر المدقع. ولذلك فإن توغل الفساد العائق الأكبر ومن الضروري تبني برامج لمكافحة الفقر ومحاربة الفساد جنبا إلى جنب مع دفع النمو.
 
كما أن العديد من الأبحاث تشير إلى أن بناء المنظومة الاقتصادية في العقود الأخيرة فى الدول المتقدمة ثم النامية على أهمية الدفع بالنمو أولاً نتج عنها تحمل الفقراء وحدهم تبعات الأزمات المتعلقة بالدورة الاقتصادية وبالتالي زاد من معاناتهم. ومن المفيد النظر إلى الفقر على أنه قصور فى مجموعة المخرجات التى يستطيع الفرد الوصول إليها، وليس فقرا فى توافر الموارد المتاحة له أو فى توفير إحتياجاته الأساسية. فقد تكون الموارد متوفرة لكن لا يستطيع الفرد الحصول عليها ولذلك يدخل في دائرة الفقر. وقد أثبتت الدراسات وجود علاقة طردية بين نجاح مكافحة الفقر والنمو الاقتصادى كأهداف للسياسة المالية وذلك عن طريق ثلاثة قنوات أساسية للتكامل بين النمو وتحقيق العدالة.
 
أولا: العدالة التوزيعية للإنفاق، بحيث تستفيد منه كل فئة وكل منطقة جغرافية وفق درجة الإحتياج ولا يتم التركيز فقط على المناطق التي يسكن فيها أصحاب النفوذ والمصالح الاقتصادية. وتحقق ذلك يمكن إعتباره نوعا من التأمين الإجتماعى ضد بعض أنواع المخاطر التى لا يتوافر لها التأمين الخاص.
 
ثانياً: توافر شروط المساعدة على الخروج من الفقر في جوانب الإنفاق التى يستفيد منها الفقراء حتى تزال العوائق للحصول على موارد النمو وبالتالي تساعد الفقراء على أن يكونوا قوة إضافية للإنتاج فى المستقبل. ويأتي ذلك عن طريق العدالة فى توزيع الخدمات والبنية التحتية والنمو ذاته من ناحية، وتيسير إنتقال الأفراد بتكلفة مقبولة للعمل فى مناطق تركز النمو فى الأجل الأقصر من ناحيةً أخرى.
 
ثالثاً: مكافحة تسرب ثمار النمو وفرص المشاركة فيه من خلال غلق قنوات الفساد والتي تؤدي إلى فقدان الثقة فى المؤسسات، كما تؤدي إلى إستئثار الأغنياء بخدمات المؤسسات العامة بسبب عدم سعى المؤسسات المقدمة للخدمات العامة نفسها لتحقيق نفاذ الفقراء للخدمات، ومن ثم إفقارهم وإبعادهم بصورة أكبر لعدم توافر ضغوط تدفعهم لخدمة الفقراء.
 
وقد تستحق محاربة الفساد نظرة أعمق. فإدارة الدولة لمنع الفساد علم يقوم على إيجاد نظام متكامل للمسئولية والرقابة المتبادلة يضمن أن يكون أداء كل مؤسسة حكومية متابَع حتى أدنى مستويات المؤسسات وفق مؤشرات واضحة لقياس الرضا المجتمعى ووقوع المنافع على الفئات المستهدفة بها، بحيث لا يستقل أى طرف حكومى بالسطوة والقوة التى تحميه من طائلة القانون. بناءً على ما سبق، فإن محاربة الفساد تعتبر شرطا رئيسيا لمكافحة الفقر. ولذلك من الممكن تعريف النمو الواقعى المتوازن على أنه استراتيجية لتحقيق النمو تقوم على الدفع بقوانين تحفيزية لنشيط الاقتصاد وخلق فرص العمل مع تحقيق عدالة نفاذ المواطن إلى أدوات اكتساب المهارات وعدالة نفاذه للفرص المختلفة بما يضمن تحقق المساواة فى عوائد التنمية عبر كافة مناطق الريف والحضر، وعبر القطاعات المختلفة.
 
الخلاصة أن مستوى الدخل المنخفض في مصر وتباطوء النمو الاقتصادي وكذلك ضيق الحيز المالي المتاح للحكومة يلقي بعبء دفع عجلة النمو على كاهل القطاع الخاص ولذلك من الضروري على الحكومة  تبني سياسات تحفيزية لدفع النمو. لكن لا بد أن يواكب ذلك تبنيا لبرامج مكافحة الفقر عن طريق محاربة الفساد في المقام الأول والذي يحرم الفقراء من الإستفادة الحقيقية من الموارد المتاحة .ولذلك تحتاج الحكومة للدفع في إتجاه العدالة التوزيعية للإنفاق وتوافر شرط المساعدة على الخروج من الفقر في جوانب الإنفاق الحكومية وكذلك مكافحة تسرب ثمار النمو وفرص المشاركة فيه من أجل الوصول لنموذج واقعى ومتوازن للنمو.

عمر الشنيطي
25 يناير 2014
نُشر هذا المقال على موقع "مصر العربية"

No comments:

Post a Comment