Saturday, January 11, 2014

هل كانت المشكلة في العدالة الإجتماعية؟

بعد مرور ثلاث سنوات على ثورة ٢٥ يناير، ربما من المفيد النظر في حقيقة مطالب هذه الثورة. فقد خرج الناس في الشوارع مطالبين بالعيش والحرية والعدالة الإجتماعية مما يدل على تدهور الوضع الاقتصادي قبيل هذه الثورة خاصة للفئات الأكثر فقرا في المجتمع والتي كانت تشعر بالظلم الإجتماعي. ولذلك علت الأصوات المطالبة بالعدالة الإجتماعية حتى أصبح لا يخلو برنامج لحزب أو مرشح من قضايا مثل رفع الحد الأدني وفرض حد أقصى للأجور وكذلك فرض ضرائب تصاعدية وغيرها. لكن هل حقا كانت المشكلة في العدالة الإجتماعية؟
 
ويتم قياس مستوى العدالة الإجتماعية بناء على توزيع الدخل على الشرائح المخلتلفة في المجتمع. ويستخدم مقياس جيني الإحصائي (Gini Coefficient) في ذلك حيث يوضح مستوى توزيع الدخل على الشرائح المختلفة والحد الأدنى لهذا المقياس صفر(٠) حينما يحصل الجميع على نفس مستوى الدخل ويصل المجتمع للمساواة القصوى. بينما الحد الأقصى واحد (1) وهي حالة غياب التوزيع تماما وحصول  شخص واحد في المتجمع على كامل الدخل. من الصعب أن يسجل المقياس في الواقع الحد الأدنى أو الأقصى ولذلك يكون دائما أكثر من (0) وأقل من (1). وكلما ارتفعت قيمة هذا المقياس في المجتمع، كلما دل ذلك على غياب العدالة الإجتماعية في توزيع الدخل.
 
ما أن يبدأ الحديث عن العدالة الإجتماعية إلا ويتم الإستشهاد بتجارب دول أمريكا اللاتينية مثل البرازيل والأرجنتين. لكن إذا قمنا بمقارنة مصر بهذه الدول، نجد أن مقياس جيني في مصر في ٢٠٠٨ كان أقل من مستواه في البرزيل والأرجنتين (رسم بياني ١). والجدير بالذكر أيضا أنه في نفس العام قد حصلت الشريحة الأعلى من الدخل في مصر على حصة من الدخل أقل مما حصلت عليه نفس الشريحة في البرازيل والأرجنتين، بينما حصلت الشريحة الأقل من الدخل في مصر على حصة من الدخل أعلى مما حصلت عليه نفس الشريحة في البرازيل والأرجنتين (رسم بياني ٢). ولذلك نستطيع أن نخلص أن مستوى العدالة الإجتماعية في مصر أفضل من بعض دول أمريكا اللاتينية صاحبة التجارب الرائدة في العدالة الإجتماعية.
 
لكن إذا نظرنا من زاوية أخرى، نجد أن متوسط دخل الفرد في مصر يبلغ ربع متوسط دخل الفرد في البرازيل والأرجنتين (رسم بياني ٣). ومتوسط دخل الفرد هو مؤشر هام على القدرة الشرائية وانخفاضه  في مصر يعني أن الشريحة الأقل دخلا قد تحصل على نسبة من إجمالي الدخل أعلى من مثيلتها في البرازيل والأرجنتين، لكن ما تحصل عليه في المجمل يكون منخفضا بحيث أنه قد لا يكفي لتغطية الحاجات الرئيسية ولذلك قد لا تجد لقمة العيش فخرجت للمطالبة بالعيش قبل أية مطالب سياسية.
 
وللتبسيط يمكن تخيل عشرة أفراد معهم سلة بها عشرة أرغفة من العيش والحد الأدنى لسد الجوع هو رغيف واحد للفرد. في حال توزيع العيش على الأفراد، فإن متوسط نصيب الفرد سيكون رغيفا واحدا. لكن في حالة عدم تساوي التوزيع حتى ولو بنسبة بسيطة، فإن البعض سيحصل على ما دون الرغيف الواحد، ولذلك لا يستطيع سد جوعه. بينما إذا كانت السلة بها أربعين رغيفا وتم توزيعهم على العشرة أفراد وحتى بإفتراض التباين الكبير في التوزيع، فإن متوسط نصيب الفرد سيكون أربعة أرغفة ونصيب أقل فرد على الأرجح لن يقل عن رغيف واحد.
 
ولذلك فإن انخفاض مستوى الدخل هو المشكلة الحقيقية مقارنة بالعدالة الإجتماعية والتي انتشرت المطالبة بها منذ الثورة على الأرجح لسببين: الأول هو إنعدام الثقة في البيانات الرسمية بما فيها بيانات توزيع الدخل وزاد على ذلك ما تنشره تقارير أجنبية عن الثروت الطائلة لرموز نظام مبارك خارج البلد. كما أن ما رآه عوام الناس من البزخ من تلك الرموز قبيل إندلاع الثورة يؤكد وجود فجوة إجتماعية حقيقية حتى لو عجزت عن إدراكها البيانات الرسمية. أما السبب الثاني فهو مرتبط بالدور المحوري الذي لعبه التيار اليساري في الثورة والأهم من ذلك الإحتجاجات العمالية التي سبقت الثورة وكانت بمثابة تمهيدا لها، وهو ما فرض قضية العدالة الإجتماعية على الساحة حتى أصبح الجميع من بعدها يتبنى هذا التوجه.
 
إذا كانت المشكلة هي مستوى الدخل، فإن الأولى تبني سياسات تدفع النمو وترفع مستوى الدخل قبل الدفع في إعادة توزيع الدخل حيث أن الدفع بشراسة في إتجاه العدالة الإجتماعية خاصة في اقتصاد راكد يؤثر سلبا على مستوى النشاط الاقتصادي وفرص التوظيف والتي يتحكم فيها القطاع الخاص مما قد يؤدي إلى إضعاف وضع العمال والفئات الأكثر فقرا في المجتمع ويؤثر سلبا عليهم في النهاية، وإن كان ذلك لا ينفي أهمية الجهود المبذولة لتحسين وضع العمال والفئات التي تعاني في المجتمع .لكن يجب أن لا يتم ذلك بشكل يؤدي إلى هدم المعبد على من فيه، بما فيهم العمال.
 
الخلاصة أن مقارنة مصر ببعض دول أمريكا اللاتينية صاحبة التجارب الرائدة في العدالة الإجتماعية يوضح أن المشكلة في مصر ليست في العدالة الإجتماعية وتوزيع الدخل، لكنها تكمن في انخفاض مستوى الدخل. ولذلك من الضروري على التيارات السياسية ومتخذي القرار تبني سياسات اقتصادية تعمل على تحفيز النمو ورفع مستوى الدخل قبل الدفع بقوانين العدالة الإجتماعية والتي قد يكون لها أثرا سلبيا على المدى القصيرعلى من كانت هذه الإجراءات تهدف لتحسين وضعهم في الأساس





عمر الشنيطي
11 يناير 2014
نُشر هذا المقال على موقع "مصر العربية"

No comments:

Post a Comment