التغير فى أسعار البترول له آثار متباينة على دول العالم التى يمكن تقسيمها بين رابحين وخاسرين حينما تتغير أسعار البترول. ومصر لا تختلف فى ذلك عن دول العالم، فانخفاض أسعار البترول له آثار عديدة ومتباينة على الاقتصاد المصرى.
يُذكر أن سعر برميل البترول كان يقارب 110 دولار فى بداية العام، لكن الأسعار انهارت فى الأشهر الماضية لما دون 60 دولار للبرميل، خلافا لأغلب التوقعات. ويمكن تفسير ذلك بتراجع النمو العالمى مما خفض الطلب على البترول خاصة من الصين. وانخفاض الطلب قابلته زيادة غير متوقعة فى الإنتاج من العراق وليبيا. كما أن التوسع فى استخراج الغاز الصخرى فى أمريكا قد خفض من حاجتها لاستيراد البترول. كل هذه العوامل أدت بدورها لوجود زيادة فى المعروض مقابل الطلب مؤدية لانخفاض الأسعار.
فى مثل هذه الأحوال عادة ما تقوم الأوبك، منظمة اتحاد الدول المصدرة للبترول، بتخفيض إنتاجها للحفاظ على أسعار البترول. لكن ذلك لم يحدث؛ حتى إن بعض وزراء البترول بدول الخليج صرحوا بعدم التفكير فى خفض الإنتاج حتى وصول سعر البرميل إلى 40 دولار. ويفسر البعض ذلك بحاجة الأوبك للحفاظ على حصتها السوقية، بينما يفسره البعض الآخر بالرغبة فى إفلاس صناعة الغاز الصخرى التى لا تستطيع تحمل الأسعار المنخفضة لفترات طويلة. لكن مع سرعة انهيار الأسعار يبرز التفسير السياسى الذى يعزو الأمر للضغط الأمريكى على بعض دول الأوبك لخفض الأسعار للضغط على إيران وروسيا التى تأثر اقتصادها بشدة حيث فقدت العملة الروسية قرابة نصف قيمتها أمام الدولار، ومن المتوقع أن يشهد الاقتصاد الروسى انكماشا فى العام الحالى مع تصاعد عجز الموازنة.
يتوقع البعض أن تستمر الأسعار فى الانخفاض حتى تقوم الأوبك فى الربيع القادم بخفض الإنتاج لإستعادة الأسعار لمستويات مُرضية، بينما يرى البعض الآخر أن قدرة الأوبك على رفع الأسعار قد تلاشت حيث تمثل الأوبك ثلث الإنتاج العالمى فقط وهو ما يؤدى إلى احتمالية انخفاض الأسعار لفترة ممتدة. ولكن يصعب الترجيح بين أى من وجهات النظر السابقة نظرا لحدة وسرعة الانخفاض فى الأشهر الماضية، فى حين يبقى من المنطقى افتراض بقاء الأسعار على مستويات منخفضة خلال العام القادم مما يؤدى إلى آثار مختلفة على الاقتصاد المصرى يمكن تحديد سبعة أوجه رئيسية لها:
الأول: دعم المواد البترولية: انخفاض أسعار البترول يقلل من الدعم الحكومى للمواد البترولية. ومع قيام الحكومة برفع الدعم جزئيا عن المواد البترولية المختلفة الصيف الماضى، فإن بعض هذه المنتجات أصبح سعرها الحالى مقاربا للسعر العالمى وهو ما سيؤدى إلى تخفيض بند الدعم فى الموازنة وبالتالى خفض عجز الموازنة حيث يصل حجم الوفر لحوالى 50 ــ 70 مليار جنيه، بناء على بعض التقديرات.
الثاني: أرباح وضرائب قطاع البترول: يساهم قطاع البترول فى تمويل إيرادات الموازنة بما يقارب 90 مليار جنيه سنويا سواء من خلال أرباح القطاع أو دفع الضرائب. ومع انخفاض أسعار البترول ستتأثر ربحية قطاع البترول وكذلك حصيلة الضرائب من القطاع وهو ما سيؤثر بشكل سلبى على عجز الموازنة.
الثالث: الدين الحكومى: انخفاض عجز الموازنة سيؤدى إلى تخفيف الاقتراض من البنوك المحلية ولعل ذلك ما دفع وكالة «فيتش» لرفع تصنيف مصر الائتمانى مؤخرا مما سيؤدى إلى خفض سعر الفائدة وبالتالى بند خدمة الدين فى الموازنة بالإضافة إلى فتح الباب للاقتراض الخارجى.
الرابع: الصادرات والواردات البترولية: مصر مستورد صافى للمواد البترولية حيث إن ما تستورده منها أكبر مما تصدره. ومع انخفاض أسعار البترول ستنخفض الواردات بدرجة أكبر من انخفاض الصادرات وبالتالى سينخفض العجز المستديم بين ما يدخل للاقتصاد من دولار وما يخرج منه.
الخامس: السياحة: تأثر القطاع السياحى بشدة منذ الثورة وانخفضت أعداد السائحين بشكل عام إلا أن أعداد السائحين الروسيين شهدت نموا ملحوظا حيث زاد عددهم من 2.4 مليون فى 2013 لقرابة 3 مليون فى 2014. لكن مع انهيار الاقتصاد الروسى فإن أعداد السائحين الروسيين من المتوقع أن تنخفض مما سيؤثر على القطاع بشكل عام ومساهمته فى نمو الاقتصاد، كما أنه سيؤثر سلبا على ما يدخل للاقتصاد من دولار.
السادس: الدعم الخليجي: مع انخفاض أسعار البترول لما دون 60 دولار للبرميل، فإن الدول الخليجية الداعمة لمصر ستواجه عجزا وهو ما دفعها بالفعل لمراجعة ميزانياتها؛ مما سيؤثر على قدرة تلك الدول على دعم الاقتصاد المصرى. بالرغم من غزارة الدعم الخليجى لمصر إلا أن الفترة الأخيرة أوضحت تحول الدعم من مساعدات إلى استثمارات مباشرة تعول عليها الحكومة المصرية الآن. وعلى الرغم من الاحتياطيات المتراكمة فى دول الخليج إلا أن انخفاض إيرادات البترول تزامنا مع تكلفة الحرب على داعش قد تقلل من قدرة دول الخليج على ضخ استثمارات كبيرة فى مصر فى المستقبل القريب. هذا التراجع سيؤدى إلى صعوبة الخروج من الركود الاقتصادى وتحقيق معدلات نمو مرتفعة، بالإضافة إلى تقليل التدفقات الواردة من العملة الصعبة وبالتالى زيادة الضغط على الجنيه.
السابع: تحويلات المصريين بالخارج: شهدت تحويلات المصريين بالخارج زيادة كبيرة عقب الثورة لكنها ما لبثت أن تراجعت فى 2013/2014 ومن المتوقع أن تتراجع التحويلات بشكل أكبر مع انخفاض أسعار البترول ووجود عجز فى دول الخليج؛ وبالتالى أيضا زيادة الضغط على الجنيه.
الخلاصة أن انخفاض أسعار البترول له آثار متباينة على الاقتصاد المصرى حيث من المتوقع أن يكون التأثير إيجابيا على عجز الموازنة، بسبب انخفاض الدعم بدرجة أكبر من انخفاض أرباح وضرائب قطاع البترول، وهو ما سيساعد على السيطرة على الدين الحكومى وتحسين التصنيف الائتمانى. بينما من المتوقع أن يكون التأثير سلبيا على سعر صرف الجنيه، فعلى الرغم من انخفاض صافى الواردات البترولية إلا أن تراجع السياحة وتحويلات المصريين بالخارج والاستثمارت الخليجية سيكون بدرجة أكبر. كما أن تراجع الاستثمارت الخليجية سيؤثر على قدرة الاقتصاد على الخروج من فخ الركود.
عمر الشنيطى
27 -ديسمبر - 2014
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق و موقع CNN بالعربية"
يعنى التأثير فى الآخر هيبقى سلبي ولا إيجابي؟
ReplyDelete