Saturday, September 20, 2014

جولة فى عقل رجل أعمال

شهدت العقود الأخيرة فى مصر تحولات اقتصادية كبيرة، حيث كانت الدولة تلعب الدور الرئيسى فى تحريك الاقتصاد فى خمسينيات وستينيات القرن الماضى، ثم ما لبث أن تغير ذلك بانفتاح السبعينيات، والذى أعقبه فترة من التأرجح الاقتصادى حتى برز دور القطاع الخاص، وأصبح محوريا بداية من التسعينيات. وقد كان لثورة ٢٥ يناير وما بعدها من اضطرابات أثر بالغ فى زيادة القلق لدى رجال الأعمال والذين فضلوا التراجع والانتظار حتى تستقر الأوضاع، وهو ما انعكس على نسب النمو المتواضعة فى السنوات الثلاث الأخيرة. ومع وصول رئيس ذى شعبية جارفة لسدة الحكم، كان من المفترض أن ينتفض القطاع الخاص ليعاود نموه، لكن قد تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن، حيث إن حالة الترقب لم تنتهِ بعد وهو ما عبر عنه على استحياء العديد من رجال الأعمال البارزين فى مناسبات عديدة. وفى هذا الصدد تبرز العديد من الأسئلة الاستراتيجية التى تجوب فى عقول رجال الأعمال دون إجابات واضحة ومقنعة. ويمكن تلخيص هذه الأسئلة فى سبعة محاور رئيسية:

المحور الأول: الوضع السياسى:
محليا، هل ستحدث تسوية سياسية مع معارضى النظام تؤدى إلى استقرار سياسى وأمنى بشكل مستدام؟ وإذا لم تحدث تسوية، هل من المتوقع أن نشهد أعمال عنف واسعة تتبناها تنظيمات مسلحة؟ وما تأثير أعمال العنف على السياحة والاستثمار الأجنبى المباشر؟ وما أثر هذه الاضطرابات على معدلات النمو والبطالة؟
أما إقليميا، فما هى تداعيات ظهور تنظيمات مسلحة بشكل واسع مثل داعش؟ وما هو أثر الاضطرابات السياسية فى ليبيا؟ وهل ممكن أن تتدخل مصر عسكريا فى الصراع الليبى؟ وهل ممكن أن نتورط فى حرب إقليمية؟ وهل سيكون لذلك مردود اقتصادى إيجابى مثل حرب الخليج أم مردودا سلبيا مثل حرب اليمن؟
المحور الثانى: الطاقة:
ما خطة الحكومة لمواجهة أزمة الطاقة الحادة التى شهدتها مصر مؤخرا، والتى كان لها أثر سلبى كبير على القطاعات المختلفة خاصة الصناعية؟ وهل ستستطيع الحكومة زيادة إنتاج الطاقة بشكل سريع ومتوازٍ مع حجم الاستهلاك المتصاعد؟ وماذا سيكون أثر رفع أسعار الطاقة على الصناعات المختلفة؟ وهل سيؤثر ذلك على تنافسية الصناعات المحلية كثيفة الاستهلاك للطاقة؟
المحور الثالث: دور المؤسسة العسكرية:
ما دور المؤسسة العسكرية فى الاقتصاد؟ وهل التمدد فى الأنشطة الاقتصادية للمؤسسة العسكرية سيستمر أم أن ما يحدث مجرد ظاهرة وقتية؟ ما أثر مزاحمة المؤسسة العسكرية للقطاع الخاص؟ هل يستطيع القطاع الخاص منافسة المؤسسة العسكرية فى السوق؟ وما حجم مشاركة القطاع الخاص فى المشروعات الكثيرة التى تتم ترسيتها بالأمر المباشر من الحكومة للمؤسسة العسكرية؟
المحور الرابع: التعامل مع القطاع الخاص:
هل ستظل النظرة الدفينة من قبل الدولة والقائمين عليها للقطاع الخاص أنه قطاع غير وطنى ويعمل لمصلحته فقط؟ وهل سيظل رجال الأعمال مطالبين بالتبرع للدولة من وقت لآخر دون سابق إنذار؟ وهل هذه التبرعات نوعا من مطالبة رجال الأعمال بتطهير الذات من أخطاء الماضى الأليم؟ وإذا كانت هناك أخطاء ماضية، فلماذا لا يتم تسويتها رسميا وغلق صفحة الماضى بشكل قانونى؟ وإذا كانت الحكومة ترى رجال الأعمال محتكرين، فلماذا لا يتم تفعيل قوانين محاربة الاحتكار بشكل فعال؟ وإذا كانت تراهم مبالغين فى أرباحهم، فلماذا لا يتم زيادة الضرائب حتى تحد الحكومة من أرباح القطاع الخاص بشكل رسمى وواضح؟
المحور الخامس: المشروعات القومية:
هل سيتحول الوضع من الاعتماد على القطاع الخاص لتحريك الاقتصاد إلى الاعتماد على مشروعات قومية عملاقة تطلقها الحكومة بتمويل الأفراد؟ هل يمكن فعلا أن تطلق الحكومة هذا الكم الهائل من المشروعات القومية التى تتحدث عنها فى المستقبل القريب؟ ما أثر تمويل هذه المشروعات على السيولة فى القطاع المصرفى؟ وهل سيجد رجال الأعمال سيولة كافية وبفائدة منطقية لتمويل مشروعاتهم أم أن عليهم أن يدبروا التمويل اللازم من رءوس أموالهم بالكامل؟
المحور السادس: سعر الصرف:
ما مستقبل المساعدات الخليجية وكذلك الاستثمارت المرتقبة؟ ولماذا حدث تباطؤ فى المساعدات الخارجية مؤخرا؟ إلى متى سيصمد سعر صرف الجنيه فى ضوء الفجوة الكبيرة بين مصادر وموارد الاقتصاد من العملة الصعبة؟ وهل ستكون العملة الصعبة متوفرة فى السوق بشكل رسمى بحيث تستطيع الشركات متابعة أعمالها بسلاسة أم أن السوق الموازية للعملة ستتمدد وعلى الشركات التعايش مع ذلك؟
المحور السابع: الضرائب:
مع عجز الموازنة المتصاعد، هل ستلجأ الحكومة لرفع الضرائب بشكل كبير ومفاجئ فى الفترة المقبلة؟ وما أثر ذلك على ربحية الشركات؟ وهل هناك احتمال أن تلجأ الحكومة لفرض ضريبة استثنائية على ثروات رجال الأعمال الكبار؟ وكيف ستتعامل الحكومة مع رجال الأعمال المتأخرين فى السداد أو المعترضين على الضرائب المقدرة؟

الخلاصة أن الاقتصاد المصرى له سمات مميزة، كضخامة الاستهلاك المحلى واتساع القطاع غير الرسمى، تجعله قادرا على تحمل الأزمات الاقتصادية بشكل كبير وتجعل تعافيه أملا دائما. فما أن تستقر الأوضاع لأسابيع قليلة إلا ونسمع عن استثمارات من شركات محلية وكذلك رغبة من شركات أجنيبة للاستثمار فى مصر خاصة فى القطاعات الدفاعية، الأقل تأثرا بالأزمات الاقتصادية، مثل التعليم والصحة والأغذية. لكن هذه الأخبار الإيجابية لا تتحول سريعا لإنجاز على الأرض ولعل السبب فى ذلك هو عدم وضوح المشهد العام سياسيا واقتصاديا، والذى يدفع المستثمرين لتأجيل استثماراتهم حتى تتضح الرؤية مما يجعل من الضرورى إسراع الحكومة بتقديم إجابات واضحة ومقنعة على الأسئلة الكثيرة التى تراودهم. كما يجب استيعاب أن النمو المنشود من المشروعات القومية العملاقة، شديدة المخاطرة، قد يصاحبه تراجع من القطاع الخاص ومن ثم إبقاء الاقتصاد فى غياهب الركود، إذا ظلت هذه الأسئلة الإستراتيجية طويلا دون إجابات.




عمر الشنيطى

20 - سبتمبر - 2014
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق" و "موقع CNN  بالعربية"

No comments:

Post a Comment