ساهمت الدراما المصرية عبر العقود الأخيرة فى نشر الثقافة المصرية فى منطقة الخليج حتى أصبحت اللهجة المصرية مفهومة بشكل سهل وأصبحت النكات وقفشات الأفلام المصرية محل تكرار من الأشقاء فى الخليج.
لكن الدراما المصرية قد ساهمت فى نقل صورة غير مكتملة للمصريين عن المستثمر الخليجى. فالمتابع عبر العقود الأخيرة يجد أن الدراما المصرية عملت على رسم صورة ذهنية عن المستثمر الخليجى على أنه عجوز شديد الثراء وغير منطقى فى صرف الأموال. كما تشير الصورة التى يرسمها الإعلام المصرى مؤخرا إلى أن المستثمرين الخليجيين من أكبر المستثمرين فى مصر وأنهم ينتظرون فرص الاستثمار فى مصر بفارغ الصبر.
ونظرا لأهمية الدور المرتقب للاستثمارات الخليجية فى السنوات القادمة لانتشال الاقتصاد من الركود، فمن الضرورى رسم صورة صحيحة للمستثمر الخليجى بعيدا عن الصورة الذهنية المضللة. ويمكن فى هذا الصدد التعليق على خمسة ملامح رئيسية للصورة الذهنية السائدة:
أولا: المستثمرون الخليجيون لديهم ثروت طائلة
هذا تصور حقيقى حيث أدت عقود من تصدير البترول إلى تراكم ثروات طائلة فى دول الخليج سواء على مستوى العائلات المالكة أو المؤسسات السيادية أو الشركات العائلية. فعلى الرغم من عدم وجود بيانات دقيقة عن ثروات العائلات المالكة إلا أنه لا يمكن إغفال حجم ثرواتهم خاصة فى ضوء الأخبار المتناثرة عن شراء قصور وشركات ونوادى رياضية فى مختلف أنحاء العالم. كما أن مؤسسات الاستثمار السيادية الخليجية لديها مئات المليارات من الدولارات من عائدات النفط، فجهاز الكويت للاستثمار لديه ما يعادل ٥٠٠ مليار دولار بينما جهاز أبوظبى للاستثمار لديه قرابة تريليون دولار، طبقا لما يتم إعلانه. كما أن الشركات العائلية الخليجية الكبرى تمتد استثماراتها، التى تقدر بعشرات المليارات من الدولارات، عبر العالم.
ثانيا: المستثمرون الخليجيون أكبر المستثمرين فى مصر
على عكس ما يتصوره البعض، فإن المستثمرين الخليجيين ليسوا أكبر المستثمرين فى مصر حيث إن الاستثمارات الأجنبية فى مصر، البالغة ٥٠ مليار دولار فى فترة ٢٠٠٢-٢٠١١، جاء ما يزيد على ٨٠٪ منها من شركات أوروبية أو أمريكية والتى ركزت على قطاع البترول فى الأساس. لكن بعد الاضطرابات السياسية فى السنوات الأخيرة، فإن الاستثمارت الغربية قد تراجعت مقابل التوقع بزيادة الاستثمارت الخليجية خاصة على مستوى المؤسسات السيادية التى يرجع إقبالها لأسباب سياسية فى الأساس.
ثالثا: المستثمرون الخليجيون فى انتظار الاستثمارفى مصر بفارغ الصبر
الاقتصاد المصرى يتميز بعمق الاستهلاك المحلى ووجود فرص استثمارية متنوعة فى قطاعات دفاعية تتحمل الأزمات الاقتصادية مما يجعل الاستثمار فى مصر محل اهتمام دائم للمستثمرين الخليجيين الذين كانت تجاربهم الاستثمارية فى مصر إيجابية فى السنوات التى سبقت ثورة ٢٥ يناير. لكن من ناحية أخرى، فإن المستثمرين الخليجيين الكبار يعرض عليهم يوميا عشرات الاستثمارت المجزية فى كل أنحاء العالم، فى عصر يتسم بالتنافس الشرس بين الدول المختلفة لجذب المستثمرين، ولذلك فإن الاستثمار فى مصر سيخضع للمقارنة مع فرص فى دول أخرى. ومن الضرورى الإشارة إلى الاختلاف بين المؤسسات السيادية والشركات العائلية، فالمؤسسات الخليجية السيادية ومن خلفها العائلات المالكة الحليفة لمصر ستكون أكثر إقبالا على الاستثمار لدعم استقرار النظام فى مصر. أما الشركات العائلية، فإن معيارها الأساسى هو العائد المتوقع على الاستثمار مقابل المخاطر المتوقعة مما يجعل إقبالها أقل مما يروج له، خاصة فى ظل العديد من المشاكل التى تواجهها هذه الشركات فى مصر ولذلك ضمان استثمارها غير واقعى دون حل مشاكلها المعلقة وإعطائها مزايا كبيرة تدفعها على التوسع فى الاستثمار.
رابعا: المستثمرون الخليجيون يضخون كامل استثماراتهم من رءوس أموالهم
المستثمرون الخليجيون شأنهم كغيرهم لا يقومون بتمويل كامل مشروعاتهم من ثرواتهم الخاصة، بل يعملون على تنويع مصادر التمويل بشكل يرفع العائد المتوقع على الاستثمار. ويبرز فى هذا الشأن الاعتماد الكبير على الاقتراض سواء من خلال مؤسسات ائتمان الصادرات الأجنبية، التى تمول المشروعات التى تقوم شركات بلادها بتنفيذها خارجيا، أو من خلال الاقتراض المحلى. ولذلك فإن الاستثمارت الخليجية مرهونة بتحسن الوضع السياسى والأمنى لتشجيع مؤسسات إئتمان الصادرات الأجنبية لتمويل المشروعات الخليجية فى مصر وكذلك مرهونة بتوافر التمويل من البنوك المحلية بفائدة مجزية وهو ما يمثل تحديا كبيرا فى ظل التوسع فى تمويل عجز الموازنة والمشروعات القومية الكبرى عن طريق الاقتراض المحلى.
خامسا: المستثمرون الخليجيون بسطاء فى تفكيرهم وقدراتهم الاستثمارية
ولعل ذلك هو التصور الأكثر سذاجة واستخفافا. فربما لم تسنح الفرصة للأجيال الأولى من المستثمرين الخليجيين للحصول على تعليم جيد أو لتعلم لغات أجنبية، لكن هذا الوضع تغير بشكل ملحوظ فى العقدين الأخيرين. فالأجيال الجديدة فى الخليج سواء فى العائلات الحاكمة أو العائلات التجارية الكبرى أغلبهم تلقوا تعليمهم فى أمريكا أو أوروبا. ومع هذا التغير يأتى انفتاح المؤسسات السيادية والشركات العائلية الخليجية على الاستثمار فى كل أنحاء العالم والاستعانة بمديرين تنفيذيين من جنسيات متعددة وذوى خبرات عالمية وكذلك الاستعانة بشركات استشارات عالمية لمساعدتهم على إدارة استثماراتهم بشكل متميز قد لا تستطيع الشركات المصرية توفيره.
الخلاصة أن الاستثمارات الخليجية من المتوقع أن تلعب دورا كبيرا فى مساعدة الاقتصاد المصرى على الخروج من الركود، لكن الدراما المصرية، على الرغم من نجاحها فى العقود الأخيرة فى نشر الثقافة المصرية فى منطقة الخليج، نشرت صورة ذهنية مضللة فى كثير من ملامحها عن المستثمر الخليجى. فالأجيال الجديدة من المستثمرين الخليجيين أصبحوا أكثر كفاءة فى تمويل استثمارتهم وأكثر انفتاحا على الأسواق العالمية ولديهم مديرون ومستشارون ذوى خبرات عالمية مما يمكنهم من إدارة استثماراتهم الضخمة بشكل فعال ويجعل من الضرورى على من يروج للاستثمار فى مصر رسم صورة ذهنية صحيحة عنهم والعمل على تسوية المشاكل العالقة معهم وتوفير مزايا نسبية جاذبة لدفعهم على التوسع فى الاستثمار فى مصر.
عمر الشنيطى
4 - أكتوبر - 2014
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق"
No comments:
Post a Comment