ضمت منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية مصر لقائمة الدولة الهشة لأول مرة هذا العام فى تقريرها الصادر مؤخرا. وكما هو معتاد انقسم المعلقون إلى فريقين: الأول يدلل بذلك على أن الاقتصاد يترنح وفى طريقه للانهيار، بينما الثانى يعتبر هذا التقرير جزءا من نظرية المؤامرة الكونية على مصر. لكن بعيدا عن التوظيف السياسى، فإنه من المفيد النظر فى مفهوم الاقتصاد الهش وأسباب اعتبار الاقتصاد المصرى هشا وما يجب عمله للخروج من هذه القائمة الحرجة.
إذا نظرنا لقائمة الدول الهشة، نجد أنها تضم الدول التى يواجه اقتصادها تحديات تنموية كبيرة فى مسيرتها لمحاربة الفقر وغيره من الأهداف التنموية الكبرى. وتتسم هذه الدول بعدم استدامة إيرادتها الحكومية بشكل كبير، حيث تمثل إيرادات الضرائب المحلية نسبة ضئيلة من الناتج المحلى قد لا تتعدى ١٤٪ فى أغلب الأحوال، مما يزيد من اعتماد هذه الدول على موارد خارجية غير مستدامة مثل المساعدات والمنح سواء من دول أخرى أو من منظمات دولية وكذلك تحويلات العاملين بالخارج والاستثمار الأجنبى المباشر. هذه الموارد على الرغم من أهميتها فإنها لا تساهم فى تحقيق تنمية حقيقية وتجعل الاقتصاد أكثر عرضة للأزمات الاقتصادية على المدى المتوسط والبعيد.
تضم قائمة الدول الهشة فى التقرير الأخير لمنظمة التعاون الاقتصادى والتنمية ٥١ دولة يعيش بها ١٫٤ مليار نسمة، أى ما يمثل ٢٠٪ من إجمالى السكان فى العالم. ومن المتوقع أن تصل نسبة الفقر فى هذه الدول إلى ٥٠٪ بحلول ٢٠١٨، أى أن نصف سكان هذه الدول سيكون دخلهم أقل من ١٫٢٥ دولار يوميا. ومن الملاحظ أن أغلب الدول التى انضمت مؤخرا للقائمة مرت بصدمات سياسية كبيرة دفعت بها إلى حالة من الفوضى والعنف الداخلى، مما أدى إلى حالة من عدم الاستقرار السياسى وغياب فرص النمو الاقتصادى، والذى بدوره دفع هذه الدول للاعتماد على المنح والمساعدات بشكل كبير لمنع الاقتصاد من الانهيار، لكن أوقع اقتصاد هذه الدول فى فخ الاعتماد على مثل هذه الموارد غير المستدامة.
بناء على التوصيف السابق، فإن ضم مصر لقائمة الدول الهشة اقتصاديا على الرغم من كونه تطورا سلبيا فإنه متوقع إلى حد كبير بسبب تدهور الوضع السياسى منذ ثورة ٢٥ يناير. وقد إنعكس ذلك سلبا على الوضع الاقتصادى وبالتالى الحصيلة الضريبية للدولة، والتى كانت تمثل حوالى ١٤٫٩٪ من إجمالى الناتج المحلى فى الفترة بين ٢٠٠٧ و٢٠١١ لكن هذه النسبة فى انخفاض مؤخرا بسبب الوضع السياسى. وقد أدى ذلك بدوره إلى انخفاض الاعتماد على الضرائب كمصدر للتمويل وزيادة الاعتماد بشدة على تحويلات العاملين بالخارج والمساعدات والمنح، بينما لم تساهم الاستثمارات الأجنبية المباشرة، والتى كانت تتراوح بين ٧ و١٠ مليارات دولار فى السنوات التى سبقت ثورة ٢٥ يناير، فى دفع التنمية مؤخرا بسبب إحجام المستثمرين الأجانب عن الاستثمار فى مصر فى ظل الاضطراب السياسى الحالى.
تمثل المنح والمساعدات شريان الحياة للاقتصاد المصرى حيث تلقت مصر ١٢ مليار دولار فى العام المالى الماضى (٢٠١٢/٢٠١٣) من قطر وتركيا وليبيا، ثم تلقت مصر ٢٥ مليار دولار فى العام المالى الحالى (٢٠١٣/٢٠١٤) من السعودية والإمارات والكويت. وقد كان لهذه المساعدات دور كبير فى منع الاقتصاد المصرى من الانهيار، لكنها بطبيعة الحال زادت من اعتماد الاقتصاد على هذه المساعدات الخارجية وجعلته أكثر عرضة للأزمات الاقتصادية. وتشير العديد من الدراسات إلى أن مثل هذه المساعدات لا تساهم فى تحقيق تنمية مستدامة، لكنها فى حقيقة الأمر تذهب للإنفاق الاستهلاكى وسد الحاجات الأساسية للحكومة. كما أن العديد من الدراسات أشارت أيضا إلى أن ٨٠٪ من تحويلات المصريين بالخارج تذهب لإنفاق استهلاكى بحت، بينما ٢٠٪ تذهب لاستثمارت صغيرة لا تسهم بشكل فعال فى التنمية. لذلك فإن ارتفاع حجم المساعدات والمنح وكذلك تحويلات العاملين بالخارج قد منعت الاقتصاد من الانهيار، لكنها جعلته هشا.
على الرغم من قتامة الصورة والتى يؤكدها تقرير منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية فإن هذا الوضع يمكن تقويمه والحلول لذلك معروفة. ويكمن الخروج من هذا الوضع الهش فى خفض الاعتماد على الموارد الخارجية من مساعدات وتحويلات للعاملين بالخارج إلى جانب زيادة حصيلة الضرائب المحلية لتكون هى المصدر الرئيسى لتمويل احتياجات الحكومة. وفى هذا الصدد، تأتى الكثير من الوسائل والمبادرات للاستثمار فى تطوير النظام الضريبى وتعبئته بشكل يخفض من ظاهرة التهرب الضريبى ويزيد من إجمالى الحصيلة الضريبية. كما أن على الحكومة دور كبير فى توجيه المساعدات وكذلك الإنفاق الحكومى العام فى استثمارات وقطاعات دافعة للتنمية وقادرة على زيادة الحصيلة الضريبية مستقبلا.
الخلاصة أن الاضطرابات السياسية انعكست سلبا على الوضع الاقتصادى فانخفضت الحصيلة الضريبية كنسبة من الناتج المحلى، مما جعل الاقتصاد المصرى يصنف كاقتصاد هش من قبل منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية، حيث يعتمد بشكل كبير على مصادر تمويل خارجية مثل المساعدات والمنح وتحويلات العاملين بالخارج والتى على الرغم من دورها الحيوى فى منع انهيار الاقتصاد فإنها تذهب فى الإنفاق الاستهلاكى ولا تساهم فى إحداث تنمية حقيقية ترفع من حصيلة الضرائب المحلية بشكل مستدام. وعلى الرغم من أن ضم مصر لقائمة الدولة الهشة لأول مرة هذا العام أمر سلبى فإن الخروج من ذلك الوضع ليس مستحيلا ويكمن فى المقام الأول فى العمل على زيادة حصيلة الضرائب المحلية بشكل مستدام من خلال تطوير النظام الضريبى وكذلك توجيه المساعدات والمنح للقطاعات الدافعة للتنمية.
عمر الشنيطي
7 مارس 2014
No comments:
Post a Comment