Saturday, March 29, 2014

التوجه الاقتصادي .. كل حاجة وعكسها

قبل الدخول في تفاصيل الوضع الاقتصادي، يجب النظر للتوجه العام للاقتصاد حتى نستطيع تحليل هذا الوضع الاقتصادي والتنبوء بما هو آت. إن الرغبة في تحديد التوجه الاقتصادي لا تقتصر على الاقتصاديين بل تمتد للقطاع الخاص والمستثمرين وحتى عوام الناس. فقد يكون التوجه الاقتصادي يميني حيث يقوم القطاع الخاص بتحمل المسئولية الأكبر في تحريك الاقتصاد وخلق فرص العمل بينما يكون دور الحكومة هو التوجيه والرقابة. وقد يكون التوجه الاقتصادي يساري فتلعب الحكومة دورا أكبر في دفع عجلة الاقتصاد على حساب تراجع دور القطاع الخاص. لكن محاولة تحديد التوجه العام للاقتصاد في مصر تبدو أمرا بعيد المنال، حيث أن الشواهد المتاحة تعطي تصورا متضاربا.

فلو وضعت نفسك مكان القطاع الخاص ومجتمع الأعمال في مصر، ستجد أنه دائما يطلب منك أن تساهم في تحريك عجلة الاقتصاد وتحمل مخاطرة الاستثمار في مصر في هذه الفترة العصيبة مع الوعود الكبيرة أن الحكومة ستدعم عملك بتنفيذ خطة التحفيز الاقتصادي والتي ستحرك المياه الراكدة في البلد. لكن في نفس الوقت تجد أسعار الطاقة قد تضاعفت على مصنعك عدة مرات في السنوات الثلاثة الأخيرة وتجد أن الحديث لا يتوقف عن رفع مختلف أنواع الدعم عنك - مع العلم أن في رفعه تأثيرا إيجابيا على العدالة الاجتماعية -  إلا أنه يؤثر بشدة على ربحية الاستثمار. كما أنك تفاجأ بكثرة الحديث عن العهد الناصري وعن إستعادة أمجاده والتي كان منها القضاء على أمثالك بالضربة القاضية في هذا العهد السابق.

في خضم ذلك، تجد المؤسسة العسكرية تستحوذ على أغلب المشروعات الحكومية الكبيرة والتي كانت بمثابة طوق النجاة لشركتك وباقي القطاع الخاص وتتبدد أحلامك حينما تجد هذه المشروعات الكبيرة تتم بالشراكة مع شركات خليجية بدلا من شركات محلية. من الطبيعي أن هذه الشواهد المتضاربة تجعلك تشعر بالقلق حتى وإن كنت غير قادر على تحديد سبب قلقك. وبالتالي تجد أن هذا التضارب يثنيك عن الاستثمار في مصر في هذه المرحلة ويدفعك لتجميد أموالك والجلوس لمشاهدة ما سيحدث.
أما لو وضعت نفسك مكان عوام الناس وخاصة الفئات الأكثر فقرا في المجتمع، ستجد أنه يطلب منك عدم التظاهر لرفع أجرك وتحسين وضعك السيء بالأساس.

والذي تدهور بشدة في السنوات الثلاثة الأخيرة. كما ستجد أنه يطلب منك تحمل الفترة القادمة الحرجة لكن من الناحية الأخرى يتم وعدك بإعادة أمجاد عصر عبد الناصر من حيث العدالة الإجتماعية. وبين هذا وذاك، تسمع عن مشروعات بالمليارات تحصل عليها  المؤسسة العسكرية ويتحدث حولك الكثيريون عن علامات إستفهام كبيرة حول هذه الصفقات. بينما يزيد إحباطك عند السماع عن ثروات رجال الأعمال الطائلة والتي ما زادتها السنوات الثلاثة الأخيرة إلا تراكما وبالتالي تجد أن هذا التضارب يحبطك ويجعلك غير مستعد للتنازل عن حقوقك الضائعة.

أما لو وضعت نفسك مكان الجهات السيادية في الدولة، ستجد أن الحكومة مكبلة وتحت ضغط كبير يثني أي وزير عن إتخاذ قرارات حقيقية خوفا من المسائلة والهجوم الإعلامي. بينما تجد أن المؤسسة الوحيدة القادرة على تخطي المسائلة والنقد هي المؤسسة العسكرية. لذلك إذا كنت ممن يريد خدمة البلد من خلال العمل الحكومي ويعرض عليك ذلك، فإنك لو صحت نيتك في خدمة البلد ستجد أنه لا محالة من الإعتذار لأن البلد أصبحت في وضع حرج والحكومة مكبلة في مواجهة ذلك ولذلك لن تتبقى غير المؤسسة العسكرية لدفع عجلة الاقتصاد حتى وإن أدى ذلك الى قتل القطاع الخاص بالتصوير البطيء.

الخلاصة أنه يوجد حجم كبير من التضارب في الشواهد التي يستقبلها اللاعبين الأساسين في الاقتصاد مما يؤدي إلى ضبابية شديدة في التوجه الاقتصادي سواء كان توجها يمينيا أم يساريا، لكنه في الواقع يبدو توجها مشوها وضبابيا تسيطر فيه المؤسسة العسكرية على مقاليد الاقتصاد بعد أن تجمد دور الحكومة وتراجع القطاع الخاص عن لعب دوره تحسبا لما هو آت. بينما لا تجد الفئات الأكثر فقرا في المجتمع سوى الاستمرار في الإحتجاج على تدهور وضعها والمطالبة بالحد الأدنى من حقوقها. وتظل الأولوية هي تحديد التوجه الاقتصادي للفترة القادمة بدلا من تفشي الشواهد المتضاربة.


عمر الشنيطي
29 مارس - 2014
نُشر هذا المقال على موقع "مصر العربية"

No comments:

Post a Comment