Sunday, January 27, 2013

"ارتفاع الأسعار" سمة هذا العصر

يتميز كل عصر بسمة اقتصادية يتذكرها الناس بعد مروره. فمثلاً سمة السبعينات كانت "الانفتاح" وسمة التسعينيات كانت "الخصخصة"، بعد مرور عامين على الثورة أعتقد أن السمة التي غلبت على الاقتصاد وستظل غالبة هي "ارتفاع الأسعار"، أو ما يعرف بظاهرة "التضخم".


ولكن ما هو "التضخم"؟
التضخم هو ارتفاع عام في متوسط أسعار السلع والخدمات خلال فترة زمنية معينة، ويقاس كنسبة تدل على ارتفاع الأسعار خلال هذه الفترة مقارنة بالفترة السابقة. ويتم قياس التضخم عن طريق قياس متوسط الأسعار لسلة محددة من السلع والخدمات، وتتضمن هذه السلة متوسط أسعار الغذاء والمواصلات والسكن والتعليم إلى ما غيرها، مع العلم أن الغذاء والسكن يمثلان ما يزيد عن نصف هذه السلة في مصر.

و لماذا يكون "التضخم" هو سمة هذا العصر؟
على الرغم من تعقد الوضع الاقتصادي إلا أن المواطن البسيط لا يأبه بعجز الموازنة والاحتياطي النقدي وما غيرها، ولكن يصب اهتمامه على حياته اليومية وما يؤثر فيها. فيفزعه قرار سائقي المكروباص رفع الأجرة أكثر مما يفزعه هبوط الاحتياطي بمليار دولار، خاصة وإن كان ارتفاع الأسعار متكرروبزيادات كبيرة. وهذا أيضا حال الميسورين ماديا الذين يواجهون ظاهرة ارتفاع المأكل والملبس ومصاريف المدارس وخدمات الترفيه. ببساطة، التضخم ظاهرة سيئة لأنها تعني إفقار لقدرة الفرد على شراء السلع والخدمات.

إذن ما هي أهم أسباب التضخم الحالي؟
هناك أسباب متعددة لكن يمكن الإشارة إلى أربعة أسباب رئيسية:
أولاً: عدم الانتظام من جانب المعروض من السلع والخدمات مقابل الطلب في السوق. فمثلاً الاضطراب المتكرر في المواصلات العامة فتح الباب أمام سائقي الأجرة لرفع الأسعار. وكذلك هذا هو الحال في كثير من المنتجات المستوردة التي يتأخر إستيرادها لأسباب لوجستية مما يؤثر على ارتفاع الأسعار.
ثانياً: زيادة تكلفة الانتاج بشكل عام ولعل من أهم أسبابها زيادة أسعار الطاقة على الكثير من المنشآت، والتي قد تم تطبيقها على البعض بالفعل والبعض الآخر قد أخذها في الاعتبار في تسعيره استباقاً.
ثالثاً: فرض عدة أنواع من الضرائب والدمغات على المنشآت الاقتصادية والتي رفعت من تكلفة الانتاج وبالتالي زادت من أسعار المنتج النهائي.
رابعاً: ارتفاع الدولار أمام الجنيه، فمصر تستورد الكثير من السلع الأساسية، كما تستورد الكثير من المواد الخام. فارتفاع الدولار أمام الجنيه يعني بالتالي ارتفاع مماثل في سعر الكثير من السلع والخدمات المستوردة أو التي يدخل فيها مواد مستوردة.
هذه الأسباب الأربعة مع غيرها ساهمت في ارتفاع الأسعار. وعلى الرغم من أن الاحصائيات الرسمية الصادرة عن وزارة المالية تشير إلى نسبة تضخم ١٠٪ كمتوسط للعامين السابقين، إلا أن كثير من مراكز الأبحاث تشير إلى تضخم يزيد متوسطه عن ٢٠٪ كواقع حقيقي.

ولكن ما هو الحل؟
للأسف "التضخم" في مصر لا مفر منه، بدأ بالفعل ومتوقع أن يستمر على متوسطات مرتفعة بسبب استمرار ارتفاع الدولار أمام الجنيه، وكذلك إعادة هيكلة الدعم في الفترة القادمة.
ولكن يمكن التقليل من حدة هذه الظاهرة، ويستلزم ذلك أن تقوم الحكومة بفرض رقابة صارمة على الأسعار، والعمل على توفير السلع الرئيسية في الأسواق لمنع ظهور السوق السوداء، وكذلك العمل على تثبيت سعر صرف الدولار في القريب العاجل، والأهم من ذلك إعادة النظر في قضية الضرائب على المبيعات وتحويلها لضرائب على الدخل لمنع زيادة تكلفة الانتاج.

وفي الختام، نحن نعيش في أزهى عصور "التضخم"، الذي أصبح واقعاً نعيشه وهو ما يشعر به كل مواطن أكثر من المؤشرات الاقتصادية الكلية، وعلى الرغم من الأثر السئ لهذه الظاهرة إلا أن الحكومة تستطيع العمل على السيطرة على هذه الظاهرة والحد من آثارها السلبية.

عمر الشنيطي
٢٧-يناير- ٢٠١٣
نُشر هذا المقال فى "جريدة الوطن"

No comments:

Post a Comment