Saturday, August 8, 2015

عن سوق السيارات الفارهه

السيارات الفارهة لها أهميتها لدى الأثرياء الذين يعتبرونها من ضروريات الحياة، فى حين يتطلع أغلب من لا يمتلكها للانضمام لنادى سائقى السيارات الفارهة. ويشمل ذلك القطاع العديد من الشركات العالمية لكن تتصدره بجدارة الشركات الألمانية وعلى وجه الخصوص شركتان، أقدمهما تأسست منذ أكثر من ١٢٠ سنة والثانية منذ أكثر من ٨٠ سنة. ويعتبر اقتناء سيارة من إنتاج تلك الشركتين علامة على ثراء صاحبها، حتى إن بعض الملاك الجدد لتلك السيارات يتباهون بحمل مفتاح السيارة التى لا يصعب على أحد أن يلاحظه، سواء محليا أو عالميا.
وقد يتعجب البعيد عن هذا المجتمع حينما يعرف بوجود قوائم انتظار لشراء بعض هذه السيارات، قد تصل لعدة أشهر، بينما لا توجد قوائم مماثلة للعديد من السيارات اليابانية أو الكورية. يبدو هذا أمرا غريبا، كيف توجد قوائم انتظار طويلة لسيارات باهظة الثمن؟ هل الأغنياء فى مصر أكثر من متوسطى الدخل؟ ألسنا فى وضع اقتصادى حرج ومازلنا نحاول الخروج منه؟ تلك الأسئلة المنطقية يتداولها بعض الناس فيما بينهم وعلى شبكات التواصل الإجتماعى متعجبين من تلك الظاهرة بينما يؤكدون على زيادة عدد السيارات الفارهة فى الشوارع أخيرا بشكل كبير، خاصة فى القاهرة الكبرى بشكل لافت للأنظار.
بالنظر لإحصائيات سوق السيارات يتضح أن إجمالى عدد السيارات الملاكى المرخصة قد بلغ ٣٫٦ مليون سيارة حيث تستحوذ القاهرة على قرابة ٢٨٪ من ذلك العدد، تليها الجيزة ١٢٪ ثم الإسكندرية ٩٪. وشهد عام ٢٠١٤ طفرة كبيرة فى سوق السيارات الملاكى حيث حققت السوق إجمالى مبيعات ٢٠٨ ألف سيارة بقيمة ٣٠ مليار جنيه مقارنة بإجمالى ١٣٣ ألف سيارة فى ٢٠١٣ بزيادة ٥٥٪، فى حين أن معدل الزيادة فى ٢٠١٥ من المتوقع أن يقف عند ٢٠٪. ولعل السبب الرئيسى وراء الزيادة الكبيرة فى مبيعات العام الماضى هو بدء تعافى الاقتصاد بعد أربعة أعوام من الركود حيث حقق الاقتصاد أخيرا معدلات نمو تتخطى ٤٪ مقارنة بمتوسط ٢٪ فى الأعوام السابقة. كما أن التوسع فى تمويل السيارات من قبل البنوك كان له أثر كبير على دفع المبيعات حيث زادت إجمالى قروض السيارات من البنوك بنسبة ٣٠٪ خلال ٢٠١٤ ويصل نسبة ما يتم تمويله بقروض بنكية لقرابة ٥٠٪ من إجمالى السيارات الملاكى المباعة.
أما إذا نظرنا لأداء شركتى السيارات الألمانية الفارهة، فنجد أن سوق السيارات الفارهة قد تأثرت بشدة بعد ٢٥ يناير حيث تراجعت مبيعات الشركة الألمانية الأقدم والأعرق من ٤٧٠٠ سيارة فى عام ٢٠١٠ لما دون ٣٠٠٠ سيارة فى عام ٢٠١٣. ومع ذلك فإن انتعاش السوق العام الماضى ساعد تلك الشركة لبيع ٣٥٠٠ سيارة بزيادة ١٧٪ بينما تستهدف تلك الشركة زيادة مبيعاتها بنحو ٢٠٪ خلال ٢٠١٥ــ٢٠١٦. وعلى صعيدٍ آخر قررت تلك الشركة غلق مصنعها فى مصر والاعتماد على الاستيراد من مصنع الشركة فى الجزائر بسبب تطبيق اتفاقية الجات على مصر وكذلك المزايا الضريبية للتصنيع فى الجزائر. قد لا يؤثر ذلك على مبيعات الشركة فى مصر بشكل كبير لكن بطبيعة الحال سيؤثر على سوق تصنيع السيارات المحلى بالسلب.
أما الشركة الأخرى فعلى الأغلب مرت بفترة عصيبة بعد ٢٥ يناير غير أن لتلك الشركة نشاطا تصنيعيا بارزا فى مصر واحتفلت أخيرا بإنتاج السيارة رقم ٢٠ ألفا فى مصنعها بمصر والذى بدأ فى ٢٠٠٤ بطاقة إنتاجية ١٠٠٠ سيارة والتى تضاعفت لتصل أخيرا لقرابة ٥٠٠٠ سيارة إذ لا تنوى تلك الشركة نقل مصنعها خارج مصر، حيث إن أحد موديلاتها للدفع الرباعى يتم تصنيعه فى أمريكا وسيتأثر ضريبيا بشكل سلبى إذا تم نقل المصنع للخارج ولذلك فيتوقع أن تستمر فى نشاطها التصنيعى فى مصر.
توضح أرقام الشركتين أن مبيعات السيارات الألمانية الفارهة تقارب ٨٠٠٠ سيارة سنويا وهو ما يمثل قرابة ٤٪ فقط من إجمالى سوق السيارات الملاكى، وهى نسبة منطقية لتلك الفئة. وتشير الأرقام أن تلك الفئة من السيارات تعد الأكثر تضررا فى سوق السيارات بسبب الاضطرابات السياسية. كما أن تعافى تلك الفئة فى ٢٠١٤ جاء بشكل أقل من تعافى إجمالى القطاع والتى ارتفعت مبيعاته بقرابة ٥٥٪ بينما مبيعات فئة السيارة الفارهة كان ارتفاعها أقل من ٢٠٪، بناء على المتاح من الأرقام. ولذلك فإن الصورة الذهنية المنتشرة عن زيادة مبيعات تلك السيارات ليست صحيحة.
لكن ما هو سبب انتشار تلك الصورة الذهنية؟ لعل التفسير الأوقع لذلك هو انتقال عدد ليس بالقليل من الاثرياء وميسورى الحال للإقامة فى المجمعات السكنية الفاخرة فى المدن الجديدة مثل التجمع الخامس أو السادس من أكتوبر وهو ما زاد فى الفترة الأخيرة وأدى إلى تركز وجود تلك الطبقة الثرية فى مساحة صغيرة نسبيا مقارنة بتوزيع نفس الفئة فى أحياء أكبر سابقا. وهذا التركز فى المجمعات السكنية وما يتبعها من المراكز التجارية الفاخرة كفيل بإعطاء الانطباع أن عددا كبيرا من المصريين أصبحوا من سائقى تلك السيارات الفاخرة، خاصة حينما تتفقد مواقف الانتظار فى تلك الأماكن فتجد أن تلك السيارات الفارهة هى النسبة الأكبر، بينما الحقيقة أن عددا كبيرا من قاطنى تلك المجمعات السكنية فقط، وليس المجتمع على عمومه، هم من يمتلكون تلك السيارات وأن الانطباع جاء نتيجة تعميم غير منطقى.
كما أن وجود قوائم انتظار يقتصر على بعض الموديلات التى يزيد عليها الطلب مقارنة بحجم الإنتاج المحدود لتلك السيارات وهو ما قد يوحى بوجود طفرة كبيرة فى مبيعاتها، بينما الحقيقة أن سوق السيارات الفارهة قد تأثر سلبا بالاضطرابات السياسية وهو ما انعكس على انخفاض المبيعات بشكل كبير فى حين عاودت النمو مع تعافى السوق العام الماضى وإن كان بمعدلات أقل من إجمالى نمو السوق. وأخيرا يتضح أن الصورة الذهنية المنتشرة عن زيادة السيارات الفارهة ليست حقيقية حيث إنها نتاج انتقال الطبقة الثرية لمجمعات سكنية تتركز فيها وجود تلك السيارات الفارهة مما يوحى بزيادة الطلب.
عمر الشنيطى
8 - أغسطس - 2015
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق"

No comments:

Post a Comment