Saturday, August 22, 2015

الوضع الاقتصادى لحليف مصر الأكبر

لعبت الإمارات دورا كبيرا فى المشهد المصرى فى العامين الماضيين حيث تعتبر الحليف الأكبر للدولة المصرية وداعمها الاقتصادى الأكبر فى تلك المرحلة الحرجة. فمع دخول مصر مرحلة انتقالية جديدة بعد ٣ يوليو ٢٠١٣، كان الاقتصاد المصرى فى وضع حرج لكن المساعدات الخليجية السخية التى قاربت ٢٠ مليار دولار منعت الاقتصاد المتعثر من الانهيار. وكانت السعودية والكويت والإمارات هى الدول الداعمة لمصر فى تلك الفترة إلا أن الدور الإماراتى كان الأكبر حيث إن حجم مساعداتها قارب نصف ما تلقته مصر، كما أن تلك المساعدات لم تقتصر فقط على المنح بل شملت أيضا العديد من المشروعات الاجتماعية.
مع تنصيب الرئيس بدا واضحا أن الدعم الخليجى فى سبيله للتراجع متأثرا بانخفاض أسعار البترول وكذلك إيمان دول الخليج بأهمية اعتماد مصر على نفسها للخروج من أزمتها الاقتصادية. وعلى الرغم من تراجع الدعم الخليجى المباشر إلا أن الإمارات ظلت تلعب دورا محوريا فى مساندة الاقتصاد المصرى بإمداد مصر بشحنات ميسرة من المواد البترولية ساعدت على احتواء أزمة الطاقة وكذلك التعاون فى تطوير بعض المشروعات القومية التى تبنتها الحكومة أخيرا لتكون قاطرة لتنشيط وتنمية الاقتصاد.
على صعيد آخر، شهد سوق النفط العالمى اضطرابا شديدا حيث انخفض سعر برميل خام برنت من قرابة ١١٠ دولارات فى مطلع ٢٠١٤ ليصل لما دون ٥٠ دولارا بنهاية العام. وعلى الرغم من معاودة الأسعار للارتفاع لما يزيد على ٦٠ دولارا إلا أن الاتفاق الإيرانى وكذلك تباطؤ النمو فى الصين دفع الأسعار مرة أخرى للهبوط لما دون ٥٠ دولارا أخيرا. وكان لذلك أثر كبير على دول الخليج حيث يمثل البترول الجزء الأكبر من صادراتها ومصدر الدخل الأساسى لموازناتها والتى شهدت عجزا شديدا. ومن المتوقع أن يتخطى عجز موازنة السعودية هذا العام ١٠٪ من الناتج المحلى بما يتخطى ١٠٠ مليار دولار وتلك أرقام كبيرة لا تستطيع دول الخليج تحملها طويلا رغم تراكم المليارات من عوائد البترول فى صناديقها السيادية.
الوضع فى الكويت لا يختلف كثيرا عن السعودية، لكن ما هو مدى تأثر الإمارات بذلك؟ الحديث عن الخليج وأزمة البترول دائما ما ينصب على السعودية حيث إنها الأكبر حجما وكذلك إنتاجا للبترول وقد يتصور القارئ أن الوضع فى الإمارات مماثل، لكن الواقع مغاير لتلك الصورة الذهنية. فقد جاء عام ٢٠١٤ ليشهد الاقتصاد الإماراتى نموا بلغ ٤٫٦٪، هو الأعلى منذ تأسيس دولة الإمارات، ووصل حجم الاقتصاد لقرابة ١٫٥ تريليون درهم، ما يعادل ٣ تريليونات جنيه مصرى، مما يجعل الاقتصاد الإماراتى أكبر حجما من الاقتصاد المصرى على الرغم من الفارق الكبير فى عدد السكان.
لكن كيف تمكنت الإمارات من تحقيق ذلك؟ السر يكمن فى تنوع الاقتصاد الإماراتى. فالقطاع النفطى فى الإمارات بطبيعة الحال شهد تراجعا مثله مثل باقى الخليج مع التراجع الحاد فى أسعار البترول. لكن ما أنقذ الاقتصاد الإماراتى هو نمو القطاع غير النفطى والذى يمثل قرابة ٦٩٪ من حجم الاقتصاد حيث شهد نموا ملحوظا بلغ ٨٫١٪ مما ساعد الإمارات على تحقيق معدل نمو كبير حتى مع تراجع القطاع النفطى. ويشمل القطاع غير النفطى الخدمات المالية التى نمت بقرابة ١٥٪ وكذلك قطاع السياحة حيث استقبلت الإمارات ما يزيد على ٢٠ مليون سائح، قرابة ضعف عدد السائحين الذين زاروا مصر فى ٢٠١٤.
هذا التنوع سمح للاقتصاد الاماراتى أن يصبح الأول إقليميا من حيث حجم التبادل التجارى مع أكبر عشرة اقتصاديات فى العالم. كما سمح للإمارات أن تتحول لمركز عالمى جاذب للمهارات تستطيع الشركات متعددة الجنسيات أن تستخدمه كمقر لإدارة أعمالها الإقليمية كما تشير العديد من استطلاعات الرأى العالمية. وتسعى الإمارات لتوسيع حجم التنوع الاقتصادى حتى يصل إسهام القطاع غير النفطى لقرابة ٨٠٪ من حجم الاقتصاد بحلول ٢٠٢١ عن طريق الاستثمار فى البنية التحتية وقطاع النقل، بينما تظل الموازنة الفيدرالية للإمارات متوازنة وبدون عجز خلال العام المالى الجديد حيث يبلغ حجم الإنفاق قرابة ٥٠ مليار درهم، ما يوازى ١٠٠ مليار جنيه، قرابة ١٢٪ من الموازنة المصرية.
هل يعنى ذلك أن الإمارات فى معزل تام عن الأزمة؟ بالتأكيد هناك أثر لانخفاض أسعار البترول لكن ذلك الأثر ليس كبيرا على موازنة الدولة ومستويات النمو ومعدلات التوظيف المحلى، بينما الأثر السلبى الكبير يأتى على تراكم الاحتياطيات المالية. لسنوات طويلة تراكمت مئات المليارات من الدولارات من مبيعات البترول فى صناديق سيادية متعددة مملوكة لإمارة أبوظبى، يتم استثمارها فى أنشطة متعددة، نفطية وغير نفطية، سواء داخل الإمارات أو خارجها. تلك الصناديق السيادية التى أصبحت لاعبا أساسيا فى أسواق المال العالمية هى ما تعول عليها أبوظبى فى دعمها لحلفائها كمصر. تلك الصناديق منيت بخسائر كبيرة فى أعقاب الأزمة المالية العالمية فى ٢٠٠٨ لكن أسعار البترول المرتفعة ساعدت على امتصاص الصدمة وهو ما لم يصبح متاحا الآن وسيؤثر على قدرة أبوظبى على دعم مصر بشكل كبير سواء فى صورة منح أو استثمارات سيادية.
نجاح الإمارات فى تنويع اقتصادها يقدم درسا مهما وهو أهمية إيجاد نمو حقيقى ومستدام فى دول الخليج الأخرى بعيدا عن الاعتماد على عائدات النفط التى من الواضح أنها ستبقى منخفضة لفترة، وعاجلا أم آجلا سينضب النفط وسيكون على دول الخليج الاعتماد على مصادر أخرى وعليها أن تبدأ فى ذلك سريعا قبل فوات الأوان. ومن جهة أخرى فإن النمو المستدام يجب أن يكون درسا مهما لمصر أيضا والتى عليها العمل على إيجاد قاعدة إنتاجية حقيقية سواء كانت صناعية أو زراعية أو خدمية بدلا من الاعتماد على تضخيم فقاعات عقارية غير مستدامة أو دفع الاقتصاد بمشروعات قومية عملاقة باهظة التكلفة وغير قادرة على إيجاد فرص عمل مستدامة. النمو الحقيقى قد يأخذ فترة أطول ليتحقق لكنه ينتج فرص عمل حقيقية ومستمرة تشعر الناس بتحسن حقيقى فى دخولهم لا تأكله ارتفعات الأسعار.
عمر الشنيطى
22 - أغسطس - 2015
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق"

No comments:

Post a Comment