Saturday, June 22, 2013

مصر أكبر من أن تسقط لكنها أكبر من أن تُنقذ

لحق بالاقتصاد المصرى تدهور شديد منذ الثورة أثر سلبا على غالبية المؤشرات الكلية للاقتصاد بشكل لا ينكره متخصص، على الرغم من الجدل السائد حول من يتحمل مسئولية هذا التدهور وعما إذا كان بسبب تراكم مشكلات اقتصادية لعقود ما قبل الثورة أم الجمود الذى ساد خلال الفترة الانتقالية أم السياسات الخاطئة خلال العام الماضى أم كل ما سبق. لكن يؤكد السياسيون دائما أن مصر أكبر من أن تسقط بينما يرد الاقتصاديون بأنه حتى لو تم التسليم بأن مصر أكبر من أن تسقط فإن التدهور المتسارع للاقتصاد يجعلها على الوجه الآخر أكبر من أن تُنقذ.
  
برز استخدام مفهوم «أكبر من أن تسقط» أثناء الأزمة المالية العالمية فى ٢٠٠٨ حينما كان النظام المصرفى معرض للانهيار حيث نادى الاقتصاديون بضرورة تدخل الحكومات لإنقاذه. بعد ذلك تم استخدام المفهوم فى أزمة الديون السيادية فى أوروبا حينما زعم السياسيون وقتها وجوب تدخل الإتحاد الأوروبى لإنقاذ الدول الأوروبية المتعثرة منعا لسقوطها.

والآن يزعم السياسيون أنه على الرغم من سوء الوضع الاقتصادى فإن مصر أكبر من أن تسقط لأن سقوطها قد يؤدى إلى أزمة فى التجارة العالمية إذا توقفت الملاحة فى قناة السويس وأزمة أمن لإسرائيل إذا دعمت مصر المقاومة الفلسطينية وتهديد للأمن العالمى إذا فُقدت السيطرة على الجماعات المسلحة. هذا بالإضافة لدور مصر المحورى فى المنطقة وما يمكن أن يستفيده من يدعم مصر من سطوة فى المنطقة. وهذه الأسباب السياسية تجعل من سقوط مصر كارثة قد يصعب على المنطقة وربما العالم تحملها مما يجعل مصر أكبر من أن تسقط.
  
إذا سلمنا بأن مصر أكبر من أن تسقط فلا بد لها من حلفاء يدعمونها فى ذلك، إما الأب الروحى للمنطقة «أمريكا» أو دول المنطقة الغنية أو القوى العالمية الكبرى مثل الصين وروسيا. وإذا نظرنا لهؤلاء المرتقبين نجد أن الأب الروحى قد بعث بإحدى أذرعه «صندوق النقد» الذى أبدى رغبته فى إقراض مصر بينما تباين دعم دول المنطقة بين دعم كبير من قطر وتركيا وليبيا ودعم ضعيف من باقى دول الخليج. فى حين لم تقدم القوى العالمية الكبرى الكثير لمصر منذ الثورة.

لكن على الرغم من كونها أكبر من أن تسقط فإنها للأسف أكبر من أن تُنقذ فالاقتصاد المصرى يعانى من مشكلات هيكلية مزمنة ظلت تتراكم لعقود ما قبل الثورة ثم جاءت المرحلة الانتقالية وجمودها ليشهد الاقتصاد حالة من النزيف الشديد تبعها عام كامل من حكم سلطة منتخبة فى ظروف صعبة لكن بدون قدرة على رسم تصور واضح للخروج من الأزمة وإقناع المؤسسات العالمية والمستثمرين به مع جمع الناس على تأييده وتحمل تبعاته.

وبفضل هذه التراكمات وصل الاقتصاد الآن إلى وضع حرج حيث وصل عجز الموازنة إلى ما يقارب ١٢٪ من الناتج المحلى. بينما تظل أكبر النفقات الحكومية خارج السيطرة وعلى رأسها خدمة الدين والدعم اللذان يشكلان ٥٦٪ من المصروفات فى الموازنة مما سيؤدى إلى عجز فى العام القادم قد يتخطى مستوى عجز العام الحالى وستضطر الحكومة إلى التوسع فى الاقتراض لتغطية هذا العجز وإعادة تمويل الديون المستحقة من خلال الاستدانة داخليا وخارجيا.

وإذا نظرنا للاقتراض الذى لا مفر منه فنجد أنه وصل إلى ٧٧٪ من الناتج المحلى وهو مستوى متوسط حتى الآن لكن تزايد الاقتراض أثر على قدرة البنوك على تمويل القطاع الخاص مما أدى إلى تباطؤ النمو الاقتصادى بينما تزداد خطورة الاقتراض الخارجى مع الضغط على سعر صرف الجنيه. على التوازى يشهد الاقتصاد حالة من التباطؤ فى النمو مقارنة بما يجب على الاقتصاد تحقيقه حتى يحافظ على متوسط دخل الفرد. كما يشهد الاقتصاد معدلات بطالة مرتفعة وتظل معدلات التضخم فى ارتفاع مدفوعة بانخفاض قيمة الجنيه.

فى ظل مشكلات اقتصادية متراكمة لعقود وعجز موازنة مرتفع يتم تمويله بالاقترض الداخلى والخارجى مع عدم القدرة على علاج المشكلات الاقتصادية المزمنة وتنفيذ برنامج إصلاح اقتصادى متكامل بسبب الاضطرابات السياسية التى لا تنتهى فإنه لا مفر من دخول الاقتصاد فى مرحلة من الركود أو على الأقل التباطؤ فى النمو لعدة سنوات تظل المشكلات المزمنة فى الازدياد بدون حلول جذرية.
  
ومن المتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة عجز موازنة متزايدا يصعب السيطرة عليه فى ظل عدم الاستقرار السياسى مما سيؤدى إلى توسع أكبر فى الاقتراض الداخلى والذى سيدفع الاقتصاد إلى الركود وأيضا توسع فى الاقتراض الخارجى والذى يتزامن مع تخفيض متوقع فى قيمة الجنيه مما يرفع من عبء هذه القروض على المدى المتوسط دافعا الاقتصاد إلى فخ ديون عانت مصر منه من قبل.

وقد تأخذ عقود حتى تستطيع الخروج منه مرة أخرى مما يجعل مصر أكبر من أن تُنقذ حتى مع دعم الحلفاء المختلفين والذين يدعمون مصر عن طريق قروض أخرى تعطى الاقتصاد أنبوبة أكسجين لحظية لكن تدفع بالاقتصاد إلى فخ ديون وشيك.

الخلاصة أن مصر أكبر من أن تسقط لأسباب أغلبها سياسية وإقليمية، لكن مع المشكلات الاقتصادية الهيكلية المتراكمة وفخ الديون الذى تُسحب إليه مصر بسرعة، فإن مصر أكبر من أن تُنقذ ونتيجة لذلك قد يدخل الاقتصاد فى فترة طويلة من الركود بصرف النظر عمن يحكم البلد على المدى القصير.

  
عمر الشنيطي
22 - يونيو 2013
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق"

No comments:

Post a Comment