Saturday, June 8, 2013

قرض الصندوق: إلى أين؟

قامت فى مصر ثورة عظيمة سبقها وضع اقتصادى جيد من حيث مؤشراته الكلية لكن يعانى من مشاكل مزمنة أهمها عدم عدالة التوزيع. لذلك قامت الثورة وأنتظر الناس توجها اقتصاديا مختلفا لكن انتهجت السلطة الجديدة فى نظر الكثيرين نفس السياسات الاقتصادية السابقة وعلى رأسها قرض صندوق النقد الذى انقسم الناس بشأنه.

وبدأ الحديث عن القرض بعد الثورة بعدة أشهر وزاد الكلام عنه بعد وصول رئيس مدنى منتخب للحكم. وزعم المؤيدون أن هذا القرض شديد الأهمية للاقتصاد بل جعلت الحكومة منه محورا لبرنامجهـا الاقتصادى. وبعد مرور فترة طويلة على المفاوضات مع الصندوق بدون نتيجة وجب معرفة حقيقة أهمية هذا القرض وعما إذا كانت قائمة إلى الآن أم لا.
  
منذ عام لم يكن هذا القرض هاما بسبب حجمه (حوالى ٥ مليارات دولار) لكن لكونه بمثابة شهادة من مؤسسة عالمية مستقلة فى نظر الكثيرين على قدرة الاقتصاد المصرى على التعافى. فمنذ أن بدأت المرحلة الانتقالية بدأ الاقتصاد فى النزيف حيث شهد تباطؤا فى النمو مصحوبا بزيادة فى عجز الموازنة وانخفاضا فى احتياطى النقد الأجنبى.

وبدا واضحا أن الوجوه تتغير وأن من سيدير دفة الأمور هو التيار الإسلامى وهو تيار حديث عهد بالحكم وليس له خبرة فى إدارة الاقتصاد ولا يُعرف توجهه الاقتصادى ولذلك عزفت المؤسسات المالية العالمية عن التعامل مع مصر حتى تتضح الأمور. وكان بذلك تدخل صندوق النقد بمنح مصر القرض بمثابة شهادة ثقة فى الاقتصاد المصرى، كما يؤكد وجود مؤسسة مستقلة كالصندوق تضمن وتشرف على برنامج الإصلاح الاقتصادى.

ويترتب على هذه الشهادة قروض ومساعدات اقتصادية كبيرة تقدر بحوالى ١٠ مليارات دولار. كما كان من المفترض أن تساعد هذه الشهادة على تحسين تصنيف مصر الائتمانى مما يقلل من خطورة السندات الحكومية المصرية ومن ثم تقل الفائدة عليها وينخفض بند خدمة الدين فى الموازنة، وبالتالى عجز الموازنة. كما كان يفترض أن تفتح هذه الشهادة باب الاستثمار الأجنبى لمصر.

وحتى يتسنى للصندوق إصدار شهادة ثقة ومنح القرض فعليه التحقق من ثلاثة جوانب. الجانب الأول هو وجود برنامج إصلاح اقتصادى يتميز بالوضوح فى توجهه والتكامل فى رؤيته والواقعية فى أهدافه. أما الجانب الثانى فهو اختيار فريق اقتصادى كفء يتميز بخلفية قوية فى فهم الاقتصاد وخبرة عملية فى المؤسسات المالية ومصداقية شخصية فى أسواق المال. والجانب الثالث هو القدرة على تنفيذ البرنامج من حيث التأييد الشعبى للبرنامج وحجم المعارضة لهذه الإصلاحات مقابل قدرة الحكومة على تفعيلها.
  
بعد مرور قرابة عام على وصول التيار الإسلامى للسلطة أصبحت الجوانب الثلاثة واضحة بشكل يجعل شهادة الثقة المرتقبة بلا أهمية حقيقية. فبالنسبة للجانب الأول (برنامج إصلاح اقتصادى) أوضحت الفترة السابقة عدم وجود رؤية اقتصادية متكاملة ومتسقة مع بعضها البعض. فمن ناحية يهرول النظام لجذب استثمارات جديدة بينما توجد خلافات مع مستثمرين أجانب لم تحل منذ بداية الثورة، إلى جانب الخلافات مع المستثمرين المحليين. فى حين يتحدث رموز النظام عن مؤامرة خارجية من دول عربية وأجنبية للوقوف أمام المشروع الإسلامى!!.

من جانب آخر نجد النظام يسعى بشدة لتقليص عجز الموازنة بينما يُقر زيادة فى الأجور تزيد عجز الموازنة بشكل دائم. وبالنظر إلى التشريعات الاقتصادية على مدار العام الماضى نجد أنها اتسمت بالجدلية والانفراد مما أفقدها الكثير من شعبيتها بينما كان يمكن جمع الناس عليها بحسن الإدارة.

أما بالنسبة للجانب الثانى (فريق اقتصادى كفء) فقد أوضح التعديل الوزارى الأخير إعلاء مبدأ الثقة على الكفائة إذ إن الثلاثة وزراء المعينين مؤخرا فى الحقائب الاقتصادية يفتقدون اثنين إن لم يكن ثلاثة من معايير الكفاءة المطلوبة من حيث الخلفية الاقتصادية والخبرة فى المؤسسات المالية والمصداقية فى سوق المال.

وأخيرا الجانب الثالث (القدرة على التنفيذ) فقد أوضحت الفترة السابقة تباطؤ النظام فى تنفيذ سياسات الإصلاح الاقتصادى المخطط لها بل وإلغاء القرارات بعد إصدارها لتجنب الغضب الشعبى. كما بدا واضحا وجود معارضة كبيرة لقرارت النظام الاقتصادية سواء لأسباب اقتصادية أو سياسية.
  
بعد مرور قرابة عام أصبح من الصعب أن تمنح مؤسسة عالمية شهادة ثقة لنظام أثبت على أرض الواقع مخالفته لمعظم المعايير المطلوبة للحصول على هذه الشهادة. حتى وإن تم تمريره فإن المؤسسات العالمية أصبحت فى غنى عن هذه الشهادة بعد أن أصبح لديها عام كامل من النهج الاقتصادى للحكم عليه بدون وسيط.

وبناء على ذلك فإن مفاوضات الصندوق ستستمر فى صورة سلسلة من الزيارات والمفاوضات التى لا تفضى إلى اتفاق حتى انتخاب مجلس شعب جديد كى يمكن للصندوق أن يجد مبررا وقتها لإبرام اتفاق ويجد جهة تشريعية منتخبة ومستقرة لديها السلطة للموافقة عليه. حتى وإن تم الدفع فى اتجاه القرض قبل انتخاب مجلس شعب جديد فإن الاتفاق سيكون مشروطا بإصلاحات اقتصادية صعبة التنفيذ مما يجعل القرض كأن لم يكن.


الخلاصة أن قرض الصندوق كان شديد الأهمية منذ عام بفضل شهادة الثقة التى كان سيمنحها للاقتصاد المصرى لكن بفضل ممارسات النظام الاقتصادية غير الموفقة أصبح الحصول على شهادة الثقة بلا معنى.

عمر الشنيطي
8 - يونيو - 2013
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق"

No comments:

Post a Comment