الموازنة العامة للدولة في غاية الأهمية حيث أنها تعكس أولويات و أهداف الحكومة و بالتالي توزيع الموارد على المجالات المختلفة. و عكفت الحكومة المصرية في الفترة الماضية على إعداد مشروع موازنة العام المالي القادم 2013/2014 لعرضه على مجلس الشورى للنقاش ثم الموافقة. و على الرغم من عدم إصدار المشروع بشكل متكامل للإعلام إلا أن وزير المالية قد عرض الخطوط العريضة لمشروع الموازنة على مجلس الشورى. و إذا نظرنا لما تم عرضه من الأرقام
يمكننا أن نعلق على عدة أمور.
أولا: المصروفات:
إذا نظرنا لما هو مخطط سنجد أن إجمالي الإنفاق (الصادر من موازنة الدولة)
من
المتوقع أن يصل إلى 820 مليار جنيه مصري.
و بالنظر إلى تفاصيل الإنفاق الموضحة في الرسم البياني أدناه نستخلص الآتي:
1) المصروفات تشكل
84%من إجمالي الإنفاق
و حوالي 80% من هذه المصروفات توزع على ثلاثة بنود رئيسة هي الأجور و الفوائد و
الدعم و هذه بنود رئيسة على الحكومة أن تدفعها مما يقلل من الحيز المالي المتاح للحكومة لإجراء تغيرات هيكلية
في
الموازنة.
2) الديون تمثل عبء كبير على الموازنة حيث يمثل سداد القروض المستحقة 14% من إجمالي الإنفاق (114 مليار جنيه (بينما تمثل الفوائد المستحقة على القروض 26% من إجمالي المصروفات (182 مليار جنيه).
3) حجم و تقسيم المصروفات في الموازنة ليس مفاجئ حيث أنه تراكم لسياسات و تعهدات اقتصادية مثل سياسات الدعم و رفع الأجور و تراكم الفوائد و التي قد يختلف على جدواها الإقتصاديون لكن لا يختلفوا على أثرها على الموازنة.
ثانيا: الإيرادات:
إذا نظرنا لما هو مخطط سنجد أن إجمالي الإيراد (الوارد إلى موازنة الدولة) من المتوقع أن يصل إلى 820 مليار جنيه مصري.
و بالنظر إلى تفاصيل الإيراد الموضحة في الرسم البياني أدناه نستخلص الآتي:
1) يمثل الإقتراض 38%من
إجمالي الوارد إلى موازنة الدولة (311 مليار جنيه) و هو ما
يوضح
الاعتماد الزائد على الإقتراض لتغطية نفقات الدولة مما يضع علامات إستفهام عديدة على إستدامة هذا
المورد لتمويل نفقات الدولة المتزايدة.
2) تمثل الإيرادات 60%من إجمالي الوارد إلى موازنة الدولة (497 مليار جنيه) و تمثل الضرائب منها 72%(357 مليار جنيه)
و ذلك
أمر طبيعي من حيث تركيبة الإيرادات
لكن
بسبب التباطؤ الاقتصادي فإن قدرة الحكومة على تحصيل هذا الرقم من الضرائب
محاطة
بالكثير من علامات الإستفهام.
3) تمثل المنح 0.5% من الإيرادات (2.4 مليار جنيه) و هي علامة جيدة أن الحكومة لم تبني خطتها على منح يتطلب تحققها اتفاقات سياسية قد تأخذ فترة طويلة و بشروط سياسية قد لا تكون مرضية.
ثالثا: عجز
الموازنة:
إذا نظرنا لما هو مخطط سنجد أن عجز
الموازنة النقدي من المتوقع أن يصل إلى 195 مليار جنيه مصري.
و بالنظر إلى التفاصيل في الرسم البياني أدناه نستخلص الآتي:
1) هناك تفاوت و فارق ليس بالصغير بين الإيرادات و المصروفات المخطط لها في موازنة العام المالي الحالي 2012/2013
مقارنة بالإيرادات و المصروفات المتوقعة في الحساب الختامي حيث من المتوقع على أقل تقدير
أن
تنخفض الإيرادات
بنسبة
3%
بينما
تزداد المصروفات
بنسبة 9% عن المخطط مما يضع علامات إستفهام على دقة الموازنة بشكل عام.
2) من المخطط أن تزيد الإيرادات بنسبة 26%مقارنة بموازنة العام الحالي و
بنسبة
31%مقارنة بالمتوقع في الحساب الختامي للعام الحالي و تمثل الضرائب الجزء الأكبر من هذه الزيادة لكن هناك شكوك كبيرة على إمكانية تحقق هذه الزيادة بسبب التباطؤ الاقتصادي.
3) من المخطط أن تزيد المصروفات بنسبة 30%مقارنة بموازنة العام الحالي و بنسبة 19%مقارنة بالمتوقع في الحساب الختامي للعام الحالي لكن من المتوقع أن تزيد المصروفات عن المخطط بسبب الإرتفاع المتوقع للدولار حيث تفترض الحكومة سعر صرف الدولارعلى 6.78 جنيه بينما من المتوقع أن يتخطى سعر الصرف الرسمي حاجز 7 جنيه للدولار قبل نهاية العام إلا إذا قرر البنك المركزي التضحية بالإحتياطي للدفاع عن الدولار .بالاضافة لذلك فإن بند الأجور من المتوقع أن يزداد بسبب المطالب الفئوية المتكررة من الهيئات المختلفة
في
الدولة.
4) من المخطط أن يزيد العجز النقدي بنسبة 39% مقارنة بموازنة العام الحالي و هو ما يمثل انخفاض بنسبة 4% مقارنة بالمتوقع في الحساب الختامي للعام الحالي لكن بسبب توقع زيادة المصروفات و انخفاض الإيرادات فإنه من المتوقع أن يزيد عجز الموازنة في العام المالي القادم عن المخطط.
مجمل
تصور
الحكومة:
كما هو موضح في الرسم البياني أدناه فإن مجمل تصور الحكومة يفترض
أن
يحقق الاقتصاد نموا في إجمالي الناتج المحلي بنسبة
17% في العام المالي القادم بينما يصل معدل التضخم إلى 13% مما يعني تحقيق معدل نمو حقيقي
4%. و بناء على ذلك النمو و
على العجز النقدي المخطط فإن نسبة العجز النقدي لإجمالي الناتج المحلي ستصل إلى 9.4%أي أنها ستهبط دون حاجز ال
10%.
تصور
أكثر
تحفظا:
كما تم شرحه من قبل و كما هو موضح في الرسم البياني أدناه فإنه حين افتراض معدل نمو متحفظ
يصل
إلى 16% نتيجة الحالة السياسية و كذلك معدل تضخم متحفظ يصل إلى 14%تماشيا مع غلاء الأسعار لعدة أسباب على رأسها الدولار فإن معدل النمو الحقيقي
سينخفض إلى
2%. و بناء على ذلك النمو و
على العجز النقدي الذي من المتوقع أن يصل إلى حوالي 230 مليار جنيه (20% أعلى من المخطط) فإن نسبة العجز النقدي لإجمالي الناتج المحلي ستصل إلى 11.4%. و هذه التوقعات تعتبر أكثر تحفظا من المخطط لكنها في حقيقة الأمر أكثر واقعية.
الخلاصة:
بناء على ما سبق نستخلص الآتي:
1) موازنة الدولة أمر شديد الأهمية و يجب مشاركة الإقتصاديين و الخبراء و كذلك الأحزاب السياسية في مناقشتها حيث أنها تعكس توجه الدولة و خيراتها الإستراتيجية.
لذلك نشر تفاصيل الموازنة للنقاش أمر ضروري و
لا
يمكن أن يقتصر الأمر على بيانات عامة تلقى في جلسات مجلس الشورى.
2) الموازنة تعكس دائما تراكم السياسات الاقتصادية للحكومة لسنين سواء في قضية الأجور أو الدعم أو الإقتراض و لذلك فإن الحيز المالي المتاح للحكومة في هذه الموازنة ضيق جدا و
من
الصعب تغيير دفة الموازنة
بشكل
سريع بسبب الإلتزامات المسبقة لكن يمكن بطبيعة الحال إجراء تعديلات مختلفة لتغيير دفة
الموازنة و الإنفاق على المدى القصير و
المتوسط و
هو
ما لم يظهر بعد في مشروع الموازنة .
3) بشكل مجمل هذه الموازنة شديدة التفاؤل و من المتوقع أن تزيد المصروفات و تنخفض الإيرادات عن المخطط و
لذلك
ينصح بإعادة النظر في
مشروع
الموازنة بشكل دقيق حتى تصدرموازنة واقعية يمكن الإعتماد عليها و لا يحدث فارق كبير بين الموازنة و الواقع كما هو الحال في العام المالي الحالي.
(ملحوظة: البيانات المذكورة في هذا المقال مجمعة من بيانات وزارة المالية و البنك المركزي و تصريحات وزير المالية و توقعات المراكز البحثية و بنوك الاستثمار الإقليمية).
عمر الشنيطي
٢٨-أبريل-٢٠١٣
No comments:
Post a Comment