Sunday, April 14, 2013

هل انتهت الأزمة الاقتصادية؟

بعد أسبوعين من الفزع بسبب ارتفاع الدولار في السوق السوداء مصحوبا بتحليلات اقتصادية سياسية عن انهيار الاقتصاد و كذلك النظام بأكمله. ثم جاءت أخبار القروض الخارجية من قطر و ليبيا لتهدأ من روع الناس و بدأ الدولار في الهبوط في السوق السوداء مصحوبا بتصريحات حكومية تتوقع انخفاض شديد للدولار و تنصح الناس بالتخلص منه وفعلا انخفض الدولار في السوق السوداء بشكل كبير فخرج العديد من المسئولين و أنصار النظام يبشرون بانتهاء أزمة الدولار و خروج الاقتصاد من عنق الزجاجة مبشرين ببداية تحسن الاقتصاد المرتقب.

لكن ماذا كانت طبيعة الأزمة حتى تنتهي بحزمة القروض الأخيرة؟
لا يجب النظر للأزمة الاقتصادية على أنها مجرد أزمة دولار مدفوعة بالمضاربة و في حالة القضاء على المضاربة فإن الاقتصاد سيتحسن. في الحقيقة مصر تمر بمشكلة اقتصادية كبيرة منذ الثورة حيث حدث ارتفاع في مصروفات الدولة بسبب المطالب الفئوية و زيادة تكلفة الدعم و خدمة الدين بينما موارد الدولة و على رأسها الضرائب لم تزد بالشكل المطلوب مؤدية إلى زيادة في عجز الميزانية. في نفس الوقت حدثت فجوة بين موارد الدولة من الدولار متمثلة في السياحة و الاستثمارات الأجنبية  و غيرها مقابل مصارف الدولة من الدولار متمثلة في تمويل استيراد السلع الرئيسية مثل المواد البترولية في المقام الأول و خدمة الديون الاجنبية المستحقة و كذلك تغطية الاستثمارات التي خرجت من مصر. هذه الفجوة بين العرض و الطلب على الدولار فجوة حقيقية ناتجة عن الوضع الاقتصادي بصرف النظر عن المضاربة على سعر الدولار و التي بلغت ذروتها في الاسبوعين الماضيين .

بناء على هذا الوضع دخل الاقتصاد في حالة من الركود التضخمي حيث يعاني من تباطؤ في النمو مقارنة بما يجب على الاقتصاد أن يحققه من نمو  أمام ازدياد السكان. في نفس الوقت ارتفعت الأسعار بسبب ارتفاع الدولار مقارنة بسعر الصرف قبل الثورة بالإضافة لعوامل أخرى. هذا الوضع الاقتصادي ليس وليد أزمة الدولار الأخيرة و يزداد تعقد مشكلة الركود التضخمي كلما تأخر الحل. لكن مما لا شك فيه أن المضاربة على الدولار في الأسبوعين الماضيين سببت ذعرا للناس و زادت من حدة التضخم. لكن حل أزمة الدولار على المدى القصير، لو اعتبرنا أنه تم حلها، لا يعني بأي حال أن الأزمة الاقتصادية في مصر قد انتهت. لكن بلاشك السيطرة على الدولار و ضرب السوق السوداء سيقضي على حالة الفزع بين الناس و يعطي الحكومة بعض الوقت لتطبيق برنامجها الاقتصادي.

لكن ما هي خطة الحكومة لعلاج الأزمة الاقتصادية الحقيقية؟
مع زيادة عجز الموازنة و الذي سيتخطى ٢٠٠ مليار جنيه على أقل تقدير في العام المالي الحالي و هو ما يزيد عن ١٣٪ من إجمالي الناتج المحلي و إعتماد الحكومة على تمويل هذا العجز محليا مما يقلل من السيولة المتاحة لدى البنوك لتمويل القطاع الخاص، فإن الحكومة الحالية )و السابقة كذلك) تبنت برنامج ترشيدي يهدف لتقليل النفقات للحد من عجز الموازنة عن طريق إعادة هيكلة الدعم للتأكد من وصوله لمستحقيه و تمويل جزء من عجز الموازنة عن طريق الاقتراض الخارجي من صندوق النقد و الدول الحليفة مثل قطر و تركيا بفوائد أقل من الاقتراض المحلي. كما تسعي الحكومة لإنهاء الإتفاق مع صندوق النقد الدولي ليكون بمثابة شهادة على كفائة برنامج الإصلاح الاقتصادي الحكومي مما يشجع المؤسسات الدولية على اقراض مصر و كذلك المستثمرين على العودة للإستثمار. على التوازي تأمل الحكومة أن تستقر الأوضاع السياسية فتعود حركة الإنتاج إلى معدلاتها الطبيعية و كذلك تعود السياحة إلى سابق عهدها .

إذا جرت الأمور كما تخطط  الحكومة فإنهـا ستستطيع أن تحد من عجز الموازنة إلى ما دون ١٠٪ من إجمالي الناتج المحلي في فترة قصيرة .كما ستستطيع الحكومة أن تمول جزء من هذا العجز عن طريق الاقتراض الخارجي من صندوق النقد و غيره لما ممكن أن يتعدى  ١٥مليار دولار و هو ما يقارب نصف عجز الموازنة في العام المالي الحالي مما يقلل عبء تمويل عجز الموازنة عن كاهل البنوك المحلية متيحا لها الفرصة لتمويل المشروعات المختلفة و بذلك تساعد على تحريك عجلة الاقتصاد و زيادة فرص العمل. من ناحية أخرى فإن القروض الخارجية من شأنها أن تدعم احتياطي البنك المركزي و بذلك تساعد على تثبيت سعر الصرف على المدى القصير و بعد أن تستقر الأوضاع السياسية ستعود موارد الدولار من السياحة و الاستثمارات الأجنبية إلى معدلاتها الطبيعية و توازن الطلب على الدولار فيستقر سعر الصرف بشكل مستدام.

خطة تبدو رائعة و منطقية . لكن ما هي فرص نجاحها؟
هناك دائما احتمال للنجاح و آخر للفشل. و إذا نظرنا لهذه الخطة نجد أنها تعتمد على بعض العوامل حتى يكتب لها النجاح:
١) أن يتم الإتفاق مع صندوق النقد الدولي سريعا بمبلغ  ٤٫٨مليار دولار على الأقل
٢) أن يتبع هذا الإتفاق تمويل من المؤسسات الدولية الأخرى بمبلغ  ٥-٧ مليار دولار كما تخطط الحكومة و أن يحدث ذلك سريعا
٣) أن يستطيع البنك المركزي السيطرة على سوق العملة و الحد من المضاربة على الدولار بما لا يفقد البنك المركزي الكثير من الاحتياطي المنخفض في الأصل و هذا سيتطلب خفض سعر الصرف الرسمي تدريجيا
٤) أن يخفض البنك المركزي من سعر الفائدة دافعا البنوك لخفض سعر الفائدة على القروض حتى تستطيع تنشيط الاقتصاد
٥) أن يحدث استقرار سياسي يسمح بعودة السياحة و الاستثمارات الأجنبية إلى معدلاتها الطبيعية

هذه العوامل الخمسة شديدة الأهمية حتى يكتب النجاح لهذه الخطة الطموحة. لكن المتأمل في هذه العوامل يجد بعضها ممكن و بعضها بعيد المنال مما يضع الكثير من علامات الإستفهام حول قدرة الحكومة على تنفيذ هذه الخطة. و في حالة عدم قدرة الحكومة على تنفيذ هذه الخطة كما تنوي و بعد هذا الكم الهائل من الاقتراض الخارجي فإن الوضع الاقتصادي ممكن أن يتعقد كثيرا و يدخل الاقتصاد وقتها في حالة من الركود الشديد إذا لم يتم خفض سعر الفائدة و البدء في مشروعات اقتصادية قومية كبيرة .كما أن عدم استقرار الأوضاع ستبقي على حالة عدم التوازن بين العرض و الطلب على الدولار مما يؤدي إلى تخفيض أكبر في قيمة الجنيه أمام الدولار رافعا التضخم. و الأهم من ذلك أن انخفاض الجنيه وقتها سيزيد من عبء سداد القروض الخارجية و التي ستزيد قيمتها بالجنيه. و ستحتاج مصر أن تقترض أكثر حتى تدفع القروض المستحقة بما يعرف بظاهرة "فخ الديون . لكن مازال من الصعب التكهن بما سيحدث و هل ستستطيع الحكومة تنفيذ برنامجها كما تنوي أم أن الأمر سيخرج عن السيطرة.

الخلاصة: أزمة المضاربة على الدولار قد هدأت بعض الشيء لكن ذلك لا يعني أن الأزمة الاقتصادية انتهت بأي شكل حيث أن الأزمة الاقتصادية هي حالة من الركود التضخمي و الذي هو أكثر عمقا من مجرد أزمة دولار. الهدوء النسبي بعد تراجع الدولار في السوق السوداء من المفترض أن يعطي الحكومة مساحة من الوقت لتطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي وضعته و الذي على رغم من كونه معتمدا في نجاحه على مجموعة من العوامل التي من الصعب أن تتحقق بالكامل إلا أن الرجوع عن هذا البرنامج و عدم دعمه الآن بعد هذا الكم الهائل من القروض الخارجية سيدخل الاقتصاد في حلقة مفرغة قد لا تخرج منها البلاد لأعوام على أقل تقدير. و على من يحكم مصر أن يدرك خطورة الوضع و الآثار المترتبة على خروجه عن السيطرة فيبادر بمصارحة الشعب بحقيقة حال الاقتصاد و السعي لتسوية سياسية سريعة حتى يفسح المجال لتطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي قبل فوات الأوان.

 عمر الشنيطي
١٤-أبريل-٢٠١٣

No comments:

Post a Comment