Sunday, July 7, 2013

الموارد المحلية ثم الاقترض ثم بيع الأصول

لم تكن مصر الدولة الأولى التى تمر بمحاولة تحول اقتصادى للتغلب على مشاكلها الاقتصادية المزمنة حيث مرت دول عديدة من قبل بتحول ديمقراطى عادة ما يواكبه تحول اقتصادى كما حدث فى أمريكا الجنوبية وأوروبا الشرقية. ولعل مما يثير الدهشة أن الكثير من هذه الدول لاسيما الدول المحدودة فى مواردها الطبيعية مرت بنفس التسلسل فى تطورها الاقتصادى، يمكن تلخيصه فى ثلاث مراحل بداية من الاعتماد على موارد الدولة مرورا بالاعتماد على الاقتراض وانتهاء بالاعتماد على بيع أصول الدولة.

المرحلة الأولى: الاعتماد على موارد الدولة حيث تأتى القيادات الجديدة بعد التغيرات السياسية الحرجة فتتحدث عن الفساد الذى استشرى لعقود وعن إمكانية توفير هذه الموارد واستخدامها لتمويل برنامج تحول اقتصادى متكامل يحدث طفرة حقيقية فى الدخل وتوزيعه. وعادة ما يتم الحديث عن موارد مهدرة تقدر بالمليارات مما يوحى بأنها تكفى لتمويل برنامج التحول الاقتصادى بدون الحاجة لعلاج جذرى للمشاكل الاقتصادية الهيكلية.

لكن سرعان ما تتبدد هذه الأحلام بعد الاصطدام بالواقع المرير بسبب المبالغة فى تقدير حجم الموارد المهدرة والأهم بسبب عدم الخبرة فى إدارة مؤسسات الدولة بل والتصدى للتغيير من داخل هذه المؤسسات فى بعض الأحيان. لكن بعض الدول استطاعت الاعتماد على مواردها بسبب كثرة هذه الموارد أو بسبب قدرة الحكام الجدد على إعادة هيكلة الجهاز الحكومى واستغلال تلك الموارد. وإن لم تستطع الدولة فعليها الانتقال للمرحلة الثانية.
  
المرحلة الثانية: الاعتماد على الاقتراض وخاصة الخارجى حيث يتصور الحكام أن الدولة لديها القدرة على النهوض من كبوتها وتحقيق نمو اقتصادى مستدام لكن تحتاج إلى دفعة قوية من التمويل حتى يتم تدوير عجلة الإنتاج. ويعتقد الحكام أن العالم سيقبل على تمويلهم لكن سرعان ما يكتشفوا أن المؤسسات المالية الخاصة ترى مخاطر جمة فى تمويل هذه الدولة فى ظل وضعها الاقتصادى المعقد وتطالبها بتبنى برنامج إصلاح اقتصادى شامل يشرف على تنفيذه مؤسسة دولية مستقلة مثل صندوق النقد.

تدخل صندوق النقد دائما يكون أصعب مما يظنه الحكام حيث يطالب الصندوق بإجراءات جذرية غير شعبوية عادة ما يصعب تطبيقها خاصة فى حالات عدم الاستقرار وينتهى الوضع مع الصندوق بعدم الإتفاق أو بإتفاق لا يتم تنفيذه. لكن بعض الدول استطاعت الاعتماد على الاقتراض بسبب قدرة الحكام الجدد على تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادى حقيقى. وإن لم تستطع الدولة فعليها الإنتقال للمرحلة الثالثة.
  
المرحلة الثالثة: الاعتماد على بيع أصول الدولة سواءا للمستثمرين المحليين أو الأجانب حيث تزداد الحاجة لتمويل عجز الموازنة المتصاعد وتأمين الحاجات الأساسية للشعب. لكن بسبب حرج الوضع الاقتصادى تحجم المؤسسات عن التمويل عن طريق الاقراض وتفضل الحصول على أصول مقابل التمويل لضمان حقوقها فى حالة تردى الوضع الاقتصادى. وعادة ما يأتى بيع الأصول كآخر خيار نظرا لحساسيته. وعلى الرغم من الصورة الذهنية السلبية لبيع الأصول إلا أنه ليس بالضرورة سلبيا.

فإذا نظرنا إلى بيع الأصول نجد أنه قد يأخذ شكل بيع مباشر للأصول أو شكل خصخصة لشركات القطاع العام أو شكل تخصيص أراضى فى مدن عمرانية وصناعية جديدة أو فى شكل شراكة بين القطاع الخاص والعام لتنمية بعض المشروعات أو شكل إصدار سندات أو صكوك بضمان إيراد بعض الأصول والمشروعات أوغيرها من الأشكال.

قد يطال بيع الأصول قطاعات مختلفة منها ما هو استراتيجى للدولة ومنها ما هو أقل أهمية من حيث الأثر على الأمن القومى والنمو الاقتصادى. وقد يحدث بيع الأصول فى ظروف اقتصادية وسياسية مستقرة مما يتيح شروط جيدة فى عملية البيع. لكن على النحو الآخر فى ظل الظروف الحرجة، قد يتم البيع بشروط مجحفة. لذلك يجب الحكم على بيع الأصول بتعمق عن طريق النظر فى نوع الأصل وشكل البيع وتوقيته وشروطه.
  
إذا نظرنا لمصر منذ ٢٠١١ خاصة فى العام الأخير نجد أن الاقتصاد تدرج من الاعتماد على موارد الدولة والذى لم ينجح بسبب المبالغة فى تقدير حجم الموارد المهدرة وعدم الخبرة من ناحية والتصدى للتغيير من ناحية أخرى مما دفع بالاقتصاد للاعتماد على الاقتراض والذى تم التوسع فيه داخليا بشكل كبير وخارجيا من الدول الحليفة. لكن لم يتم الاتفاق مع صندوق النقد مما أضعف من قدرة مصر على الاقتراض من المؤسسات المالية العالمية المختلفة.  وقد دفع ذلك بمصر إلى بداية طريق بيع الأصول والذى أصبح لا مفر منه بسبب الوضع الاقتصادى الحرج من حيث ارتفاع عجز الموازنة وتسارع مستوى الدين الداخلى والخارجى. وسيعتمد بيع الأصول والحكم عليه بناء على الوضع السياسى العام وسرعة تدهور الاقتصاد وشكل بيع الأصول المتبع. 

والآن تقف مصر على مفترق طرق لا يُعرف نهايته بالتحديد وقت كتابة المقال، لكن سيؤدى بلا شك إلى دخول الاقتصاد المصرى فى وضع أكثر حرجا فى الفترة القادمة يصعب فيه الاعتماد على موارد الدولة كما أن فرص الاقتراض الخارجى قد تكون معدومة مما يجعل بيع الأصول هو التوجه المتاح بصرف النظر عمن بيده زمام الحكم على المدى القصير.


عمر الشنيطي
7-يوليو-2013
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق"

No comments:

Post a Comment