تتوارد الأخبار من
وقت لآخرعن نية شركات عالمية وإقليمية لتوسيع نشاطها فى مصرخلال الفترة القادمة.
فى نفس الوقت يتحدث الاقتصاديون عن أزمة اقتصادية طاحنة لا يقتصر الحديث عنها
بين الاقتصاديين فقط بل أيضاً بين عامة الشعب الذىن يشعرون بحالة من غلاء الاسعار وصعوبة إيجاد فرص
عمل.
لكن إذا كان الوضع
الاقتصادى بهذا السوء، فلماذا تنوى هذه الشركات الاستثمار فى مصر؟ هل يرون ما لا
نراه؟ أم أنها مجرد شائعات لا تحمل وراءها أى نيّه حقيقية للاستثمار؟!
بدايةً علينا أن
نعترف بأن الوضع الاقتصادى سيئ بالفعل، ومع ذلك لا تزال هناك شركات عالمية ترغب فى
الاستثمار فى مصر وهذه ليست شائعات بل واقع. ولعل السبب فى التضارب بين الأمرين هو
الاختلاف فى مستوى التحليل للوضع الاقتصادى. فعلى المستوى الكلى، فإن الاقتصاد يمر
بحالة من التباطؤ فى النمو منذ الثورة أدت الى زيادة نسبة البطالة. هذا إلى جانب حالة ارتفاع معدل التضخم بسبب ارتفاع سعر صرف
الدولار وزيادة تكاليف الانتاج. وهذه الحالة تعرف "بالركود التضخمى"
والذى يصيب الاقتصاد بحالة من التراجع الشديد. ولعل سبب هذه الأزمة، هو حالة الإضطراب
السياسى الذى تسبب فى إضفاء جو عام من السلبية. لكن على الرغم من سواد الصورة
الكلية إلا أن هذا لا يعنى أنه لا توجد فرص للاستثمار. فسوء الوضع بشكل عام يعنى أن
الغالبية تأثرت سلباً ولكن بطبيعة الحال يبقى هناك من تأثر إيجاباً ومن إستطاع أن يرى
الفرص فى ظل هذا الوضع وينقض عليها.
عادة ما تتيح
الأزمات الاقتصادية فرصاً استثمارية لا يراها إلا من إستطاع أن يرتقى بنظره إلى ما
بعد الأحداث الجارية وينظر إلى المستقبل. وفى دولة كمصر فإن الوضع الحالى يفتح
فرصاً كبيرة للاستثمار فى مجالات البنية التحتية والطاقة وتقديم الخدمات العامة
بالشراكة مع الحكومة. كما أن إنخفاض قيمة الجنية أمام الدولار تفتح فرصاً كبيرة للاستثمار
فى الصناعات التصديرية والتى تعتمد على تسويق منتجاتها المصنعه فى مصر فى الأسواق
العالمية. بالإضافة الى ذلك، تبقى مصر من أفضل الأسواق للاستثمار فى مجالات الغذاء
والصحة والتعليم باعتبارها خدمات رئيسية.
إذا نظرنا لاقتصاد
مصر و وضعها الحالى، سنجد أن هناك مقومات كثيرة تجعل هناك
فرص للاستثمار فى القطاعات التى سبق ذكرها:
أولاً: مصر دولة يفوق عدد سكانها ٨٠ مليون نسمة وهذا يجعلها من أكبر أسواق الاستهلاكية في المنطقة، فحتى مع سوء الوضع الاقتصادى يظل هناك طلب على
السلع الغذائية، والخدمات الصحية والتعليمية وغيرها.
ثانياً: وضع البنية التحتية والكثير من الخدمات العامة فى مصر
فى حالة سيئة ويحتاج لضخ استثمارات كبيرة مما يفتح الباب للاستثمار فى مشروعات قومية
طويلة المدى وقليلة المخاطرة.
ثالثاً: عجز الميزانية الحكومية المتفاقم سيجبر الدولة للجوء إلى
التعاون بشكل كبير مع القطاع الخاص فى مجالات توليد وتوزيع الطاقة، البنية
التحتية، المواصلات، الخدمات العامة وغيرها.
رابعاً: إنخفاض قيمة الجنية أمام الدولار يزيد من تنافسية المنتجات المصرية المصدرة
للأسواق العالمية مما يفتح الباب لكثير من الشركات والمصانع العالمية لتوسيع
نشاطها الصناعى فى مصر إلى جانب توفر العمالة بكثافة وبتكلفة منخفضة نسبياً.
خامساً: مصر دولة محورية من حيث وضعها السياسى فى المنطقة و لا يستطيع أحد في الوقت الراهن تحمل نتائج سقوطها. والشركات العالمية والإقليمية تدرك ذلك
جيداً وإذا كان هذا هو الحال فإن الاقتصاد سيتحسن عاجلاً أم آجلاً. ولذلك فمن
الأفضل أن يبادروا بالاستثمار الآن للإستفاده من تدنى الأسعار.
هذه الأسباب
وغيرها تجذب الشركات العالمية والإقليمية للاستثمار فى مصر و إن كانوا متباطئين في تنفيذ هذه الخطط حتى استقرار الأوضاع. الخلاصة أنه حتى فى أحلك الأزمات هناك من
يستطيع أن يرى فرصاً استثمارية ويقتنصها.
عمر الشنيطي
٣-مارس-٢٠١٣
نُشر هذا المقال فى "جريدة الوطن"
نُشر هذا المقال فى "جريدة الوطن"
No comments:
Post a Comment