Sunday, July 10, 2016

فى ظلال البريكسيت

شهد الأسبوعان الماضيان جدلا كبيرا بسبب تصويت بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبى، وهو ما بات يعرف بـ«البريكسيت». هذا التصويت الذى دعا إليه كاميرون، رئيس وزراء بريطانيا، وذلك لم يكن بسبب وجود ضغط كبير لإجرائه، لكن كاميرون كان يريد حسم الأمور داخل حزبه بهذا التصويت والذى كان من المتوقع أن يمر بسلام ببقاء بريطانيا، كما أشارت استطلاعات الرأى. لكن جاء التصويت بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى وهو ما كان بمثابة الزلزال على مستوى الاقتصاد البريطانى والأوروبى، بل امتد أثره ليشمل الأسواق العالمية.

الآثار الأولية للبريكسيت تشير إلى صدمة الأسواق المالية والتى لم تتوقع نتيجة التصويت واعتبرت بقاء بريطانيا أمرا محسوما، فجاءت النتيجة لتعصف بالجنيه الاسترلينى والذى فقد ما يزيد على عشر قيمته فى عدة ساعات، كما انخفضت بورصة بريطانيا بشكل حاد فى ظل نزيف كبير لأسهم البنوك البريطانية التى كانت تستفيد من وجود بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبى مما يتيح للندن لعب دور مركزى فى الاقتصاد الأوروبى والعالمى. لم تقتصر الهزة الاقتصادية على بريطانيا بل شملت الأسواق الأوروبية والتى نزفت بالتبعية، كما تراجع اليورو فى ظل مخاوف على مستقبل الاتحاد وإن كان معدل الخسائر أقل من النزيف البريطانى. هذه الهزة وصلت للأسواق العالمية، والتى خسرت ما يزيد على تريليون دولار من قيمتها السوقية فى أيام معدودات خوفا من أزمة اقتصادية عالمية جديدة.

لم تقتصر الخسائر على الجانب الاقتصادى فقط بل امتدت للجانب السياسى، والذى أصبح تشوبه العديد من المخاطر. فمع نتيجة التصويت، لم يجد كاميرون حلا إلا تقديم استقالته بعد أن دفع بريطانيا والاتحاد الأوروبى لمأزق حرج كان يمكن تجنبه. لكن استقالة كاميرون لم تكن كافية حيث إن فقدان الثقة عمت فى الأحزاب والحياة السياسية بشكل عام. من ناحية أخرى، أعلنت رئيسة وزراء اسكتلندا عن نيتها إجراء استفتاء على الاستقلال عن المملكة المتحدة حتى تستطيع البقاء داخل الاتحاد الأوروبى. كما أشارت إيرلندا الشمالية عن نية مشابهة. وانقلب السحر على الساحر، فالمملكة المتحدة التى صوتت على الخروج من الاتحاد الأوروبى أصبحت تواجه احتمالات خروج اسكتلندا وأيرلندا الشمالية من المملكة المتحدة.

أما الاتحاد الأوروبى فأصبح يواجه حمى الانفصال، حيث يتصور أن تقوم عدة دول أخرى فى الاتحاد بالتصويت على الخروج رغبة فى الاستقلال بالسياسة الاقتصادية والبعد عن المواقف السياسية الموحدة. ولعل الخوف من تلك العدوى هو ما دفع قادة الاتحاد للإسراع فى خروج بريطانيا من الاتحاد. ما يزال البريكسيت أمرا جديدا على بريطانيا والعالم. وعلى الرغم من حالة الندم التى عبر عنها بعض الذين صوتوا بالخروج ورغبتهم فى إعادة التصويت إلا أن موقف قادة الاتحاد الأوروبى وكذلك كاميرون يشير لضعف احتمالية إعادة التصويت وأن على العالم التعايش مع ذلك. سيتطلب خروج بريطانيا وقتا طويلا قد يمتد لعدة أعوام، لكن بعد حالة الهلع فى الأيام الأولى بدأت الأسواق فى الهدوء وإدراك أن البريكسيت لا يعنى بالضرورة أزمة مالية عالمية جديدة.

بعيدا عن حجم التأثير، من المفيد النظر فى أسباب النتيجة المفاجئة للتصويت. أحد التفسيرات يرجع السبب لاعتراض قطاع من الشعب على سياسة الحكومة الاقتصادية وارتفاع البطالة التى يمكن إرجاعها من وجهة نظرهم لانفتاح بريطانيا على أوروبا مما أدى لتدفق العمالة من شرق أوروبا للحصول على الوظائف على حساب البريطانيين. وكذلك اعتراض تلك الفئة على التكلفة الكبيرة التى تتحملها بريطانيا نتيجة ارتباطها بالاتحاد كما روج لها المنادين بالخروج. هناك تفسير آخر يرتبط بسياسة الاتحاد فى قضية اللاجئين واعتراض بعض البريطانيين عليها، بينما يأتى تفسير ثالث ركز على البعد الاجتماعى، حيث تشير الاحصاءات إلى أن غالبية كبار السن صوتوا بالخروج من الاتحاد، بينما غالبية الشباب صوتوا للبقاء، وهو ما يعكس خلافا كلاسيكيا بين جيل كبار السن الذى يفضل ما اعتاد عليه وجيل الشباب الذى يرجح الانفتاح على الثقافات الأخرى.

وانقسم المحللون محليا فى تقييم أثر البريكسيت على الاقتصاد المصرى بين متفائل لا يرى أى أثر يذكر ومتشائم يرى أثرا سلبيا كبيرا. فى ظل اقتصاد عالمى مترابط، يصعب افتراض أن الاقتصاد المصرى منعزل عما يحدث ويمكن تحليل أثر البريكسيت من زاويتين. الأولى ترتبط بطبيعة الأثر حيث يفترض أن يكون الأثر غير مباشر لأن مصر ليست جزءا من الاتحاد الأوروبى ولذلك لن يكون الأثر عليها مثل حال دول أوروبية كإسبانيا واليونان. لكن ما يزال الاقتصاد المصرى مرتبط بالاقتصاد العالمى ويتأثر به ولعل الأزمة المالية العالمية فى ٢٠٠٨ كانت خير دليل على ذلك حيث تأثر الاقتصاد المصرى بتلك الهزة التى ضربت الاقتصاد العالمى. من المهم إدراك أن الاتحاد الأوروبى هو الشريك التجارى الأكبر لمصر سواء فيما يخص الصادرات والواردات أو السياحة. كما أن الشركات الأوروبية خاصة فى مجال البترول وتوليد الطاقة تعتبر أكبر مستثمر أجنبى فى السوق المصرى. ولذلك ما ستشهده أوروبا نتيجة البريكسيت سيكون له انعكاسات على الاقتصاد المصرى. بالإضافة لذلك سيكون لتباطؤ الاقتصاد الأوروبى أثرا على أسعار البترول مما سيكون له تأثيرات متباينة على الاقتصاد سواء من إحجام الاستثمارات من ناحية وانخفاض عجز الموازنة من ناحية أخرى.

أما الزاوية الثانية فتتعلق بحجم ذلك الأثر حيث يتوقع أن يكون محدودا بسبب حالة الاقتصاد الحالية، حيث سجلت الاستثمارات الأجنبية مستويات متواضعة أخيرا نتيجة الوضع الاقتصادى والسياسى. أما السياحة فهى فى أسوأ أوضاعها نتيجة الوضع الأمنى مما يجعل من الصعب أن تتدهور الاوضاع أكثر من ذلك نتيجة البريكسيت. لكن الخسارة الحقيقية تكمن فى انخفاض فرص التعافى للاقتصاد المصرى على المدى القصير والمتوسط مع تذبذب الاقتصاد العالمى.

سيكون للبريكسيت أثر كبير على الاقتصاد الأوروبى والعالمى والاقتصاد المصرى ليس فى معزل عن ذلك وإن كان الأثر على الاقتصاد المصرى سيكون محدودا، وكأن لسان حاله يقول: «لا يوجد الكثير لأخسره على أى حال»، لكن علينا نسيان فكرة التعافى الاقتصادى لفترة ليست بالقصيرة وهو خبر سيئ للمتفائلين بينما أمر منطقى للواقعيين.
عمر الشنيطى
 8 - يوليو - 2016
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق"


No comments:

Post a Comment