Friday, May 13, 2016

تراجع اقتصادى وترقب إقليمى

مع اندلاع الثورة فى يناير ٢٠١١ تراجع الاقتصاد بسبب الاضطراب السياسى والأمنى فى البلاد مما انعكس على معدل النمو والذى توقف عند قرابة ٢٪ لأربع سنوات متتالية، وهو مستوى نمو منخفض مقارنة بزيادة السكان ومعدلات النمو التى حققتها مصر على مدى العقد الذى سبق الثورة. منذ بداية ٢٠١٤ بدأ الاقتصاد فى التعافى مدفوعا بتحسن الوضع الأمنى والدعم الخليجى مما حسن من المناخ العام فى مجتمع الأعمال وانعكس على معدلات النمو. فى بداية العام المالى ٢٠١٤ــ٢٠١٥ توقعت الحكومة أن يسجل الاقتصاد معدل نمو ٣٫٥٪، وهو ما بدا طموحا وقتها، ثم قامت الحكومة برفع توقعاتها لقرابة ٤٪ خلال العام لكن انتهى العام بتحقيق نموا بلغ ٤٫٣٪ وهو ما كان مؤشرا إيجابيا على تعافى الاقتصاد أسرع من المتوقع. ذلك التحسن الملحوظ دفع الحكومة لتوقع معدل نمو ٥٪ فى العام المالى الحالى ٢٠١٥ــ٢٠١٦. لكن أرقام الربع الأول أتت مخيبة للآمال حيث حقق الاقتصاد نموا قارب ٣٪ فقط مع وجود العديد من المؤشرات على تراجع النشاط الاقتصادى.

التراجع الاقتصادى فى العام الحالى يمكن إرجاعه لستة أسباب رئيسية. الأول، أزمة سعر الصرف حيث يواجه الجنيه ضغطا كبيرا مما أدى لانخفاض سعره فى البنوك وكذلك اشتعال السوق الموازية مع وجود صعوبات حقيقية فى توفير العملة الصعبة اللازمة للاستيراد سواء من خلال البنوك أو الصرافات مما دفع البنك المركزى والحكومة لتضييق الخناق على الاستيراد، وهو ما لم يقتصر على السلع الرفاهية، ولكن طال أيضا الكثير من المواد الخام الأساسية مما أثر سلبا على معدلات التصنيع المحلى والتى تراجعت بقرابة ٣٠٪. الثانى، عدم توافر الغاز الطبيعى للتصنيع حيث فضلت الحكومة توجيه المتاح من الغاز الطبيعى لتوليد الكهرباء لاحتواء مشكلة الكهرباء وإشعار الناس بتحسن الخدمات العامة، وهو ما جاء على حساب نقص الغاز اللازم للمصانع وساهم فى تراجع معدلات التصنيع. الثالث، أزمة السياحة والتى اشتعلت بعد سقوط الطائرة الروسية العام الماضى مما أدى لحظر العديد من الدول سفر مواطنيها لمصر للسياحة وانعكس على تراجع أعداد السياح أخيرا بما يزيد على ٤٥٪، وهو ما أثر على انكماش القطاع السياحى والذى كان يوفر فرص عمل لملايين الأفراد.
أما الرابع، فتراجع الدعم الخليجى والذى كان له أثرا بارزا فى دفع عجلة النمو لكن ذلك الدعم السخى تراجع بشدة منذ مطلع ٢٠١٥ مدفوعا بتراجع أسعار البترول وكذلك رؤية دول الخليج أن على مصر الاعتماد على نفسها، بينما تحول الدعم الخليجى من المنح والقروض إلى الاستثمارات، وهو ما لم تتم ترجمته على أرض الواقع حتى الآن. الخامس، تردد المؤسسات المالية، والتى كان يعول عليها أن تقوم بالاستثمار فى مصر خاصة فى شراء السندات الحكومية وأسهم الشركات بعد أن قام البنك المركزى بخفض الجنيه ١٤٪ استجابة لمطالبهم لكنهم فى الواقع فضلوا الانتظار حتى يصل الجنيه لسعره العادل من وجهة نظرهم وهو ما زاد الضغط على الجنيه وخفض من الثقة فى احتمالية تعافى الاقتصاد على المدى القصير. السادس، عدم قدرة المشروعات القومية العملاقة على دفع النمو كما كان متوقعا حيث بنت الحكومة تصورها للتنمية بالاعتماد على مشروعات عملاقة سواء فى مجال النقل أو الزراعة أو غيرها لكن طريقة تنفيذ هذه المشروعات لم تؤدى لتحريك القطاعات الأخرى المستهدفة.
تلك الأسباب الستة يمكنها أن تفسر التراجع فى معدلات النمو مقارنة بما كان متوقعا ومقارنة بالعام المالى الماضى، كما تفسر أيضا ضبابية مناخ الاستثمار العام وتراجع ثقة المستثمرين فى تعافى الاقتصاد على المدى القصير. لكن بنظرة تحليلية يتضح أن التراجع فى معدلات النمو فى العام الحالى ليس كبيرا كما تظهره الأرقام. فقد شهد العام المالى الماضى ٢٠١٤ــ٢٠١٥ معدل نمو وصل ٤٫٣٪ فى المجمل خلال العام لكن ذلك المعدل فاق ٥٪ فى النصف الأول، وهو معدل كبير سببه أن النصف الأول من العام الذى سبقه (يوليوــ ديسمبر٢٠١٣) كان قد شهد تراجعا فى النمو بسبب الاضطرابات السياسية والأمنية مما جعل النصف الأول من العام الماضى (يوليوــ ديسمبر ٢٠١٤) يبدو كبيرا فى النمو. أما النصف الثانى من العام المالى الماضى (ينايرــ يونيو ٢٠١٥) فقد شهد معدلات نمو قاربت ٣٪ بعد أن وصل الاقتصاد لمعدله الطبيعى فى ظل الظروف الاقتصادية الحرجة. لذلك لم يكن من المنطقى توقع زيادة النمو فى العام المالى الجديد أو حتى أن يحافظ على نفس معدلات النمو المرتفعة فى مجمل العام السابق، بينما كان الأوقع افتراض معدلات نمو فى مستوى ٣ــ٣٫٥٪، وهو ما حققه الاقتصاد فى النصف الثانى من العام الماضى.

التراجع الاقتصادى أمر واقع يصعب الجدال فيه حيث تؤكده الإحصاءات الرسمية وتعلله أسباب متعددة، كما أن ذلك التراجع من المتوقع أن يستمر كما توضح مؤشرات عدة لقياس مناخ الاستثمار وثقة المستثمرين فى تعافى الاقتصاد على المدى القصير. أما النظر للمستقبل، فيوضح أن الاقتصاد يعيش فى حالة من العزلة النسبية بعد أن تراجعت السياحة بشكل كبير وعزف المستثمرين الأجانب عن الاستثمار فى مصر حتى يستقر سعر الصرف وتنقشع ضبابية المناخ العام. فى ظل ذلك الوضع الحرج، يصبح الاعتماد على الحلفاء فى المنطقة أمرا حتميا وحيث أن المنطقة تتمحور الآن حول الصراع السعودى الإيرانى، فإن ذلك الاعتماد لا مفر من أن يكون جزءا من اتفاق أوسع يشمل ليس فقط بنودا اقتصادية، ولكن سياسية وربما عسكرية أيضا. قد لا يكون من مصلحة مصر الدخول فى صراعات سياسية أو عسكرية خارجية الآن لكن حدة الوضع الاقتصادى قد تجبر على ذلك. فعلى الرغم من أن التوقعات من زيارة العاهل السعودى بلغت عنان السماء إلا أن مجرد الاتفاق على توريد البترول بشروط دفع ميسرة تمتد لعدة سنوات يضمن عدم تكرار سيناريو طوابير السيارات أمام محطات البنزين وهو ما قد يكون لتكراره تكلفة سياسية داخلية كبيرة. قد يكون شعارنا فى المرحلة القادمة «مجبر أخاك لا بطل» بينما ننتظر لعب دورنا فى الشرق الأوسط الملتهب.

عمر الشنيطى
 13 - مايو - 2016
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق"

No comments:

Post a Comment