Friday, March 18, 2016

المصريون بالخارج.. الكنز المفقود



المصريين بالخارج هم مجموعة سافرت للعمل خارج مصر رغبة فى الحصول على فرصة عمل أو حياة أفضل. وعلى الرغم من أن الكثير منهم قد يلجأون لدفع الأموال للحصول على فرصة جيدة فى الخارج إلا أنه ما إذا استقر الأمر لهم، فإن فرصهم فى الحصول على دخل أكبر من متوسط الدخل فى مصر تكون عالية، وهو ما ينعكس على قيامهم بتحويلات دورية لعائلاتهم فى مصر لإعانتهم أو لادخار المال واستخدامه لشراء أصول عقارية. ولعل السفر للخارج خاصة للخليج كان لفترة المصدر الرئيسى للترقى الاقتصادى فى الطبقات الفقيرة والمتوسطة.

يتم تسليط الضوء أخيرا على المصريين بالخارج على أنهم أحد أهم الحلول لمشاكل مصر الاقتصادية خاصة مشكلة الدولار. وبناء على الإحصاءات الرسمية، فإن قرابة ٣٫٥ مليون مصرى يقيمون بالخارج لكن العديد من التقارير تشير إلى أن الرقم الحقيقى قد يصل إلى ٨ مليون مصرى حيث أن جزءا كبيرا من المصريين بالخارج لا يقومون بتسجيل أنفسهم فى السفارات خوفا من فرض ضرائب عليهم كما أن بعضهم قد يكون قد سافر بطرق غير شرعية. ويقيم الجزء الأكبر من المصريين بالخارج فى الدول العربية خاصة منطقة الخليج. وعلى عكس الصورة الذهنية فإن غالبيتهم سبق لهم الالتحاق بالتعليم، وأكثر من نصفهم أنهوا مرحلة التعليم الثانوى.

وتعتبر التحويلات الجانب الاقتصادى الأهم للعاملين بالخارج حيث تمثل مصدرا رئيسيا للعملة الصعبة الواردة للاقتصاد. وتشير الأرقام إلى أن التحويلات زادت من ٢٫٦ مليار دولار فى ١٩٩٠ لتصل إلى ٤٫٣ مليار دولار فى ٢٠٠٥ بمعدل زيادة سنوى يقارب ٥٪. لكن فترة ٢٠٠٥ــ٢٠١٠ شهدت نموا كبيرا بلغ فى المتوسط ١٨٪ سنويا لتصل إجمالى التحويلات لقرابة ١٠ مليارات دولار فى ٢٠١٠ مدفوعة بنمو كبير فى اقتصادات دول الخليج وليبيا على خلفية أسعار البترول المرتفعة. أما بعد الثورة، فقد شهدت التحويلات ارتفاعا غير مسبوق حيث وصل متوسط النمو السنوى فى التحويلات لقرابة ٤٠٪ فى عامى ٢٠١١ــ٢٠١٢ لتصل اجمالى التحويلات لقرابة ١٨ مليار دولار.

ولعل السبب فى تلك الزيادة الكبيرة يرجع للحالة الإيجابية التى سادت المجال العام عقب الثورة مباشرة والتصور السائد آنذاك أن مرحلة جديدة فى عمر الوطن قد بدأت وأن تلك المرحلة سيصاحبها نمو اقتصادى كبير. لكن تلك الطموحات العريضة سرعان ما اصطدمت بالواقع الحرج على المستوى السياسى والأمنى والذى انعكس سلبا على التراجع الاقتصادى خاصة تراجع مصادر الدولار المستدامة، وعلى رأسها السياحة والاستثمار الأجنبى مما زاد الضغط على الجنيه وأدى إلى عدة موجات من اشتعال السوق الموازية للعملة. عدم الاستقرار والصورة السلبية انعكس بشكل واضح على التحويلات والتى سجلت معدل نمو متواضع خلال السنوات الثلاث الأخيرة وصل ٢٫٦٪ فقط لتصل إجمالى التحويلات لقرابة ١٩ مليار دولار فى العام الماضى.

على صعيد آخر، فإن تراجع أسعار البترول بشكل كبير أثر على اقتصادات دول الخليج سلبا وبالتبعية على حجم تحويلات المصريين المقيمين فى تلك الدول. كما أن التدهور الكبير الذى شهدته ليبيا قد أدى إلى رجوع عددا ليس بالقليل من المصريين العاملين هناك، وبالتالى انحصار التحويلات القادمة من ليبيا. لكن بجانب تلك الأسباب السياسية والإقليمية، هناك شواهد على أن اشتعال الدولار أخيرا كان سببا وراء عدم نمو تحويلات المصريين بالخارج، حيث يخاف البعض من عدم قدرتهم على سحب تحويلاتهم بالدولار وإجبار البنوك المحلية لهم على تحويل تلك الدولارات للجنيه بالسعر الرسمى.

***

بناء على مسح شامل أجراه الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء منذ عامين فإن ثلثى العاملين بالخارج يعتمدون على التحويلات البنكية لتحويل الأموال لمصر، أما الثلث الآخر فيكون من خلال الأصدقاء والوكلاء. ولذلك فإن الحجم الحقيقى لتحويلات المصريين بالخارج يفوق الرقم الرسمى بالنصف فى المعتاد، مما يعنى أن الرقم الحقيقى قد يصل إلى ٢٥ــ٣٠ مليار دولار. وتشير تقارير عدة إلى أن اشتعال السوق الموازية تؤدى للجوء نسبة من المصريين بالخارج لمكاتب الصرافة والتى تستلم الأموال منهم وتعد بتسليمها لأقاربهم فى مصر بالدولار. لكن بعض مكاتب الصرافة لا تقوم بتحويلها لمصر من خلال البنوك كما هو متعارف عليه بل تقوم بتسويتها مع أموال تجار آخرين فى مصر يريدون إرسال العملة الصعبة خارج مصر بهدف دفع مستحقات موردين فى وقت يضيق فيه البنك المركزى الخناق على المستوردين.

فى مثل هذا الوضع، المصرى بالخارج يدفع الأموال للصرافة لتحويلها لمصر لكنها لا تدخل للاقتصاد بل تحتفظ بها الصرافة فى الخارج وتعطيها بالنيابة عن التاجر المصرى للمورد فى الخارج. وفى مصر تتسلم الصرافة الدولار من التاجر وتعطيه لعائلة المصرى بالداخل. وبناء على ذلك، فالمصرى بالخارج وكذلك التاجر المحلى كلاهما حقق هدفه لكن فى النهاية لا يدخل للاقتصاد عملة صعبة نتيجة ذلك. وهذا الأمر ليس اكتشافا جديدا، ولعل ذلك ما يفسر قيام الحكومة بإصدار قرارات تنظم عملية الاستيراد تقضى بدفع كامل قيمة الشحنات المستوردة من خلال البنك لإتمام عملية الاستيراد.

المصريون بالخارج يمكن اعتبارهم الكنز المفقود حاليا، حيث إن حجم تحويلاتهم الحقيقى يقارب ٢٥ــ٣٠ مليار دولار سنويا، وهو ما يفوق إجمالى إيرادات السياحة والاستثمار الأجنبى مجتمعين. ولذلك يركز البنك المركزى على المصريين بالخارج مستهدفا زيادة تحويلاتهم وإرسالها من خلال البنوك، وكذلك الحفاظ على أكبر جزء منها داخل القطاع المصرفى لدعم قدرة البنك المركزى على الدفاع عن الجنيه. ولعل ذلك ما يفسر طرح شهادات دولارية أخيرا ذات عائد مرتفع نسبيا تستهدف تلك الشريحة. لكن الشهادات الأخيرة لم تستطع جذب الأموال المطلوبة من المصريين بالخارج نتيجة الاضطراب فى سوق العملة وتوقع المزيد من التخفيض للجنيه.

ومن المتوقع أن يستمر البنك المركزى بالعمل على طرح أدوات استثمارية مختلفة من شهادات دولارية وشهادات خاصة بالجنيه وتسهيل إجراءات التعامل مع الدولار المحول من المصريين بالخارج لبث الثقة لديهم أملاً فى تشجيع تحويلاتهم بالشكل المطلوب لكن ذلك سيتطلب بعض الوقت لإعادة بناء الثقة والمصداقية فى الجنيه والاقتصاد المصرى بشكل عام.

عمر الشنيطى
 18 - مارس - 2016
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق"

No comments:

Post a Comment