Saturday, January 9, 2016

حصاد 2015 وتوقعات 2016

لم يكن ٢٠١٥ عاما تقليديا على المستوى الاقتصادى، حيث شهد العديد من التطورات تجعله عاما قاسيا على جميع الأصعدة. فعلى الصعيد العالمى، شهدت أوروبا أوقاتا صعبة مع تصاعد أزمة ديون اليونان ومخاطر إفلاسها وخروجها من الاتحاد الأوروبى لولا الاتفاق الذى تم فى اللحظات الأخيرة بين حكومة اليونان ومجموعة الدائنين. ولم يكن حظ الصين أفضل، حيث شهد اقتصادها تباطؤا بعد فترة طويلة من تحقيق معدلات نمو قياسية، وهو ما انعكس على انخفاض كبير فى البورصة الصينية التى شهدت صيفا قاسيا، مما دفع الصين لتخفيض عملتها لتشجيع الصادرات وتحفيز النمو، وكذلك التوسع فى ضخ السيولة فى الأسواق للحفاظ على جاذبية البورصة الصينية.

تزامُن الركود فى أوروبا مع التباطؤ فى الصين، كان له تبعاته على معدلات التجارة العالمية، وكذلك معدلات نمو الاقتصاد العالمى الذى عانى فى أغلب دول العالم باستثناء دولا قليلة على رأسها أمريكا، التى شهدت عاما جيدا حقق فيه الاقتصاد معدلات نمو مرتفعة، دفع الفيدرالى الأمريكى لرفع سعر الفائدة لأول مرة منذ ٩ أعوام مخافة ارتفاع معدلات التضخم. بينما تشهد أغلب دول العالم انخفاضا فى أسعار صرف عملاتها، يرتفع سعر صرف الدولار الذى يقبل عليه المستثمرون ثقة منهم فى قوة الاقتصاد الأمريكى ورغبة فى الحصول على عائد آمن.

على صعيد آخر، كان حظ منطقتنا أسوأ إلى حد كبير. فمع الانخفاض الكبير فى أسعار البترول تراجعت بشدة إيرادات الدول الخليجية وشهدت أغلب هذه الدول عجزا فى ميزانياتها لأول مرة منذ أكثر من عقد. بالنسبة لدول الخليج شديدة الاعتماد على البترول كانت ٢٠١٥ بمثابة الصدمة. فعلى الرغم من أن انخفاض أسعار البترول قد بدأ فى ٢٠١٤، إلا أنه كان هناك أمل فى أن تتعافى الأسعار لمستويات مُرضية تستطيع دول الخليج معها تحمل السنوات القادمة، لكن ما حدث أن أسعار البترول أنهت ٢٠١٥ دون حاجز ٤٠ دولارا للبرميل، مع توقعات بالمزيد من الانخفاض على المدى القصير. 

صدمة أسعار البترول لا يقتصر أثرها على دول الخليج، بل يمتد لباقى المنطقة التى تعتمد على تصدير العمالة لدول الخليج وكذلك تعتمد على الاستثمارات والمساعدات الاقتصادية الخليجية. كما أن العام الماضى شهد تطورا غير مسبوق فى تصاعد حدة الصراع فى المنطقة مع اشتعال حرب اليمن والتى كان من المفترض أن تنتهى سريعا غير أن مجريات الأمور تنبئ بغير ذلك. كما تحولت سوريا لملعب مفتوح للصراعات الإقليمية والعالمية، بينما زادت حدة الصراعات فى العراق مع تعالى نجم «داعش» كتنظيم مسلح عابر للحدود حتى تصدرت أخبار الشرق الأوسط المحبطة وسائل الإعلام العالمية.

لم يكن الاقتصاد المحلى فى معزل عن ذلك، فقد بدأ العام بتوقعات كبيرة جاءت مدفوعة بالدعم الخليجى السخى والمؤتمر الاقتصادى المبهج وكذلك المشروعات القومية العملاقة، وبدا أن الاقتصاد تجاوز عنق الزجاجة وجاءت معدلات النمو المرتفعة لتؤكد ذلك لكن سرعان ما تغيرت هذه الصورة الوردية. فمع منتصف العام بدأت عوارض الأزمة فى الظهور مع تراجع الدعم الخليجى وتبدد الآمال فى تدفق الاستثمارات الأجنبية بشكل سريع وزاد الضغط على سعر صرف الجنيه، وارتفع سعره فى السوق الموازية. كما ارتفعت أسعار السلع الأساسية بشكل كبير، مما دفع الدولة لمحاولة السيطرة على الأسعار من خلال افتتاح مجمعات استهلاكية جديدة والدفاع عن الجنيه ورفع سعر الفائدة. 

التباين الكبير بين رؤية الاقتصاد فى النصف الأول والثانى من العام، كانت من أكبر عوامل الإحباط. فبطبيعة الحال، الاقتصاد لم يتدهور بين عشية وضحاها لكن ما تغير هى التوقعات التى انحدرت من عنان السماء إلى أرض الواقع، بعدما تراجعت المساعدات الخليجية وظهر أن المشروعات القومية العملاقة ليست فقط باهظة التكلفة لكنها أيضا طويلة الأمد ومن الصعب جنى ثمارها سريعا، كما أن نجاحها يعتمد على عوامل خارجية ليس لنا يد فيها كما هو الحال فى مشروع قناة السويس الجديدة والذى تأثر سلبا بتراجع معدلات التجارة العالمية.

بعد عام مضطرب، قد يكون من الصعب بناء تصور واضح عن الاقتصاد فى ٢٠١٦، حيث إن حجم المتغيرات أكبر من الثوابت. ويمكن فى هذا الإطار الإشارة لخمسة عوامل رئيسية ستحدد ما سيؤول له الوضع الاقتصادى فى العام الجديد.
الأول: أسعار البترول وأثرها على إيرادات دول الخليج وموازاناتها التى أصبحت تعانى عجزا كبيرا، أثر على قدرة حلفاء مصر على دعم مصر اقتصاديا.

الثانى: أداء الاقتصاد الصينى وأثر تباطؤه على تراجع معدلات نمو الاقتصاد العالمى، وكذلك معدلات التجارة العالمية، مما ينعكس بشكل مباشر على إيرادات قناة السويس.
الثالث: تطورات الأسواق العالمية وما لها من آثار مباشرة على حركة الاستثمارات. فقد أدى تخفيض العملة الصينية الصيف الماضى لموجة من تخفيض عملات الأسواق الناشئة، للمحافظة على تنافسية صادراتهم أمام المنتجات الصينية، مما زاد من الضغط على الجنيه المصرى الذى بات مبالغا فى سعره أمام العديد من العملات. كما أن ارتفاع سعر الفائدة على السندات الأمريكية أخيرا ينهى عهد الأموال الرخيصة التى كانت تعتمد عليها صناديق الاستثمار الأجنبية بالاقتراض فى بلادها ثم الاستثمار فى الدول الناشئة، وهو ما يتوقع تراجعه فى الفترة القادمة.
الرابع: الوضع السياسى الإقليمى الملتهب نتيجة الحروب فى سوريا والعراق واليمن وتصاعد التهديدات الإرهابية مما دفع لتأسيس تحالف إسلامى لمحاربة الإرهاب. والأهم فى ذلك الصدد تصاعد الخلاف بين السعودية وإيران، والذى تطور من حروب بالوكالة لخلاف مباشر نتج عنه قطع العلاقات بين البلدين، وما قد ينتج عنه من تأزم للصراع السنى الشيعى فى المنطقة.
الخامس: السياسة النقدية للبنك المركزى المصرى سواء فيما يتعلق بسعر صرف الجنيه وسعر الفائدة وكذلك قواعد الاستيراد وما ينتج عنها من توافر المنتجات الأساسية فى السوق ومستويات الأسعار بشكل عام.

ليس سهلا بناء تصور متكامل عن أداء الاقتصاد فى العام الجديد فى ظل عوامل كثيرة متغيرة أغلبها خارجية. على الأرجح سيكون عاما صعبا والنصف الأول منه أفضل من الثانى، بسبب تدفق الدعم السعودى الذى تم الإعلان عنه أخيرا.



عمر الشنيطى
9 - يناير - 2016
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق"

No comments:

Post a Comment