Friday, January 22, 2016

وعكة اقتصادية عالمية وتحول إقليمى

عادة ما تكون بداية العام هادئة فى أسواق المال العالمية، غير أن بداية هذا العام كانت عاصفة، حيث خسرت البورصات العالمية قرابة ٦ تريليون دولار فى غضون أيام. على صعيد آخر، تشهد منطقة الشرق الأوسط، أزمة عاصفة نتيجة الانخفاض الكبير فى أسعار البترول، وهو ما دفع دول الخليج لإجراءات اقتصادية غير معتادة، ستضفى بظلالها على الاقتصاد المصرى. 

عالميا، مر الاقتصاد الصينى بأزمة حرجة الصيف الماضى بعد فترة طويلة من النمو، وعلى الرغم من مخاوف التباطؤ، إلا أن البنك المركزى الصينى عمل على ضخ السيولة فى السوق، لضمان استمرار الطلب على الأسهم. التمادى فى ضخ السيولة لم يمنع الفقاعة التى تكونت من الانفجار بطبيعة الحال، مما زاد النزيف فى الأسهم الصينية بشكل كبير، وبدأ الحديث عن تباطؤ فى الاقتصاد الحقيقى. من ناحية أخرى، ما زالت أوروبا تقبع فى الركود منذ ٢٠٠٨، وبدلا من أن تتعافى كانت تواجه أزمة ديون اليونان والتى كادت تعصف بمنطقة اليورو بأسرها، ولذلك كانت بوادر تباطؤ عالمى كفيلة بدفع الأسهم الأوروبية للخسارة.

أما أمريكا والتى سجلت معدلات نمو كبيرة العام الماضى، بدأت تصيبها عوارض التباطؤ الاقتصادى أيضا بعد قرار الفيدرالى الأمريكى برفع سعر الفائدة، لينهى فترة ممتدة من النمو وارتفاع أسعار الأسهم. وبعد رفع سعر الفائدة، بدأ الحديث عن انتهاء دورة الصعود ولم يقتصر ذلك على البورصة، حيث إن سلاسل المتاجر الكبرى بدأت فى الإعلان عن إغلاق بعض فروعها وتسريح الموظفين، فى إشارة أن التباطؤ وصل للاقتصاد الحقيقى. وكان لتلك التطورات أثرا على انخفاض الأسهم الأمريكية بالتبعية. يحذر البعض من أزمة مالية عالمية جديدة مثلما حدث فى ٢٠٠٨، لكن من المبكر الوصول لذلك الاستنتاج، إلا أن العام من المتوقع أن يشهد معدلات نمو عالمية أقل من العام الماضى.

أما منطقة الشرق الأوسط، فقد ضربها إعصار انخفاض أسعار البترول. فبعد عام شهدت فيه أسعار البترول انخفاضا حادا، كان الأمل يراود الكثيرين أن الأسعار ستتعافى أو على الأقل ستثبت، إلا أن أسعار البترول استشرفت العام الجديد بتراجع لما دون ٣٠ دولارا للبرميل، فى صدمة كبيرة خيبت آمال الدول الخليجية، شديدة الاعتماد على تصدير البترول. ولعل الأخبار المتتالية عن التباطؤ الاقتصادى العالمى والحديث عن احتمالية حدوث أزمة مالية جديدة كانت وراء انخفاض الطلب المتسقبلى على البترول. بالإضافة لذلك جاء الإعلان عن رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران، بعد أن استوفت الشروط المتفق عليها، ليزيد من العرض المستقبلى للبترول، حيث إن رجوع إيران للسوق العالمية من المتوقع أن يؤدى لزيادة المعروض بقرابة مليون برميل يوميا فى وقت قصير. 

ومع التراجع الكبير فى أسعار البترول، أصبحت جميع دول الخليج تعانى من عجز كبير فى موازناتها، مما دفع تلك الدول لاتخاذ إجراءات اقتصادية استثنائية كانت تعتبر سابقا دربا من دروب الخيال؛ حيث قامت عدد من دول الخليج برفع أسعار البنزين المدعمة وهو ما حدث فى السعودية والبحرين وقطر، فى محاولة لخفض النفقات الحكومية وسد عجز الموازنة. كما أن دول الخليج، التى كانت دائما تتجنب فرض الضرائب على مواطنيها، من أجل دعم مستوى معيشتهم وتوزيع ثروات البترول على الشعب، بدأت التفكير فى إيجاد نظام ضريبى لزيادة إيراداتها وسد عجز موازناتها، حتى إن هناك خطة لتطبيق ضريبة قيمة مضافة على الاستهلاك فى دول الخليج على المدى القصير.

العمل على تقليص النفقات برفع الدعم وإيقاف الكثير من مشروعات البنية التحتية، وكذلك زيادة الايرادات الحكومية، يعبر عن عمق الأزمة التى يمر بها الخليج وعن إدراك الخليج أن هذا الوضع الحرج لن ينتهى سريعا. وعلى الرغم من حرج الوضع فى الخليج بشكل عام، إلا أن الوضع فى السعودية أكثر حرجا. فعجز الموازنة السعودية بلغ رقما قياسيا العام الماضى، كما أن حرب اليمن التى لا يتضح لها نهاية أثقلت كاهل المملكة. والآن مع رجوع إيران للساحة العالمية، فإن على السعودية الاستعداد لصراع أصعب وأكثر كلفة مما دفعها للإعلان عن حزمة من المبادرات، مثل خصخصة بعض المرافق العامة وطرح جزء من شركة أرامكو، والتى تسيطر على إنتاج وتصدير البترول السعودى، فى البورصة فى خطوة تاريخية، حيث يصل قيمتها لعدة تريليونات من الدولارات.

ما يحدث عالميا وإقليميا سيضفى بظلاله على الوضع فى مصر، حيث إن تراجع الأسواق العالمية سيرفع من خطورة الاستثمار فى الأسواق الناشئة، مما يخفض من تدفق الاستثمارات الأجنبية على المدى القصير. كما أن تراجع أسعار البترول والغاز عالميا سيحد من تدفق الاستثمارات على قطاع الطاقة المصرى، الذى كان من المفترض أن يشهد نموا كبيرا بعد الاكتشافات الأخيرة. ومما يزيد الأمر تعقيدا هو رفع العقوبات عن إيران وانفتاح السوق الإيرانية أمام شركات البترول الأجنبية، والتى مما لا شك فيه ستفضل استثمار موازناتها الاستثمارية المحدودة فى إيران، الغنية بالبترول والفقيرة بالتكنولوجيا نتيجة الحصار.

من ناحية أخرى، انخفاض أسعار البترول وأثرها السلبى على موازنات الخليج، سيحد من المساعدات والاستثمارات الخليجية أكثر مما سبق وهذا أمر بديهى. لكن من الصعب توقف تلك المساعدات تماما فى وقت يحتاج فيه الخليج خاصة السعودية، لدعم مصر العسكرى حال تصاعد الصراع مع إيران. الجديد فى الأمر، أن الإجراءات الاستثنائية الاقتصادية التى اتخذتها السعودية أخيرا لا تترك لمصر مساحة لتأجيل العديد من القرارات الاقتصادية التقشفية، كرفع الدعم وخفض الرواتب الحكومية تدريجيا، كما أن التوجه للخصخصة سيعود مرة أخرى بطبيعة الحال أسوة بالمملكة. على الرغم من ذلك، ستسفيد مصر من خفض بند الدعم فى الموازنة، مما سيساعد على احتواء عجز الموازنة بعض الشىء.

الاقتصاد العالمى يمر بوعكة كبيرة، ليس من الضرورى أن ينتج عنها أزمة مالية عالمية مثلما حدث فى ٢٠٠٨، لكن الأكثر خطورة هى أزمة أسعار البترول التى تعصف بدول الخليج وتضغط على مصر، للإسراع فى تطبيق إجراءات تقشفية عديدة مصحوبة ببرنامج خصخصة على نهج الإصلاحات السعودية.


عمر الشنيطى
22 - يناير - 2016
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق"

Saturday, January 9, 2016

حصاد 2015 وتوقعات 2016

لم يكن ٢٠١٥ عاما تقليديا على المستوى الاقتصادى، حيث شهد العديد من التطورات تجعله عاما قاسيا على جميع الأصعدة. فعلى الصعيد العالمى، شهدت أوروبا أوقاتا صعبة مع تصاعد أزمة ديون اليونان ومخاطر إفلاسها وخروجها من الاتحاد الأوروبى لولا الاتفاق الذى تم فى اللحظات الأخيرة بين حكومة اليونان ومجموعة الدائنين. ولم يكن حظ الصين أفضل، حيث شهد اقتصادها تباطؤا بعد فترة طويلة من تحقيق معدلات نمو قياسية، وهو ما انعكس على انخفاض كبير فى البورصة الصينية التى شهدت صيفا قاسيا، مما دفع الصين لتخفيض عملتها لتشجيع الصادرات وتحفيز النمو، وكذلك التوسع فى ضخ السيولة فى الأسواق للحفاظ على جاذبية البورصة الصينية.

تزامُن الركود فى أوروبا مع التباطؤ فى الصين، كان له تبعاته على معدلات التجارة العالمية، وكذلك معدلات نمو الاقتصاد العالمى الذى عانى فى أغلب دول العالم باستثناء دولا قليلة على رأسها أمريكا، التى شهدت عاما جيدا حقق فيه الاقتصاد معدلات نمو مرتفعة، دفع الفيدرالى الأمريكى لرفع سعر الفائدة لأول مرة منذ ٩ أعوام مخافة ارتفاع معدلات التضخم. بينما تشهد أغلب دول العالم انخفاضا فى أسعار صرف عملاتها، يرتفع سعر صرف الدولار الذى يقبل عليه المستثمرون ثقة منهم فى قوة الاقتصاد الأمريكى ورغبة فى الحصول على عائد آمن.

على صعيد آخر، كان حظ منطقتنا أسوأ إلى حد كبير. فمع الانخفاض الكبير فى أسعار البترول تراجعت بشدة إيرادات الدول الخليجية وشهدت أغلب هذه الدول عجزا فى ميزانياتها لأول مرة منذ أكثر من عقد. بالنسبة لدول الخليج شديدة الاعتماد على البترول كانت ٢٠١٥ بمثابة الصدمة. فعلى الرغم من أن انخفاض أسعار البترول قد بدأ فى ٢٠١٤، إلا أنه كان هناك أمل فى أن تتعافى الأسعار لمستويات مُرضية تستطيع دول الخليج معها تحمل السنوات القادمة، لكن ما حدث أن أسعار البترول أنهت ٢٠١٥ دون حاجز ٤٠ دولارا للبرميل، مع توقعات بالمزيد من الانخفاض على المدى القصير. 

صدمة أسعار البترول لا يقتصر أثرها على دول الخليج، بل يمتد لباقى المنطقة التى تعتمد على تصدير العمالة لدول الخليج وكذلك تعتمد على الاستثمارات والمساعدات الاقتصادية الخليجية. كما أن العام الماضى شهد تطورا غير مسبوق فى تصاعد حدة الصراع فى المنطقة مع اشتعال حرب اليمن والتى كان من المفترض أن تنتهى سريعا غير أن مجريات الأمور تنبئ بغير ذلك. كما تحولت سوريا لملعب مفتوح للصراعات الإقليمية والعالمية، بينما زادت حدة الصراعات فى العراق مع تعالى نجم «داعش» كتنظيم مسلح عابر للحدود حتى تصدرت أخبار الشرق الأوسط المحبطة وسائل الإعلام العالمية.

لم يكن الاقتصاد المحلى فى معزل عن ذلك، فقد بدأ العام بتوقعات كبيرة جاءت مدفوعة بالدعم الخليجى السخى والمؤتمر الاقتصادى المبهج وكذلك المشروعات القومية العملاقة، وبدا أن الاقتصاد تجاوز عنق الزجاجة وجاءت معدلات النمو المرتفعة لتؤكد ذلك لكن سرعان ما تغيرت هذه الصورة الوردية. فمع منتصف العام بدأت عوارض الأزمة فى الظهور مع تراجع الدعم الخليجى وتبدد الآمال فى تدفق الاستثمارات الأجنبية بشكل سريع وزاد الضغط على سعر صرف الجنيه، وارتفع سعره فى السوق الموازية. كما ارتفعت أسعار السلع الأساسية بشكل كبير، مما دفع الدولة لمحاولة السيطرة على الأسعار من خلال افتتاح مجمعات استهلاكية جديدة والدفاع عن الجنيه ورفع سعر الفائدة. 

التباين الكبير بين رؤية الاقتصاد فى النصف الأول والثانى من العام، كانت من أكبر عوامل الإحباط. فبطبيعة الحال، الاقتصاد لم يتدهور بين عشية وضحاها لكن ما تغير هى التوقعات التى انحدرت من عنان السماء إلى أرض الواقع، بعدما تراجعت المساعدات الخليجية وظهر أن المشروعات القومية العملاقة ليست فقط باهظة التكلفة لكنها أيضا طويلة الأمد ومن الصعب جنى ثمارها سريعا، كما أن نجاحها يعتمد على عوامل خارجية ليس لنا يد فيها كما هو الحال فى مشروع قناة السويس الجديدة والذى تأثر سلبا بتراجع معدلات التجارة العالمية.

بعد عام مضطرب، قد يكون من الصعب بناء تصور واضح عن الاقتصاد فى ٢٠١٦، حيث إن حجم المتغيرات أكبر من الثوابت. ويمكن فى هذا الإطار الإشارة لخمسة عوامل رئيسية ستحدد ما سيؤول له الوضع الاقتصادى فى العام الجديد.
الأول: أسعار البترول وأثرها على إيرادات دول الخليج وموازاناتها التى أصبحت تعانى عجزا كبيرا، أثر على قدرة حلفاء مصر على دعم مصر اقتصاديا.

الثانى: أداء الاقتصاد الصينى وأثر تباطؤه على تراجع معدلات نمو الاقتصاد العالمى، وكذلك معدلات التجارة العالمية، مما ينعكس بشكل مباشر على إيرادات قناة السويس.
الثالث: تطورات الأسواق العالمية وما لها من آثار مباشرة على حركة الاستثمارات. فقد أدى تخفيض العملة الصينية الصيف الماضى لموجة من تخفيض عملات الأسواق الناشئة، للمحافظة على تنافسية صادراتهم أمام المنتجات الصينية، مما زاد من الضغط على الجنيه المصرى الذى بات مبالغا فى سعره أمام العديد من العملات. كما أن ارتفاع سعر الفائدة على السندات الأمريكية أخيرا ينهى عهد الأموال الرخيصة التى كانت تعتمد عليها صناديق الاستثمار الأجنبية بالاقتراض فى بلادها ثم الاستثمار فى الدول الناشئة، وهو ما يتوقع تراجعه فى الفترة القادمة.
الرابع: الوضع السياسى الإقليمى الملتهب نتيجة الحروب فى سوريا والعراق واليمن وتصاعد التهديدات الإرهابية مما دفع لتأسيس تحالف إسلامى لمحاربة الإرهاب. والأهم فى ذلك الصدد تصاعد الخلاف بين السعودية وإيران، والذى تطور من حروب بالوكالة لخلاف مباشر نتج عنه قطع العلاقات بين البلدين، وما قد ينتج عنه من تأزم للصراع السنى الشيعى فى المنطقة.
الخامس: السياسة النقدية للبنك المركزى المصرى سواء فيما يتعلق بسعر صرف الجنيه وسعر الفائدة وكذلك قواعد الاستيراد وما ينتج عنها من توافر المنتجات الأساسية فى السوق ومستويات الأسعار بشكل عام.

ليس سهلا بناء تصور متكامل عن أداء الاقتصاد فى العام الجديد فى ظل عوامل كثيرة متغيرة أغلبها خارجية. على الأرجح سيكون عاما صعبا والنصف الأول منه أفضل من الثانى، بسبب تدفق الدعم السعودى الذى تم الإعلان عنه أخيرا.



عمر الشنيطى
9 - يناير - 2016
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق"