Saturday, October 31, 2015

فلسفة فرض الضرائب فى مصر

أثارت ضريبة تذاكر السفر موجة من السخرية على مواقع التواصل الاجتماعى. الواقع أن تلك الضريبة معمول بها منذ فترة والقرار جاء لزيادة تلك الضريبة بشكل محدود التأثير على أسعار التذاكر، إضافة إلى أنه لا يسافر خارج مصر إلا نسبة ضئيلة من السكان. تشير موجة الاعتراض إلى خوف الناس من تطبيق حزمة من الضرائب فى الفترة القادمة مما يؤثر على دخل الناس الحقيقى، بينما ــ على التوازى ــ قامت الحكومة فى مطلع العام بتخفيض الضريبة على الشركات وتوحيدها لتقف عند ٢٢٫٥٪ فقط مما يوحى بغياب رؤية ضريبية متوازنة.
النظر للمالية العامة للدولة يوضح ارتفاعا كبيرا فى عجز الموازنة. فقد سجل البيان الختامى للعام المالى الماضى عجزا قدره ١٢٫٣٪ بينما كان المستهدف ١٠٪ فى بداية العام على الرغم من قيام الحكومة بخفض دعم الطاقة وانخفاض أسعار البترول بشكل كبير خلال العام. كما أن الشهرين الأولين من العام المالى الحالى قد شهدا إجمالى عجز وصل إلى ٦٨ مليار جنيه. فإذا استمر الحال على ذلك النحو، فإن العجز النهائى لهذا العام المالى سيتراوح بين ٣٥٠ــ٤٠٠ مليار جنيه وهو أعلى بكثير من المستهدف وسيزيد من عبء تمويل عجز الموازنة محليا. وإذا كانت الحكومة عملت على خفض النفقات وعلى رأسها الدعم فى العام الماضى، فإنها بالتأكيد ستلجأ هذا العام لزيادة الإيرادات الضريبية عن طريق فرض ضرائب جديدة ورفع كفاءته تحصيل الضرائب.
جدير بالذكر أن الحصيلة الضريبية تمثل قرابة ٦٨٪ من إجمالى إيرادات الموازنة لكنها على الناحية الأخرى تمثل ٤٩٪ من إجمالى المصروفات و١٥٪ فقط من الناتج المحلى هذا العام وهى نسب متواضعة مقارنة بدول مماثلة. كما أن الاقتصاد غير الرسمى يمثل نسبة لا يمكن الاستهانة بها تقدر بنحو نصف الاقتصاد الرسمى وبطبيعة الحال لا يتم تحصيل ضرائب من ذلك القطاع مما يجعل من الضرورى العمل على دمجه وتحصيل ضرائب منه ولعل ذلك هو الهدف الأساسى من تطبيق ضريبة القيمة المضافة التى تم الإعلان عنها أخيرا. لكن هناك الكثير من المخاوف من تطبيق تلك الضريبة لما لها من أثر سلبى على ارتفاع الأسعار.

***

وبما أن الحكومة عليها العمل على زيادة الضرائب والتى مازالت فى مستويات منخفضة مقارنة بحجم الاقتصاد لخفض عجز الموازنة، فإن الفترة القادمة ستشهد بلا شك تطبيق للعديد من الضرائب الجديدة وكذلك العمل على توسيع القاعدة الضريبية (الأفراد والمؤسسات التى تدفع ضرائب) لزيادة الحصيلة الضريبية فى النهاية. وهذا التوجه الحتمى يطرح سؤالين هامين.
الأول: ما هى فلسفة النظام الضريبى فى مصر؟
يتعامل الناس فى مصر مع الضرائب على أنها شر لا بد منه. وتنبنى هذه النظرة على فكرة أن الضريبة حق للدولة وعلى المواطن أن يدفعها طالما يعيش فى الدولة أو يحمل جنسيتها بدون ربط الضرائب بمستوى الخدمات. ولعل هذا التصور هو السبب وراء تهرب الكثير من الأفراد والشركات من دفع الضرائب طالما كان ذلك متاحا. لكن تلك النظرة ليست بالضرورة النظرة الصحيحة. فالمواطن يقوم بدفع قيمة الخدمات الخاصة من أكل وشرب وملابس بشكل مباشر. بينما من المفترض أن الضريبة المحصلة هى ثمن الخدمات العامة من طرق وكبارى وأمن حيث تستخدم الحكومة الضرائب لتقديم تلك الخدمات. ومن هذه الزاوية، كلما شعر المواطن بتحسن الخدمات كلما انخفضت رغبته فى التهرب الضريبى.
من ناحية أخرى، الضريبة تعتبر إحدى وسائل السياسية المالية التى تستطيع الدولة استخدامها لتشجيع الاقتصاد وإعطاء ميزة تنافسية لبعض القطاعات مثل تشجيع المشروعات المتوسطة والصغيرة وتشجيع الشركات فى الصعيد وتشجيع مشروعات الطاقة المتجددة وهو ما يغيب عن السياسة الضريبية حاليا. مما سبق يتضح أن الضرائب يمكن النظر لها على أنها أكثر من مجرد شر لا بد منه لكن فى واقع الحال الفكرة الطاغية على المشهد المصرى هى فكرة حق الدولة فى فرض الضرائب وهو بالتأكيد أمر سلبى يحتاج لإعادة النظر سواء فى هيكلة النظام الضريبى أو فى التواصل مع المواطنين.
الثانى: ما هو توزيع العبء الضريبى على طبقات المجتمع؟
مع الحاجة لزيادة الحصيلة الضريبية، قامت الحكومة أخيرا بتخفيض الضريبة على الشركات عند مستوى ٢٢٫٥٪ آملة أن يؤدى ذلك لتشجيع الشركات على الاستثمار مما يؤدى لتحفيز النمو وخلق فرص عمل وزيادة أرباح الشركات بشكل كبير يزيد من الحصيلة الضريبية النهائية على الرغم من خفض نسبة الضريبة. وعلى الرغم من أن هذه النظرية ثبت قابلية تطبيقها فى مصر فى منتصف العقد الماضى إلا أن هناك علامات استفهام حول إمكانية تكرار نفس التجربة الآن فى ظل تراجع الاستثمارات الأجنبية بسبب وضع الاقتصاد العالمى المتقلب ووضع المنطقة السياسى الملتهب. ولذلك فإن خفض نسبة الضريبة الآن قد يكون له أثر سلبى على الحصيلة الضريبية بينما الأثر الإيجابى سيحتاج عدة سنوات للظهور.
من ناحية أخرى، سيكون على الحكومة العمل على زيادة الحصيلة الضريبية من فئات أخرى فى المجتمع ومن الواضح أن إحدى هذه الوسائل هى ضريبة القيمة المضافة والتى من المتوقع أن تضم جزءا من الاقتصاد غير الرسمى للحصيلة الضريبية وتحد من التهرب الضريبى بشكل فعال لكن ذلك سيأتى على حساب ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية فى السوق والتى يزداد أثرها كلما انخفض دخل الفرد نظرا لعدم قدرة محدودى الدخل على امتصاص ارتفاعات الأسعار. كما أن ارتفاع الأسعار سيؤدى لتآكل القوة الشرائية للطبقة المتوسطة والتى كانت العماد الذى يستند عليه الاقتصاد فى التصدى للتحديات الاقتصادية الكبيرة التى شهدها فى السنوات الأخيرة.
إذًا، التصور الضريبى الحالى سيحفز المستثمرين وسيؤدى لزيادة الحصيلة الضريبية على المدى المتوسط والبعيد بينما يخفض من القوة الشرائية للطبقة المتوسطة على المدى القصير. وفى وقت أصبح فيه لا مناص من زيادة الإيرادات الضريبية للسيطرة على عجز الموازنة، قد يكون من الحكمة إعادة النظر فى فلسفة النظام الضريبى والعمل على توزيع عبء الضرائب على فئات المجتمع بشكل متوازن دون المزيد من المساس بدخل الطبقة المتوسطة والإفقار لمحدودى الدخل.
عمر الشنيطى
31 - أكتوبر - 2015
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق"

Saturday, October 17, 2015

خطر الإفراط في رفع التوقعات

قد يكون من المفيد النظر للمشروعات والقوانين التى تطلقها الحكومة لتحليل أثرها على الاقتصاد لكن من وقت لآخر من الضرورى إلقاء نظرة استراتيجية على السمات العامة للأداء الاقتصادى لقراءة المشهد الاقتصادى بشكل متوازن. وشهد العامان الماضيان الكثير من التطورات فى محاولة لإخراج الاقتصاد من الركود حيث أقدمت الحكومة على اتخاذ قرارات اقتصادية جريئة وإطلاق مشروعات قومية عملاقة، لكن هناك سِمة رئيسية أخرى وهى رفع سقف التوقعات لنتائج المشروعات المختلفة ويمكن تحديد أربعة مواطن ظهرت فيها تلك السِمة بوضوح.
الأول: موازنة العام الماضى: كان العجز المتوقع فى موازنة ٢٠١٤/٢٠١٥ قرابة ١٢٪ فى البداية وهو ما بدا متفائلا ومع ذلك اعترضت الرئاسة، فقامت وزارة المالية بتخفيض العجز بين عشية وضحاها إلى ١٠٪ وهو ما كان مستحيلا. وتمر الأيام ويحدث ما لما يكن متوقعا فتنخفض أسعار البترول لما دون النصف وهو ما بدوره خفض بند دعم الطاقة ومن ثم نسبة العجز بقرابة ١٪ ليصبح العجز المتوقع ٩٪ فقط. لكن البيان الختامى لميزانية العام الماضى أظهر عجزا ١٢٫٣٪ وهو ما يعنى أن العجز الحقيقى أكبر من المفترض بقرابة ٣٫٣٪ وهو ما يوازى قرابة ١٠٠ مليار جنيه.
الثانى: قناة السويس الجديدة: بعد تنصيب الرئيس بعدة أسابيع، تم إطلاق مشروع قناة السويس الجديدة. وعلى الرغم من جرأة إطلاق مشروع كهذا إلا أن البعض محليا وعالميا تحفظ عليه فى ذلك الوقت الحرج حيث إن مشروعات البنية التحية عوائدها طويلة الأمد. لكن ما كان مفاجئا هو التوقعات الرسمية بزيادة إيرادات القناة من ٥ إلى ١٣ مليار دولار بحلول ٢٠٢٣. على الرغم من منطقية بعض أجزاء المشروع وقدرتها على زيادة الإيرادات إلا أنه لم يبد منطقيا تحقيق تلك الزيادة الكبيرة حيث إن دخل القناة فى نهاية المطاف يعتمد على معدلات التجارة العالمية. ثم أتت الرياح بما لا تشتهى السفن حيث دبت أزمة اقتصادية فى الصين تزامنا مع الركود فى أوروبا مما أثر سلبا على معدلات التجارة العالمية وبالتالى إيرادات القناة الدولارية. فعلى الرغم من أن انخفاض سعر صرف الجنيه سيجعل إيرادات القناة بالجنيه تبدو جيدة وتجعل فوائد الشهادات بعيدة عن الخطر لكن بلا شك تحقيق الإيرادات المستهدفة أصبح بعيد المنال.
الثالث: الدعم الخليجى: كان للدعم الخليجى، الذى قارب ٢٠ مليار دولار، بالغ الأثر فى إنقاذ الاقتصاد بعد ٣٠ يونيو. وعلى الرغم من سخائه إلا أنه لم يكن من المنطقى استمراره خاصة بعد أن بدأت أسعار البترول فى الانخفاض، إلا أن التصريحات الرسمية كانت تؤكد على استدامته وما يستتبعه من تدفق الاستثمارات والحفاظ على سعر صرف الجنيه. لكن بنهاية ٢٠١٤، أصبح واضحا أن الدعم يتراجع مما ضغط على الجنيه الذى انخفض بقرابة ١٠٪ فى ٢٠١٥ ومازال تحت ضغط كبير مع تآكل احتياطى النقد الأجنبى.
الرابع: المؤتمر الاقتصادى: تم عقد المؤتمر الاقتصادى فى مطلع ٢٠١٥ لترويج الاستثمار فى مصر. وبالفعل خرج المؤتمر فى صورة مشرفة لكن خرج معه إعلان عن استثمارات بما يزيد على ١٠٠ مليار دولار مما أحدث حالة من البهجة العارمة وأوحى أن الوضع فى خلال عدة أشهر سيتغير تماما مع أنه من المنطقى أن يأخذ عدة سنوات. لكن بعد مرور ٦ أشهر، لم يتم تنفيذ الكثير من المشروعات التى تم الإعلان عنها وبلغ صافى الاستثمار الأجنبى فى العام المالى الماضى قرابة ٦ مليار دولار مقارنة بمستهدف ٨ــ١٠ مليارات دولار.
•••
تلك المواطن توضح سمة سلبية كبيرة وهى الإفراط فى توقعات نتائج الكثير من المبادرات والمشروعات، والتى قد يكون بعضها جيدا بل ومطلوبا أيضا، لكن إطلاق العنان للوعود غير الواقعية هو فى حقيقية الأمر حكم على المبادرة أو المشروع بالفشل قبل بدايته. قد يتصور البعض أن رفع التوقعات يحفز المسئولين على العمل وأنه أفضل من وضع مستهدفات قابلة للتحقيق لكن ذلك فى الحقيقة ليس صحيحا فى إدارة اقتصاد الدول حيث إن وضع مستهدفات غير واقعية وعدم تحقيقها له عدة مخاطر.
الخطر الأول يرتبط بفقدان الثقة دوليا أمام المؤسسات المالية العالمية مما يؤثر على ثقتهم فى حكمة الحكومة والمؤسسات المصرية ويؤخر استثماراتهم ودعمهم للاقتصاد المصرى فى وقت يحتاج فيه الاقتصاد المصرى لذلك بشدة. فكما كان للالتزام بجدول تنفيذ مشروع قناة السويس، رغم التشكيكات فى إمكانية ذلك، أثرا إيجابيا كبيرا، فإنه بلا شك سيكون هناك أثر سلبى نتيجة عدم زيادة الإيرادات كما جاء فى التوقعات الرسمية.
أما الخطر الثانى فيتعلق بانتشار الإحباط محليا نتيجة عدم القدرة على تحقيق التوقعات الطموحة التى كان الكثير منها صعب المنال منذ البداية. الإحباط هو الفجوة بين التوقعات والواقع. فكلما زادت التوقعات بينما كان الواقع مغايرا، فإن ذلك يزيد من الإحباط. وما يزيد من حدة الإحباط هى التغطية الإعلامية الشاملة لكل مشروع أو حدث فى البداية مما يصوره على أنه المنقذ لكن بعد مرور بعض الوقت يعود الناس لمواجهة الحياة وما فيها من مصاعب يومية وارتفاع فى الأسعار، فتتبدد آمالهم ويزيد إحباطهم وهو ما قد يكون له آثارا اجتماعية وسياسية سلبية بمرور الوقت.
بينما الخطر الثالث يكمن فى ظاهرة حرق الوجوه. فمع تولى مسئول جديد، يتناقل الناس خبراته ويأملون فيه الخير، فيتوسع هو فى الوعود، ثم بعد مرور عدة أشهر لا يستطيع تحقيق تلك الوعود التى لم تكن واقعية منذ البداية ويبدأ البعض فى انتقاده بشدة وربما يطالبون برحيله. مصر ولادة بالتأكيد لكن ظاهرة حرق الوجوه ستؤدى بطبيعة الحال لإحجام الكفاءات عن تولى المناصب الحكومية خوفا من المصير المحتوم.
قد يكون من الحكمة إعادة النظر فى ظاهرة رفع سقف التوقعات التى تصاحب إطلاق أغلب المشروعات وتنتهى بعدم القدرة على تحقيق المرجو منها مما يؤدى لفقدان الثقة دوليا وانتشار الإحباط محليا. فمن يتمادى فى إطلاق الوعود غير المنطقية ظنا منه أنه يخدم البلد هو فى الحقيقة أكبر من يضر البلد ويحكم عليها بالفشل.
عمر الشنيطى
17 - أكتوبر - 2015
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق"

Tuesday, October 13, 2015

The pound under pressure

The foreign exchange (FX) rate is critical, and people are smart enough to realise this, even if they do not have a strong background in economics, simply because with every drop in the value of the Egyptian pound, the rate of inflation increases.

The value of the pound, like that of any commodity subject to the forces of supply and demand, is determined by the market. If demand for dollars is more than their supply, the rate against the pound increases; the reverse occurs when demand is low and there is an excess of dollars in the market.

The foreign currency market is regulated by the Central Bank of Egypt (CBE) which intervenes to balance the market by offering dollars from its reserves if demand for dollars is more than the available supply, and balancing its interventions between two outcomes.

The first of these is inflation resulting from the increase in the FX rate and, thus, increases in the prices of imported goods. The second is the competitiveness of Egyptian exports, which become more competitive and thus more in demand in international markets when the pound falls in value relative to the dollar.

Egypt has been suffering from a chronic deficit in its trade balance, with the value of exports falling below the value of imports for a long while. It is worth mentioning that this has deteriorated over the last few years: the country’s deficit was around $26 billion just before the 25 January Revolution and jumped to around $33 billion after it. This deficit put further pressure on the pound.

The CBE seems to have unlimited power in deciding the FX rate, but in reality its power and options are limited, and when the economy is suffering its power is even more constrained.

Simply put, Egypt’s chronic trade deficit used to be balanced by remittances from abroad, Suez Canal revenues, tourism and foreign direct investment (FDI). But in the last few years, tourism and FDI have fallen short, which has left the CBE with no option but to use its reserves to shore up the value of the pound.

The policy of the CBE to prop up the pound has been widely criticized by those who argue that the devaluation of the pound will help attract investment and increase the competitiveness of Egyptian exports, leading to improved economic growth.

Though theoretically this is a sound argument, practice does not support it, since exports decreased by 14 per cent in 2012 despite a devaluation of 2.9 per cent. In 2013, while exports increased by seven per cent, the pound was devalued by more than 12 per cent. The following year, 2014, saw no difference, with exports decreasing by 1.8 per cent despite a devaluation of 2.7 per cent.

Over the last three fiscal years, the pound has been devalued by 19 per cent and exports have actually decreased by 10 per cent. This experience has been more than enough to kill the competitiveness theory and caused the CBE to defend the pound whole-heartedly, spending tens of billions of dollars as it has done so, though the decrease in exports could be tied to a set of local and global economic conditions.

Over the last five years, the pound has lost one third of its value. In January 2011, the US dollar rate stood at 5.86 to the pound, and the CBE had $36 billion in official reserves, more than enough to suppress the black market.

But after the Revolution, the political turbulence and insecurity resulted in capital flight and the collapse of tourism, thus putting huge pressure on the pound and bringing the black market back to life. Over the next 18 months, the CBE defended the pound like a hero, spending $20 billion of its reserves, and the pound lost only three per cent of its value.

When the first post-Revolution president was elected in mid-2012, the pound was already under pressure, but that pressure increased over the year that followed. The pound lost 15 per cent of its value, which was a big hit, despite sizable support from Qatar, Turkey and Libya.

By mid-2013, another shift in politics was underway, but this time it was accompanied by unprecedented Gulf support. Egypt received some $12 billion in aid, helping the CBE to defend the pound, which only devalued by two per cent during that year.

With the election of the new president in mid-2014, the Gulf aid retreated, leaving the CBE exposed. Over more than a year, the pound was devalued by 10 per cent, with the Central Bank constantly spending dollars received from aid, loans and other sources.

Currently, the official US dollar rate stands at 7.83 to the pound, with the black market trading at a three to four per cent premium. In addition, the official reserves have declined for a third consecutive month, in part because of the news that Saudi Arabia is holding back on aid announced during the Egypt Economic Development Conference held earlier this year. Foreign exchange reserves now sit at $16.3 billion.

 The CBE has now run out of ammunition, and there is a strong belief that devaluation is inevitable for six main reasons. First, the economy is short of FX at a time when the deficit in the trade balance is widening, Gulf aid is retreating and FDI is growing at a slow rate.

Second, the CBE is determined to shutdown the black market, which will require further devaluation rounds to bridge the gap between the official and black market rates. Third, foreign investors are reluctant to invest in Egypt while the pound is overvalued, pushing the CBE to devalue it further.

Fourth, Europe, Egypt’s main trading partner, is facing a weakened euro, which makes devaluation inevitable in order to avoid hurting Egyptian exports to EU countries. Fifth, China has recently devalued its currency, initiating a wave of devaluations across emerging markets and putting pressure on Egypt to follow suit.

Finally, the Central Bank has expanded its printing of money in order to finance the budget deficit, thus pushing inflation higher and increasing demand on the dollar as a safe haven.

The market is speculating about a new devaluation, and most probably this will be the case. It is very hard to time this precisely, however, as the practice of the CBE shows a preference to surprise or shock the market to avoid further speculation.

Still, it is fair to believe that a further round of devaluation is due by the end of this year or early next year. Looking into history, devaluation in the next round could be in the three to five per cent range in order to send the right signals to the market without causing uncontrollable inflation, given that the pound has already been devalued twice this year.

One might think that the rush to the bottom will stop after the next round, but this is far from the case. The pressures on the pound will not fade away before a structural improvement in the economy happens.

Thus, it is reasonable to believe that future annual devaluations will take place in the range of five to seven per cent on a semiannual basis, and with a spike in a year or two, and with annual devaluation expected to stay within this average over the medium term.

Gradual devaluation seems to be the adopted strategy, and it is highly unlikely that we will see aggressive devaluation of 25 to 30 per cent in a single year because even such a big slide would not relieve the fundamental pressures on the pound and would cause huge inflation.

Given such a strategy, the CBE is expected to tighten access to foreign currency further within the banking system to contain the black market and limit speculation. Such measures may have an impact on curbing so-called unnecessary demand for foreign currencies, but they will also have a negative effect on imports of raw materials, equipment and other inputs that go into manufacturing for exports and local products, and this will reflect negatively on economic growth.

Despite the efforts of the CBE to kill the black market for foreign currency, it is hard to believe that this will vanish in the near term since the reasons behind its presence are fundamental and will take time to cure.

Most likely, the dollar will continue trading at a premium in the black market. It is wise to remember that the black market as a symptom of the FX problem rather than the cause.



Omar El-Shenety
13 October 2015 
This article was published in "Al Ahram Weekly"

Saturday, October 3, 2015

اليونان ومصر.. اختلافات ومخاوف

قد تكون أزمة اليونان الحدث الأهم اقتصاديا خلال ٢٠١٥، حيث كشفت عن هشاشة الاقتصاد اليونانى، الذى أصبح مكبلا بالديون. فقد أدى التقشف الذى كان على اليونان انتهاجه لإرضاء الدائنين لدخول الاقتصاد فى ركود عميق. وفى الوقت الذى كان على اليونان إعادة جدولة ديونها المتصاعدة، تم انتخاب حكومة يسارية تعارض التقشف الصارم، وهو ما زاد من الصدام مع الدائنين، ودفع رئيس الوزراء لإجراء استفتاء على خطة الدائنين، الذى انتهى برفض خطة التقشف وتعزيز موقف رئيس الوزراء.
بدى هذا الاستفتاء كمحطة تاريخية لليسار فى التصدى للرأسمالية، وتعالت المطالب بإعفاء اليونان من بعض الديون. لكن ما حدث كان مغايرا، حيث اضطر رئيس الوزراء المنتخب والمدعوم بنتيجة الاستفتاء، للرضوخ لمطالب الدائنين، باتخاذ إجراءات تقشفية، مما دفع بعض أعضاء حكومته للاستقالة. فهل باع الرجل القضية؟ النظرة الواقعية، تكشف أنه كان من الصعب وجود سبيل آخر غير الوصول لاتفاق مع الدائنين والذى كان لا بد أن ينطوى على بعض الإجراءات التقشفية.
وقد تلى ذلك انتخابات جديدة فاز فيها الرجل مرة أخرى، لكنه شكل حكومة أقل تشددا من وجهة نظر الدائنين. ويوجه هذا الموقف رسالة مهمة، أن الدول لا تستطيع تغيير توجهها بين عشية وضحاها، خاصة حينما تتراكم عليها الديون وتتفاقم مشاكلها الاقتصادية.
***
تأمل الحكومة اليونانية الجديدة فى الخروج من الركود بحلول ٢٠١٩، وهو ما يراه البعض صعبا فى ظل الإجراءات التقشفية. وبينما تتجه أنظار العالم لليونان، فإن البعض يتساءل إذا كان توسع الحكومة المصرية فى الاقتراض فى السنوات الأخيرة، قد يتسبب فى وقوع البلاد فى أزمة مماثلة. لكن الوضع فى حالة مصر يختلف عن اليونان، فإجمالى الدين العام فى اليونان، وصل لقرابة ١٧٥٪ من الناتج المحلى، بينما إجمالى الدين العام فى مصر يقف عند قرابة ٩٠٪ من الناتج المحلى، وهو مستوى مرتفع بعض الشىء لكن لم يخرج بعد عن نطاق السيطرة. لكن هذا لا يعنى أن الوضع جيد، حيث إن فوائد خدمة الدين ارتفعت لتمثل ٢٨٪ من إجمالى مصروفات الحكومة فى موازنة العام الحالى. وتمثل تكلفة الفوائد قرابة ٦٠٪ من إيرادات الموازنة، بينما تخطت تكلفة الفوائد إجمالى الإيرادات الضريبية، هذا فقط عن تكلفة الفوائد بعيدا عن رد أصل القيمة. ولذلك على الحكومة أن تعيد تمويل تلك الديون حين يحل أجلها بالاقتراض مجددا من البنوك والمؤسسات المالية المحلية.
العبء التمويلى فى مصر كبير، لكن هناك فارقا جوهريا آخر بين مصر واليونان. غالبية الديون اليونانية ديون خارجية، بينما ما يزيد عن ٩٠٪ من الديون المصرية ديون محلية. الديون الخارجية عادة ما تكون باليورو أو الدولار، ولا يستطيع البنك المركزى اليونانى طباعة اليورو لسداد ديونه، بل على الاقتصاد أن يكتسبه من خلال التصدير والسياحة والاقتراض الخارجى مرة أخرى. أما فى حالة الديون المصرية، فإن البنك المركزى المصرى لديه القدرة على طباعة الجنيه، حينما يشاء لسداد ديونه المحلية. لا يعطى البنك المركزى ذلك النقد للحكومة مباشرة، بل يقوم باستخدامه لشراء السندات الحكومية، أى أنه يقوم بإقراض الحكومة لسداد عجز الموازنة وإعادة تمويل ما يُستحق من سندات إذا دعت الحاجة.
وقد ضاعف البنك المركزى، استثماره فى السندات الحكومية خلال العام الأخير، مما يؤدى لخفض قيمة الديون الحكومية بالتدريج، حيث إن طباعة النقد تخفض من قيمة العملة، وبالتالى تخفض من القيمة الحقيقية للديون المستحقة. قد يتصور البعض أن طباعة النقد اختراع مصرى، لكنه من كلاسيكيات الاقتصاد. فمنذ قرون حينما كان يريد ملك فى أوروبا الخروج للحرب ولم يكن لديه مال كافٍ، كان يلجأ للاستدانة من التجار مع وعد بالتسديد من غنائم الحرب. لكن فى حالة الخسارة تتراكم الديون ويصبح الملك فى مأزق، فيقوم بإعادة صك العملات المتداولة فى السوق، لتحتوى على نسبة ذهب أقل. فإذا كان الذهب المتداول يمثل ١٠٠ عملة قبل الصك، فإنه قد يصل إلى ١٢٠ عملة بعدها، ويقوم الملك بالاستحواذ على الزيادة لسداد الديون.
طباعة النقد أو ما يعرف بتسييل الديون يساعد على تخفيض عبء الديون بمرور الوقت، لكن من ناحية أخرى يؤدى لزيادة المعروض من النقود وبالتالى ارتفاع الأسعار. قد يتطلب الأمر بعض الوقت للانعكاس على مستويات الأسعار، لكنه بلا شك حتمى وأثره مستدام على الأسعار على خلاف ارتفاعات الأسعار الموسمية فى بعض المنتجات، والتى سرعان ما تعاود الهبوط بعد انتهاء الموسم. ولعل ذلك هو ما يثنى الحكومات عن اللجوء لذلك الحل السحرى على المدى القصير، المرير على المدى البعيد والمتوسط، وهو ما علينا فى مصر أن نتجرع مرارته فى المستقبل.
من ناحية أخرى، قد تمثل الديون الخارجية حاليا نسبة محدودة من إجمالى الدين العام، لكن هذا الوضع فى طريقه للتغيير. فالتصريحات الرسمية، تشير إلى فجوة تمويلية تبلغ ٣٦ مليار دولار فى السنوات المقبلة، إذ يعانى الميزان التجارى من عجز شديد. وعلى الرغم من زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة لقرابة ٦ مليارات دولار فى العام الماضى وهو تحسن ملحوظ، لكنه أقل من المستهدف البالغ ٨ - ١٠ مليارات دولار، كما أن القطاع السياحى شهد تحسنا لكن أقل من المتوقع، مما يزيد من الضغط على الجنيه فى وقت تراجعت فيه المساعدات الخليجية، مما يدفع الحكومة للاقتراض الخارجى، وهو ما حدث بالفعل بطرح الحكومة سندات باليورو، أخيرا مع خطة للتوسع فى ذلك فى الفترة القادمة.
وإذا أخذنا فى الاعتبار الاقتراض الخارجى لتمويل صفقة توليد الكهرباء الكبيرة، وكذلك التوسع فى تسليح الجيش بشراء طائرات وحاملات طائرات من أوروبا، فإن الدين الخارجى بلا شك مرشح لارتفاع كبير على المدى البعيد وربما المتوسط. قد يكون الاقتصاد المصرى فى مأمن من فخ ديون خارجية على المدى القصير، لكن عليه أن يتعامل مع الآثار الجانبية المستدامة للتوسع فى طباعة النقد لتسييل الديون المحلية، وكذلك الحظر من الوقوع فى فخ ديون خارجية مثل اليونان على المدى المتوسط، نتيجة الفجوة التمويلية الكبيرة وكذلك الخطط الاقتصادية والعسكرية الطموحة.
عمر الشنيطى
3 - أكتوبر- 2015
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق"