Saturday, October 17, 2015

خطر الإفراط في رفع التوقعات

قد يكون من المفيد النظر للمشروعات والقوانين التى تطلقها الحكومة لتحليل أثرها على الاقتصاد لكن من وقت لآخر من الضرورى إلقاء نظرة استراتيجية على السمات العامة للأداء الاقتصادى لقراءة المشهد الاقتصادى بشكل متوازن. وشهد العامان الماضيان الكثير من التطورات فى محاولة لإخراج الاقتصاد من الركود حيث أقدمت الحكومة على اتخاذ قرارات اقتصادية جريئة وإطلاق مشروعات قومية عملاقة، لكن هناك سِمة رئيسية أخرى وهى رفع سقف التوقعات لنتائج المشروعات المختلفة ويمكن تحديد أربعة مواطن ظهرت فيها تلك السِمة بوضوح.
الأول: موازنة العام الماضى: كان العجز المتوقع فى موازنة ٢٠١٤/٢٠١٥ قرابة ١٢٪ فى البداية وهو ما بدا متفائلا ومع ذلك اعترضت الرئاسة، فقامت وزارة المالية بتخفيض العجز بين عشية وضحاها إلى ١٠٪ وهو ما كان مستحيلا. وتمر الأيام ويحدث ما لما يكن متوقعا فتنخفض أسعار البترول لما دون النصف وهو ما بدوره خفض بند دعم الطاقة ومن ثم نسبة العجز بقرابة ١٪ ليصبح العجز المتوقع ٩٪ فقط. لكن البيان الختامى لميزانية العام الماضى أظهر عجزا ١٢٫٣٪ وهو ما يعنى أن العجز الحقيقى أكبر من المفترض بقرابة ٣٫٣٪ وهو ما يوازى قرابة ١٠٠ مليار جنيه.
الثانى: قناة السويس الجديدة: بعد تنصيب الرئيس بعدة أسابيع، تم إطلاق مشروع قناة السويس الجديدة. وعلى الرغم من جرأة إطلاق مشروع كهذا إلا أن البعض محليا وعالميا تحفظ عليه فى ذلك الوقت الحرج حيث إن مشروعات البنية التحية عوائدها طويلة الأمد. لكن ما كان مفاجئا هو التوقعات الرسمية بزيادة إيرادات القناة من ٥ إلى ١٣ مليار دولار بحلول ٢٠٢٣. على الرغم من منطقية بعض أجزاء المشروع وقدرتها على زيادة الإيرادات إلا أنه لم يبد منطقيا تحقيق تلك الزيادة الكبيرة حيث إن دخل القناة فى نهاية المطاف يعتمد على معدلات التجارة العالمية. ثم أتت الرياح بما لا تشتهى السفن حيث دبت أزمة اقتصادية فى الصين تزامنا مع الركود فى أوروبا مما أثر سلبا على معدلات التجارة العالمية وبالتالى إيرادات القناة الدولارية. فعلى الرغم من أن انخفاض سعر صرف الجنيه سيجعل إيرادات القناة بالجنيه تبدو جيدة وتجعل فوائد الشهادات بعيدة عن الخطر لكن بلا شك تحقيق الإيرادات المستهدفة أصبح بعيد المنال.
الثالث: الدعم الخليجى: كان للدعم الخليجى، الذى قارب ٢٠ مليار دولار، بالغ الأثر فى إنقاذ الاقتصاد بعد ٣٠ يونيو. وعلى الرغم من سخائه إلا أنه لم يكن من المنطقى استمراره خاصة بعد أن بدأت أسعار البترول فى الانخفاض، إلا أن التصريحات الرسمية كانت تؤكد على استدامته وما يستتبعه من تدفق الاستثمارات والحفاظ على سعر صرف الجنيه. لكن بنهاية ٢٠١٤، أصبح واضحا أن الدعم يتراجع مما ضغط على الجنيه الذى انخفض بقرابة ١٠٪ فى ٢٠١٥ ومازال تحت ضغط كبير مع تآكل احتياطى النقد الأجنبى.
الرابع: المؤتمر الاقتصادى: تم عقد المؤتمر الاقتصادى فى مطلع ٢٠١٥ لترويج الاستثمار فى مصر. وبالفعل خرج المؤتمر فى صورة مشرفة لكن خرج معه إعلان عن استثمارات بما يزيد على ١٠٠ مليار دولار مما أحدث حالة من البهجة العارمة وأوحى أن الوضع فى خلال عدة أشهر سيتغير تماما مع أنه من المنطقى أن يأخذ عدة سنوات. لكن بعد مرور ٦ أشهر، لم يتم تنفيذ الكثير من المشروعات التى تم الإعلان عنها وبلغ صافى الاستثمار الأجنبى فى العام المالى الماضى قرابة ٦ مليار دولار مقارنة بمستهدف ٨ــ١٠ مليارات دولار.
•••
تلك المواطن توضح سمة سلبية كبيرة وهى الإفراط فى توقعات نتائج الكثير من المبادرات والمشروعات، والتى قد يكون بعضها جيدا بل ومطلوبا أيضا، لكن إطلاق العنان للوعود غير الواقعية هو فى حقيقية الأمر حكم على المبادرة أو المشروع بالفشل قبل بدايته. قد يتصور البعض أن رفع التوقعات يحفز المسئولين على العمل وأنه أفضل من وضع مستهدفات قابلة للتحقيق لكن ذلك فى الحقيقة ليس صحيحا فى إدارة اقتصاد الدول حيث إن وضع مستهدفات غير واقعية وعدم تحقيقها له عدة مخاطر.
الخطر الأول يرتبط بفقدان الثقة دوليا أمام المؤسسات المالية العالمية مما يؤثر على ثقتهم فى حكمة الحكومة والمؤسسات المصرية ويؤخر استثماراتهم ودعمهم للاقتصاد المصرى فى وقت يحتاج فيه الاقتصاد المصرى لذلك بشدة. فكما كان للالتزام بجدول تنفيذ مشروع قناة السويس، رغم التشكيكات فى إمكانية ذلك، أثرا إيجابيا كبيرا، فإنه بلا شك سيكون هناك أثر سلبى نتيجة عدم زيادة الإيرادات كما جاء فى التوقعات الرسمية.
أما الخطر الثانى فيتعلق بانتشار الإحباط محليا نتيجة عدم القدرة على تحقيق التوقعات الطموحة التى كان الكثير منها صعب المنال منذ البداية. الإحباط هو الفجوة بين التوقعات والواقع. فكلما زادت التوقعات بينما كان الواقع مغايرا، فإن ذلك يزيد من الإحباط. وما يزيد من حدة الإحباط هى التغطية الإعلامية الشاملة لكل مشروع أو حدث فى البداية مما يصوره على أنه المنقذ لكن بعد مرور بعض الوقت يعود الناس لمواجهة الحياة وما فيها من مصاعب يومية وارتفاع فى الأسعار، فتتبدد آمالهم ويزيد إحباطهم وهو ما قد يكون له آثارا اجتماعية وسياسية سلبية بمرور الوقت.
بينما الخطر الثالث يكمن فى ظاهرة حرق الوجوه. فمع تولى مسئول جديد، يتناقل الناس خبراته ويأملون فيه الخير، فيتوسع هو فى الوعود، ثم بعد مرور عدة أشهر لا يستطيع تحقيق تلك الوعود التى لم تكن واقعية منذ البداية ويبدأ البعض فى انتقاده بشدة وربما يطالبون برحيله. مصر ولادة بالتأكيد لكن ظاهرة حرق الوجوه ستؤدى بطبيعة الحال لإحجام الكفاءات عن تولى المناصب الحكومية خوفا من المصير المحتوم.
قد يكون من الحكمة إعادة النظر فى ظاهرة رفع سقف التوقعات التى تصاحب إطلاق أغلب المشروعات وتنتهى بعدم القدرة على تحقيق المرجو منها مما يؤدى لفقدان الثقة دوليا وانتشار الإحباط محليا. فمن يتمادى فى إطلاق الوعود غير المنطقية ظنا منه أنه يخدم البلد هو فى الحقيقة أكبر من يضر البلد ويحكم عليها بالفشل.
عمر الشنيطى
17 - أكتوبر - 2015
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق"

No comments:

Post a Comment