Saturday, June 13, 2015

الصفقات الاقتصادية والمكاسب السياسية

الاقتصاد والسياسة وجهان لعملة واحدة. فالشراكة مع الخليج بعد ٣٠ يونيو انعكست على تدفق المساعدات التى منعت انهيار الاقتصاد، فى مثال على المكاسب الاقتصادية للصفقات السياسية. لكن هل ممكن أن نحصل على مكاسب سياسية اعتمادا على اقتصادنا؟ وهل وضع اقتصادنا حاليا يمكن الاعتماد عليه للحصول على أية مكاسب سياسية؟

اعتمدت مصر فى العامين الماضيين على تلقى الدعم الخليجى اعتمادا على وضع مصر الإقليمى والتحالف بين مصر والخليج. فى ظل الوضع الحالى حيث يعانى الاقتصاد على أصعدة مختلفة، من الصعب توقع صفقات كبيرة تخرج من مصر بينما التصور الأكثر واقعية هو تدفق الاستثمارات الأجنبية على مصر فى صورة مباشرة أو بالشراكة مع الحكومة. وقد تم التأكيد على ذلك خلال المؤتمر الاقتصادى حيث تم الإعلان على استثمارات ومذكرات تفاهم بعشرات المليارات من الدولارات.

لكن بشكل مفاجئ، تم الإعلان عن صفقة كبيرة بين الحكومة المصرية وإحدى الشركات الألمانية العملاقة تبلغ قيمتها ٩ مليارات دولار، هى الأكبر فى تاريخ الشركة، حيث أسندت الحكومة هذا العقد بالأمر المباشر لإنشاء محطات لتوليد الكهرباء يتم تسليمها بدءا من ٢٠١٧ وتعمل بالغاز فى الأساس وكذلك بطاقة الرياح بطاقة إجمالية ١٦٫٤ جيجا وات وهو ما يمثل ٥٠٪ زيادة عن الطاقة الحالية لشبكة الكهرباء. للوهلة الأولى قد يتصور السامع أن هذه استثمارات أجنبية جديدة، لكن الحقيقة أنها ليست استثمارات ولكن أمر مباشر للشركة الألمانية لبناء تلك المحطات على نفقة الحكومة المصرية.

ألم يكن من الأفضل أن تكون تلك المحطات فى صورة استثمارات أجنبية، بدلا من إنشائها على نفقة الحكومة؟ بالتأكيد الاستثمارات تعتبر خيارا أفضل، لكن الوضع السياسى المضطرب محليا وإقليميا يعيق تدفق الاستثمارات على المدى القصير؛ ولذلك فعلى الحكومة أن تستثمر بنفسها فى زيادة توليد الكهرباء. وبطبيعة الحال، زيادة طاقة الشبكة خبر جيد للمصريين حيث سيخفض من الانقطاعات المتكررة للكهرباء والتى تؤثر سلبا على الشركات والأفراد. كما أن الزيادة الكبيرة المتوقعة فى طاقة الشبكة من شأنها أن تفتح المجال أمام الاستثمار فى القطاعات الأخرى والتى كانت دائما تعانى من أزمة انقطاع الكهرباء.

لكن فى ذلك عجز الموازنة المتصاعد، كيف ستستطيع الحكومة تمويل هذه الصفقة؟ الشركة الألمانية قامت بتوفير تمويل للصفقة عن طريق قروض من وكالات ائتمان الصادرات الألمانية والدنماركية. وهذا الشكل التمويلى قد يكون الحل الأمثل لتمويل تلك الصفقات. وسيكون على الحكومة الاعتماد على إيرادات بيع الكهرباء لخدمة مستحقات تلك القروض الجديدة. ولذلك فإن الحكومة على الأرجح ستقوم بإلغاء الدعم سريعا حتى تباع الكهرباء محليا بأسعار قريبة من السعر العالمى خاصة للشركات، كما أنها ستسعى لرفع كفاءة تحصيل الفواتير من خلال تطبيق آليات كروت شحن الكهرباء وغيرها فى القريب العاجل.

تبدو تلك الصفقة جيدة، لكن هل كان لزاما أن تتم مع شركة ألمانية؟ ألم يكن هناك بدائل؟ من منظور اقتصادى، فإن الشركات الألمانية تتميز بسمعة جيدة من حيث الجودة، لكن أسعارها عادة ما تكون مرتفعة مقارنة بالشركات الآسيوية. كما أن إسناد الصفقة بالأمر المباشر يعطى مساحة للشركة لتحقيق هامش ربح كبير على الأرجح، بعيدا عن قانونية إسناد العقود بالأمر المباشر. من ناحية أخرى، فإن الاقتراض من مؤسسات مالية أوروبية سيكون بتكلفة مرتفعة نسبيا مقارنة بمؤسسات مالية عالمية وتنموية أخرى.

كما توجد علامات استفهام حول الحاجة لزيادة طاقة شبكة الكهرباء بنسبة ٥٠٪ من خلال تلك الصفقة فقط فى ظل تعاقدات الحكومة مع جهات متعددة لإنشاء محطات أخرى تعمل بالفحم والطاقة الشمسية وغيرها. بالإضافة لذلك، تعانى الحكومة من عدم القدرة على توفير الوقود اللازم لتشغيل المحطات بشكل دائم وهذه المشكلة ستتفاقم مع دخول المحطات المتعاقد عليها للخدمة. على الرغم من تلك التحفظات، فإن الحصول على ذلك التمويل الكبير يعد إنجازا بعد فترة من انقطاع تدفق التمويل الأجنبى وهو ما يشير إلى الرؤية الإيجابية عن تعافى الاقتصاد المصرى حتى لو تم ذلك على فترة ممتدة وقابلته عقبات عديدة.

لكن ألم تكن هناك بدائل أخرى؟ بطبيعة الحال، الشركة الألمانية ليست الوحيدة فى العالم فى ذلك المجال رغم كفاءتها، وهناك شركات عالمية أخرى كبيرة. كما أن بعض الشركات الآسيوية خاصة الصينية قد تكون أنسب فى مثل هذا الصدد حيث إن تكلفتها على الأغلب ستكون أرخص، كما أن وكالات ائتمان الصادرات الآسيوية لديها قدرة عالية على تمويل مثل هذه المشروعات بشروط أفضل وتكلفة أقل، مما قد يجعل التوجه للشرق أفضل اقتصاديا.

إذا لماذا التوجه للشركة الألمانية فى حين يمكن الحصول على التمويل من الصين بشكل أفضل؟ بجانب قضية جودة وكفاءة الشركة الألمانية، فإن حجم الصفقة وإسنادها بالأمر المباشر يشير إلى أبعاد سياسية. لقرابة عامين، والعلاقة بين مصر والاتحاد الأوروبى أقل ما يقال عنها إنها متوترة، ولعل التأهب والتحضيرات لزيارة الرئيس السيسى الاخيرة لألمانيا توضح مدى حساسية الوضع واهتمام مصر بإعادة فتح مجال للعلاقات مع الاتحاد الإوروبى.

وبطبيعة الحال قد لا يكون هناك أفضل من ألمانيا كحليف للقيام بذلك لأهمية الدور الألمانى فى الاتحاد الأوروبى سياسيا واقتصاديا. لا يعنى ذلك أن العلاقات مع ألمانيا أو حتى زيارة الرئيس لم تكن لتحدث بدون هذه الصفقة، لكن بالتأكيد تلك الصفقة الضخمة المسندة بالأمر المباشر أوجدت مصالح مشتركة كبيرة ومهدت الطريق لاستعادة العلاقات، حتى ولو تدريجيا.

الخلاصة أنه كان من المعتاد أن تعتمد مصر على أهميتها السياسية ودورها الإقليمى فى الحصول على مكاسب ومساعدات اقتصادية، لكن الصفقة الأخيرة لتوليد الكهرباء مع الشركة الألمانية تأتى كمثال لصفقة اقتصادية أتاحت مكاسب سياسية كبيرة للحكومة المصرية. وعلى الرغم من التحفظ على الإسناد المباشر للصفقة والقدرة على توفير الوقود اللازم لتشغيل المحطات، إلا أن زيادة طاقة الشبكة وتمويل الصفقة أوروبيا يعكس مكاسب اقتصادية كبيرة والأهم من ذلك أن تلك الصفقة تزيد من المصالح المشتركة وتساهم فى تحريك المياه الراكدة فى نهر العلاقات المصرية الأوروبية.

عمر الشنيطى
13 - يونيه - 2015
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق"

No comments:

Post a Comment